وكالات – كتابات :
انتقد معهد (واشنطن) الأميركي، الدعوات العراقية: لـ”تغيير” النظام السياسي وتعديل الدستور من أجل تحويله إلى نظام رئاسي، متسائلاً عما إذا النظام البرلماني القائم هو بالفعل السبب في فشل استقرار “العراق”.
واعتبر المعهد الأميركي؛ في تقريرًا له؛ أن ما يجري الآن في “العراق”؛ كنظام سياسي، لا علاقة له بالنظام الذي حدده دستور العام 2005، وإنما هو: “نظام ودولة موازية” أنشأته الأحزاب السياسية الطائفية، ليتوافق مع مصالحها.
شماعة النظام البرلماني..
وأشار إلى أنه منذ التصويت على الدستور العراقي عام 2005، سارع الكثيرون لإلقاء اللوم على النظام البرلماني: “غير الفعال”؛ كونه السبب وراء جميع الأزمات التي يمر بها “العراق”، مضيفًا أن هذه الانتقادات برزت مؤخرًا بعدما قام أنصار (التيار الصدري) باقتحام مبنى “مجلس النواب” والاعتصام فيه؛ ومطالبة “مقتدى الصدر”؛ بتغيير الدستور والنظام السياسي.
وتابع التقرير الأميركي أن هذه الدعوة تلتها بيانات ومواقف مماثلة من قوى عديدة؛ منها: (عصائب أهل الحق)؛ بزعامة “قيس الخزعلي”، والتي جددت الحديث عن ضرورة اعتماد النظام الرئاسي، حيث وصفت هذا النظام: بـ”المناسب للعراق”، وقال النائب السابق القيادي في الحركة؛ “نعيم العبودي”، وزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي، في تدوينة له: “إن إصلاح النظام السياسي، صار مطلبًا أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى”.
وأوضح أن دعوة تشكيل نظام رئاسي أو شبه رئاسي في “العراق” ليست فريدة من نوعها، فقد سبق وأطلقها؛ الشيخ “قيس الخزعلي”؛ في العام 2012، وكذلك دعت حركة (امتداد)؛ المنبثقة عن الحراك الشعبي الشبابي في العام 2019، إلى تغيير نظام الحكم في “العراق” من برلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي للخروج من الأزمة السياسية الراهنة التي تعصف بالبلاد.
وقالت حركة (امتداد) في بيان، إن من أهم المباديء التي اعتمدتها الحركة منذ تأسيسها هي: تعديل الدستور، وتغيير شكل النظام إلى رئاسي أو شبه رئاسي، كما ترى الحركة أن تغيير النظام هو أحد أهم أهدافها الرئيسة كحزب ناشيء، مبررة ذلك بأن انتخاب الرئيس من قبل الشعب بشكلٍ مباشر يمكن أن يُنهي نظام المحاصصة الذي صار يُعرقل أي حركة إصلاحية في “العراق”.
مفارقة غريبة..
إلا أن التقرير الأميركي اعتبر أن المفارقة الغريبة في هذا الموضوع؛ هو أن الطرفين المتنازعين في “العراق” يرون أن النظام هو سبب الفشل الحكومي في “العراق”.
وأشار إلى أنه رغم تضمن دستور 2005 القائم؛ العديد من الأبواب، ومنها المباديء الأساسية، وشكل الدولة، والحكومة، والحقوق والحريات العامة، والسياسية، وحرية المجتمع، والحريات الفكرية، والسلطات الثلاث الاتحادية والهيئات المستقلة، وسلطات الأقاليم والمحافظات، فإن هناك شخصيات مثل: “الخزعلي”؛ ترى أن السبب الرئيس وراء فشل الأحزاب السياسة هو النظام وليس أداء الأحزاب، كما أن لدى “الخزعلي” قناعة بحق الشيعة في التفرد بالسلطة؛ وذلك لكونهم المكون الأكبر في البلاد.
وأضاف أنه عند تحليل السياسة في “العراق”؛ في حقبة ما بعد العام 2003، فإنه يجب على المراقبين أن يسألوا أنفسهم: هل حقًا النظام البرلماني هو سبب فشل استقرار “العراق” ؟.
نظام ودولة موازية..
وأضاف التقرير أن المتابع للشأن العراقي والعملية السياسية هناك؛ بعد أحداث العام 2003، وسقوط النظام السابق سيُدرك أن ما يتم التعامل به كنظام سياسي في “العراق” ليس ذاك النظام الذي حدد دستور “العراق” لسنة 2005، لأن الموجود اليوم هو نظام ودولة موازية، حيث عملت الأحزاب السياسية الطائفية على إنتاج نظام يتوافق مع مصالحهم بعيدًا عن مصالح الشعب، وهو ما جعل من الدستور العراقي شيئًا هامشيًا ومجموعة من إجراءات شكلية وليس أكثر.
وبالإضافة إلى ذلك، ذكر التقرير أن العادات السياسية و”التقاليد” التي أرستها القوى السياسية المختلفة في “العراق”، تتخطى تلك الإجراءات الدستورية بغية الإبقاء على النخبة في السلطة.
وأشار إلى أنه منذ تأسيس الدستور والتصويت عليه، فضلت القوى السياسية أن تسلك مسارات أخرى بعيدة عما حدده الدستور، بل تمسكت بقوانين الأنظمة الاستبدادية السابقة.
النظام الموازي الفعلي..
وذكر معهد (واشنطن) أن تدهور البنية الدستورية في “العراق” وتهميش الأحزاب السياسية للقوانين الرئيسة، أصبح أمرًا مثيرًا للقلق بشكلٍ خاص، خاصة بعد أن عملت بعض الأحزاب السياسية على تهميش الدستور والقوانين المكملة له؛ مثل “قانون النفط والغاز”؛ (المادة 110)، و”قانون إدارة المنافذ الحدودية” والعشرات من المواد الأخرى من أجل ضمان مصالحهم ومكانتهم في السلطة.
فوضى إدارية..
واعتبر التقرير أن ذلك أدى إلى خلق فوضى إدارية في البلاد وخلق أزمات وخلافات طويلة الأمد بين الحكومة الاتحادية و”إقليم كُردستان” حول كيفية الإدارة ووارداتها.
ولفت التقرير إلى فشل الأحزاب السياسية العراقية في الإلتزام بالشروط الدستورية المهمة؛ مثل المادة (38) من الدستور؛ التي أكدت على الحريات الأساسية مثل حرية التعبير وحرية التجمع السلمي والتظاهر السلمي.
وتابع أن الأحزاب السياسية القائمة فضلت الإرث الديكتاتوري على الدستور الجديد؛ ولم تعمل على تشريع قوانين تتعلق بتلك الحقوق، بل تمسكت عوضًا عن ذلك، بالقوانين الدكتاتورية؛ مثل المادة (228) من “قانون العقوبات” العراقي لسنة 1969، والتي من شأنها تكميم الأفواه وتقويض حرية التعبير.
دولة مشوهة !
عملت الأحزاب السياسة أيضًا على إنتاج دولة فيدرالية “مشوهة” عبر بوابة القضاء، فعوضًا عن العمل كوسيط غير منحاز بين الأحزاب والكيانات الفيدرالية، أصبح نظام المحاكم الفيدرالية مجرد امتداد لمصالح الأحزاب ولديناميات طائفية مفسدة.
ورأى التقرير أنه بعد أن تم التلاعب بالدستور من قبل الأحزاب السياسية، صارت السلطة القضائية تُفسر مواد الدستور وفقًا لمصالحها.
وأورد التقرير أمثلة على ذلك؛ كتفسير القضاء للمادة (73) والمتعلقة بمفهوم: “الكتلة الأكبر”، حيث سبق لهذا المفهوم أن أثار خلافًا كبيرًا في الانتخابات البرلمانية؛ في العام 2010، بين الكتلة الفائزة الأولى، كتلة العراقية التابعة لـ”إياد علاوي”؛ (91 مقعدًا)، والكتلة الفائزة الثانية، كتلة (دولة القانون)؛ لـ”نوري المالكي” (89 مقعدًا)، فرغم حصول “علاوي” على المقاعد الأكثر؛ إلا أن “المحكمة الاتحادية”، وبضغط من “المالكي”، فسرت الكتلة الأكبر على أنها الكتلة التي تتشكل داخل البرلمان، وشكّل “المالكي” الحكومة حينها، وفاز بولاية ثانية، وهو ما أدى إلى تغيير المسار الديمقراطي في البلاد والإضرار به.
تفكيك النظام الموازي..
وختم التقرير بالقول أنه برغم أن الدستور لم يتم منحه فرصة حقيقية للتطبيق على أرض الواقع، إلا أنه ما يزال أمام الحكومة فرصة لتحقق نجاحًا أكبر في هذا الشأن من خلال التطبيق الدقيق للدستور والإلتزام الصادق بأحكامه، والعمل على إلغاء التعديلات الجذرية التي حدثت في النظام السياسي.
وتابع قائلاً أنه برغم أن مطلب تشكيل نظام رئاسي قد يكون مطلبًا واقعيًا؛ وذلك في ضوء السياق العراقي الحالي، إلا أنه من المهم أن نفهم أن دستور عام 2005؛ لم يتم تجريبه بعد، وبالتأكيد لا يوجد مبرر للسياسيين والناشطين للدعوة لإلغائه.
وخلص التقرير إلى القول أن النظام القائم حاليًا هو: “نظام ودولة موازية، أحدهما أنتجته الأحزاب وقامت بالتلاعب به على مر السنين بعيدًا عن القانون ووفقًا لمصالحها”.
وأضاف أنه فيما تلقي الأحزاب اللوم على الهيكل الحكومي، فإن السلطات لم تحرك ساكنًا، وإنما سعت وراء مكاسب حزبية وشخصية على حساب كرامة وطنهم ومواطنيهم.
ودعا التقرير جميع الجهات المختصة مثل “المحكمة الاتحادية العليا” والبرلمان، من أجل العمل على تفكيك النظام الموازي مع الحفاظ على الدستور العراقي نفسه وإبعاده عن الأهواء والمصالح الضيقة لسياسات الأحزاب الطائفية.