خاص: كتبت- نشوى الحفني:
للمرة الأولى منذ عِقد من الزمن؛ وبتوقعات متضاربة عن نسّبة المشاركة، يتنافس أكثر من: (35) تحالفًا عراقيًا على مقاعد “مجالس المحافظات” في الانتخابات؛ التي ستنطلق الاثنين المقبل في (15) محافظة، دون أن تُجرى في “إقليم كُردستان”.
ويبدأ التصّويت الخاص بمنتسّبي الأجهزة الأمنية؛ صباح اليوم السبت، بينما سيجري التصّويت العام بعد ذلك بيومين.
وهذه أول انتخابات محلية تجري في البلاد بغياب (التيار الصدري)؛ الذي قرر زعيمه؛ “مقتدى الصدر”، الانسّحاب من الحياة السياسية تمامًا، وأمر أتباعه لاحقًا بمقاطعة الاقتراع المحلي.
وسّبق وأن ألغت السلطات العراقية “المجالس المحلية” عام 2019، تحت ضغط هائل من الحراك الاحتجاجي الذي اندلع حينها للمطالبة بإصلاحات إدارية واسعة.
والعام الماضي؛ أقرّ اتفاق سياسي بين أقطاب تحالف (إدارة الدولة)، إعادة العمل بهذه المجالس، عبر انتخابات محلية تجري هذا الشهر.
وبعد تسّلم رئيس الوزراء؛ “محمد شيّاع السوداني”، مهامه، أعلن إجراء الانتخابات المحلية، بناءً على قرار “المحكمة الاتحادية”، الذي سمح للبرلمان بتعديل قانون الانتخابات، وهو ما جرى بالفعل الصيف الماضي.
القوى المشاركة..
وتتنافس قوى كثيرة للظفر بالمقاعد المحلية؛ أبرزها ائتلاف (دولة القانون)؛ بزعامة “نوري المالكي”، وتحالف (نحن أمة)؛ بزعامة رئيس البرلمان المقال؛ “محمد الحلبوسي”، وتحالف (نبّني)؛ الذي يضم: “قيس الخزعلي” و”هادي العامري”.
وقال “المالكي”؛ في تصريحات لمحطة تلفزيونية محلية، إنه: “لا ينوي الحصول على ولاية ثالثة؛ انطلاقًا من النتائج التي سيُحققها في الانتخابات المحلية”.
ومن القوى الكُردية، تبقى المنافسة تقليدية في مدينة “كركوك” بين الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)؛ بزعامة “مسعود بارزاني”، و(الاتحاد الوطني الكُردستاني)؛ بزعامة “بافل طالباني”، وكلاهما يتنافس أيضًا في أجزاء من محافظة “نينوى”.
وتشهد هذه الانتخابات مشاركة قوى مدنية؛ من بينها تحالف (قيم)، الذي يضم: (10) أحزاب، الذي يُشّكل خليطًا من أحزاب ليبرالية ويسارية إلى جانب حركات ناشئة من (حراك تشرين) الاحتجاجي.
خلال الأسابيع الماضية؛ امتلأت شوارع “بغداد” والمدن الكبرى باللافتات الانتخابية وصور المرشحين، بعضها تم تمزيقه أو إسقاطه أرضًا، في انعكاس للشعور العام بالاستياء وخيبة الأمل في أوساط الناخبين.
مخاوف من المقاطعة..
إلى جانب (التيار الصدري)؛ الذي لن يصوّت جمهوره لأي مرشح في الانتخابات المحلية: بـ”أوامر من مقتدي الصدر”، ثمة تجمعات سياسية أعلنت مقاطعتها للانتخابات.
ومن أبز القوى التي أعلنت مقاطعتها ائتلاف (الوطنية)؛ الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق؛ “إياد علاوي”، بسبب ما وصفه: “التضامن مع مطالب الشعب العراقي”.
وكانت حركة (امتداد) أعلنت؛ في آب/أغسطس الماضي، انسّحابها من السّباق الانتخابي بسبب تأخرها في إكمال إجراءات التسجيل القانونية، وتلكؤها في انعقاد مؤتمرها العام.
وقبل ساعات من إعلان الصمت الانتخابي في عموم البلاد، أعلن “الصدر” البراءة من مرشّحين داخل (التيار الصدري): “رفضوا الانسّحاب من الانتخابات”.
ويتحدث أعضاء في (الإطار التنسّيقي) عن مؤشرات مقلقة تتعلق بأن تتحول المقاطعة إلى أنشطة احتجاجية تُعرقل سّير الانتخابات هذا الأسبوع.
وعصر أمس الجمعة؛ فرّقت قوة أمنية مظاهرة رافضة للانتخابات، وسط “الكوت”؛ (جنوب بغداد)، مركز المحافظة، واعتقلت عددًا من الناشطين.
وتجمع المتظاهرون أمام مبنى مجلس المحافظة، للتظاهر ضد إجراء انتخابات “مجالس المحافظات”، ولم تتأخر “قوات مكافحة الشغب” في تفريقهم باستخدام القوة.
وفي هذا المناخ المتوتر؛ تتضارب توقعات المراقبين بشأن نسّب المشاركة، ورُغم أن الماكينات الانتخابية للأحزاب الكبيرة تروّج لمؤشرات مرتفعة، يتوقع كثيرون نسّبة تصويت منخفضة، ولا سيما أولئك الذين ينوون المقاطعة اعتراضًا على عودة عمل المجالس.
حاليًا؛ يُهيّمن (الإطار التنسّيقي) على “مجلس النواب”؛ وهو تحالف أحزاب شيعية وتيارات تُمثل فصائل في (الحشد الشعبي).
خطوة نحو البرلمان..
المحلل السياسي العراقي؛ “علي البيدر”، يرى أنه: “قد تكون مجالس المحافظات خطوة نحو البرلمان”؛ بالنسبة لتلك الأحزاب، إذ أن الانتخابات البرلمانية المقبلة متوقعة في العام 2025.
ويُضيف أن انتخابات المحافظات التي يُفترض أن تجري كل أربع سنوات، تُعد كذلك: “مغنمًا للكثير من الجهات الحزبية والسياسية التي تُحاول غرس جذورها عميقًا داخل منظومة السلطة في الإدارات المحلية وتسّخير إمكانات الدولة لصالحها”.
تأسسّت بعد الغزو الأميركي لـ”العراق”..
يُذكر أن “مجالس المحافظات” كانت قد تأسست بعد الغزو الأميركي لـ”العراق”؛ في العام 2003، والإطاحة بنظام “صدام حسين”، وتتمتع بصلاحيات مهمة، بينها انتخاب المحافظ ووضع ميزانيات القطاعات الصحية والنقل والتعليم من خلال الأموال المخصصة من قبل الحكومة المركزية والإيرادات المحلية للمحافظة.
فيما يرى معارضو هذه المجالس؛ بأنها أوكار للفساد وتخدم مصالح خاصة، الأمر الذي دفع البرلمان إلى حلها في خريف العام 2019، إثر ضغط شعبي وسط تظاهرات غير مسّبوقة شهدتها البلاد حينها.
تقوم بدور رقابي..
مؤخرًا؛ قال “هادي العامري”، أحد أبرز القياديين في (الحشد الشعبي)، في بيان إن: “مجالس المحافظات؛ تحظى بأهمية كبيرة جدًا لتقديم الخدمات للمواطنين”.
وقال النائب “بهاء النوري”؛ عضو ائتلاف (دولة القانون)، المنضوي في (الإطار التنسّيقي)، بشأن الدور الرقابي للمجالس، إنها: “تتابع عمل المحافظين؛ وهي من يضع المشاريع في المحافظات ومن يُحاسّب مدراء الدوائر”.
وتُعد هذه الانتخابات المقررة؛ الاثنين، الأولى من نوعها منذ العام 2013، لكنها تجري وسّط سياق عام متوتر في المنطقة على خلفية الحرب في “غزة”.
وتُجرى تلك الانتخابات على امتداد (15) محافظة؛ في البلد البالغ عدد سكانه: (43) مليون نسّمة، ولا تشمل محافظات “إقليم كُردستان”، المتمتع بحكم ذاتي والواقع في شمال “العراق”.
الانتخابات بالأرقام..
بحسّب إحصاءات أعلنت عنها “مفوضية الانتخابات”؛ هذا الشهر، فإن: (16) مليون ناخب يحق لهم التصّويت في الانتخابات، عبر: (7766) مركز اقتراع في عموم البلاد.
ويبلغ عدد المرشحين الكلي: (6022) ضمن: (38) تحالفًا، بينما يبلغ عدد التحالفات والأحزاب والأفراد: (163)، وبلغ عدد المرشحين للتحالفات: (4223) وعدد المرشحين للأحزاب: (1729) وللأفراد: (70).
وبلغ عدد المرشحين من المكون المسيحي: (16)، وللصابئة: (10) مرشحين، وللكُرد الفيليين: (13) مرشحًا، ولمكون الشبك: (05) مرشحين، وللإيزيديين: (04) مرشحين.
ومن بين المرشحين: (1600) امرأة، يُمثّلن نسّبة: (25%) المحددة لهن. وخصّصت أيضًا: (10) مقاعد للأقليات المسيحية والإيزيدية والصابئة في بلد متعدد الإثنيات والطوائف.
وستُجرى الانتخابات تحت رقابة واسعة يُشارك فيها: (87) مراقبًا دوليًا، وأكثر من: (33) ألف مراقب محلي، وأكثر من: (05) آلاف من وكلاء الأحزاب.
الأحزاب الكبيرة تحتفظ بالنسّبة الأعلى !
وتوقع المحلل السياسي؛ “سجاد جياد”، في مقال على موقع “مركز الأبحاث الإقليمية والدولية”؛ (إيريس)، التابع للجامعة الأميركية في “السليمانية”، بأن: “تحتفظ الأحزاب والائتلافات الكبيرة بالنسّبة الأعلى”؛ في نتائج الانتخابات.
مضيفًا أن: “من بين: (15) محافظة، فإن المحافظات التسع الجنوبية وبغداد، ستكون من نصيب أحزاب (الإطار التنسّيقي) أو حلفائها”.
مخاوف من “توترات طائفية عرقية”..
وفي المحافظات السُنية؛ يتوقع أن يتراجع تحالف (تقدم)، عقب قرار “المحكمة الاتحادية العُليا”، في تشرين ثان/نوفمبر، بإقالة زعيمه؛ “محمد الحلبوسي”، من منصبه كرئيس لـ”مجلس النواب”.
ولا يسّتبعد “جياد”؛ حدوث: “توترات طائفية عرقية”، خصوصًا في محافظة “كركوك”؛ الغنية بالنفط والواقعة في شمال البلاد، والتي: “لها تاريخ في التوترات المجتمعية بين العرب والأكراد والتُركمان”.
ويتوقع “جياد” أن: “تبلغ نسّبة المشاركة فيها: (25 بالمئة)” من إجمالي الناخبين.
وينظر الكثير من العراقيين بعدم ثقة للوعود التي يُقدّمها المرشحون للانتخابات.
إلى ذلك؛ قاطعت أحزاب معارضة صغيرة منبثقة من تظاهرات العام 2019، الانتخابات. لكن أحزابًا أخرى مماثلة آثرت خوض المغامرة على أمل بناء قاعدة شعبية.