خاص : كتبت – نشوى الحفني :
تزامنًا مع رفض الحراك الشعبي الانسياق وراء دعوة الزعيم الشيعي، “مقتدى الصدر”، بالتظاهر ضد “أميركا”، وبروز الخلاف “السُني-الكُردي” مع الشيعي حول بقاء القوات الأميركية في “العراق”، بحث وزير الخارجية العراقي، “محمد علي الحكيم”، أمس الجمعة، خلال اتصال هاتفي مع الأمين العام لحلف (الناتو)، “ينس ستولتنبرغ”، تطورات الأوضاع في “العراق”.
وجاء في بيان لـ”الخارجية العراقية”: “جرى في الاتصال بحث تطورات الأوضاع في العراق والمنطقة، كما جرت مناقشة مستقبل العلاقة مع الحلف وآليات التعاون”.
وأشار “الحكيم” إلى أهمية تعزيز أدوار “العراق” في الدفاع عن سيادته وتجنيبه أن يكون ساحة للصراع.
في الوقت ذاته؛ أعلن مساعد وزير الدفاع الأميركي، “جوناثان هوفمان”، أمس، أن الجيش الأميركي ينقل قواته من قواعده في “العراق” إلى “أماكن أكثر أمنًا”، على خلفية الهجمات التي تتعرض لها هذه القواعد.
وبينما لم يكشف “هوفمان” عن الوجهة الجديدة للقوات الأميركية، قال: “خلال الأسابيع الماضية نفذنا بعض التحركات، وذلك لتعزيز قواتنا ونقلها إلى مواقع أكثر أمنًا”.
وأكد “هوفمان” أن مكان انتشار القوات، مرهون بالقادة الميدانيين الذين يقررون أين يجب أن تكون القوات الأميركية وفي أي مكان بإمكانها أن تمارس مهام التدريب وعمليات مكافحة (داعش)، مضيفًا: “القادة الميدانيون هم من يحددون المكان الأفضل لحماية القوات”.
اتصالات سرية..
إلى ذلك؛ كشفت مصادر سياسية في “بغداد” أن اتصالات سرية بدأت بالفعل بين سياسيين كُرد وسُنة وبين أطراف في الإدارة الأميركية حول قرار الانسحاب الأميركي من “العراق”.
وبينما نفى رئيس البرلمان العراقي، “محمد الحلبوسي”، وجود أي تحرك لتشكيل إقليم سُني، قال رئيس إقليم كُردستان، “نيجيرفان بارزاني”، إن قرار “مجلس النواب” العراقي بإخراج القوات الأميركية من “العراق” لم يكن قرارًا جيدًا، مشيرًا إلى أنه إتخذ من قِبل الكتل الشيعية فقط دون التشاور مع المكونات الرئيسة الأخرى في البلاد.
وبيَن “البارزني” أن الكُرد والسُنة لم يشاركوا في هذا القرار؛ علاوة على ذلك فإنه يُشكل سابقة سيئة، حيث إتخذ القرار من قِبل الكتلة الشيعية دون التشاور مع أي من المكونات الرئيسة لهذا البلد، الكُرد والسُنة. لقد كانت خطوة حاسمة للغاية تم إتخاذها دون السعي للحصول على إجماع، وبالتالي تنتهك روح الدستور العراقي. هذا ليس جيدًا لـ”العراق” سواء الآن أم للمستقبل.
تحركات السفارة الأميركية..
وتُشير مصادر برلمانية عراقية إلى أن “السفارة الأميركية” في “بغداد” بدأت تتحرك على النواب السُنة والكُرد لمعرفة ما إذا كانوا قد صوتوا فعلًا على قرار “البرلمان العراقي” بإخراج القوات الأميركية، وفي حال ثبت لـ”واشنطن” أن القرار أصدره النواب الشيعية فقط؛ ستتخذ من ذلك غطاءً قويًا لبقاء قواتها في “العراق” على اعتبار أن القرار كان شيعيًا بإمتياز ولم تُشارك فيه مكونات “العراق” الأخرى.
وكان وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، قد كشف عن أن مواقف السياسيين العراقيين إزاء الانسحاب الأميركي متناقضة؛ فهم في السر مع بقاء القوات الأميركية وفي العلن يتصرفون بنحو مختلف !
يريد إنتاج الوجود الإميركي بطريقة أخرى..
وكان “نجيرفان بارزاني” قد وصف رئيس الوزراء المستقيل، “عادل عبدالمهدي”، بأنه سياسي براغماتي ليس مع إخراج القوات الأميركية، لكنه يريد إعادة إنتاج الوجود الأميركي بطريقة أخرى.
ويتعرض “عبدالمهدي” إلى ضغوط شديدة من “إيران” ووكلائها في “العراق”؛ للمضي في إخراج القوات الأميركية بصرف النظر عن النتائج التي تترتب على ذلك.
قرار سيادي يشمل إقليم كُردستان..
إلا أن الجيش العراقي أكد على أن قرار إخراج القوات الأميركية من “العراق” هو “قرار سيادي ويشمل جميع الأراضي العراقية، بما فيها إقليم كُردستان؛ لكونه جزءًا من العراق”.
وأشار المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، اللواء الركن “عبدالكريم خلف”، قوله في تصريح، أمس، نقلته وكالة أنباء الإعلام العراقي، (واع)؛ إلى أن “العراق” تقدم بطلبات لـ”لأمم المتحدة” لخروج القوات الأميركية من البلاد بعد الانتصار الذي حققه على تنظيم (داعش) الإرهابي؛ وذلك وفق مذكرة قدمها وزير الخارجية السابق، “إبراهيم الجعفري”، لإنهاء عمل “التحالف الدولي”، بقيادة “واشنطن”، مؤكدًا أنه لن يترتب على “العراق” بعد ذلك “أي إلتزام مالي وسياسي”.
وأوضح “خلف” أن أي تحرك لـ”التحالف الدولي” على مستوى الطلعات الجوية عبر الأجواء العراقية لا يتم إلا بعد موافقة الحكومة العراقية، ولكن ما قامت به القوات الأميركية من إعتداء على مقرات (الحشد الشعبي) في مدينة “القائم” بمحافظة “الأنبار”، أواخر كانون أول/ديسمبر الماضي، ووقوع عشرات الشهداء والجرحى في صفوف قوات الحشد؛ ومن ثم عدوانها، في الثالث من كانون ثان/يناير الجاري، قرب “مطار بغداد”، والذي أسفر عن استشهاد نائب رئيس هيئة (الحشد الشعبي)، “أبومهدي المهندس” والفريق “قاسم سليماني”، ورفاقهما؛ عجلا بمطالبات خروج القوات الأميركية بعد أن قدمنا تساؤلاً بشأن استخدامهم أجواءنا لتنفيذ إعتداءاتهم.
عدد القوات الأجنبية ككل 6000 عنصر..
ولفت “خلف” إلى أن عدد القوات الأجنبية في “العراق” كان أقل من 6 آلاف للتحالف ككل؛ في حين عدد الأميركيين بحدود الـ 5 آلاف، وأقتصر وجودهم على معسكرات وليس قواعد، وقال إن: “بعثة (الناتو) موجودة في العراق، منذ العام 2005، ونحن أبلغناهم بالإطار الذي يتحركون ضمنه؛ وسيكون وجودهم بعيدًا عن بناء قواعد عسكرية ضمن آلية جديدة للحكومة العراقية أعدتها لهم”.
وكان “خلف” قد أكد، أمس الأول، أن “العراق” لم يعطِ الموافقة على استئناف عمليات الجيش الأميركي في البلاد؛ كما أعلنت الحكومة العراقية، منذ يومين، رفضها توقيع اتفاق لإبقاء القوات الأميركية في “العراق”، مشيرًة إلى أنها ستدعم تصويت “مجلس النواب” العراقي، الذي يُطالب بإخراج هذه القوات من البلاد.
وصوت “مجلس النواب” العراقي، في الخامس من الشهر الجاري، بأغلبية مطلقة على قرار يُلزم الحكومة العراقية بإنهاء الوجود الأجنبي في البلاد بعد الجرائم الأميركية ضد مقرات وقيادات عسكرية عراقية وصديقة رفيعة المستوى.
وكان “حلف شمال الأطلسي”، قد أعلن قبيل أيام، تعليق كافة مهامه التدريبية في “العراق”، مع تصاعد التوتر، إثر مقتل قائد (فيلق القدس) في “الحرس الثوري” الإيراني، اللواء “قاسم سليماني”، ونائب وحدات (الحشد الشعبي) العراقي، “أبومهدي المهندس”، وآخرين في غارة أميركية قرب “مطار بغداد”، بوقت سابق من شهر كانون ثان/يناير الجاري.
وأدت العملية الأميركية إلى تصعيد خطير بين البلدين، إذ نفذ “الحرس الثوري” الإيراني كخطوة جوابية، هجومًا صاروخيًا واسعًا استهدف القوات الأميركية في قاعدتي (عين الأسد) في “الأنبار” و(حرير) في “أربيل” العسكريتين بـ”العراق”.
خسائر العراق من الانسحاب الأميركي..
ومازالت التحذيرات تتوالى عن سلبية الانسحاب الأميركي من “العراق”؛ كان آخرها ما أورده مركز دراسات وبحوث أميركي، من جملة عواقب، (أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية)، يمكن أن يواجهها “العراق” في حال مضى قدمًا بقرار “البرلمان” القاضي بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في البلاد.
وقال مركز “آتلانتيك كاونسل” للدراسات الإستراتيجية في “واشنطن”، في مقال كتبته سفيرة العراق السابقة في الولايات المتحدة، “رند الرحيم”، إن: “التداعيات الأمنية لقرار البرلمان العراقي تتمثل في فقدان التدريب والدعم اللوجيستي والتقني ومشاركة المعلومات الاستخباراتية التي يقدمها التحالف للقوات العراقية”.
وأضافت أن: “هذا الإجراء يأتي بالتزامن من قيام تنظيم (داعش) بإعادة تجميع صفوفه، فيما لا تزال قوات الأمن العراقية غير مستعدة لمواجهة ذلك بمفردها”.
عواقب اقتصادية خطيرة..
أما على الصعيد الاقتصادي، تشير كاتبة المقال إلى أن: “العواقب ستكون خطيرة، خاصة بعد تهديد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بفرض عقوبات اقتصادية قاسية والإستيلاء على الأصول العراقية في الخارج”.
وتتابع أنه: “في حال طبق هذا السيناريو المريع على الأرض؛ فإن قطاع النفط العراقي سيعاني وستنخفض العائدات، وسينهار اقتصاد البلاد الذي يعاني أصلًا من أزمات عدة”.
وتابعت “الرحيم” أن: “هناك نتيجتين أخريتين لهما نفس الأهمية؛ تتمثلان في أن علاقات العراق الخارجية مع الغرب، ليس فقط الولايات المتحدة، ولكن أيضًا مع أوروبا، ستتوتر بشدة، مما يُجبر العراق على التوجه نحو روسيا والصين، ويزيد من سيطرة إيران على السياسة والاقتصاد في البلاد”.
إنعدام الثقة بين المكونات والقوى العراقية..
وفي ما يتعلق بالسياسة الداخلية، تؤكد كاتبة المقال أن: “القرار قد يؤثر على العلاقة بين المكونات الرئيسة في العراق؛ باعتبار أن قرار البرلمان إتخذ بحضور المكون الشيعي فقط”.
وتشير “الرحيم” إلى أن: “الكُرد تحفظوا على قرار إنهاء الوجود الأميركي من البلاد، فيما أبدى السُنة مخاوفهم باعتبار أنهم ينظرون إلى وجود قوات التحالف مهم لمواجهة النفوذ الإيراني”.
وتابعت أن: “هذا القرار قد يتسبب في عودة إنعدام الثقة بين المكونات والقوى العراقية بعد أن كان التلاحم فيما بينها مرتفع منذ أن تم تشكيله خلال فترة الحرب ضد تنظيم (داعش)”.
وكان الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، قد هدد بفرض عقوبات بمليارات الدولارات؛ إذا أُجبرت “الولايات المتحدة” على سحب قواتها، قائلاً: “ما لم تغادر الولايات المتحدة العراق على أساس ودي، فإن الولايات المتحدة ستفرض عليها عقوبات لم يسبق لها مثيل من قبل”.
كما هددت “وزارة الخارجية” الأميركية بتجميد حساب “العراق” في “بنك الاحتياطي الفيدرالي”، في “نيويورك”، وهي خطوة يمكن أن تقوض الاقتصاد العراقي، وتخلق أزمة نقدية في النظام المالي لـ”العراق”.
وقال وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، إن: “جميع القادة العراقيين أبلغوه في مجالس خاصة بأنهم يؤيدون الوجود العسكري الأميركي في بلدهم، على الرغم من المطالبات العلنية بخروج الجنود الأميركيين من العراق”.