خاص : كتبت – نشوى الحفني :
دائمًا ما تأخذ “مصر” البادرة الأولى تجاه “القضية الفلسطينية”، بدءًا من ممارسة نفوذها الإقليمي بشأن الأزمة، بالوساطة بين الفصائل الفلسطينية و”إسرائيل”، لوقف الصراع المستمر الذي بدأ منذ أكثر من أسبوع في “غزة”، والذي أدى إلى استشهاد أكثر من 200 فلسطيني، ودعمها لـ”قطاع غزة” وعلاج مصابي الاعتداءات الإسرائيلية بالمستشفيات المصرية؛ وإرسال 65 طنًا من الأدوية والمستلزمات الطبية.
إلا أنه في بادرة أولى من رئيس عربي، وفي تأكيد على أحقية الفلسطينيين في أراضيهم، أعلن الرئيس المصري، “عبدالفتاح السيسي”، الثلاثاء، “مبادرة مصرية”، لإعادة إعمار “قطاع غزة”، بمبلغ 500 مليون دولار، وذلك خلال مباحثاته في “باريس”، بشأن “السودان” وقضايا إفريقية مع الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”، والعاهل الأردني، الملك “عبدالله الثاني”.
أموال هذه “المبادرة المصرية”؛ سيتم توجيهها لصالح إعادة الإعمار نتيجة الاعتداءات الحالية في “غزة”، وستشارك الشركات المصرية المتخصصة بالبنية التحتية وشركات المقاولات؛ في تنفيذ عمليات إعادة الإعمار بـ”غزة”.
وتتزامن المبادرة المصرية مع جهود مكثفة، تقودها “القاهرة”، لوقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وبين “إسرائيل”، والوصول إلى اتفاق تهدئة في “غزة”، ووقف الاشتباكات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية في “الضفة الغربية”.
يُذكر أن “مصر” سبق وأن توسطت فى وقف إطلاق النار، عام 2014، بعد حرب استمرت لأسابيع بين الفصائل و”إسرائيل”.
تدعم جهود إنهاء النزاع القائم..
عن مبادرة إعادة الإعمار، يقول اللواء “محمد الشهاوي”، الخبير الإستراتيجي عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن مبادرة الرئيس “عبدالفتاح السيسي”، لإعادة إعمار “غزة”؛ من شأنها دعم الجهود السياسية والدبلوماسية التي تقودها “مصر” على المستوى الدولي، ومع طرفي النزاع لإنهاء “حالة الحرب” القائمة، في أسرع وقت ممكن، مضيفًا أنها تهدف بالأساس لتخفيف معاناة الفلسطينيين؛ بعد الدمار الكبير الذي لحق بـ”غزة”، من جراء الاعتداءات الإسرائيلية، وأن هذا الدور هو دور أصيل لـ”مصر”، كشقيقة كبرى، وراعٍ تاريخي لـ”القضية الفلسطينية” والشعب الفلسطيني.
ويوضح أن المبادرة المصرية تأتي كذلك؛ استمرارًا لدور “مصر” المحوري والكبير في تحقيق الأمن والاستقرار بالدول العربية ودول المنطقة، خصوصًا دول الجوار، مُذكرًا بالجهود المصرية لاستعادة الاستقرار في “ليبيا”، والمشاركة الحالية بفاعلية في “قمة باريس لجدولة ديون السودان”، وتخفيف بعضها وإلغاء البعض الآخر.
ويُشدد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، على أن مشاركة الشركات المصرية في إعادة إعمار “غزة” يصب في تحقيق: “الأمن القومي المصري”، وتُعد استكمالاً للإجراءات المصرية التي تزامنت مع تطور الأزمة، وأبرزها فتح “معبر رفح” لاستقبال المصابين وعلاجهم في “مصر”، وإرسال مساعدات إلى الشعب الفلسطيني لدعمه في محنته الحالية.
تنمية وسيطرة على الحدود..
ويقول اللواء مهندس “محمد مختار قنديل”، خبير التنمية العمرانية رئيس سابق لأجهزة تعمير مصرية؛ بينها “سيناء ومدن القناة”، إن عودة الأمن والاستقرار لـ”قطاع غزة”؛ هو: “دعم للأمن القومي المصري” بإمتياز.
وأضاف أن الدولة المصرية لا تتأخر في تحركها الحاسم لتخفيف المعاناة عن شعب “فلسطين”، وهو ما رصده العالم فور بدء العدوان الإسرائيلي على “غزة”، فضلاً عن أهمية القطاع أمنيًا وإستراتيجيًا للأمن القومي المصري.
ويشدد الخبير العمراني على أن “قطاع غزة” يمتلك موارد طبيعية وإمكانات كبيرة، وأنه في حال وقف القتال وفك الحصار الإسرائيلي عنه؛ يمكن تنفيذ مشروعات تنمية واستخراج بترول وغاز في البحر، شرط توافر حالة الاستقرار وتوحيد الصف الفلسطيني وإبرام اتفاقات تعاون لإنجاز ذلك.
مؤكدًا “قنديل” أن دعم الدولة المصرية للأشقاء الفلسطينيين؛ سينعكس بمزيد من الدعم والتأييد للدولة المصرية من جانبهم، والسعي لإحكام الحدود بشكل أكبر، ومنع التهريب، والتسلل عبر البحر أو الأنفاق أو بشكل بري إلى داخل “سيناء”.
فرصة للشركات المصرية..
ويوضح اللواء “محيي نوح”، الخبير الإستراتيجي، أن الرئيس “السيسي”، لا يتخذ قرارًا مهمًا مثل إطلاق مبادرة إعمار “غزة”؛ إلا بعد دراسة معمقة ومستفيضة، ومتابعة للوضع على أرض الواقع دون إنفعال.
وأوضح الخبير الإستراتيجي، في حديث لـ (سكاي نيوز عربية)، أن توقيت إعلان المبادرة المصرية قبل إنتهاء القتال الدائر حاليًا، من شأنه دفع الأطراف إلى التهدئة، والانتقال خطوة إلى الأمام، كما أن تنسيق المشاركة في إعادة الإعمار سيستغرق فترة إعداد قبل بدء العمل على الأرض، وخلال تلك الفترة سيكون القتال قد توقف.
ويلفت “نوح” إلى أن الشركات المصرية، التي ستشارك في إعادة الإعمار؛ ستنقل للأشقاء الفلسطينيين خبراتها التنموية بكل صدق وستترك بصمات عمرانية مصرية في القطاع؛ يعكس دعم “مصر” للشعب الفلسطيني، خاصة أن “مصر” لها تجربة تنموية رائدة أشاد بها زعماء العالم، وآخرهم الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”.
ستبدأ معركة جديدة..
من جهته، “أيمن الرقب”، القيادي في التيار الإصلاحي لحركة (فتح) وأستاذ العلوم السياسية، قال في تصريحات لـ (بوابة الأهرام): إن الرئيس “السيسي”، منذ توليه مقاليد الأمور في “مصر”؛ وهو يعمل من أجل استيعاب الأزمات المتعلقة بـ”فلسطين”، بداية من الانقسام الداخلي مرورًا بالأزمات المادية لـ”قطاع غزة”، وصولاً إلى العنوان الرئيس وهو استعادة الحقوق المسلوبة من الشعب الفلسطيني والتعامل مع الغطرسة الإسرائيلية، وفق قواعد القانون الدولي، مشيرًا إلى أن “القاهرة” تحركت على المستوى السياسي بمحاولتها استصدار قرار من “مجلس الأمن”، وإرسال وفود أمنية للتوصل إلى نقطة يمكن عندها أن تضع الحرب أوزارها.
كما أن هناك دلالة أخرى تكمن في إعلان الرئيس، “السيسي”، عن المساهمة في إعادة إعمار “غزة” والمدن الفلسطينية، كأول رئيس عربي يتحدث في هذا السياق؛ لتسليط الضوء على ما تم تدميره من بنية تحتية، وإعطاء إشارة إلى الزعماء والقادة العرب، بأن هناك معركة أخرى ستبدأ بعد أن تضع الحرب أوزارها، وهي معركة الإصلاح والإعمار، وضرورة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
بارقة أمل..
يقول الدكتور “جهاد الحرازين”؛ أحد كوادر حركة (فتح)، بـ”القاهرة”، وأستاذ علوم سياسية، إن خطوة الرئيس، “السيسي”، هي بارقة أمل وسط ما يعانيه الشعب الفلسطيني من عدوان، مؤكدًا أن مواقف “القاهرة” يؤكد دائمًا لكل العابثين أن “مصر” هي السند والداعم الرئيس، وعليها مسؤولية كبيرة في دحر العدوان الإسرائيلي وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال، مقدمًا الشكر للرئيس، “السيسي”، وكافة مؤسسات الدولة المصرية، التي أثبتت أن “فلسطين” هي فعلاً امتداد لأمن “مصر” القومي.
مطالب بالحفاظ على حقوق الفلسطينيين..
وطالب السفير الفلسطيني بـ”القاهرة”، “دياب اللوح”، بضرورة تعزيز صمود المقدسيين على أرضهم في “الشيخ جراح” وعدم تهجيرهم قسرًا، والحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية واحترام قدسيتها، لأن “القدس” الشريف و”المسجد الأقصى” المبارك خط أحمر، وطالب بإيقاف جرائم الاحتلال وقطعان المستوطنين على أهالي “الضفة الغربية”، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني على أرضه، مثمنًا الدول المصرية في هذا السياق.
تقدم في المفاوضات..
وحسب مراقبين؛ فإن الحديث عن إعادة الإعمار يعطي إنطباعًا بأن هناك تقدمًا في المفاوضات الدائرة بين الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، لاسيما بعد الحديث عن وفود مصرية تقود جهود الوساطة، وما ينقله الإعلام عن تفاهمات بين الطرفين، وضغوط دولية تدفع في هذا الاتجاه، خصوصًا ما يُعلن من الجانب الإسرائيلي عن الخسائر المادية والبشرية، وأن فاتورة الحرب تكلفتها عالية على الجميع.