خاص : كتبت – نشوى الحفني :
منذ أن بدأ التصعيد “الفلسطيني-الإسرائيلي”؛ وأنظار المراقبين تلتفت إلى الدور الأميركي في تلك الأزمة، خاصة مع قدوم الإدارة الجديدة برئاسة، “جو بايدن”، لمعرفة توجهاتها تجاه الملف الذي طال فيه أمد الصراع.
ومنذ اندلاع الأزمة وإشتعال التصعيد بين الطرفين، بدا واضحًا من توجيهات، “جو بايدن”، لرسائل متكرّرة بأن النزاع “الإسرائيلي-الفلسطيني”، لا سيما في غياب أي أمل في تسويته بسرعة، ليس ضمن أولوياته. ولكن على غرار كثيرين من الرؤساء السابقين لـ”الولايات المتحدة”، تُجبر الأزمة، الرئيس الحالي، على التدخل في الحد الأدنى، لتجنب الانفجار، لذلك نجده يقتصر على إصدار التصريحات المتعلقة باتصاله بأطراف النزاع والأطراف المباشرة المعنية به؛ ليؤكد دعمه لجهود وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
جهد قليل الفائدة ومليء بالأفخاخ السياسية..
ويرى تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية؛ أن هذا العنف المتصاعد يضع الرئيس الديمقراطي أمام معادلة معقدة دبلوماسيًا، بما أن الأوراق التي يمتلكها محدودة، ولكن سياسيًا أيضًا؛ إذ دفعه الجناح اليساري لحزبه إلى أخذ مسافة واضحة من “إسرائيل”، بعد الدعم الثابت والقوي الذي أبداه “دونالد ترامب”.
وقال المفاوض الأميركي السابق في الشرق الأدنى، “آرون ديفيد ميلر”، لوكالة (فرانس برس): “يمكن أن نفهم بسهولة؛ أن إدارة بايدن تعتبر هذا جهدًا فائدته قليلة وغير مربح ومحفوفًا بالأفخاخ السياسية”.
وأضاف الخبير في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي: “لا آفاق لنجاح في هذا الملف. ليس هناك قائد في الجانبين مستعد لاتخاذ قرارات”. وتابع: “في أحسن الأحوال، يمكن لإدارة بايدن أن تأمل في تهدئة العنف فقط” في الأزمة الحالية.
وأضاف التقرير؛ أنه عند وصوله إلى السلطة، في كانون ثان/يناير 2021، أعلن الرئيس “بايدن” وفريقه؛ أنه لا ينوي الإندفاع باتجاه وساطة جديدة، لا سيما أن المستقبل السياسي لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتانياهو”، ورئيس السلطة الفلسطينية، “محمود عباس”، معلّق.
وعبر “بلينكن” عن دعمه إنشاء “دولة فلسطينية” في المستقبل، لكنه اعترف بأن: “لا احتمال واقعيًا في هذا، إلا تجاه على المدى القصير”.
وأشار المتحدث باسم الحزب، “نيد برايس”، مرة أخرى، الثلاثاء؛ إلى أن: “الطرفين ليسا في وضع يسمح لهما حاليًا؛ بإجراء مفاوضات حقيقية للتحرك نحو حل الدولتين”.
وكان الرئيس السابق، “دونالد ترامب”، قدّم دعمه الكامل لـ”نتانياهو”، عبر الاعتراف، من جانب واحد، بـ”القدس” عاصمة لـ”إسرائيل”. وأعلن الملياردير الجمهوري؛ خطة سلام تنص على أن تضم الدولة اليهودية جزءًا كبيرًا من “الضفة الغربية”، تاركًا للفلسطينيين دولة صغيرة عاصمتها في “ضواحي القدس”.
وقال “نيد برايس” ساخرًا: “أعتقد أنه يمكننا الجزم أن هناك عناصر مما يسمى: بخطة السلام هذه؛ لا تمثل نقطة إنطلاق بناءة”.
وتبنت إدارة “ترامب”، أخيرًا، أولوية تكمن في تطبيع دول عربية أخرى علاقاتها مع “إسرائيل”؛ ونجحت في ذلك، ما ساهم في تهميش “القضية الفلسطينية”.
لا قطيعة حقيقية مع قرارات “ترامب”..
ودعمت إدارة “بايدن”، هذا التطبيع؛ الذي يُعد من أحد النجاحات الدولية النادرة التي تعترف بها للحكومة السابقة، لكنها أحيت في الوقت نفسه دبلوماسية أكثر تقليدية وتوازنًا حيال النزاع “الإسرائيلي-الفلسطيني”.
واتهم الرئيس الجمهوري، “دونالد ترامب”، الثلاثاء، “بايدن”: بـ”الضعف”؛ لعدم دعمه “إسرائيل” بقوة كافية في الأزمة الحالية. وكتب في بيان: “تحت حكم بايدن؛ أصبح العالم أكثر عنفًا واضطرابًا، لأن ضعف بايدن وعدم دعمه لإسرائيل، أديا إلى مزيد من الهجمات على حلفائنا”.
ويقيم الرجلان المخضرمان في السياسة الخارجية الأميركية، “جو بايدن” و”آنتوني بلينكن”، علاقات متينة وطويلة الأمد مع “إسرائيل”. لكن مواقف التأييد المبالغ بها للدولة العبرية، في عهد “ترامب”، ساعدت في نمو معارضة متزايدة داخل “الحزب الديموقراطي” الأميركي، خصوصًا حيال، “بنيامين نتانياهو”، الذي يُنظر إليه أكثر فأكثر على أنه زعيم لليمين المتطرف.
ودعا “بيرني ساندرز”، الخصم الرئيس، لـ”جو بايدن”، في الانتخابات التمهيدية لـ”الحزب الديمقراطي”، “الولايات المتحدة”؛ إلى: “إدانة عنف المتطرفين الإسرائيليين المتحالفين مع الحكومة”.
وقالت “فيليس بنيس”، الباحثة في معهد الدراسات السياسية؛ الذي يوصف باليساري، إن الرئيس الأميركي، ورغم بعض الخلافات مع “نتانياهو”، لم ينفذ قطيعة حقيقية مع قرارات خلافية عديدة اتخذها سلفه.
وأضافت، لوكالة (فرانس برس): “بما أن إسرائيل لا تُريدنا أن نعود إلى الاتفاق النووي الإيراني، ونحن سنفعل ذلك في كل حال، لن نتخذ أي قرار آخر قد يُثير استياء إسرائيل، مثل الضغط ضد انتهاكاتها المباشرة للقانون الدولي”.
الاختبار الأول لـ”بايدن”..
في نفس السياق، نشرت صحيفة (الفايننشال تايمز)، مقالاً لـ”مارتن إنديك”، عن الامتحان الذي يمثله التصعيد “الإسرائيلي-الفلسطيني” الأخير بالنسبة للرئيس الأميركي، “جو بايدن”.
ويقول الكاتب، وهو المبعوث الأميركي الخاص السابق للمفاوضات “الإسرائيلية-الفلسطينية”؛ ومؤلف الكتاب القادم: (سيد اللعبة: هنري كيسنغر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط)، إن: “الصراع بين غزة وإسرائيل يقدم، لجو بايدن، الاختبار الأول لما إذا كان قادرًا على النجاح، حيث فشل أوباما ودونالد ترامب”.
ويوضح “إنديك”؛ أن أولويات السياسة الخارجية لـ”بايدن”: “تكمن في مكان آخر: مواجهة صعود الصين الحازمة، والوقوف في وجه روسيا بوتين، ومكافحة التغير المناخي، ووقف برنامج إيران النووي ومعالجة الوباء العالمي”.
أما في الشرق الأوسط، فقد أعلن “بايدن” إنهاء الحرب في “أفغانستان”؛ ودعم “الولايات المتحدة” لحرب “السعودية” في “اليمن”. لقد تخلى عن حملة “الضغط الأقصى”، التي: “شنها ترامب على إيران، وعرض رفع معظم العقوبات إذا عادت طهران إلى الإمتثال للاتفاق النووي لخطة العمل الشاملة المشتركة. على عكس أسلافه، لم يُعين مبعوثًا خاصًا للسلام في الشرق الأوسط، ولم يُرشح سفيرًا لإسرائيل أو يُعين قنصلاً عامًا للسلطة الفلسطينية”.
يدعم إسرائيل ويقود أماكن أخرى..
وخلال الأحداث الأخيرة؛ “أجرى مكالمة قصيرة فقط مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو. كان فريق الأمن القومي، التابع له، يعمل على الهواتف، لكنه أرسل فقط مسؤولاً متوسط المستوى في وزارة الخارجية إلى المنطقة، للعمل على وقف إطلاق النار. وهو يوقف أي محاولة من قبل مجلس الأمن الدولي للتدخل”.
ويقول “إنديك” إن: “بايدن لا يقود من الخلف، كما فعل أوباما في ليبيا. إنه يدعم إسرائيل ويقود أماكن أخرى. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستتمكن بها، الولايات المتحدة، من الحفاظ على محورها بعيدًا عن المنطقة”.
ويُضيف الكاتب أن فريق “بايدن” لم يكن يولي الأمر اهتمامًا كافيًا، لذا فقد كان بطيئًا في التقاط الإشارات التي تفيد بأن “إسرائيل” قد عبرت سياج الحماية.
موضحًا: “تدخل مستشاروه في النهاية مع، نتانياهو، وأقنعوه بتعليق عمليات الإخلاء الفلسطينية في القدس الشرقية، وكبح تجاوزات الشرطة في المسجد الأقصى، وإعادة توجيه مسيرة استفزازية بعيدًا عن البلدة القديمة. ولكن ذلك كان قليلاً جدًا ومتأخرًا جدًا”.
وختم “إنديك” بالقول: يبدو أن “بايدن” قد نجا من أول اختبار له في الشرق الأوسط. وأضاف: “لكن تقلبات المكان تضمن أن هناك مزيدًا في المستقبل. نأمل بحلول ذلك الوقت؛ أن يكون شركاؤه المحليون قد توصلوا إلى فهم أدوارهم في نظام إقليمي تدعمه أميركا، وليس بقيادة أميركية، وهذا سيسهل على بايدن تجنب الإنزلاق مرة أخرى في مستنقع الشرق الأوسط”.
ضوء أخضر لاستمرار العدوان الإسرائيلي..
وتحت تساؤل: “هل تخلى بايدن عن حقوق الإنسان في ملف فلسطين ؟”، قالت صحيفة (عكاظ)؛ أن خلط العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، في “القدس” و”غزة”، أجندة الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، وسط تساؤلات جديدة عن كيفية ترجمة إدارة “بايدن” ونظريتها لحقوق الإنسان في ما يتعلق بالفلسطينيين.
وكشفت الغارات الإسرائيلية مدى تغلغل اليمين الإسرائيلي في “القدس الشرقية”؛ ومساعيها لخلق اضطرابات ومعارك واسعة قد تدفع إدارة “بايدن” إلى الإنخراط بشكل أعمق في الصراع “الإسرائيلي-الفلسطيني”، طويل الأمد، حتى بعد انحسار موجة الصراع الحالية، وهو احتمال يحاول الرئيس “بايدن” وكبار مستشاريه؛ تجنبه رغم أن أولويات الدبلوماسية الأميركية تتركز على أماكن أخرى.
وظهر ذلك في تصريحات الرئيس، “جو بايدن”، ووزير خارجيته، “آنتوني بلينكن”، اللذين أكدا وبقوة؛ موقف “واشنطن” الداعم لحق “إسرائيل” في الدفاع عن النفس في مواجهة إطلاق الصواريخ الفلسطينية، متجاهلين المسؤولية الإنسانية تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة بأسلحة متطورة.
وأكتفى “بلينكن” بالإعراب عن قلقه إزاء العدد المتزايد من الفلسطينيين، الذين قُتلوا في الضربات الجوية الإسرائيلية، وهو ما وصفه مراقبون غربيون وعرب؛ بأنه تمييز واضح ومطلق، واصفين تصريحات الرئيس الأميركي: بـ”الضوء الأخضر” والضمني لاستمرار العدوان الإسرائيلي، على الرغم من الدعوات للتهدئة.
ومنعت إدارة الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، “مجلس الأمن”، التابع لـ”الأمم المتحدة”، هذا الأسبوع، من اتخاذ إجراء بحجة أن إصدار بيان أو عقد اجتماع عام سيُعيق الدبلوماسية التي تنشط وراء الكواليس.
تتخذ خطًا حذر في العلن..
كما ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال)؛ أن الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، يواجه تحديًا داخليًا وخارجيًا كبيرًا مع تصاعد العنف بين “إسرائيل” وحركة (حماس)، وتزايد الانقسام بين الديمقراطيين بشأن الصراع “الإسرائيلي-الفلسطيني”.
ومع دخول موجة العنف إلى أسبوعها الثاني؛ سعى “بايدن” إلى نزع فتيل التوتر مع تجنب الإنحياز إلى طرف، مما أثار انتقادات كثيرين في حزبه الديمقراطي، في حين يضغط الجمهوريون عليه لاتخاذ موقف أكثر قوة في صف “إسرائيل”.
ويقول “البيت الأبيض” إنه يُشارك في مناقشات مكثفة وراء الكواليس مع الفلسطينيين والإسرائيليين وأطراف إقليمية؛ لوضع حد لأسوأ موجة عنف بين “إسرائيل” و(حماس)، منذ سنوات.
وفي بيان بمناسبة احتفال “البيت الأبيض”، بعيد الفطر، قال “بايدن”، يوم الجمعة، إن كلاً من الفلسطينيين، بما في ذلك أهل “غزة”، والاسرائيليين: “لهم الحق على السواء، في العيش بكرامة وسلام وأمن”.
وتتخذ إدارة “بايدن” خطًا حذرًا في العلن، مع تكثيف العديد من التقدميين في “الحزب الديمقراطي” دعواتهم لفرض شروط على المساعدات لـ”إسرائيل” وانتقادهم، “بايدن”، لقوله إن “إسرائيل لها حق الدفاع عن نفسها”. وفي نفس الوقت يتخذ زعماء ديمقراطيون، ومنهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، “تشاك شومر”، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس، “بوب منينديز”، وزعيم الأغلبية في مجلس النواب، “ستيني هوير”، موقفًا أكثر تأييدًا لـ”إسرائيل”.
ولم يُعين “بايدن” سفيرًا أميركيًا لدى “إسرائيل” بعد، وهي خطوة تُحثه العديد من المنظمات المعنية بالأمور، “الإسرائيلية-الفلسطينية”، على القيام بها.
وأرسل أكثر من 20 عضوًا ديمقراطيًا بـ”مجلس النواب”، رسالة، الأسبوع الماضي، إلى وزير الخارجية، “آنتوني بلينكن”، تحثه على استخدام الضغط الدبلوماسي لمنع طرد فلسطينيين من “حي الشيخ جراح”، في “القدس الشرقية” المحتلة.
وأثارت النائبة، “ألكسندريا أوكاسيو كورتيز”، وهي من الموقعين على الرسالة، تساؤلات حول المساعدة الأميركية لـ”إسرائيل”، وسط تصاعد العنف.
إدانة إسرائيل مسألة معقدة..
وفي نفس الوقت، دافع ديمقراطيون مؤيدون لـ”إسرائيل”؛ عن موقفهم في قاعة “مجلس النواب”. وقالت النائبة، “إيلين لوريا”؛ إنها كأميركية ويهودية: “يجب أن تقف في صف ما هو صائب”. وأضافت أن: “إسرائيل لديها حق في الوجود. ولديها حق أصيل في الدفاع عن نفسها.”
وقال “بن رودس”، وهو من كبار مستشاري السياسة الخارجية للرئيس السابق، “باراك أوباما”، إن نهج إدارة “بايدن”، إزاء تصاعد العنف في غزة يعكس السياسة الأميركية طويلة الأمد في المنطقة، لكنه لم يُعد يعكس الواقع على الأرض.
وأضاف أن إدانة تصرفات “إسرائيل” يمكن أن تكون مسألة معقدة سياسيًا بالنسبة للإدارة؛ لأنها ستثير المزيد من الأسئلة حول الدعم الأميركي غير المشروط لـ”إسرائيل”.
وأشارت (وول ستريت جورنال) إلى الحسابات الدقيقة لدى، “بايدن”، بالنظر إلى أن علاقته مع “إسرائيل” تمتد نحو نصف قرن، منذ كان عضوًا بـ”مجلس الشيوخ” ثم نائبًا للرئيس. ويُشير مستشاروه إلى أنه التقى مع كل رئيس وزراء “إسرائيل”، منذ أيام “غولدا مائير”، التي التقاها قبل وقت قصير من حرب تشرين أول/أكتوبر 1973، حين كان عضوًا جديدًا بـ”مجلس الشيوخ”.