خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في نتيجة لها الكثير من الأبعاد والدلالات، أعلنت السلطة المستقلة للانتخابات في “الجزائر”، أمس، فوز رئيس الوزراء الأسبق، “عبدالمجيد تبون”، بانتخابات الرئاسة في جولتها الأولى، التي جرت الخميس، بعد حصوله على 58 في المئة من الأصوات، ليصبح بذلك الرئيس الثامن لـ”الجزائر”، منذ استقلالها عام 1962.
وقال رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، “محمد شرفي”، إن “تبون” حصل على أكبر عدد من الأصوات بنسبة تقدر بـ 58.15 في المئة من الأصوات.
وحصل “تبون”، البالغ من العمر 74 عامًا، على 4 ملايين و945 ألف و116 صوت في هذه الانتخابات.
وجاء في المركز الثاني، “عبدالقادر بن قرينة”، بنسبة 17,38 بالمئة من الأصوات المعبر عنها.
أما المرشح، “علي بن فليس”، فقد جاء ثالثًا؛ ولم يحصل سوى على 10.55 بالمئة أي أقل من آخر انتخابات دخلها ضد “بوتفليقة”، في 2014، حصل على أكثر من 12 بالمئة من الأصوات.
وحصل المرشح الرابع، “عزالدين ميهوبي”، على 7,26 بالمئة من الأصوات، بينما جاء “عبدالعزيز بلعيد”، أخيرًا بـ 6.66 بالمئة من الأصوات المعبر عنها.
وحسمت هذه الأرقام نتيجة الانتخابات لصالح “تبون” دون الحاجة إلى دورة ثانية.
وقال “شرفي”، في مؤتمر صحافي؛ إن عدد الناخبين المشاركين في التصويت بلغ 24 مليون 474 ألف و161 مسجل، منهم 914 ألف و308 من الجالية في الخارج.
وبلغت نسبة التصويت داخل الوطن 41.13 في المئة؛ أي ما يعادل 9 ملايين 747 ألف ناخب، فيما بلغت النسبة الإجمالية للمشاركة 39.83 في المئة.
وأضاف رئيس لجنة الانتخابات أن: “المواطنين عبروا عن رأيهم خلال الانتخابات بكل حرية وديمقراطية”، مشيرًا إلى أن: “البلاد تدخل عهدًا جديدًا لتجسيد الديمقراطية والشفافية لتحقيق الإرادة الشعبية”.
أدنى نسبة مشاركة..
وكانت السلطة الانتخابية قد أعلنت، مساء الخميس، أن: “نسبة المشاركة الإجمالية في الانتخابات الرئاسية بلغت 39,93%”، مشيرة إلى أن نسبة المقترعين داخل البلاد، هي 41,14%، ونسبة المغتربين الذين أدلوا بأصواتهم في الخارج، 8,69%. وهي أدنى نسبة مشاركة في كل الانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها مرشحون عدة في تاريخ “الجزائر”.
كما أنها أقل بعشر نقاط من تلك التي سجلت في الاقتراع السابق؛ وكانت الدنيا حتى الآن، إلا أنها شهدت فوز “بوتفليقة” لولاية رابعة، في 2014.
وقد تراوحت معدلات المشاركة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، حتى الآن، بين 50,7%، في 2014، (انتخابات العهدة الرابعة لبوتفليقة)، و75,68%، في 1995، حين شهدت البلاد أول انتخابات رئاسية تعددية فاز فيها يومها من الدورة الأولى الجنرال، “اليمين زروال”.
حوار جاد مع الحراك..
وفور إعلان النتائج، دعا الرئيس الجزائري المنتخب، “عبدالمجيد تبون”، الحراك الشعبي، لحوار: “جاد من أجل الجزائر؛ والجزائر فقط”، مؤكدًا بأنه: “حان وقت العمل لتكريس كل الإلتزامات التي أطلقها بعيدًا عن التهميش والإقصاء والانتقام”.
قائلًا “تبون”، في مؤتمر صحافي: “أنا مستعد للحوار مع الحراك مباشرة أو ممثلين عنه. أؤكد للجميع أنه لن يكون هناك استمرار للعهدة الخامسة والتصرفات السابقة”.
وتابع: “مستعد أيضًا للحوار مع الطبقة السياسية، وحتى مع المرشحين الأربعة الذين نافسوني على منصب الرئيس، أو أي طرف آخر من أجل إطفاء الفتنة ووضع حد للفرقة”.
ومضى قائلًا: “أكن محبة ومودة كبيرتين لسكان منطقة القبائل لأنني أعرف الكثير منهم؛ وأنا متشوق كثيرًا لزيارة مدينتي، تيزي وزو وبجاية، إن شاء الله تيسر الأمور لذلك. الجزائر تسع لكل الجزائريين دون إقصاء. تأكدوا أنني لن أنفرد بالقرارات”.
تغيير الدستور..
وأوضح “تبون”، أنه يتعين على الشعب الجزائري أن يشعر، في الأشهر الأولى، بالصدق في الإلتزامات عبر الذهاب بسرعة نحو تغيير عميق للدستور الذي سيطرح للاستفتاء الشعبي، والذي من شأنه أن يؤسس لـ”الجمهورية الجزائرية” الجديدة.
وأشار إلى أن قانون الانتخابات سيعرف تعديلات بما يسمح بفصل المال نهائيًا عن السياسة، ويمكن للشباب الذين سيعمل على تسليمهم المشعل من التقدم للانتخابات على كل المستويات على أن تتحمل الدولة كل نفقاتهم في هذا الجانب.
كما تمنى أن يوفق في تشكيل الحكومة الجديدة؛ التي ستكون “مفاجأة سارة” للجزائريين، إذ كشف أنها ستضم وجوهًا جديدة من الجنسين تتراوح إعمارهم ما بين 26 و27 عامًا، مشيرًا إلى أنه لن يتسرع في الدعوة إلى انتخابات تشريعية ومحلية مبكرة.
وأضاف: “أنا لا أعترف إلا بالشعب الجزائري الذي انتخبني، أنا حساس لأقصى درجة عندما يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية، السياسة الخارجية للجزائر ستكون مبنية على المعاملة بالمثل والندية، ولا أحد يستطيع أن يدعي بأن له وصاية على الجزائر التي تبقى دولة محورية إفريقيًا ومتوسطيًا وعربيًا”.
طمأنة رجال الأعمال..
وطمأن رئيس الجزائر الجديد من سماهم “رجال الأعمال الشرفاء”، كما وعد: “برفع الظلم عن من ظلموا من طرف العصابة، ووضع حد لتقهقر القدرات الاقتصادية للبلاد من خلال وضع حد لتضخيم فواتير الاستيراد، واستعادة أموال الدولة المنهوبة في الداخل والخارج في ظرف قصير”.
وأكد أنه لن يصدر عفوًا رئاسيًا بشأن “الفساد والمفسدين”، موضحًا أن مهمته “تكمن في ضمان هيبة ونزاهة ومصداقية الدولة لدى الشعب الجزائري”.
وتعهد “تبون”: “بضمان العيش الكريم للفئات المحرومة، والاستجابة لمطالب الجالية الجزائرية في الخارج، وإعطاء المرأة المكانة التي تستحقها، والرقي بالجامعة، ودعم حرية الصحافة إلى أقصى درجة”.
انقسام ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض..
إلا أنه مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، انقسمت ردود الفعل بين مرحّبين بفوز “تبون” وبنسب المشاركة المعلنة، ورافضين مندّدين بـ”تبّون”، الذي كان لسنوات جزءًا من نظام “بوتفليقة”، وآخرين مصرّين على موقفهم الرافض للانتخابات من الأساس.
وأحتشد المتظاهرون، أمس، لليوم الثالث والأربعين على التوالي، بوسط “الجزائر” العاصمة للتعبير عن رفضهم لرئيس الجمهورية المنتخب، “عبدالمجيد تبون”، المُقرب من سلفه، “عبدالعزيز بوتفليقة”، في اقتراع أتسم بنسبة مقاطعة قياسية.
وردّد المتظاهرون: “الله أكبر، الانتخاب مزور” و”الله أكبر نحن لم نصوت ورئيسكم لن يحكمنا”.
وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية، وصل عدد المتظاهرين الذين أحتشدوا في مناطق مختلفة بأنحاء العاصمة إلى ما يقارب عدد من تجمعوا خلال المظاهرات السابقة ضد الانتخابات الرئاسية.
وحمل البعض لافتات كتب عليها: “ولايتك يا تبون وُلدت ميتة” و”رئيسكم لا يمثلني” و”أسوأ من بوتفليقة”. كما سخر مدونون من: “رئيس الكوكايين”، في إشارة إلى اتهام نجل “تبون” في قضية تهريب 700 كلغ من “الكوكايين”، مازالت قيد التحقيق القضائي.
من هو “تبون” ؟
يُذكر أن “تبون” عاد إلى الواجهة، مؤخرًا، إثر إنطلاق السباق نحو الرئاسة؛ وسبق له أن تولى عدة مناصب، خلال العقود الماضية.
وولد “تبون”، في محافظة “النعامة”، غربي البلاد، سنة 1945، وتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة، في عام 1965، ثم تولى في مرحلة لاحقة مهامًا سياسية وبرلمانية ووزارية.
وفي عام 1991؛ تولى “تبون” أول حقيبة وزارية في مساره السياسي، فأصبح وزيرًا للجماعات المحلية، (البلديات)، لكنه سرعان ما غادر هذا المنصب، في سنة 1992.
وشارك “تبون” في الحكومة بعهد الرئيس السابق، “عبدالعزيز بوتفليقة”، وتولى “وزارة الثقافة” و”الاتصال”، بين سنتي 1999 و2000، ثم عاد مرة أخرى لتولى “وزارة الجماعات المحلية”، (البلديات)، بين 2000 و2001، ثم شغل منصب “وزير الإسكان والتخطيط الحضري”؛ بين 2001 و2002.
وبعد مضي عشر سنوات، وفي سنة 2012 تحديدًا، عاد “تبون” إلى “وزارة الإسكان” في حكومة، “عبدالمالك سلال”، وعقب انتخابات أيار/مايو 2017 البرلمانية في “الجزائر”، عُين “بوتفليقة”، “تبون”، حتى يخلف “سلال”، في خطوة اعتبرت مفاجأة للنخب السياسية في البلاد، وتم تعيين الحكومة التي يرأسها، في الخامس والعشرين من أيار/مايو.
لكن “تبون” لم يبق على رأس الحكومة سوى أقل من ثلاثة أشهر، إذ أقيل من قِبل “بوتفليقة” عندما تعرّض إلى رجال الأعمال الكبار ذوي النفوذ في الحلقة المحيطة بالرئيس، وكثير منهم في السجون الآن بتهمة الفساد، وعُين “أحمد أويحيى” مكانه، في الخامس عشر من آب/أغسطس سنة 2017.
وفي برنامجه الانتخابي المعلن، وعد “تبون” بتعزيز الديمقراطية وحرية الصحافة وتمكين المرأة وإطلاق إصلاحات مهمة، وتعهد بإطلاق مراجعة واسعة لدستور البلاد.
ووعد “تبون” بدعم دور الشباب ورفع الحد الأدنى للأجور وإلغاء الضريبة على الرواتب المنخفضة، وتطوير البنية التحتية في البلاد.
وقال “تبون”، خلال إدلائه بصوته، يوم الخميس، إن انتخابات 12 كانون أول/ديسمبر الجاري: “فرصة لقيام جمهورية جديدة عمادها الشباب”.
وكان 5 مرشحين قد حصلوا على تزكية “المجلس الدستوري” للمشاركة في سباق الدخول إلى القصر الرئاسي، هم رئيس (جبهة المستقبل)، “عبدالعزيز بلعيد”، ومرشح (حزب طلائع الحريات)، “علي بن فليس”، والمرشح الحر، “عبدالمجيد تبون”، ورئيس (حركة البناء الوطني)، “عبدالقادر بن قرينة”، والأمين العام بالنيابة لـ (التجمع الوطني الديمقراطي)، “عزالدين ميهوبي”.
وقوبل مرشحو الانتخابات الخمسة، بانتقادات ورفض في الشارع، وجرى النظر إليهم بمثابة إمتداد لنظام “بوتفليقة”، لكن مؤيدي العملية الانتخابية، دافعوا عن التصويت واعتبروه المخرج الوحيد من الأزمة السياسية في البلاد.
تحديات أمام “تبون”..
وبحسب (رويترز)؛ تأمل السلطات في أن ينهي انتخاب رئيس جديد الاضطرابات المستمرة على مدى عدة أشهر منذ الإطاحة بالرئيس السابق، “عبدالعزيز بوتفليقة”، بعد 20 عامًا في سدة الرئاسة، في نيسان/أبريل الماضي، عندما سحب الجيش دعمه له إثر مظاهرات حاشدة.
وبالإضافة إلى الأزمة السياسية المستمرة منذ أشهر، يواجه “تبون” أصعب وضع اقتصادي تشهده “الجزائر” منذ عقود، مع تراجع عائدات الطاقة والتخفيضات الصعبة في الإنفاق الحكومي.
وانخفضت صادرات الطاقة، وهي مصدر 95 في المئة من عائدات الدولة، بنسبة 12.5 في المئة هذا العام. واستنفدت الحكومة أكثر من نصف احتياطياتها من العُملات الأجنبية؛ منذ بدء انخفاض أسعار الطاقة في عام 2014، ووافقت على خفض الإنفاق العام بنسبة تسعة في المئة العام المقبل، دون المساس بالدعم بالغ الحساسية من المنظور السياسي.
كما أقرت قواعد استثمار جديدة لكي تسمح للشركات الأجنبية بإمتلاك حصص أغلبية في “القطاعات غير الإستراتيجية”، وتسهل على شركات النفط العالمية العمل مع شركة الطاقة الحكومية، “سوناطراك”.