خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة على طريق إنشاء التكتلات الدولية التي تهدد القوى العظمى، خاصة “أميركا”، وقع وزيرا الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، والصيني، “وانغ يي”، يوم السبت الماضي، على معاهدة التعاون الإستراتيجي المشترك بين البلدين.
اتفاقية الشراكة الإستراتيجية؛ التي وقعها الوزيران أثناء زيارة، “وانغ يي”، إلى “طهران”، تشمل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والتقنية، إلى جانب التعاون الدفاعي والعسكري، بما في ذلك إجراء مناورات عسكرية مشتركة.
كما تشمل الاتفاقية الموقعة، لمدة 25 عامًا، تطوير المطارات والموانيء الإيرانية وإيجاد موانيء جديدة، وتطوير سكك الحديد، في “إيران”، وتعزيز البنى التحتية، والتعاون في مجالات أمنية، كما تضم الوثيقة استثمارات صينية، في “إيران”، بمبلغ 450 مليار دولار.
يُذكر أنه، في 2016، وافقت “الصين”، أكبر شريك تجاري لـ”إيران” وحليفتها القديمة، على زيادة التبادل التجاري بأكثر من عشرة أمثاله؛ إلى 600 مليار دولار، خلال العقد المقبل.
وقالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية، (إرنا)، إن: “قيام وزيري خارجية البلدين بتوقيع برنامج تعاون شامل بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية؛ هو برنامج آخر ضمن هذه الزيارة التي تستغرق يومين”.
خارطة طريق كاملة..
وقال “سعيد خطيب زاده”؛ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، للتلفزيون الرسمي: “هذه الوثيقة عبارة عن خارطة طريق كاملة تشمل بنودًا سياسية واقتصادية إستراتيجية تغطي التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد والنقل. مع التركيز تحديدًا على القطاع الخاص في الجانبين”.
وقالت “وزارة التجارة” الصينية، يوم الخميس، إن “بكين” ستبذل جهودًا لحماية “الاتفاق النووي” الإيراني والدفاع عن المصالح المشروعة للعلاقات “الصينية-الإيرانية”.
وأدلت “الصين”؛ بهذه التصريحات، بعدما أفادت (رويترز) بأن “إيران” نقلت: “بصورة غير مباشرة”، كميات قياسية من “النفط” إلى “الصين”، في الشهور الأخيرة، وسجلت على أنها إمدادات من دول أخرى؛ حتى إن بيانات الجمارك الصينية أظهرت أنه لم يتم استيراد “نفط إيراني”، في أول شهرين من العام الحالي.
وسعى الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، إلى إعادة إحياء المحادثات مع “إيران”؛ بشأن “الاتفاق النووي”؛ الذي انسحب منه الرئيس السابق، “دونالد ترامب”، في 2018، على الرغم من استمرار الإجراءات الاقتصادية الصارمة التي تطالب “طهران” برفعها قبل استئناف أي مفاوضات.
“بايدن” يعلن قلقه.. إيران تصفها بالمقاومة النشطة..
وعقب الإعلان عن توقيع هذه الاتفاقية، أعرب “بايدن” عن قلقه حيالها، وردًا على سؤال أحد الصحافيين حول قلقه من الشراكة بين “الصين” و”إيران”، قال “بايدن”: “لقد كنت قلقًا بشأن ذلك منذ سنوات”.
وعلى الفور علق سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الأميرال “علي شمخاني”، على تصريحاته؛ قائلاً: “قلق بايدن في محله تمامًا، فإزدهار تعاوننا الإستراتيجي، يُسرع أفول الولايات المتحدة”.
كما وصف، في تغريدة على موقع (تويتر)، اليوم الإثنين، توقيع بلاده وثيقة التعاون مع “الصين” لمدة أمدها 25 عامًا، بأنها جزء من سياسة ما وصفها: بـ”المقاومة النشطة” على حد تعبيره.
تعمق نفوذ الصين في الشرق الأوسط..
عن الاتفاقية، قالت صحيفة (نيويورك تايمز)؛ إنها يمكن أن تعمق نفوذ “الصين”، في الشرق الأوسط، وتقوض الجهود الأميركية لإبقاء “إيران” معزولة.
ولفتت الصحيفة الأميركية؛ إلى أنه لم يتضح على الفور حجم الاتفاق، بينما لا يزال الخلاف الأميركي مع “إيران” بشأن برنامجها النووي دون حل، مشيرة إلى أن توقيع الاتفاق عكس طموح “الصين” المتزايد للعب دور أكبر في منطقة كانت تمثل الشغل الشاغل لـ”الولايات المتحدة” لعقود.
ولم تُعلن “إيران” عن تفاصيل الاتفاقية قبل التوقيع، ولم تقدم الحكومة الصينية تفاصيل. لكن الخبراء قالوا إنها لم تتغير إلى حد كبير عن مسودة، من 18 صفحة، حصلت عليها صحيفة (نيويورك تايمز)، العام الماضي.
وتفصل المسودة 400 مليار دولار من الاستثمارات الصينية في عشرات المجالات، بما في ذلك: “البنوك والاتصالات والموانيء والسكك الحديدية والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات”؛ على مدى السنوات الـ 25 المقبلة. في المقابل، ستحصل “الصين” على إمدادات منتظمة، وبأسعار مخفضة جدًا، من “النفط الإيراني”.
كما دعت المسودة إلى تعميق التعاون العسكري، بما في ذلك التدريبات المشتركة، والبحوث المشتركة، وتطوير الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
وأضافت (نيويورك تايمز)؛ أن “الصين” مستعدة حتى لاستضافة المحادثات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في تلميح إلى أن الهيمنة الأميركية في المنطقة أعاقت السلام والتنمية.
بيع لموارد إيران !
ونقلت الصحيفة الأميركية؛ عن منتقدي الاتفاق “الصيني-الإيراني”؛ بأنه يفتقر للشفافية ووصفوا الصفقة بأنها بيع لموارد “إيران”، وقارنوها بالاتفاقات أحادية الجانب التي أبرمتها “الصين” مع دول، مثل “سيريلانكا”.
المناورات المشتركة والتعاون الاستخباري أخطر بنود الاتفاقية !
إلى ذلك، كشف “عاموس يادلين”، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، (آمان)، ويشغل حاليًا منصب رئيس معهد دراسات الأمن القومي، (INSS)، لصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية، اليوم الإثنين، عن أكثر البنود إثارة للقلق في الوثيقة، التي وقعت عليها “الصين” و”إيران”، قائلاً إن أخطر ما في وثيقة التعاون، بين “بكين” و”طهران”، هو المناورات المشتركة والتطوير والبحث والتعاون الاستخباري.
وأشار “يادلين” إلى القدرات الاستخباراتية، وقال: إن “الصين تضع نفسها في هذه القضية، في مكان لم تكن عليه حتى اليوم”.
وتابع: “الصين تعارض بشكل أساس القنبلة النووية الإيرانية، لكنها من ناحية أخرى لا تساعد في وقف إيران. وتحتاج إيران أيضًا إلى الظرف السياسي الذي تمنع فيه الصين الولايات المتحدة من الضغط عليها”.
وقال: “الصينيون يفهمون أن إدارة بايدن، ليست إدارة ترامب، ويمكن أن تكون أكثر عدوانية”.
تقلل من التأثير السلبي للعقوبات الأميركية..
في هذا الصدد، أكد أستاذ العلوم السياسية الإيراني، “حسين روي وران”، أن وثيقة التعاون الإستراتيجي الموقعة، بين “طهران” و”بكين”، تقلل من التأثير السلبي لـ”العقوبات الأميركية” على “إيران”، ولكنها لن تُفشل العقوبات على نحو كامل، لافتًا إلى أن الوثيقة لا تتضمن بنودًا سرية، وأنها ستوجد تعاون مباشر في مجالات عدة بين “إيران” و”الصين”.
وقال “روي وران”، إن “الولايات المتحدة” تعتقد أن نقطة ضعف “إيران” هي موضوع بيع “النفط” والتضييق على الاقتصاد، وهذه الاتفاقية، بين “بكين” و”طهران”، تُضعف بعض أجزاء “العقوبات الأميركية” على “الجمهورية الإسلامية”.
مضيفًا أنه: “لا يمكن القول إن هذه الاتفاقية ستُفشل العقوبات الأميركية مئة بالمئة، لكنها سوف تفتح يد إيران أكثر وتُفشل موضوع إنزواء إيران على الساحة الدولية، من الجانب الاقتصادي والسياسي”.
وتابع أن المسؤولين، في “إيران” و”الصين”، أعلنوا صراحة أن اتفاق التعاون الإستراتيجي، بين “طهران” و”بكين”، لا يتضمن بنودًا سرية، وأن ما تم الإعلان عنه هو اتفاق كلي بين البلدين ويحتاج إلى اتفاقيات كثيرة تنفيذية في أقسام مختلفة.
ليس اتفاقية وإنما خارطة طريق..
بينما كتب المدير العام لدائرة شرق آسيا بـ”وزارة الخارجية” الإيرانية، “رضا زبيب”، على حسابه الشخصي بـ (تويتر)؛ أن الوثيقة التي وقعت مع “الصين”؛ هي خارطة طريق وليست اتفاقية، ونشر الاتفاقيات مُلزم قانونيًا، لكن نشر الوثائق غير المُلزمة، ليس شائعًا جدًا.
وقال إن الكثير من التساؤلات واللغط أثير حول هذه الوثيقة، لكن الحقيقة هي أنها ليست اتفاقية بل مجرد خارطة طريق؛ وإطار عمل لعلاقات طويلة الأمد، وما هو موجود الآن بشكل غير مدون بين البلدين، تم ترسيخه وتقويته بأفق طويل الأمد.
وتابع “زبيب”؛ قائلاً إن التعاون بين الدول يبدأ ويتسع بطريقتين، الأولى: إبرام اتفاقيات سياسية كبرى لإيجاد السُبل لتنفيذ مجالات التعاون، والثانية هي السعي لخلق مجال سياسي من أجل التوصل إلى اتفاق تنفيذي مهم، موضحًا أن الوثيقة مع “الصين” شملت كلتا الطريقيتن، حيث أظهرت الإرادة السياسية وشخصت مجالات التعاون.
مخاوف من اتجاه إيران نحو الشرق وإبتعادها عن الغرب..
من جانبه، أكد المحلل السياسي الإيراني، “مهدي شكيبايي”، أن الوثيقة الموقعة، بين “إيران” و”الصين”، هي خطة طريق وبرنامج للعلاقات بين البلدين، لمدة 25 عامًا، لافتًا إلى أن: “الإعلام الغربي والإسرائيلي، المعادي لطهران، يحاول تشويه صورة هذه الاتفاقية”.
مضيفًا أن مثل خطة العمل هذه؛ بلا شك يوجد فيها جزئيات سوف توضح في سياق هذه الاتفاقية بمرور الوقت.
وأضاف أنه: “في هذه الأيام؛ يقوم الإعلام الغربي والإسرائيلي، المعادي للجمهورية الإسلامية، بتشويه صورة هذه الاتفاقية، بين طهران وبكين، لأنهم يخشون موضوع أساس وهو توجه إيران نحو الشرق وإبتعادها عن الغرب”.
وقال إن هذه الاتفاقية تم الحديث عنها، قبل توقيع “الاتفاق النووي”، ولكن لم يركز الإعلام الغربي عليها، وبسبب عدم وفائهم بإلتزاماتهم في الاتفاق؛ يسعون الآن لتخريب العلاقات بين “إيران” و”الصين”.
وأشار المحلل السياسي الإيراني؛ إلى أن: “ما يُشاع عن الاتفاق، بين الصين وإيران، حول تواجد قوات عسكرية صينية في الأراضي الإيرانية كاذب، واعتبره فقاعة فقط لكي يتهموا إيران ويجعلوها منزوية على الساحة الدولية”.
وتابع أن هذه الاتفاقية تساعد “طهران” في الحصول على منافعها الاقتصادية، وفيما تُعد “الصين”، القوة الاقتصادية الثانية في العالم؛ وتسعى الآن إلى سلب المرتبة الأولى من “أميركا”، خلال القرن الحالي، فيمكن أن تكون فرصة كبيرة لـ”إيران” في مجالات مختلفة.
مشيرًا إلى أن: “الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ لن تعمل بشكل معاكس لدستورها.. وأن الدستور الإيراني واضح وصريح ويمنع الحضور العسكري لأي دولة أجنبية على أراضي الجمهورية الإسلامية”.
وكانت تقارير صحافية قد زعمت، منتصف العام الماضي، حول بنود الوثيقة، أنها تتضمن منح جزر وقواعد عسكرية وجوية لـ”الصين”، مقابل الاستثمار في جميع القطاعات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، ودفع مبالغ مقدمة لـ”طهران” لشراء “النفط الخام الإيراني”.
ونفت “طهران”، بشكل قاطع، تلك التقارير، حيث قال مدير مكتب رئيس الجمهورية الإيراني، إن تلك الانتقادات الموجهة لاتفاقية التعاون الشامل: “عملية تخريب العلاقات (الإيرانية-الصينية) وأنطلقت من وسائل إعلام خارجية”.
كما أكد وزير الخارجية الإيراني، في مقال له بصحيفة (اعتماد) الإصلاحية، أن بلاده لن تمنح “الصين”، أو أي دولة حول العالم، حق الاستفادة بشكل حصري من أي جزء من الأراضي الإيرانية.
ونفى “زبيب” أن تكون الوثيقة الإيرانية، مع “الصين”، شبيهة بتجربة “سيرلانكا”، معتبرًا أن ما جاء في هذه الوثيقة هو مواقف البلدين المشتركة على الساحة الدولية والمصالح المتبادلة من التعاون الاقتصادي.