وسط التلويح بالنووي .. التصعيد العسكري المستمر بين باكستان والهند إلى أين سيصل ؟

وسط التلويح بالنووي .. التصعيد العسكري المستمر بين باكستان والهند إلى أين سيصل ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

فيما يبدو أنه لا نهاية قريبة للتصعيّد العسكري والتصريحات المتبادلة بين الجيشين الهندي والباكستاني.

أعلن المتحدث باسم الجيش الباكستاني؛ الليفتنانت جنرال “أحمد شودري”، الجمعة: “أننا لن نتجّه إلى نزع فتيل التصعيد” مع “الهند”، مؤكدًا أن بلاده ستظل: “في حالة حرب” ما دامت سيّادتها وشعبها يتعرضان: “لتهديد”.

وصرح “شودري”؛ لصحافيين: “بعد ما فعّلوه بحقنا، ينبغي أن نُرد عليهم. حتى الآن، قمنا بحماية أنفسنا، لكنهم سيتلقون ردًا في اللحظة التي نختارها”.

ويواصل المجتمع الدولي حضّ “باكستان” و”الهند” على ضبط النفس؛ إثر اندلاع مواجهة عسكرية بينهما هي الأشد منذ عقود.

غارات وتصعيد متبادل..

وفي وقتٍ سابق؛ أفاد مسؤولون باكستانيون، بمقتل خمسة أشخاص، بينهم طفلة، ليل الخميس/ الجمعة، بقصف مدفعي مصدره “الهند” في “كشمير” الباكستانية. فيما لم تُعلق “الهند” على ذلك على الفور.

وبهذا تكون حصيلة الضحايا قد ارتفعت إلى: (37) قتيلًا ونحو ستين جريحًا؛ منذ الأربعاء، في “باكستان” و”كشمير” الباكستانية، بحسّب المصادر الرسمية.

في المقابل؛ هزت انفجارات قوية؛ مساء الخميس، مطار مدينة “جامو” في “كشمير” الهندية، وفق ما أفاد مصدر أمني.

والأربعاء الماضي؛ دارت اشتباكات بالمدفعية والأسلحة الرشاشة بين الجارتين على طول خط الحدود الفاصل بين البلدين في منطقة “كشمير”؛ التي يتنازعان السيّادة عليها، بحسّب ما أعلنت “نيودلهي”، في حين سارعت أطراف دولية إلى عرض التوسط بين الطرفين أو أقله الدعوة إلى ضبط النفس.

وأسفر القصف العنيف عن سقوط: (31) قتيلًا في الجانب الباكستاني؛ و(12) قتيلًا في الجانب الهندي، في أخطر مواجهة عسكرية بين القوتين النوويتين منذ أكثر من عقدين.

وبدأت الأزمة إثر هجوم مسلح وقع في الشطر الهندي من “كشمير” أودى بحياة (26) شخصًا، الشهر الماضي، والذي كان أول حادث كبير في المنطقة؛ منذ شباط/فبراير 2019.

ومنذ ذلك الوقت؛ تتهم “نيودلهي”؛ “إسلام آباد”، التي تؤكد بدورها أن لا علاقة لها بهذا الهجوم الذي لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عنه. وتتبادل الجارتان المتنافستان منذ تقسيّمهما قبل نحو (80 عامًا)، تهديدات خطيرة.

ردع الجماعات المتطرفة..

على المستوى الدبلوماسي؛ أكد وزير الخارجية الهندي؛ “سوبراهمانيام جايشانكار”، لنظيره الإيراني؛ “عباس عراقجي”، الذي يزور “الهند” في إطار جهود وسّاطة تُجريها “طهران”، أن “نيودلهي”: “لا تنوي التسبب في تصعيّد جديد”. وأضاف أن أي هجوم من جانب “باكستان” سيُواجه” بـ”ردٍ حازم للغاية”.

وفي حديثه؛ لـ (سكاي نيوز عربية)، شدّد السفير الهندي السابق؛ “نافديب سوري”، على أن “نيودلهي”: “لم تُعدّ مستَّعدة للصمت أمام الهجمات الإرهابية التي تُدار من الأراضي الباكستانية”.

ووصف الضربات الجوية الأخيرة على أهداف داخل “باكستان” بأنها: “محدودة ودقيقة”؛ وتهدف إلى: “ردع الجماعات المتطرفة التي تتخذ من باكستان ملاذًا آمنًا”. على حد قوله.

وفي إطار تحميّل المسؤولية؛ لم يتردد “سوري” في توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة الباكستانية، مشيرًا إلى أنها: “لم تتحرك يومًا ضد جماعات إرهابية؛ كـ (جيش محمد) و(عسكر طيبة)”، بل اعتبر أن “باكستان”: “تُغذّي الإرهاب وتستخدمه كورقة ضغط على الهند”.

مجرد ابتزاز نووي..

لكن أخطر ما جاء في تصريحات “سوري”؛ تمثّل في التقليل من شأن تهديدات “باكستان” النووية، حيث قال صراحة: “لقد سمعنا هذا الابتزاز النووي مرارًا، والهند لن تسمح له بالتحكم في خياراتها الدفاعية”.

كما لوّح بإمكانية إعادة النظر في “معاهدة مياه نهر السند”، معتبرًا أن: “الهند تُقدم تنازلات مائية تاريخية لباكستان”، وهي رسالة ضمنية بأن أوراق الضغط ليست فقط في ميدان المعركة، بل أيضًا في الجغرافيا والاقتصاد.

للهرب من المشاكل الداخلية..

وفي المقابل؛ قدّم الباحث السياسي الباكستاني؛ “عبدالرحمن حيات”، رواية مناقضة تمامًا، تبدأ من نفي التهمة ولا تنتهي عند توجيه اتهامات معاكسة لـ”الهند”.

وأوضح “حيّات” أن بلاده: “ترفض التصعيّد”؛ وأنها عرضت منذ البداية: “التعاون الكامل في التحقيقات”، بل دعت إلى: “تشكيل لجنة دولية مستقلة” لبحث ملابسَّات الهجوم الذي تتهمها به “الهند”.

“حيّات”؛ ذهب أبعد من ذلك حين شبّه التصعيد الحالي بما جرى عام 2019، معتبرًا أن الحكومة الهندية: “تختلق أزمات حدودية كلما اقتربت الانتخابات، للهروب من مشاكلها الداخلية وتجييّش الشارع”.

باكستان” تواجه حرب شرسة ضد الإرهاب..

أما بشأن الجماعات المتطرفة؛ فقد نفى “حيّات” أي علاقة لـ”باكستان” بها، مؤكدًا أن: “الهند لم تُقدم أي دليل ملموس يربط الحكومة الباكستانية بتلك الجماعات”، وأن “إسلام آباد”: “تخوض منذ سنوات حربًا شرسة ضد الإرهاب، دفعت فيها آلاف الشهداء”.

وفي سياّق الدفاع عن موقف بلاده؛ وصف “حيّات”؛ “كشمير”، بأنها: “أرض محتلة”، مشيرًا إلى أن المقاومة فيها: “شعبية ومحلية، وليست مدفوعة من باكستان”.

وبيّن أن أكثر من (700) ألف جندي هندي في الإقليم: “لا يواجهون متسَّللين، بل شعبًا يرفض الاحتلال ويُطالب بحقه في تقرير المصير”.

وختم حديثه بتحذير لافت مفاده: “إذا استمرت الهند في انتهاك سيّادتنا، فإن الرد سيكون غير متوقع ومؤلم”.

غطاء لسياستيهما..

ما تكشفه مواقف “سوري” و”حيّات” هو أن الأزمة بين “الهند” و”باكستان” تجاوزت حدود الخلاف التقليدي حول “كشمير”، إلى معركة أكبر حول شرعية السرد السياسي أمام المجتمع الدولي، والداخل المحلي على السواء.

فـ”الهند” تُصرّ على تصوير نفسها كضحية لإرهاب تُصدّره “باكستان”، فيما تتهم الأخيرة “الهند” باستخدام “كشمير” كورقة انتخابية، وغطاء لفشل اقتصادي وسياسي داخلي.

اللافت أن الطرفين لا يتحدثان عن حلول سياسية أو قنوات دبلوماسية مباشرة، بل ينخرطان في خطاب تصعيدي يُحاكي التعبئة النفسية للحرب، حتى وإن لم يُترجم إلى إطلاق نار شامل بعد.

الأخطر هو ما وصفه “سوري”: بـ”عدم أخذ التهديد النووي على محمّل الجد”، وهو ما قد يعني – ضمنيًا – أن التوازن الردعي التقليدي لم يُعدّ كافيًا لضبط السلوك الميداني، خاصة في ظل حكومات ذات نزعة قومية، وجيوش على أهبة الاستعداد.

كشمير” بين حرب الكلام واحتمال الانفجار..

وبين اتهامات “الهند” ودفوع “باكستان”، تبقى “كشمير” هي الضحية الأبرز، أرضًا وسكانًا، وهي التي تشهد منذ عقود دورة دموية لا تنتهي.

أما المجتمع الدولي؛ فلا يزال يُراقب بصمت، رغم أن أي خطأ في الحسابات قد يشَّعل نزاعًا لا تُعرف نهاياته.

والسؤال الذي يُفرض نفسه اليوم: هل يدفع الطرفان باتجاه اختبار حدود القوة أم أن العقلاء في البلدين سيظهرون قبل فوات الأوان ؟ فالمعركة قد تبدأ برصاصة، لكنها بين قوتين نوويتين قد لا تنتهي عندها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة