خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أن الاقتصاد التركي بات على موعد مع الأزمات، حيث يواجه اضطرابًا جديدًا بعد الإطاحة المفاجئة بمحافظ “البنك المركزي” على يد الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، وهو ما أثار مخاوف المستثمرين الأجانب وزرع بذور أزمة مالية في الأفق، وفقًا لتحليل أبرزته صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية.
وقبل أيام، استبدل “إردوغان”، “”ناجي إقبال”، بـ”شهاب قافجي أوغلو”، عضو البرلمان السابق عن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، الذي ينتمي إليه “إردوغان”، الذي أيد علنًا دعوات الرئيس لخفض أسعار الفائدة، رغم بلوغ نسبة التضخم لـ 15.6 في المئة، خلال شباط/فبراير 2021.
“إردوغان” يفضل معدلات فائدة منخفضة..
ويفضل “إردوغان”، الذي أقال 3 رؤساء لـ”البنك المركزي”، في أقل من عامين، معدلات فائدة منخفضة كجزء من إستراتيجية لتشجيع النمو. وعارض السياسات التي وضعها “إقبال”، الذي رفع أسعار الفائدة في محاولة لمكافحة التضخم ومساعدة “تركيا” على تجنب أزمة اقتصادية. وشجعت سياسات “إقبال”؛ المستثمرين على ضخ مليارات الدولارات مرة أخرى في البلاد، منذ تعيينه، في تشرين ثان/نوفمبر الماضي.
إقالة “إقبال” أدت إلى واحدة من أسوأ عمليات البيع في يوم واحد للأصول المقومة بـ”الليرة” التركية. وهبطت “الليرة”، 7.5 في المئة، أمام “الدولار” في يوم واحد. وسعى “قافجي أوغلو” إلى طمأنة الأسواق بالقول إنه سيكبح جماح التضخم، لكنه لم يقل ما إذا كانت أسعار الفائدة ستتغير.
ودافع “إردوغان” عن سياسته، خلال خطاب ألقاه أمام أعضاء حزبه، يوم الأربعاء الماضي، قائلاً إن تقلبات السوق هذا الأسبوع لا تعكس الأسس القوية للاقتصاد التركي، مضيفًا: “أثبتنا مرارًا وتكرارًا أننا صامدون ضد جميع أنواع الصدمات”.
وأشرف “إردوغان”، الذي حكم “تركيا” كرئيس للوزراء ولاحقًا كرئيس، منذ عام 2003، على سنوات من التوسع الاقتصادي السريع خلال العقد الأول من توليه السلطة، حيث استثمرت الحكومة في البنية التحتية واعتمدت سياسات لتشجيع النمو.
غير أنه، خلال العقد الماضي، عانت “تركيا” من عدم الاستقرار المتزايد، بما في ذلك الاحتجاجات الشعبية ضد “إردوغان”، وتدفق ملايين اللاجئين من “العراق” و”سوريا” المجاورتين، والهجمات الإرهابية من قبل تنظيم (داعش) والمسلحين الأكراد.
سحب أموال المستثمرين..
كما أدى تبني حكومة “إردوغان”، لأسعار الفائدة المنخفضة والسياسات الاقتصادية غير التقليدية الأخرى، في بعض الأحيان إلى قيام المستثمرين الدوليين بسحب الأموال من “تركيا” بسبب مخاوف بشأن استقرار البلاد.
وغرقت “تركيا” في أزمة عُملة، منذ عام 2018، بعد أن ضاعف الرئيس الأميركي السابق، “دونالد ترامب”، الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم، خلال نزاع على قس أميركي كان محتجزًا في “تركيا”. وفي ذروة الأزمة عين “إردوغان” صهره، “بيرات البيرق”، لقيادة “وزارة المالية”، ما زاد مخاوف المستثمرين بشأن الدائرة الضيقة من المستشارين غير المؤهلين حول الرئيس التركي، وفق تحليل (وول ستريت جورنال).
استقرار العُملة بعد رفع سعر الفائدة..
ولم تصل العُملة إلى مرحلة الاستقرار؛ إلا بعد أن اضطر “البنك المركزي” إلى رفع أسعار الفائدة، إلى 24 في المئة، في أيلول/سبتمبر 2018، حيث بقيت كذلك لمدة 10 أشهر تقريبًا. وأدّت زيادة أسعار الفائدة وقتها إلى استقرار الاقتصاد، واستطاعت “تركيا” خفض عجز الحساب الجاري، وخلق فائض فيه خلال جزء من 2018، وجزء من 2019.
وجددت الإطاحة الأخيرة برئيس “البنك المركزي”، الذي يثق فيه العديد من المستثمرين الأجانب، المخاوف من أزمة ميزان المدفوعات، حيث لن تتمكن “تركيا” من سداد قيمة الواردات الأساسية أو ديونها الخارجية. وتعتمد “تركيا” على التمويل من المستثمرين الأجانب لتمويل عجز الحساب الجاري.
وجعل عدم الاستقرار في “البنك المركزي” من الصعب على الاقتصاد التركي التعافي من سلسلة من الصدمات الخارجية.
وترى (وول ستريت جورنال) أنه من غير المرجح أن يسعى “إردوغان” إلى اتفاق مع “صندوق النقد الدولي” من أجل الإنقاذ. وخلال الأزمة، في عام 2018، قال مسؤولون حكوميون إن الاتفاق مع “صندوق النقد الدولي” ليس على أجندة “تركيا”.
ويقول المستثمرون إن المسار الأكثر ترجيحًا؛ هو أن تسعى “تركيا” إلى اتفاق مع “قطر”.
مخاطر شعبوية “إردوغان” في قراراته..
في سياق متصل، كتب “نيكولاي بروتسينكو”، في (أوراسيا ديلي)، حول مخاطر شعبوية “إردوغان” في قراراته المالية.
وجاء في المقال: يثير قرار الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، إقالة محافظ البنك المركزي، “ناجي إقبال”، الذي كلف بهذا المنصب منذ بضعة أشهر فقط، شكوكًا جدية في تقويم الزعيم التركي المناسب لحالة اقتصاد دولته. لقد وجدت “تركيا” نفسها عمليًا تحت ضربة مزدوجة من فيروس (كورونا) والتضخم المتسارع. وها هي تغييرات “إردوغان” للموظفين تقوض أي إيمان بعقلانية السياسة المالية والاقتصادية للسلطات وإمكانية التنبؤ بها.
لكن طموحات الزعيم التركي تنمو أمام أعيننا: ففي فترته الرئاسية المقبلة، في العام 2023، يريد “إردوغان” الدخول في موجة برنامج إصلاح اقتصادي جديد، بدأت الحكومة التركية الآن في تنفيذه.
تحذير “فيتش” الدولية..
وقد حذرت وكالة (فيتش) الدولية؛ من أنها لا ترى شيئًا جيدًا لاقتصاد البلاد في تغيير محافظ “البنك المركزي” التركي: فوفقًا لمحلليها، هذه الخطوة تقوض الثقة في البنك الوطني. إذا عاد رئيسه التنفيذي الجديد بسرعة إلى خفض أسعار الفائدة وعادت الاضطرابات في أسواق الصرف الأجنبي والسندات، كما حدث العام الماضي، فإن (فيتش) مستعدة لخفض التصنيف الائتماني السيادي لـ”تركيا”.
قد تطور المشاكل المالية إلى مشاكل أكبر..
وبحسب خبير الشرق الأوسط في معهد العولمة والحركات الاجتماعية، “ميخائيل بالبوس”: “مع ذلك، فإن الرئيس التركي، كالعادة، لديه منطقه الخاص في التصرف. قرار إردوغان بتغيير محافظ البنك المركزي؛ في الأساس قرار شعبوي وسياسي، تم تقديمه بوصفه نتاج قلق على رفاه المواطنين الأتراك. كما هو الحال في مجالات أخرى، كالسياسة الخارجية، يلعب “إردوغان” لعبة محفوفة بالمخاطر في الشؤون المالية. قد يكون ثمنها خسارة كبيرة للناخبين، لأن الإجراءات الحالية لا تستبعد تطور المشاكل المالية الحالية إلى مشاكل أكبر”.
إشارة على عودة السياسة النقدية إلى عهد “البيرق”..
وتحت عنوان: “الاقتصاد التركي وقع ضحية حروب الأجهزة”، كتب “إيغور سوبوتين”، في (نيزافيسيمايا غازيتا)، حول تغيير “إردوغان”، محافظ “البنك المركزي”، ثلاث مرات في أقل من عامين.
وجاء في المقال: تزامن الأمر الذي أصدره الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، بإقالة محافظ البنك المركزي، “ناجي إقبال”، من منصبه مع ارتفاع طفيف في قيمة “الليرة” التركية، وهو ثالث مسؤول لهذه الجهة المنظمة، يتم استبداله في أقل من عامين بقليل.
الرئيس الجديد للبنك المركزي التركي هو، “شهاب قوجي أوغلو”، الأستاذ في جامعة “مرمرة”، بـ”إسطنبول”.
وعلى ذلك، علق كبير مديري البرنامج التركي في صندوق الدفاع الأميركي عن الديمقراطية، “أيكان إردمير”، العضو السابق في البرلمان التركي، بالقول: “عندما عين، إردوغان، ناجي إقبال، محافظًا للبنك المركزي التركي، في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، أشاد به المستثمرون العالميون، كخبير كفؤ من شأنه أن يُعيد تركيا إلى السياسة النقدية المحافظة”.
ففي الواقع، وفقًا للبرلماني السابق، قبل تولي “إقبال” منصبه، أدت سياسات “بيرات البيرق” الإدارية إلى أن “تركيا” شهدت واحدة من أكبر تدفقات رأس المال إلى الخارج، منذ حوالي عقد من الزمان.
ومع ذلك، وفقًا لـ”إردمير”، في غضون خمسة أشهر من عمله، تمكن “إقبال” من تغيير سياسة “البيرق” المتهورة تمامًا. ونتيجة لذلك، استطاعت “تركيا” جذب رؤوس أموال أجنبية، بقيمة 4.5 مليار دولار. أما تعيين “شهاب قوجي أوغلو”، الموظف السابق في “حزب العدالة والتنمية” الرئاسي، والذي ليس لديه خبرة في “البنك المركزي”، فيُعد إشارة واضحة على أن “تركيا” ستعود إلى السياسة النقدية غير التقليدية التي شهدتها في عهد “البيرق”.
انعكاس للصراع على مجالات النفوذ..
ووفقًا لـ”إردمير”، فمن الصعب تفسير: “تصرفات إردوغان العشوائية”؛ بأي سياسة اقتصادية عقلانية. وقال لـ (نيزافيسيمايا غازيتا): “هذا انعكاس للصراع والحروب على مجالات النفوذ بين مختلف الكتل داخل التحالف الإسلامي القومي المتطرف في تركيا”. وبحسبه، فإن القرارات السياسية غير المدروسة ستؤدي حتمًا إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في “تركيا”، وهذا بدوره سيقوض دعم حكومة “إردوغان”.