وكالات – كتابات :
تُواجِه “الولايات المتحدة” مشكلة في إدارة سفاراتها في القارة الإفريقية، في ظل العديد من التحديات التي يمكن أن تؤثر على نفوذ “واشنطن” في القارة؛ في مواجهة الخصوم الرئيسيين.
وفي ضوء هذا نشر موقع مجلة (فورين بوليسي) مقالاً للكاتبَين: “روبي غرامر”؛ مراسل الشؤون الدبلوماسية والأمن القومي في المجلة، و”إيمي ماكينون”، مراسلة الأمن القومي والاستخبارات في المجلة ذاتها، بعنوان: “سفارات الولايات المتحدة في إفريقيا تُعاني من نقصٍ حاد في الموظفين”. ويمكن استعراض أبرز ما جاء فيه على النحو الآتي:
01 – مؤشرات نقص الكوادر البشرية في السفارات الأميركية: بحسب المقال؛ فإن هناك العديد من المؤشرات التي توضح نقص الكوادر البشرية؛ وذلك على النحو الآتي:
أ – أزمة موارد بشرية في السفارات الأميركية: قال السيناتور؛ “جيم ريش”، كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بـ”مجلس الشيوخ”؛ لمجلة (فورين بوليسي)، إن في الموارد البشرية بالسفارات الأميركية؛ في “إفريقيا”، نقصًا يعكس كون “إفريقيا” ليست أولوية ذات أهمية عالمية، حسب وصفه.
ب – إجهاد الدبلوماسيين وتكدُّس المهام: بالنسبة إلى “وزارة الخارجية”، أدى النقص في الموظفين إلى إجهاد الدبلوماسيين الذين يُعانون بالفعل من إرهاق العمل؛ ما يعكس مشكلة أكبر في الموظفين؛ حيث تُكافح الوزارة للتغلب على تداعيات تجميد التوظيف في عهد “ترامب”.
وقد ذكر مسؤول رفيع المستوى في “وزارة الخارجية” الأميركية؛ أنه لا يوجد عدد كافٍ من الأشخاص للقيام بجميع المهام التي تحتاجها “واشنطن”.
ج – تعطُّل مهام السياسة الخارجية الأميركية: وفق تصريحات العديد من المسؤولين الأميركيين، فإن العديد من السفارات الأميركية؛ ذات الأهمية الحاسمة في شرق “إفريقيا”، تواجه فجوات كبيرة في المؤسسات، وعلى الأخص في: “السودان”؛ حيث ركَّزت الجهود الأميركية والدولية على مساعدة البلاد في الانتقال إلى الديمقراطية عقب الانقلاب العسكري؛ العام الماضي.
د – وجود مناصب فارغة في بعض السفارات: بحسب المقال؛ كانت المشكلة أكثر حدةً في منطقة “الساحل الإفريقي”؛ حيث تُكافح “الولايات المتحدة” وحلفاؤها لقمع المد المتصاعد للإرهاب والتطرُّف العنيف الذي تزايد رغم استثمار مليارات الدولارات الغربية في التعاون الأمني ومساعدات التنمية؛ (بحسب مزاعم التقرير الأميركي).
وفي الأشهر الأخيرة، كان أكثر من نصف مناصب السفارة الأميركية في “النيجر” شاغرًا، بما في ذلك: 44% من المناصب الدبلوماسية الأميركية؛ وذلك وفقًا لبيانات “وزارة الخارجية” الأميركية.
وفي الفترة الزمنية ذاتها، كان ما يقرب من ثُلث مناصب السفارة في “بوركينا فاسو” فارغًا، بما في ذلك نصف المناصب الدبلوماسية الأميركية.
وفي “مالي”؛ كان لدى السفارة ما يقرب من: 20% من الوظائف الشاغرة. ووفقًا للمقال، حذر المسؤولون من أن هذه الإجراءات لا تُقدم سوى لمحة سريعة عن القضية، وأن أرقام الموظفين تتغير باستمرار، لا سيما مع انتقال الدبلوماسيين إلى مناصب جديدة خلال ما يُسمى: “موسم الانتقالات الصيفية” في “وزارة الخارجية”.
02 – تداعيات نقص العنصر البشري في السفارات الأميركية: استعرض المقال التداعيات السلبية المرتبطة بنقص الموارد البشرية في السفارة الأميركية؛ وذلك على النحو الآتي:
أ – عدم القدرة على الموازنة بين برامج الأمن وأهداف التنمية: يرى المقال أن النقص المزمن في موارد السفارات الأميركية المهمة في جميع أنحاء القارة، يعكس تحديًا أوسع لسياسة “الولايات المتحدة” تجاه “إفريقيا” على مدى العقود العديدة الماضية، وهو التحدي الذي يُعطي الأولوية للتعاون العسكري والأمني مع إعطاء الدبلوماسية والتنمية اهتمامًا قصيرًا.
فقد قال السيناتور؛ “بوب مينينديز”، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في “مجلس الشيوخ” الأميركي، إن: “حكومة الولايات المتحدة استثمرت المليارات في قطاع الأمن في بلدان إفريقيا على مر السنين، لكننا مقصرون فيما يتعلق بمعالجة نقص الموارد والوجود الدبلوماسي”، وأضاف: “هذا ما يعوق قدرتنا على الموازنة بين برامج الأمن والبرامج التي تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للتطرف وانعدام الأمن بوجه عام”.
ب – تقويض جهود “واشنطن” في منافسة “روسيا” و”الصين”: يُحذِّر المشرعون من أن النقص يُهدد بتقويض جهود “الولايات المتحدة” للتنافس مع منافسَيها الجيوسياسيَّين؛ (الصين وروسيا)؛ حيث يعمل الإثنان على توسيع نفوذهما في جميع أنحاء القارة؛ فقد أعلن وزير الخارجية الروسي؛ “سيرغي لافروف”، هذا الأسبوع، زيارة: “مصر وأوغندا وإثيوبيا”؛ ثم “جمهورية الكونغو”، في وقت لاحق من هذا الشهر، وجميع البلدان التي عمَّقت العلاقات مع “موسكو” في السنوات الأخيرة.
وفي مقابلة مع مجلة (فورين بوليسي)، أقرَّت مساعِدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية؛ “مولي فيي”، بمشاكل الموظفين في السفارات الأميركية، وقالت إن كبار قادة “وزارة الخارجية” يعملون بجد لملء الفجوات، على الرغم من المشكلات الهيكلية الصعبة داخل البيروقراطية.
وعن التنافس مع الخصوم الجيوسياسيين في “إفريقيا”، قالت “فيي”: “سنكون أكثر تأثيرًا، وأكثر فاعلية إذا كان لدينا المزيد من الموارد الثابتة”، وأكدت ثقتها بأن نموذج “الولايات المتحدة” والشراكة الأميركية أكثر جاذبيةً للدول الإفريقية في النهاية.
ج – عرقلة عمل بعض الوكالات الدولية والإنسانية: يُشير المقال إلى ظهور مشكلة مماثلة في “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية”؛ (USAID)، التي تقوم بعثاتها في “إفريقيا” بتخصيص مليارات الدولارات؛ إذ تواجه المساعدات الأميركية والإنسانية نقصًا حادًا في الموظفين.
وتناول مسؤول رفيع المستوى في “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” هذه المسألة في جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بـ”مجلس الشيوخ”؛ هذا الشهر، أثناء استجواب “مينينديز” والسيناتور الجمهوري؛ “مايك راوند”؛ إذ قال “روبرت غينكينز”؛ المسؤول الكبير في “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” أثناء الجلسة: “ليس هناك عدد كافٍ من الموظفين المؤهلين”، وأضاف: “نبذل قُصارى جهدنا لتوظيف المزيد من موظفي الخدمة الخارجية بعد ما كان تجميد التوظيف في الإدارة السابقة، الذي أثر على الإنتاجية بأكملها، على مختلف المستويات”.
03 – أسباب نقص العنصر البشري في السفارات الأميركية: لفت المقال إلى بعض الأسباب التي أدت إلى نقص العنصر البشري في السفارات الأميركية؛ وذلك على النحو الآتي:
أ – مشكلات تتعلَّق بالرواتب ومستويات المعيشة..
ضعف هياكل الحوافز الدبلوماسية: قال دبلوماسيون حاليون وسابقون إن جزءًا من المشكلة يتمثل في هياكل الحوافز الموجودة للذهاب إلى السفارات في البلدان الفقيرة؛ التي لديها تهديدات أمنية كبيرة أو بنية تحتية محدودة.
عدم مرافقة العائلة للدبلوماسيين: وفقًا للمقال، فإنه في بعض الأحيان لا يُسمح للعائلات والأزواج بمرافقة الدبلوماسيين لأسباب أمنية.
صعوبة التعايش في البلدان الفقيرة: قد يكون لدى البلدان الإفريقية الفقيرة؛ خيارات محدودة للأزواج للعمل أو خيارات قليلة للمدارس الجيدة لأطفال الدبلوماسيين.
وجود أشخاص غير مؤهلين للوظيفة: تظل العديد من الوظائف شاغرة، في حين أن بعضها يشغلها أشخاص لا يمتلكون المعرفة أو الخبرة المطلوبة للتنقُّل في البيئة المحلية، كما قال “جوزيف سيغل”؛ مدير الأبحاث في “مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية”.
ب – مشكلات على مستوى القمة:
تسييس عملية تعيين السفراء الأميركيين: يُشير المقال إلى أن المشاكل على مستوى الرتب والمرتبات تتخللها فجوات في القمة كذلك؛ إذ يتطلب سفراء “الولايات المتحدة” ومسؤولو “وزارة الخارجية”؛ ذوو المستوى الرفيع، ترشيحًا رئاسيًا وموافقة “مجلس الشيوخ”، لكن هذه العملية أصبحت عالقة ومسيسة على نحو متزايد.
على سبيل المثال، كان الرئيس؛ “جو بايدن”، بطيئًا في الإعلان عن بعض المرشحين لمنصب السفير خلال سنته الأولى في منصبه. وفي (الكابيتول هيل)، يمكن للمرشح أن ينتظر شهورًا، أو حتى سنوات، للتصويت لتأكيد تعيينهم؛ لعدة أسباب، مثل الرقابة المتزايدة من قبل المشرعين، أو تعليقهم من قبل عضو في “مجلس الشيوخ” لممارسة الضغط على الإدارة، أو مجرد تهميشهم في جدول زمني متكدس في “مجلس الشيوخ”.
عدم وضوح إستراتيجية “واشنطن” في “إفريقيا”: بعد مرور ثمانية عشر شهرًا على رئاسة “بايدن”، لم يُصدر “مجلس الأمن القومي” بعدُ إستراتيجيته الخاصة بـ”إفريقيا”، ولم يُجْرِ الرئيس أو نائبه زيارة إلى القارة.
وأعلن “بايدن”؛ الأربعاء، عن خططه لاستضافة قادة من جميع أنحاء القارة لحضور قمة قادة “الولايات المتحدة” و”إفريقيا”؛ المقرر عقدها في “واشنطن”، في كانون أول/ديسمبر المقبل.
في هذا السياق؛ قالت “إليزابيث شاكلفورد”؛ الزميلة البارزة في “مجلس شيكاغو للشؤون العالمية”، والدبلوماسية الأميركية السابقة؛ إن قضية نقص الموظفين في السفارات الأميركية في “إفريقيا” تسبق إدارتي “ترامب” و”بايدن”، وأشارت إلى أنه: “لا يمكن تنفيذ سياسة أميركية جيدة في إفريقيا؛ لأن واشنطن لا تمتلك الموارد العالية المستوى أو الأشخاص الذين تحتاجهم لذلك”.
04 – مقترحات لحل أزمة نقص الكوادر الدبلوماسية الأميركية: استعرض المقال بعض المقترحات لمواجهة “واشنطن” هذه الأزمة؛ وذلك كالآتي:
أ – الاستعانة بتجارب ناجحة لتحفيز الدبلوماسيين: يُشير المقال إلى أنه سبق أن تغلبت “وزارة الخارجية” على هذا النوع من القضايا مع سفاراتها في “العراق” و”أفغانستان”، من خلال تقديم رواتب أعلى، وتعيينات أقصر، ومسارات سريعة للترقيات، والمزيد من المناصب العليا بعد ذلك لتحفيز دبلوماسييها على “العطاء”.
ب – توفير حوافز توظيف جديدة لشاغلي المناصب: يقول كبار المسؤولين في “وزارة الخارجية” إنهم يعملون على سد الفجوات في السفارات الأميركية في “إفريقيا”؛ من خلال حوافز توظيف جديدة وإصلاحات للطريقة التي يتقدم بها الدبلوماسيون لشغل مناصب في السفارات بجميع أنحاء القارة.
ختامًا، يُشير المقال إلى أنه منذ نهاية “الحرب الباردة”، عندما نافست “واشنطن”؛ “الاتحاد السوفياتي”، على التأثير في “إفريقيا”، سعت السياسة الأميركية إلى تعزيز الحكم الرشيد والسلام والأمن والتجارة والاستثمار، لكن القارة لم تحتل مكانة عالية على الإطلاق في قائمة أولويات “واشنطن”.
فيما حققت “روسيا” نجاحات كبيرة في “إفريقيا”؛ في السنوات الأخيرة؛ حيث أرسلت مجموعات مرتزقة ونشطاء سياسيين متحالفين على نحو وثيق مع (الكرملين) لدعم القادة المحاصرين وتأمين الوصول إلى إمتيازات التعدين المربحة؛ (على حد مزاعم التقرير الأميركي).
ومع عودة التنافس بين القوى العظمى إلى “إفريقيا”، مع قيام “الصين” أيضًا بتوسيع نطاق وجودها، يقول الخبراء إن “الولايات المتحدة” قد تراجعت، وتُكافح من أجل التعبير عن حجة إيجابية لتعميق الروابط.