خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعدما أكد، أمس، رئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، تحقيق “خطوات إيجابية” للحد من الفساد، مشددًا على مواصلة العمل لاستعادة هيبة الدولة.
ظهرت خطوات فعلية تجاه تلك المسألة، حيث أصدرت محكمة الجنايات المختصة بنظر دعاوى النزاهة في “الكرخ” حكمها بحق وزير البلديات والأشغال الأسبق، “رياض عبدالحمزة عبدالرزاق الغريب” و”هاشم عبدالزهرة عزيز”، الذي كان يشغل منصب مدير عام في الوزارة ذاتها، بالحبس الشديد لمدة سنتين لكل واحد منهما استنادًا، لأحكام المادة (430) من قانون العقوبات.
وذكر “مجلس القضاء الأعلى”، في بيان له؛ أن: “المحكمة المختصة بنظر دعاوى النزاهة أصدرت حكمها بحق المذكورين جراء إخلالهما بعقد نصب وتجهيز (17) معمل أسفلت، بقيمة (25) مليون دولار، في عام 2007”.
وأضاف أن: “المحكمة أعطت الحق لوزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال بمراجعة المحاكم المدنية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تسبب بها ذلك الإخلال”.
وكانت “لجنة النزاهة” النيابية في البرلمان العراقي، أعلنت في مطلع كانون ثان/يناير الماضي، أن حجم الأموال المهربة خارج البلاد تُقدر بنحو 350 تريليون دينار، أي ما يعادل نحو 240 مليار دولار أميركي.
تراجع لجنة الفساد بسبب الضغوط السياسية..
وقال عضو اللجنة، “طه الدفاعي”، لوكالة الأنباء العراقية، إن: “الحكومة شكلت لجنة لمكافحة الفساد، وهذه اللجنة عملت خلال الأيام الأولى بشكل واضح وكبير، ولكنها تراجعت خلال الفترة الأخيرة بسبب الضغوط السياسية، إذ جرى توجيه شتى أنواع الاتهامات لها”، معبرًا عن أمله: “باستمرار عملها، والتحقيق في قضايا أهم كملفات الفساد المستشرية في بعض الوزارات”.
وأشار إلى أن: “الأموال التي صرفت، بعد العام 2003، تقدر بألف تريليون دينار، وهي تشمل موازنات الوزارات التشغيلية والاستثمارية، إذ هدرت أموال طائلة في قضايا التعاقد، فضلاً عن الفساد الذي كان مستشريًا في أغلب العقود التي تعاقدت عليها الوزارات والمحافظات”.
وتابع: “لم نلمس أي مشروع واضح تم استكماله في بغداد أو المحافظات، وأغلب المشاريع أحيلت لشركات غير رصينة، وتم التعامل عليها على أسوأ العمولات، لذلك لم تنجز الأعمال، وبقيت الأموال على مشاريع بسيطة، لكن لم نشاهد مشاريع إستراتيجية كطرق رئيسة وجسور سريعة”.
فتح جميع الملفات المتأخرة..
ويطغى الفساد المالي والإداري بشكل كبير، على مفاصل الدولة العراقية ومؤسساتها الخدمية، منها المؤسسات الصحية، حيث عرّت جائحة (كورونا)، الوضع من خلال هشاشة النظام الصحي، رغم الموازنة الكبيرة المخصصة لهذا القطاع.
المحللون يؤكدون أن مشكلة الخدمات، تحولت بمرور الزمن إلى معضلة بنيوية في جسد الدولة العراقية، لأنها على تماس مباشر بحياة العراقيين، ولكون الحكومات السابقة لم تولِ هذا الملف الاهتمام المطلوب، الأمر الذي أدى إلى تراجع البنى التحتية في جميع المجالات، وفاقم من مستوى التدني في تقديم الخدمة المطلوبة. وقد تعهد “الكاظمي” بفتح جميع الملفات المتعلقة بالمشاريع المتلكئة والمتوقفة، بسبب فساد بعض الشخصيات المتنفذة.
وقال مكتب “الكاظمي” إن: “العام الحالي، سيشهد إحالة العديد من رؤوس الفساد إلى النزاهة، بموجب لجنة مكافحة الفساد”، مشيرًا إلى أن جهود حكومته في مكافحة الفساد، بدأت تتعرض إلى عمليات تشويه مقصود وضغوطات، فهل سيصمد “الكاظمي” أمام هذه المناورات، أم سيواصل المعركة، بالنظر لخبرته الكبيرة التي اكتسبها سابقًا من رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي، حيث يعرف كل كبيرة وصغيرة في “العراق”.
ومنذ تولي “الكاظمي”، رئاسة الوزراء، أعلن عن عزمه على محاربة الفساد، حيث شكل، في آب/أغسطس 2020، لجنة للتحقيق في قضايا الفساد الكبرى في “العراق”، كما قام بالسيطرة على المنافذ الحدودية، واتخذ خطوات عدة ضد عدد من المسؤولين الماليين بتهم فساد، من بينهم المدير السابق لمديرية التقاعد الوطنية، “أحمد الساعدي”، الذي ألقت قوات جهاز مكافحة الإرهاب القبض عليه في “بغداد”.
إعادة النظر بقانون هيئة النزاهة رقم “30 لسنة 2011”..
وأكد “الكاظمي”، في أكثر من مناسبة، أن مسألة تطبيق محاربة الفساد، يجب أن تشمل الجميع، لكن يحتاج، حسب المراقبين، إلى تحرير “مجلس القضاء” من الضغوطات، حيث طالب المجلس في أكثر من مرة، بضرورة إعادة النظر بقانون هيئة النزاهة رقم “30 لسنة 2011″، لا سيما المواد المتعلقة بتعريف جريمة الفساد.
ومن جهتها، استعادت “هيئة النزاهة الاتحادية” العراقية؛ ومنعت هدر نحو ملياري دولار أميركي، مع إصدار أوامر استقدام واعتقال وقبض، بحق 64 وزيرًا، بالإضافة إلى 12254 مذكرة أخرى بحق متهَمين بالفساد الإداري والمالي، كون أغلب الوزراء يتم محاكمتهم غيابيًا، بحيث فروا إلى أماكن أخرى، فيما فشلت الحكومات السابقة في كبح الفساد رغم تشكيلها عدة لجان حكومية وبرلمانية للحد منها.
الخطوات التي قام بها “الكاظمي”، جعلت عدد من المراقبين يرى أنه بدأ إصلاحات عاجلة، تبدأ أولاً برفع الغطاء السياسي عن الفاسدين، واتخاذ خطوات قوية، من خلال منهج حكومي واضح لمحاربة الفساد، ومواجهة الصفقات المشبوهة، التي تسببت في هدر “العراق” مليارات الدولارات.
تحقيق خطوات إيجابية..
وخلال كلمته، يوم السبت، خلال احتفالية بـ”يوم الشهيد، أشار “الكاظمي” بشأن تطورات ملف الفساد، إلى تحقيق “خطوات إيجابية” للحد من الآفة، مشددًا على أن: “لجنة مكافحة الفساد ستستمر بعملها؛ رغم كل ما يُثار حولها من أكاذيب”.
ويشهد “العراق” أزمة مالية اقتصادية خانقة تعتبر الأقسى، منذ عام 2003، رغم تعدد ثرواته. فيما يعتبر الفساد الآفة الأكبر التي أبتلعت أكثر من 500 مليار دولار طيلة السنوات الماضية.
وتُتهم أحزاب ومليشيات وقوى سياسية؛ بالوقوف وراء عمليات سرقة وفساد طالت أغلب مؤسسات الدولة.
وفي بداية الشهر الجاري، أثارت تصريحات لوزير المالية العراقي، “علي عبدالأمير علاوي”، بشأن الفساد، حالة من الجدل داخل المجتمع العراقي.
وطالبت لجنة نيابية بفتح تحقيق بشأن تصريحات الوزير، التي قال فيها إن: “منفذ بيع العُملة الأجنبية”، كان مرتعًا للفساد المالي حتى الأمس القريب.
وقالت الدائرة الإعلامية للبرلمان، إن: “المالية النيابية؛ خاطبت وزارة المالية بشأن تصريحات الوزير عن تورط بعض الكتل السياسية في نشر الفساد من خلال نافذة بيع العُملة في البنك المركزي”.
وأوضحت أن: “الغرض من المخاطبة تشكيل لجنة فرعية للتحقيق بهذا الموضوع؛ وكشف الحقائق أمام الشعب العراقي”.
وكان وزير المالية، “علي عبدالأمير علاوي”، صرح، الجمعة 6 شباط/فبراير الحالي، بأن نافذة بيع العُملة، (مزاد العُملة)، للبنك المركزي العراقي، سابقًا كان جزءًا مهمًا في نشر الفساد المالي في البلاد.
وذكر “علاوي”، في مقابلة تلفزيونية: “لدينا ما يكفي من الأدلة بأن مزاد العُملة للبنك المركزي؛ كان سابقًا جزءًا مهمًا في نشر الفساد، وهناك بعض الكتل السياسية الكبيرة متورطة به وتتخذ من أسماء وشخصيات مشاركة في المزاد واجهة لها”.
وعن إمكانية تسميته لهذه الكتل، قال “علاوي”: “لا أملك الحصانة القضائية، وحتى إجراءات الحماية القانونية غير كافية لكشف الأسماء”.
وبحسب تقديرات غير رسمية، اقترب “العراق” من بيع 500 مليار دولار، خلال منفذ بيع العُملة، منذ 2003.
وكانت “المفوضية الأوروبية” قد أدرجت “العراق” ضمن قائمة الدول التي تشكل مخاطر مالية على الاتحاد بسبب القصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.