16 يناير، 2025 10:50 ص

يؤكد على اشتعاله .. مركز بحثي إسرائيلي يحاول رصد الصراع بين المحافظين والإصلاحيين بعد رحيل “خامنئي” !

يؤكد على اشتعاله .. مركز بحثي إسرائيلي يحاول رصد الصراع بين المحافظين والإصلاحيين بعد رحيل “خامنئي” !

خاص : ترجمة – سعد عبد العزيز :

في ظل التحديات الداخلية والإقليمية والدولية التي تواجه إيران؛ يراجع الإصلاحيون والمحافظون أجنداتهم السياسية من أجل تلافي السلبيات والحصول على أكبر قدر من التأييد الشعبي. وفي هذا السياق نشر “مركز دراسات الأمن القومي” في إسرائيل، مقالاً لخبير الشؤون الإيرانية “راز تسيمت”؛ تناول فيها التطورات السياسية الداخلية في إيران بعد قرابة خمسة أشهر من انتخاب الرئيس الإصلاحي “حسن روحاني”.

الفجوة تتزايد بين اليمين المحافظ والشعب الإيراني..

يقول “تسيمت”، بعد الفوز الكاسح الذي حققه “حسن روحاني” والانجازات الكبيرة التي حققها المرشحون الإصلاحيون في انتخابات المجالس المحلية التي جرت بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تتعالى الأصوات داخل معسكر المحافظين لمراجعة المواقف ونقد الذات بعد سلسلة الهزائم التي لحقت بهم خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد فوز الرئيس “روحاني” في انتخابات عامي 2013 و2017، والإنجاز الكبير للإصلاحيين في الانتخابات البرلمانية لعام 2016.

ويركز الحوار الدائر داخل المعسكر المحافظ، طيلة الأشهر القليلة الماضية, على الفجوة المتزايدة بين اليمين المحافظ والشعب الإيراني، ولاسيما جيل الشباب، الذي بدأ يتخلى عن القيم الدينية والثورية، ولم يعد يثق في أن المحافظين يمتلكون القدرة على تقديم الحلول لمشاكل الشباب وتطلعاته. حيث أشار أحد أبرز النقاد بين المحافظين، وهو الخبير الاستراتيجي والمعلق السياسي الكبير، البروفسور “أمير محبيان”، إلى ضرورة أن يواكب اليمين المحافظ التغيرات الاجتماعية التي حدثت خلال العقود الأخيرة في إيران، دون المساس بقيمه الدينية.

المحافظون يتخلون عن المبادئ من أجل السلطة..

يرى الكاتب الإسرائيلي أنه في أعقاب الفوز المفاجيء للزعيم الإصلاحي “محمد خاتمي”، في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 1997، تبنى المحافظون نهجاً شعبوياً واستبعدوا من كان معهم من رجال دين وسياسيين من المحافظين التقليديين، بما في ذلك الرئيس السابق “هاشمي رفسنجاني”، والرئيس الحالي “روحاني” ورئيس البرلمان “علي لاريجاني”، الذين كانوا من أركان ذلك المعسكر.

حيث أصبح الوصول إلى السلطة هو الهدف الأول للمحافظين, حتى لو كان الثمن هو التخلي عن القيم وضياع الهوية. ولقد فضل المحافظون اتباع نهج الإصلاحيين بدلاً من الثبات على نهجهم المُحافظ ومحاولة الحصول على تأييد الجماهير، بما فيهم الشباب والطبقة الوسطى. والدليل على ذلك هو تجنيد مغني الراب الشهير “أمير تتلو” من قبل المُرشح المحافظ في الانتخابات الرئاسية، “إبراهيم رئيسي”، لتجميل صورته داخل أوساط الشباب. ولم تفشل تلك الخطوة فحسب في مساعدة رجل الدين المحافظ، بل إنها جعلته مثاراً للسخرية. فيما انتقدت الصحافة المحافظة ما أسمتها “ظاهرة تتلو”، مؤكدة على أنها تعكس أزمة الهوية والنهج الشعبوي لدى المحافظين.

لذا فإن البروفسور “أمير محبيان” دعا المحافظين إلى أن يظلوا أوفياء لمبادئهم؛ لكن مع صياغة استراتيجية جديدة وتقديم حلول عملية لمطالب الجماهير فيما يتعلق بالاقتصاد والحريات الشخصية. وأوصى “محبيان” بإجراء تغييرات جذرية لإصلاح المعسكر المحافظ وعقد مؤتمر وطني لتعزيز العلاقة مع الجماهير العريضة.

الأداء السيئ سبب سقوط التيار المُحافظ..

يضيف الكاتب الإسرائيلي أن هناك من انضم إلى المنادين بإصلاح المعسكر المحافظ، مثل عمدة طهران السابق “محمد بكر قاليباف”، الذى انسحب من سباق الرئاسة قبيل إجراء الانتخابات.

ففي أعقاب نتائج انتخابات المجالس المحلية التي أظهرت الفوز الكاسح للإصلاحيين في بلدية طهران، اضطر “قاليباف” إلى الاستقالة من منصب عمدة المدينة. وفي أواخر تموز/يوليو وجه “قاليباف” رسالة مفتوحة إلى “الشباب الثوريين” في إيران، دعاهم فيها إلى النقد الذاتي وإجراء إصلاحات داخل المعسكر المحافظ. وأكد على أن هزيمة المحافظين في الانتخابات ترجع إلى المشاكل الهيكلية والأداء السيئ، وهو ما يتطلب تغييراً جوهرياً وتشكيل تيار من “المحافظين الجدد” بقيادة الشباب.

وعلى الرغم من أن الرسالة التي وجهها “قاليباف” أثارت انتقادات من خصومه السياسيين، الذين زعموا أن كل ما يقصده هو الحفاظ على مكانته السياسية بعد هزيمته، إلا أنه أيضاً نال تأييد الكثير من المحافظين الذين دعوا للأخذ بتوصياته حتى يتمكن المحافظون من استعادة ثقة الجماهير.

التيار الإصلاحي ليس أفضل حالاً..

يتابع “تسيمت” تحليله بالإشارة إلى أنه: “تتعالى الأصوات أيضاً داخل المعسكر الإصلاحي لإعادة تحديد الأهداف وصياغة الاستراتيجية. وفي حين أن الهزيمة في الانتخابات كانت هي الدافع للمحافظين لمحاسبة أنفسهم، فإن إحباط الإصلاحيين من أداء الرئيس “روحاني”، بعد الانتخابات واعترافهم بالفشل في استغلال إنجازاتهم السياسية لتعزيز أفكارهم، وخاصة فيما يتعلق بتمكين حريات المواطن، هو ما دعاهم إلى التغيير. فلقد اتضح أثناء تشكيل الحكومة الجديدة أن “روحاني” حرص على تجنب المواجهة مع المؤسسة الدينية المحافظة، وفضل أن يتجاهل معظم مطالب الإصلاحيين، وامتنع عن تعيين مرشحين إصلاحيين على رأس الوزارات الحساسة ولم يضم لحكومته نساء أو منتمين للأقليات. وهذا ما أثار التساؤل مرة أخرى حول الجدوى من استمرار دعم الإصلاحيين للرئيس.

الإصلاحيون مُجبرون على دعم “روحاني”..

بحسب الكاتب الإسرائيلي، فقد علق “محمد رضا عارف”، رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاحيين في البرلمان الإيراني, عشية تشكيل الحكومة، قائلاً: “إن هناك من ينسون – بعد الفوز في الانتخابات – أولئك الذين عملوا من أجلهم، علماً بأن روحاني مدين بفوزه للإصلاحيين”.

ورغم الإحباط الذي أصاب الإصلاحيين بسبب تشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن معظمهم يرون أنه لا بدليل أمامهم سوى الاستمرار في دعم الرئيس “روحاني”، حتى لا تقوى شوكة المتشددين. ولقد أبدى المحلل السياسي الكبير البروفيسور “صادق ذيباكلام”؛ هذا الموقف عندما قال إنه على الرغم من أن الرئيس “روحاني” أقرب في مواقفه إلى المحافظين عنه إلى الإصلاحيين، إلا أنه ينبغي مواصلة دعمه والاكتفاء بنقد سياسته لأن مسؤولية فشله ستقع أيضاً على كاهل الإصلاحيين.

الإصلاحيون سيخوضوا الانتخابات المقبلة بشكل مستقل..

إلى جانب الانتقادات المتزايدة للرئيس “روحاني”، دعا المعسكر الإصلاحي إلى إعادة النظر في الرؤية الاستراتيجية قبيل الانتخابات المقبلة للبرلمان (2019) وللرئاسة (2021). وقد شكك العديد من كبار السياسيين الإصلاحيين في جدوى استمرار التعاون مع المحافظين المعتدلين، قائلين إن تحالفهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة أدى إلى انتخاب مرشحين من ذوي الآراء المحافظة بعدما حصلوا على دعم الإصلاحيين ثم هربوا من صفوفهم بعد الانتخابات. وفي الآونة الأخيرة، أعلن رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاحيين، “عارف”، أن الإصلاحيين سيخوضوا الانتخابات المقبلة بشكل مستقل، ولن يوافقوا على تشكيل ائتلاف مع السياسيين المحافظين.

يُذكر أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي يُعيد فيها الإصلاحيون والساسيون النظر في مواقفهما. فبعد الانتصارات التي حققها الإصلاحيون في أواخر التسعينيات، بدأ يظهر في إيران تيار من المحافظين الجدد, بعدما اقتحم غمار العمل السياسي في إيران شباب ينتمون للجيل الثاني من الثورة، ممن عاشوا فترة الحرب الإيرانية – العراقية، فسعوا جاهدين لإحياء قيم الثورة الإسلامية، لكنهم أكدوا أيضاً على ضرورة تحقيق التنمية الاقتصادية والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية. ولقد أراد هؤلاء المحافظون الجدد، الذين كان من أبرزهم “أحمدي نجاد”، تقديم أنفسهم كبديل حقيقي للجيل القديم – الذي أصبح على الأقل في نظر الشباب غير ملائم للمرحلة – وكذلك للإصلاحيين الذين بدوا – وهم يسعون لإجراء الإصلاح السياسي وتعزيز حقوق المواطن – وكأنهم يشكلون تهديداً لمبادئ الثورة.

وعلى الجانب الآخر، فإن القمع السياسي وعودة هيمنة المحافظين على المؤسسات السياسية جعلت الإصلاحيين في العقد الماضي يراجعون أنفسهم أيضاً فأصبحوا مستعدين لقبول قواعد لعبة النظام والتعاون مع أطراف من المحافظين المعتدلين؛ فضلاً عن السعي لتحسين الوضع الاقتصادي، وإجراء مزيد من الانفتاح على الغرب والحد تدريجياً من تدخل الحكومة في شؤون حياة المواطنين.

نقاط الضعف لدى السياسيين في إيران..

يوضح الكاتب الإسرائيلي أن أنماط التفكير الداخلي لدى المحافظين والإصلاحيين تنم عن إدراكهم لنقاط الضعف الأساسية لديهم. حيث يدرك المحافظون مدى شعور الجماهير بالجفاء تجاه المؤسسة الدينية المحافظة، في حين يدرك الإصلاحيون مدى فشلهم في إحراز إصلاحات مدنية – حتى وإن كانت محدودة – على الرغم من إنجازاتهم الانتخابية. غير أن قدرة المعسكرين الإصلاحي والمحافظ على إحداث تغييرات جوهرية, تُعتبر محل شك كبير. لأن نجاح المحافظين في الحصول على الدعم الشعبي، وخاصة من جانب الشباب، يتطلب منهم التراجع عن النموذج الإسلامي الثوري، وهو ما يتناقض مع موقف المرشد الأعلى “علي خامنئي”.

ومن ناحية أخرى، يتمتع الإصلاحيون بتأييد شعبي أوسع، ولكن تجارب الماضي تُثبت أن المحافظين عازمون على شل قوتهم إما عن طريق الوسائل القانونية، خاصة عن طريق استبعاد المرشحين الإصلاحيين من الانتخابات، أو عن طريق القمع السياسي.

ومع ذلك، فإن الجدل الدائر داخل المعسكرين السياسيين ليس عديم الأهمية: “أولاً، لأنه يعكس اعترافاً متزايداً بضرورة مواءمة الأيديولوجية السياسية والاستراتيجية للظروف الحالية والواقع المتغير.. وثانياً، لأنه يشير إلى توجهات الصراع المُنتظر حول هوية الجمهورية الإسلامية بعد رحيل خامنئي”.

في الختام يتوصل “تسيمت” إلى نتيجة مفادها؛ أن الشهور الماضية التي تلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي جرت في أيار/مايو 2017، وانتهت بفوز الرئيس “حسن روحاني”, تشهد جدلاً كبيراً داخل أهم معسكرين سياسيين في إيران؛ وهما المحافظ والإصلاحي حول ضرورة الإصلاح وإعادة بلورة الأجندة السياسية لتلافي السلبيات واستكمال الطريق.

ويعكس الجدل الدائر ما يعتري المعسكرين من ضعف وعجز يعوق إحداث تحول جوهري, طالما أن الزعيم الروحي الحالي “خامنئي” لازال يتولى زمام السلطة. ومع ذلك فإن الجدل السياسي الحالي تكمن أهميته في أنه  يُظهر توجهات الصراع المُنتظر حول هوية ومستقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة