وكالات – كتابات :
ذكر “معهد دول الخليج العربية في واشنطن” الأميركي؛ أن “العراق” أصبح مدركًا أن قيام علاقات قوية مع جيرانه الخليجيين، أمر ضروري للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، وأن رئيس الوزراء الحالي؛ “محمد شيّاع السوداني”، يبدو مسّتعدًا لكي يرتقي بهذه العلاقات إلى مسّتوى أعلى.
وبعدما أشار التقرير؛ إلى أن رؤساء الحكومات الذين سبقوا “السوداني”، وضعوا الأسس لعلاقات اقتصادية قوية مع “الإمارات والمملكة السعودية”، لفت إلى أن علاقات “العراق” مع جيرانه العرب في الخليج، كانت محفوفة بالتوترات وسوء التفاهم طوال العقدين الماضيين.
كيف استفاد “السوداني” من مجهودات الحكومات السابقة ؟
وأوضح التقرير الأميركي؛ أن الأمور تحسّنت ببطء منذ العام 2018، وأن حكومة “السوداني” استفادت من التقدم الذي كانت حققه الحكومتان السابقتان، مضيفًا أن الرئيس الإماراتي؛ “محمد بن زايد آل نهيان”، استضاف “”السوداني”؛ في 09 شباط/فبراير الماضي، في أول زيارة لرئيس الوزراء العراقي الى دولة عضو في “مجلس التعاون الخليجي”، مشيرًا إلى أن الدعوة التي وجهها “محمد بن زايد” شخصيًا إلى “السوداني” تُظهر الأهمية التي يوليها للزيارة، واهتمام “أبوظبي” بتوسّيع العلاقات مع “بغداد”.
بالإضافة إلى ذلك؛ وقع “العراق” و”السعودية”؛ في 18 شباط/فبراير، أول مذكرة تفاهم بينهما منذ 40 عامًا، وتعهدا بتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون في الأمور الأمنية.
فك “العلاقة المعقدة”..
وبعدما أشار التقرير إلى: “العلاقة المُعّقدة” التي كانت قائمة بين “العراق” ودول “مجلس التعاون الخليجي”؛ وأنه تاريخيًا لم يتم قبول “العراق” كعضوٍ كامل في “مجلس التعاون الخليجي”؛ بسبب نظامه السياسي الثوري والاشتراكي، والذي كان مختلفًا عن الأنظمة الملكية الخليجية المرتبطة بعلاقات قوية مع “الولايات المتحدة”، استعرض التقرير محطات في العلاقات الثنائية بين “العراق” وجيرانها الخليجي من مراحل الحرب مع “إيران” وغزو “الكويت” والأزمات، برغم أن “العراق” كان ينظر إليه على أنه بمثابة: “حصن أساس ضد أجندة طهران التوسّعية”.
وفي حين أشار إلى الغزو الأميركي 2003، وتمكين الشيعة من الأغلبية في الحكم، قال التقرير أن ذلك كان بالنسّبة إلى دول “مجلس التعاون الخليجي”، بمثابة تسّليم “الولايات المتحدة”، “العراق” لمنافسهم الإيراني، وصارت دول الخليج تنظر بحذر إلى “بغداد” طوال العقدين الماضيين.
وبعد سقوط نظام الحكم في “بغداد”؛ 2003، انسحبت الدول الخليجية من “العراق”، وراحت تدعم المنظمات السُنية وحكومة “إقليم كُردستان”، كقوة توازن النفوذ الإيراني المتنامي، مضيفًا أنه من المعتقد أن التمويل المقدم من جانب الدول الخليجية وخاصة “السعودية”، أدى إلى بروز الجماعات المتمردة السُنية التي سّاهمت في زعزعة استقرار “العراق”.
ولفت التقرير إلى أن هذا الدعم، بالإضافة إلى الدعم المالي لدول “مجلس التعاون الخليجي”؛ لنظام “صدام حسين”؛ خلال الحرب مع “إيران”، جعل الشيعة، وسياسييهم خصوصًا، ينظرون بعين الشك إلى دول “مجلس التعاون الخليجي”، مضيفًا أنه في “إقليم كُردستان”، كان للاستثمار من جانب الدول الخليجية نتائج مختلفة؛ لأنها عّززت الاقتصاد وقوة العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين دول الخليج، بما في ذلك “الإمارات والسعودية وقطر” وحكومة الإقليم.
تأثيرات عزل “المالكي”..
وبعدما أشار التقرير إلى ظهور تنظيم (داعش)؛ العام 2014، وتداعيات ذلك، بما في ذلك تمهيد الطريق أمام “طهران” لبناء شبكتها من الوكلاء المسّلحين والسياسيين في “العراق وسوريا”، قال التقرير الأميركي أن هذه التطورات: “أجبرت السعوديين على إعادة تقييم استراتيجيتهم الإقليمية الشاملة لمواجهة التوسّع الإيراني، حيث خلص صناع القرار في “الرياض”؛ إلى أن تكاليف الانسحاب من “العراق” كانت باهظة جدًا.
وبينما اعتبر التقرير أن عزل؛ “نوري المالكي”، فتح فرصة أمام الخليجيين للبدء بعملية تفاعل حذرة ومجزأة مع “العراق”، حتى مع حكومة “حيدر العبادي”، إلا أن إتباع “العبادي” سياسة إقليمية متوازنة وتعزيز العلاقات مع “السعودية” ودول الخليج الأخرى، أظهر قوته وثباته، فرضت الدول الخليجية الدعم الأمني وانضمت إلى التحالف الذي تقوده “الولايات المتحدة” ضد (داعش).
العلاقات الدبلوماسية..
وذكر التقرير الأميركي؛ أن هذا التقارب الحذر وضع الأساس لإعادة الارتباط بين “السعودية” و”العراق”، ففي العام 2015، عيّنت “الرياض”؛ “ثامر السبهان”، أول سفير لها في “بغداد”، منذ 25 عامًا، إلا أن تصريحاته حول دور “إيران” والميليشيات في “العراق”؛ تسّببت في تراجع مؤقت للعلاقة، حيث طلب “العراق” إقالة السفير، وبرغم ما جرى، وبدعم من “الولايات المتحدة”، استعادت الدبلوماسية “العراقية-السعودية” قوتها مرة أخرى بعد أن استبدلت المملكة؛ “السبهان”، في العام 2016.
وتناول التقرير الوفود العراقية رفيعة المستوى التي زارت دول الخليج، بالإضافة إلى زيارات قيادات حزبية أخرى، لكنه أشار إلى أن ولي العهد السعودي؛ “محمد بن سلمان”، والرئيس الإماراتي؛ “محمد بن زايد آل نهيان”، لم يتجاوبا بعد بزيارة “بغداد”.
علاقات اقتصاد وطاقة مع “الإمارات”..
ذكر التقرير أن “الإمارات” ركزت؛ بشكلٍ خاص، على مشاريع البنية التحتية في “العراق”، وأنها برغم أن معظم الاستثمارات الإماراتية كانت في البداية في “إقليم كُردستان”، إلا أن العلاقات المتطورة مع “بغداد”؛ والظروف الأمنية التي كانت تتحسّن، شجعت “الإمارات” على تعّزيز الاستثمارات تدريجيًا إلى بقية أنحاء “العراق”.
وأوضح التقرير أن “بغداد” و”أبوظبي”؛ وقعتا اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثمار في العام 2021، كما أعلنت “الإمارات أنها ستستثمر: 03 مليارات دولار، كجزء من جهود إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع.
كما وقّعت مجموعة موانيء “أبوظبي” عقدًا مع الشركة العامة لموانيء “العراق” لاستكشاف إمكانيات الاستثمار وتحسّين التعاون في قطاع النقل البحري. كما وقّعت “شركة الطاقة الإماراتية”؛ (مصدر)، اتفاقية مع “وزارة الكهرباء” لبناء خمسة مشاريع للطاقة الشمسية كجزء من جهود الدولة لمعالجة نقص الطاقة والتغير المناخي.
ووقع اتفاق بين البلدين لحماية الاستثمارات المتبادلة من أي مخاطر غير تجارية، مثل التأميم، ومصادرة الملكية، والحجز القضائي، وتجميد الاستثمارات والأصول، مما يُقلل المخاطر الاجمالية للاستثمارات. كما وقعت شركة تقنية زراعية إماراتية أول صفقة استثمار زراعي لها مع حكومة “إقليم كُردستان”؛ في العام 2022، لمساعدة المزارعين في استخدام التكنولوجيا لزيادة الإنتاج وإدارة المياه بكفاءة للري.
وأشار التقرير إلى أنه؛ في شباط/فبراير، منحت “وزارة النفط” العراقية؛ ثلاثة عقود مدتها 20 عامًا لتطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في محافظتي “البصرة” و”ديالى” إلى شركة (نفط الهلال)، وهي شركة إماراتية تعمل منذ مدة طويلة في “إقليم كُردستان”.
واعتبر التقرير أن استثمار “الإمارات” في كل من “كُردستان” وبقية “العراق”، قد تُسّاهم في حل النزاع الطويل بين “أربيل” و”بغداد” حول حقوق تصدير النفط والغاز، مضيفًا أن (نفط الهلال) تُعتبر أول مُشّغل طاقة له حصص في “إقليم كُردستان” ويتم السّماح له بالاستثمار في مناطق أخرى من “العراق”، وهو تطور لا سابق له في العلاقات بين شركات النفط العاملة في “إقليم كُردستان” والحكومة الاتحادية التي أعتادت على إدراج مثل هذه الشركات على القائمة السوداء.
ولفت التقرير إلى مسألة أخرى تتمثل في أن مشروع (نفط الهلال) يتعلق بمحافظة “ديالى”، التي تتمركز فيها قوات كبيرة من (الحشد الشعبي)؛ المدعومة من “إيران”، هو أيضًا بمثابة مؤشر على أن القوات الموالية لـ”إيران” قد ترضى أخيرًا بالانخراط الخليجي في “العراق”؛ لأنها تخدم مصالحها السياسية.
ورأى التقرير أنه من خلال الترحيب بالاستثمارات الخارجية، فإن بإمكان الجماعات المرتبطة بـ”طهران”؛ أن تدحض انتقادات خصمها؛ السيد “مقتدى الصدر”، بأنها تُعرقل الاقتصاد العراقي.
“العراق-السعودية”..
وحول علاقات “السعودية”؛ بـ”العراق”، قال التقرير أنه تم تحقيق تقدم بطيء، ولكن ثابت في العلاقات “السعودية-العراقية”؛ خلال السنوات الماضية، موضحًا أن “السعودية” تُركز على تعّزيز الجانب الاقتصادي في إطار التنويع ضمن (رؤية 2030) وكوسيلة من أجل بناء الثقة مع “العراق”.
وأشار إلى أن المستثمرين السعوديين والعراقيين تبادلوا زيارات متعددة لاستكشاف فرص الاستثمار، وأعلنت “السعودية” أهدافها لتسّجيل نحو: 100 شركة في “العراق”، مضيفًا أن رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار العراقي؛ “حيدر مكية”، قام بزيارة “الرياض”، في آذار/مارس الماضي، حيث شّدد في اللقاءات مع المسؤولين السعوديين على أهمية: “تعّزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع الدول الإقليمية والعالمية، بما في ذلك المملكة السعودية”.
وإلى جانب ذلك؛ قام مسؤولون سعوديون بزيارة “بغداد” لتعّزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، والتقى وزير الخارجية السعودي؛ “فيصل بن فرحان”، في شباط/فبراير الماضي، مع كبار المسؤولين العراقيين، بما في ذلك “السوداني”، للبحث في التعاون الاقتصادي والتجارة والتعاون في مبادرات لمعالجة آثار التغيير المناخي.
وأشار التقرير إلى أن المشروع الأبرز هو الربط الكهربائي بين “السعودية” و”العراق”؛ والمُقّرر أن يكتمل بحلول العام 2024، حيث من المتوقع أن تقوم المملكة بتصدير: 01 غيغاوات من الكهرباء إلى “العراق”؛ في المرحلة الأولى من المشروع عّبر خط بطول: 270 ميلاً يمتد من “عرعر” إلى “بغداد”. كما أنه سيكون بمقدور مشروع كهرباء منفصل مخطط له لربط “العراق” بشبكة كهرباء دول “مجلس التعاون الخليجي” أن يؤمن: 1.8 غيغاوات من الكهرباء بحلول العام 2025؛ من محطة “الوفرة” في “الكويت”؛ إلى محطة “الفاو” في جنوب “العراق”.
ولفت التقرير إلى أن تمويل الخط “الخليجي-العراقي” يتم من قبل “الكويت وقطر”، بميزانية قدرها: 220 مليون دولار.
وتابع أن المشروعين يُعتبران جزءًا من جهود “العراق” لتنّويع مصادر الطاقة بشكلٍ خاص لتخفيف اعتماده القوي على الغاز الإيراني لتوليد الطاقة وتلبية الطلب العام المتزايد.
المسّتوى التالي من العلاقة..
وختم التقرير بالقول إن أسلاف “السوداني” في الحكم وضعوا الأساس لعلاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع جيران “العراق” في الخليج، ويبدو الآن أنه مسّتعد لكي يرتقي بالعلاقات إلى المسّتوى التالي، مضيفًا أن هذا التقارب هو نتيجة ليس فقط لاعتراف جميع الأطراف بأن علاقات العداء لم يسّتفد منها أحد، وإنما أيضًا نتيجة مطالب الشعب العراقي المتزايدة بحكومة مستقلة ومتجاوبة، ما أجبر الحكم على مراجعة سياساته في السلطة والسياسات الإقليمية.
ورأى التقرير أن “السوداني” يسّتفيد من هذا الدعم الشعبي، ولهذا، فقد تمكن فقد تمكن من إظهار بعض الاستقلالية عن القوى التي وضعته في السلطة؛ وأن يتمتع بالقدرة على المناورة والحفاظ على سياسة إقليمية متوازنة.
وذكر التقرير بأن حكومة “السوداني” وقّعت اتفاقيات مهمة مع كل من “الإمارات والسعودية”، مما يُشير إلى أن: “بغداد تُدرك أن الحفاظ على علاقات قوية مع جيرانها الخليجيين أمر ضروري للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي”.