خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
عاشت “إيران” على مدى الأيام العشرة الماضية؛ أيام ملتهبة نابعة عن الغضب والتحريض كرد فعل على حادث مرير، وقد تباينت أصداء التضامن والمعارضة العامة في المحيط الخارجي، وأثارت طيف واسع من ردود الفعل المختلفة، تلك الموجة التي اشتمل أحد طرفيها على أسئلة ومطالب، بينما شوهد في طرفها الآخر حشد بالشوارع وإثارة الاضطرابات؛ بحسب “محمد سلحشور”، في مقاله التحليلي المنشور في صحيفة (وطن آمروز) الإيرانية.
مع كل هذا؛ يُثور بشكلٍ كبير في الأوساط السياسية والإعلامية سؤال عن طبيعة الأشخاص المؤثرين في المجتمع الإيراني بالنظر إلى حوادث الأسبوع الأخير.
وينطوي هذا السؤال على أهمية بالغة من عدة أوجه كالتالي:
01 – التحليل الصحيح لأحداث الأسابيع الأخيرة يتطلب إحاطة دقيقة بالأجواء أو بعبارة أخرى فهم مصدر طبيعة وعى الشعب تجاه حادث وفاة المرحومة؛ “مهسا أميني”، وكيف كانت رواية هذا المصدر للحادث، وكلها شروط أساسية في فهم ردود أفعال التيارات والطبقات المختلفة إزاء هذا الحادث.
02 – فهم ماهية الجماعات المرجعية التي تبلورت في المجتمع، وما هي اللغة والمنطق التي يعتمدونها في روايتهم، ومن ثم استكمال تصوراتنا عن رد الفعل الخارجي.
بلا مرجعية.. ومرجع سيء..
للوهلة الأولى؛ يبدو أن ما حدث خلال الأسابيع الأخيرة، وضع المجتمع في مكانة بلا مرجعية، وبالتالي فلا مفرص من السقوط في مستنقع المرجعية السيئة.
بعبارة أبسط؛ فقد خسر المجتمع الإيراني خلال السنوات الماضية، العديد من المراجع التقليدية لأسباب عديدة؛ والمرجعية السياسية والاجتماعية الموجود حاليًا التي تقوم بالتحليل للشعب وتقديم تصور نموذج للأوضاع، هي مرجعية تضطلع بدور الوسيط في النزعات السياسية والاجتماعية.
ومما لا شك فيه أن مثل هذه المراجع لا تكون مصلحة بالضرورة، وإنما تؤسس في الكثير من الحالات للصراعات السياسية والاجتماعية.
على كل حال قدرة هؤلاء على الحشد تسبب في حالة من الثبات النسبي في المجتمع. مع هذا فإن تجربة المجتمع الإيراني خلال السنوات الأخيرة؛ وبالتوازي مع وجود رغبة خارجية لتشويه سمعة المراجع السياسية، ساهم في وصول المجتمع إلى نقطة ضعف الشخصيات والتيارات المؤثرة بالمجتمع.
في ظل هذه الأجواء وبالتوازي مع انعدام المرجعية ومعاناة المجتمع من اتساع دائرة نفوذ الشبكات الاجتماعية والسيطرة على الحوزات العامة، برزت الشخصيات الشهيرة فجأة في قامة المراجع الاجتماعية والسياسية الجديدة، بحيث يواجه المجتمع بخلاف انعدام المرجعية، أزمة المرجع السيء وهي مراجع اكتسب الشهرة بالتدخل في الحوزات غير المتخصصة، وتحولت في هذا المسار إلى قوى مُحِدِدة في بلورة الفهم المجتمعي العام.
وبلا شك فإن جزء من المراجع السياسية الكلاسيكية التي واجهت الأفول تدعم بشكلٍ متعمد هذا المسار.
وبحسب مقولة “سعيد حجاريان” الشهيرة؛ بخصوص ضرورة أن يجري الحديث عن الإصلاحات على لسان المشاهير، فقد أفرزت التجارب المتكررة مثل انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2017م، عن جيل جديد من المراجع الاجتماعية.
ورغم أن هذا المقال لا يُقلل من خطورة المرجعة السيئة، ومرجعية المشاهير، لكن يمكننا اعتبارها نموذج كامل على المرجعية التي نهضت من الشهرة وتفتقد الأفق والتحليل وهي بالنهاية مرجعية انتفاعية تراعي في مواقفها الرئيسة الشهرة والمنفعة أكثر من التأثير.
تراجيديا في عالم الكوميديان..
حادث “مهسا” المرير وغموض أسباب الوفاة في الأيام الأولى من الحادث، ساهم من جديد في تصدر المراجع الجديدة لبيان الحادث وإشعال المعارك.
في ظل هذه الأجواء حصل المجتمع على المعلومات الرئيسة من مصدر إما يفتقر إلى الصلاحية في هذا الشأن أو متأثر بمخططات التيارات الأجنبية.
وقادت الأجواء المضطربة إلى إصدار أحكام يقينية، ودفعت الآخرين إلى دخول الميدان تحت وطأة الضغوط، واتجهت عمليًا إلى استبدال مبدأ المطالبة بمعرفة أسباب وفاة “مهسا” إلى النقد وانسداد باب الحوار في النهاية.
وقد قطع هذا السكين حتى نفسه، وتعرض الكثير من المشاهير للغضب. وفي ظل هذه الأجواء لم تُعد هناك إمكانية لطرح الأسئلة، وكان على الجميع العمل. من ناحية أخرى تقوضت إمكانية التعامل مع هيكل الاحتجاجات، حيث قاد اعتراض مسارات الاحتجاجات منذ الساعات الأولى باتجاه تنفيذ رغبة التيار المشار إليه سابقًا والذي لم يقدم أي آفاق مستقبلية لتلك الاحتجاجات.
أضف إلى ذلك أن قطاع من المشاهير قد تحول بشكل عملي إلى أطراف تروج للعنف والاستقطاب في المجتمع. والأمر يزداد سوءً يومًا بعد آخر.