خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
بحسّب “الدليل العالمي للطائرات العسكرية الحديثة”؛ (WDMMW)، ما تزال “القاهرة” تحتل المرتبة الخامسة على قائمة القوات الجوية القوية في العالم؛ بامتلاك عدد: 1107 طائرة عسكرية متطورة. في السّياق ذاته فإن الجيش المصري هو الأقوى في العالم العربي؛ ويحتل المرتبة (15) على قائمة الجيوش العالمية. مع هذا تقع “مصر” ضمن قائمة الدول؛ التي تفتقر للمكونات الجديدة للقوة الحديثة وفي المقدمة الاقتصاد؛ بحسب تقرير “صابر ﮔل عنبري”، المنشور على قناة (الكاتب) على تطبيق (تلغرام).
أسباب ضعف المركز المصري..
والحقيقة أن الاستفادة من المكونات التقليدية للقوة؛ مثل القدرات العسكرية والمساحة الجغرافية الواسعة، لم تُعد ضمن المؤشرات الحديثة في عالم اليوم؛ وإن كانت داعمة، وتنتقص عمليًا من استقلال هذا البلد وفق التعريف الجديد للقوة، وبالتالي الافتقار إلى الدور الريادي والمؤثر المطلوب في المعادلات الإقليمية والعالمية، ناهيك عن تضرر الجبهة الداخلية.
هذه قصة الأوضاع المصرية الحالية؛ وهي على رُغم عظمتها التاريخية والحضارية، ورُغم الاستفادة من المؤشرات العسكرية والجغرافية، لكنها تخلت في عالم السياسة الحالي عن مكانتها لصالح دول أصغر مساحة مثل: “قطر والإمارات”؛ تلك الدول التي تسّتغل عوائد “النفط” في بناء أدوات قوة حديثة؛ وفي الصدارة الاقتصاد والإعلام، وتحظى بقوة كبيرة لإنتاج القوة الناعمة والردع الناعم.
في المقابل؛ تترقب “مصر”، باعتبارها القوة العسكرية الأولى في العالم العربي ومصنفة ضمن القوى العسكرية الأكثر تفوقًا حول العالم، الحصول على مساعدات بقيمة مئات الملايين أو بعض المليارات من الدولارات العربية والأميركية لإصلاح الوضع الاقتصادي المتأزم؛ حيث التضخم تخطى نسّبة: 40%، وخسّرت العًملة الوطنية خلال السنوات الأخيرة أكثر من: 300% من قيمتها.
وحال “مصر” البائس من مثل التحديات، والمطالب الشعبية وانحدارها إلى مستوى المطالبة بتأمين الاحتياجات اليومية، والحديث عن أسعار الدجاج والخبز وخلافه واضح للعيان، في حين تتحدث الدول العربية الخليجية عن الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وبناء المدن الذكية بسبب نظام الحكم الاقتصادي الفعال والتنمية رُغم الهياكل السياسية غير المتطورة والمغلقة.
سيطرة الدول العربية الثرية..
والاقتصاد المصري البائس؛ متدهور بشدة بخلاف الجبهة الداخلية، أفقد السياسة الخارجية تدريجيًا وعلى مدى عدة عقود الآليات المؤثرة والفاعلة عطفًا على القوة الناعمة، وبالتالي الردع الناعم، ولذلك افتقر الدور المصري الخارجي تدريجيًا للتأثير والردع اللازم؛ لا سيما في المجال الإقليمي وحتى إزاء التحدي المتعلق بالأمن المائي مثل “سد النهضة” الإثيوبي؛ ناهيك عن الأزمات مثل الصراع الفلسطيني.
في المقابل سّيطرت الدول العربية الثرية؛ التي تتمتع باقتصاد قوي وإمبراطورية إعلامية، على ميدان السياسة العربية.
كانت “مصر” العجلة الخضراء التي قامت بتخضير الممالك العربية، وتدفق العلم والفكر من هذا البلد إلى العالم العربي، ولم يكن من قبيل العبث أن قالوا: “مصر تكتب الكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ”.
لكن الآن ينتقل المصريون من العمال وحتى النخبة إلى دول الخليج والشرق والغرب بحثًا عن الخبز وحياة أفضل، ويتجرعون حسّرة التنمية الاقتصادية في هذه الدول.
وهذا الوضع هو نتاج طبيعة الحكم العسكري على مدى 80 عامًا، وهو ما ترتب عليه خسّارة فاعلية التفوق العسكري في المواطنة الحساسة على غرار ما حدث في حرب 1967م، حيث فقدت “مصر” بغضون ساعات: 85% من طائراتها العسكرية.
وربما يُقال إن ماهية الحكومة المصرية غير انتخابية كالممالك العربية، إذًا أين تكمن المشكلة ؟.. الحقيقة إن نموذج الحكم مختلف في الأنظمة الوراثية وغير الانتخابية.
ذلك أن نظام الحكم في “مصر” عسكري، “أوليغارشي”، ومناهض للتنمية رغم وجود انتخابات، بينما نظام الحكم في الأنظمة الملكية بالخليج تنموي مدني.
و”مصر” الآن بمثابة اقطاعية للعسكريين يُسّيطرون على كل مقدرات هذا البلد بداية من السياسة وحتى الاقتصاد والاجتماع. ولا يمكن أن ينتب شيء في ظل هذا النظام سوى الفساد، والرشوة، والأزمات، والتخلف. وحاليًا يتدخل العسكريون حتى في مسائل على شاكلة الزواج، وأبرز دليل على ذلك تدشّين الجيش قبل عدة أيام حملة للتحفيز على الزواج وهو ما أصبح محل سخرية وتندر المصريين. وسخر البعض قائلًا أما كان من المقرر اتمام هذه الزيجات على خط “بارليف” الدفاعي !.. واعتبره البعض الآخر عسكرة النواة الأسرية والمجتمع.