وسط مخاوف من تأثير “الخليجية-الأميركية” .. بعد 13 عام العراق يعود لمكانته عربيًا من باب “قمة بغداد”

وسط مخاوف من تأثير “الخليجية-الأميركية” .. بعد 13 عام العراق يعود لمكانته عربيًا من باب “قمة بغداد”

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

وسط ملفات إقليمية ودولية شائكة؛ تنطلق، اليوم السبت، في العاصمة العراقية؛ “بغداد”، “القمة العربية” الـ (34)، والتي يُمكن من خلالها استعادة “العراق” لمكانته في صوغ القرار العربي المشَّترك، في وقتٍ تعيش به المنطقة على صفيح ساخن لتعدَّد الأزمات والصراعات، منها الصراع “الفلسطيني-الإسرائيلي” وتداعياته على الدول المحيطة مثل “لبنان واليمن”، وكذلك المتغيَّرات المفاجئة التي طرأت على الساحة السورية، وتأثير صراع التحالفات بين الدول العظمى والإقليمية وانعكاساتها على المنطقة، فضلًا عن ملف الحرب الداخلية في “السودان” والملف الليبي، ناهيك بمختلف التحولات العالمية المتعلقة بالأمن والطاقة وصولًا إلى ملف الحرب “الروسية-الأوكرانية”.

ويُشارك في القمة: (21) دولة عربية؛ وتُعقّد تحت شعار: “حوار وتضامن وتنمية”، وسط غموض حول مستوى التمثّيل والأسماء المشاركة من القادة شخصيًا، وأكد مسؤولون حكوميون أن جميع الدول ستكون حاضرة: “لكن مع تفاوت في مستوى التمثيّل”، وهو الأمر الذي أثار تساؤلات حول مدى إمكان الخروج بنتائج ترقى إلى مستوى التطلعات العربية في التوصل إلى مخرجات كفيلة برسم ملامح لخريطة طريق مشتركة، تسَّهم في معالجة التوتر والأزمات الملتهبة في المنطقة.

ويرى بعض المراقبين؛ أن القمة لن ترقى إلى مستوى اتخاذ قرارات مهمة ومؤثرة لارتباط الملفات المشتركة بالدول المهيَّمنة على المعادلات الدولية، فضلًا عن عدم حضور قادة مؤثرين.

تحفظات على القرارات..

وفي هذه الإطار؛ يرى أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة (بغداد)؛ “إحسان الشمري”، أن القمة: “ستُركز بالطبع على الملفات المهمة، لكنها تجتاز كونها لقاء بروتوكوليًا ما دام التمثّيل لن يكون في المستوى المطلوب؛ وهذا لن يسَّهم بصورة فعالة في إيجاد اختلاف في طبيعة ما يُطرح، كما لا يمكن إنكار حال الانقسام السياسي العربي وهذا سيؤثر بما لا يقبل الشك، لكن ليس بالمستوى الذي يُمكن أن يُفجر الخلافات داخل القمة، وإنما قد نشهد تحفظات حول بعض القرارات حول بعض بنود البيان الختامي”.

صدام في ملف التدخلات..

موضحًا “الشمري”؛ أن: “المتغيَّرات في المنطقة العربية مرتبطة برؤية دولية أكثر مما هو مرتبط بقرار عربي، وما يحصَّل من جدل في بغداد حول التحفظ على حضور بعض القيادات، ومقترح حل الدولتين في القضية الفلسطينية الذي يمكن أن يُطرح من جديد؛ والذي طالما يرفضه العراق، كلها مؤشرات إلى أن القمة لن تأتي خارج التوقعات، ثم إن قمم مصُغرة عُقدت خلال الفترة الماضية كانت فعالة بصورة أكبر وهي أفضل من عقد قمة مختلف عليها سلفًا”.

لافتًا إلى أن: “(قمة جدة) التي عُقدت عام 2023؛ كانت الأفضل من بين القمم خلال العقد الأخير، والتي نجحت بكل المقاييس”، وخلص إلى أن: “الحل ليس في طرح المبادرات بقدر ما هو في التطبيق، ومعلوم أن هناك اختلافًا بين بعض الدول العربية مع حكومة؛ محمد شيّاع السوداني، التي يرعاها حلفاء إيران وفي مسألة وقف التدخلات الخارجية، والبعض يضع العراق ضمن دائرة التساؤل حول مستويات التدخل والنفوذ الإيراني، وبالطبع فإن المحاور ستكون حاضرة لكن بصورة مبَّطنة، ذلك أن بعض الدول؛ وبخاصة السعودية، لن تتماهى في ملف عملية ملء الفراغ من دول إقليمية في سورية أو حتى في العراق، ما بعد انتهاء النفوذ الإيراني وهو نهج دبلوماسي سدّيد”.

تأثير القمة “الأميركية-الخليجية”..

وتثَّار المخاوف من أن يؤثر تزامن انعقاد القمة “الأميركية-الخليجية” سلبًا على مستوى الحضور ومخرجات “قمة بغداد”، على رُغم أن أصوات رأت بأنها ستنعكس إيجابًا بعد أن تتبلور المواقف.

وفي هذا السيّاق؛ يصف الباحث الأكاديمي؛ “علاء مصطفى”، توقيت انعقاد “قمة بغداد” بغير الموفق، قائلًا إن: “التوقيت غير مدّروس لكون المدة الزمنية الفاصلة مع القمة التي عُقدت داخل القاهرة؛ خلال آذار/مارس الماضي، قصيرة جدًا، ولم تكن هناك مسافة زمنية كافية لتنَّضيج الملفات، ثم إن المنطقة تعيش على صفيح ساخن يصُعب فيه أن يُصدّر العرب موقفًا صريحًا، هذا فضلًا عن أن القمة (الأميركية-الخليجية) غطت على (القمة العربية)”.

وكان نائب رئيس الوزراء السابق؛ “بهاء الأعرجي”، كشف عن توقّعه حضور أمير قطر؛ “تميم بن حمد آل ثاني”، ورئيس الإمارات؛ الشيخ “محمد بن زايد”، وملك البحرين؛ “حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة”، فضلًا عن ملك الأردن؛ “عبدالله الثاني”، وولي عهد دولة الكويت؛ “صباح خالد الحمد الصباح”، مستبعدًا حضور ولي العهد السعودي؛ الأمير “محمد بن سلمان”، على أن تقتّصر مشاركة دول “المغرب العربي” على وزراء الخارجية.

ويُعتبر توقيت انعقاد القمة محّط تساؤلات بالنظر إلى المعطيات لتتجه الأنظار إلى مدى إمكان تحقيق نتائج وتطبيقها فيما بعد، وفي ضوء ذلك يقول “مصطفى”؛ إن: “بغداد حاولت ضخ جرعات لإنجاح القمة من خلال مواقف وإرسال مساعدات اقتصادية لبعض الدول، لكن يجب التطرق إلى ما بعد القمة، فالعراق سيترأس الجامعة العربية لمدة عام وفقًا للبروتوكول، فهل سيكون له القدرة على تنظيم الملفات وأن يُدير المنظومة العربية في ظل صعوبة المرحلة، أم أن القمة ستكون مجرد مناسبة لإلتقاط صورة تذكارية فقط ؟”.

فرصة للحكومة العراقية..

ونوه الباحث الأكاديمي إلى: “أهمية أن يُفكر العراق بطريقة مختلفة حول آلية تفعيل رئاسة القمة خلال وقتٍ تعيش حكومته آخر أيامها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه القمة لن يحضَّرها زعماء الخليج مما سيكون له انعكاس على إنجاح المبادرات، فالقضايا الكبرى تقترن بحضور الزعماء مع وجود تقاطعات ومحاور بين الدول الأعضاء مما يجعل منها قمة روتينية، لذا كان على بغداد تأجيلها إلى أيلول/سبتمبر المقبل في أقل تقدير، لكي تتضح معالم المنطقة وتكون الحرب في غزة على مشارف النهاية، وتكون سورية قطعت شوطًا جديًا وتكون الخلافات العربية هدأت نسبيًا”.

استثمار انتخابي داخلي..

وأفرز الخلاف في المواقف على حضور الرئيس السوري مفارقة تضع أولويات السياسة العراقية في موضع النقد، ويقول المحلل السياسي؛ “ياسين طه”، إن: “قوى شيعية ذات توجه يميني بذلت جهودًا مكثفة لعدم حضور؛ الشرع، إلى القمة ونجحت في ذلك، في حين أن الشرع التقى الرئيس الفرنسي؛ إيمانويل ماكرون، في قصر الإليزيه أخيرًا، وكذلك الرئيس الأميركي؛ دونالد ترمب، داخل السعودية، وذلك في أعقاب خطوة لافتة تمثّلت في رفع العقوبات الأميركية عن دمشق”، مؤكدًا أن: “إدارة الدول لا تبَّنى على العُقد السياسية أو الإيديولوجية، بل على المصالح والرؤية الاستراتيجية”.

وربط “طه” بين التضخيم في أهمية القمة ومحاولات استثمارها إعلاميًا مع اقتراب البلاد من خوض الانتخابات البرلمانية المَّقررة قبل نهاية العام الحالي، قائلًا: “إن القوى الشيعية في (الإطار التنسيّقي)؛ الراعي للحكومة الحالية، ستخوض العملية بقوائم متفككة، إذ سيكون أحد القطبين الرئيسين للصراع بين الناخبين الشيعة هو رئيس الوزراء السابق؛ نوري المالكي، ورئيس الوزراء الحالي؛ محمد شيّاع السوداني، الذي يُحاول توظيف هذه القمة كمكسب سياسي”.

مضيفًا “طه”: “من خلال التجربة المستَّخلصة من القمم السابقة، فإنها غالبًا ما كانت ذات طابع بروتوكولي دون نتائج فعلية، لا تتعدى عن كونها إجراء شكليًا، ويبدو أن السوداني يوليّ هذه القمة أهمية تتجاوز حجمها الحقيقي”.

وهذه هي القمة الرابعة التي يستّضيفها “العراق” من مجموع (46) قمة عربية، إذ عُقدت القمم السابقة خلال أعوام (1978 و1990 و2012).

القمة العربية 2012..

عُقدت “القمة العربية” الثالثة والعشرون؛ في “بغداد”، ما بين 27 إلى 29 آذار/مارس عام 2012. وهي ثالث قمة تستّضيفها العاصمة العراقية، بعد قمتي (1978 و1990)، وناقشت تسعة بنود على رأس موضوع تطوير هيكلية “الجامعة العربية”، وقد طغى الوضع في “سورية” والأمن؛ على كلمات الزعماء ورؤساء الوفود المشاركة في “القمة العربية”، التي حضرها عشرة رؤساء فقط من بين (22) رئيسًا.

وفي البيان الختامي؛ أدان القادة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في حق المدنيين السوريين، وأكدوا على ضرورة أمنها وسلامتها، كما تناول البيان الختامي قضايا أخرى، مثل “القضية الفلسطينية” والوضع في “الصومال واليمن”، والخلاف بين “السودان” ودولة “جنوب السودان”، والعمل العربي المشترك، وتزامن مع انطلاق أعمال القمة حدوث انفجار قوي هز منطقة قريبة من السفارة الإيرانية المتاخمة لـ”المنطقة الخضراء”، حيث تُعقّد القمة.

القمة العربية 1990..

عُقدت “القمة العربية” الاستثنائية؛ في 28 آيار/مايو 1990، في “بغداد”، بدعوة من الرئيس العراقي؛ “صدام حسين”، حيث بحثت التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي العربي واتخاذ التدابير اللازمة حيالها.

تضمن البيان الختامي للقمة، حسّب وكالة الأنباء الأردنية، عدة قرارات أهمها الترحيب بوحدة اليمنين الشمالي والجنوبي – بعدما كانا دولتين مستقلتين – وتأييد استمرار “الانتفاضة الفلسطينية”، والتأكيد على عدم شرعية المستَّوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، كما تضمن البيان إدانة قرار “الكونغرس” الأميركي اعتبار “القدس” عاصمة لـ”إسرائيل” وإدانة التهديدات الأميركية لـ”ليبيا”، والتضامن مع “ليبيا” ضد الحصار الاقتصادي وإطلاق سراح أسرى “حرب الخليج الأولى” بين “العراق” و”إيران”.

عُقّدت القمة قبل أشهر قليلة من الغزو العراقي لـ”الكويت”، والذي أكدت معظم الدول العربية رفض نتائجه وسيّادة “الكويت” واستقلالها وسلامتها الإقليمية وشّجب التهديدات العراقية لدول الخليج العربي.

القمة العربية 1978..

استضافت “بغداد” أول قمة عربية في تاريخها؛ بين 02 إلى 05 تشرين ثان/نوفمبر عام 1978، والتي عُقدّت عقب توقيع “مصر”؛ “اتفاقية كامب ديفيد” للسلام مع “إسرائيل”، وعُقّدت القمة بطلب من “العراق” ردًا على “اتفاقية كامب ديفيد”، حيث أعلنت رفضها الاتفاقية وقررت نقل مقر “الجامعة العربية” وتعليق عضوية “مصر” ومقاطعتها.

وبعد (10) أعوام جرى تجاوز هذه القرارات عربيًا وعادت “الجامعة العربية” إلى مقرها الأصلي؛ إلى “القاهرة”، في 12 آذار/مارس 1990، واختير وزير الخارجية المصري؛ الدكتور “عصمت عبدالمجيد”، أمينًا عامًا للجامعة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة