خاص : بقلم – أحمد التايب :
منذ أن أسقطت الولايات المتحدة الأميركية قنبلتين ذريتين على كل من “هيروشيما وناغازاكي” في اليابان بنهاية الحرب العالمية الثانية، أصبحت كلمة “قنبلة ذرية” من أكثر الكلمات رعبًا، وأخطر الأسلحة تهديدًا، وما زالت، لكن ما أحدثته وتُحدثه “السوشيال ميديا” الآن من أخطار وتهديدات أصبحت تفوق الخيال، فكلنا رأينا قدرة هذه الوسائل الرقمية؛ خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، على تحويل الجريمة من حالة فردية خاصة إلى ظاهرة اجتماعية عامة، وكيف أصبحت بمثابة طاعون في حياة شرف الأمة وقيمها، بل أقول أنها أصبحت لاعبًا سياسيًا بإمتياز، فالعالم الآن لا يتوقف عن حروب المعلومات واستخدامها كأداة للسيطرة للاختراق والتخريب والتدمير، بل باتت أدوات متقدمة فى الحروب، وهذا ما انكشف جليًا في الحرب “الروسية-الأوكرانية” ودورها الخطير في هذا الحرب على كافة الأصعدة.
والمتتبع، يجد كيف أصبحت التغطية الإخبارية للحروب سهلة في ظل توافر التقنيات الحديثة، وحجم المعلومات اللحظية التي أصبحت متاحة بيُسر من خلال تصفح مواقع التواصل والمنصات الرقمية، فالكل يُتابع ويُقيم ويُحلل الأحداث لحظة بلحظة، فتحولت الصفحات إلى ساحات تعبير، وكأن أصحابها خبراء وساسة فهذا يحكي عن تأثيرات وتداعيات الحرب على الاقتصاد، وتلك يتحدث عن السياسة الواقعية، وآخر يُحلل ما يحدث عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا ما أحدث حالة من الزخم يعكس قوة “السوشيال ميديا” وما وصلت إليه من سيطرة على حياة البشرية، وتعزيز قواعد جديدة تسعى بقوة نحو التزييف والتضليل من أجل تحقيق مكاسب لمن يمتلكها.
وعلى جانب آخر، نرى كيف تلعب “السوشيال ميديا” دورًا فاعلاً في الخداع والتزييف بل الدمار، فكم من الجرائم وقعت بسببها ؟ وكم من فضائح وانتهاكات خصوصية لسوء استخدامها ؟، والأخطر هو حالة التسطيح التي تتم بمنهجية بفعل وسائل التواصل الاجتماعي لعقول الشباب، وحالة الهيافة والتفاهة وتعزيزها في المجتمعات، لتقودنا تلك الأساليب إلى ضرب الهوية الأخلاقية ومنظومة القيم المجتمعية في مقتل، لنُصبح أمام مجتمع بلا هوية وبلا قيمة، وأعتقد أن هذا هو أخطر من الأسلحة النووية نفسها.
فإن كانت الأسلحة النووية تُدمر مكانًا معينًا، إلا أن هذه الأسلحة الجديدة تُمثل خطرًا على المجتمع كله، فلم يُعد غريبًا استشراء الكذب والإفتراء والتضليل، ولا نشر الإفك والبهتان، ولم يُعد ينكر أحد أنها تسببت في جرائم العدوان والظلم والاحتيال، وفي ظلها أصبح الدم رخيصًا وحرمته مهانة وسلب حقوقه وابتزاز ممتلكاته مستصاغًا.
لذا، علينا إدراك خطورة “السوشيال ميديا” وما رسخته من قواعد جديدة يجب الانتباه إليها جيدًا حتى لا تكون سيفًا على رقابنا..