15 أبريل، 2024 7:23 م
Search
Close this search box.

واقعية جنان حلاوي.. تشرد الشبان وتمسك الكبار بأرض الوطن ‏

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب جورج جحا : الكاتب العراقي جنان جاسم حلاوي يروي بواقعية تنقل الالام والاحزان وأجواء ‏الغربة عن العراق في فترة زمنية معينة وعن تشرد الشبان العراقيين في ارجاء الارض وتمسك كبار ‏السن بأرضهم رافضين الانتقال الى بلدان اخرى.‏

وكل من الفريقين -الشبان والمسنون- ينفذ خياره او ما ارغم على ان يكون خياره بحزن يكاد يبلغ ‏درجة اليأس. فالمشردون عن بلدهم مطروحون على ارصفة شوارع مدن العالم ويخشون العودة الى ‏الوطن حيث يلقون عقوبات على مواقفهم المعارضة للحاكمين.. والمقيمون وهم غالبا متقدمون في ‏السن يقبعون وسط الحرب والاقتتال والدمار هاربين من مكان في الوطن الى آخر لكنهم يرفضون ‏الهجرة حيث تتاح لهم ويبقون في ارض الوطن ينتظرون اخبار احبائهم كما ينتظرون الموت بين ‏لحظة واخرى. ‏
رواية جنان جاسم حلاوي “شوارع العالم” وردت في 318 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار ‏رياض الريس للكتب والنشر في بيروت.‏
يكتب حلاوي بواقعية بعيدة عن الواقعية الجافة التي ألف القارىء في الفترة الاخيرة مواجهة نماذج ‏منها تغرق في آلية جامدة وتفاصيل تتوالد وتتناسل ويخلق بعض منها مللا في النفس.‏
ان واقعيته حية تنقل الحياة وتشبهها.. أحزانها وآلامها وأوهامها ولذاتها وخيباتها.‏
في الرواية خطان يسيران بتواز وإن عن بعد. الخط الاول هو قصة سالم الذي نلتقيه في السويد التي ‏هرب اليها من الاتحاد السوفيتي وبعد فترات مضاها في دمشق وبيروت وأماكن اخرى. سالم شاب كان ‏شيوعيا وهرب من العراق ايام حكم الرئيس الراحل صدام حسين.‏
ومن دمشق ارسله الحزب الشيوعي في بعثة دراسية الى الاتحاد السوفيتي حيث ملت نفسه الانضباط ‏الحزبي والصرامة وعقلية “نفذ ثم اعترض” فابتعد عن رفقائه الى ان هرب من الاتحاد السوفيتي الى ‏السويد. انه قرار لا يغتفر. وهو الان ينتظر قرارا بشأنه.. فإما ان يعطى حق اللجوء السياسي وإما ان ‏يعاد الى التشرد من جديد ويعاد الى الاتحاد السوفيتي.‏
الخط الاخر في العراق. في هذا الخط نلقى والدي سالم وأخاه الاصغر منه زكي ذا الستة عشر عاما. ‏يعيش هؤلاء في البصرة التي تحولت الى ما يشبه مدينة اشباح فهي تقع على خط القتال في الحرب ‏العراقية الايرانية.‏
تعيش العائلة معظم اوقاتها في قبو منزلها الذي بذلت جهدها لتحصينه وذلك هربا من القذائف التي ‏تضرب المدينة بفعل القصف المستمر. ويهتز المبنى باستمرار ويتطاير منه التراب والغبار. وفي ‏بعض حالات الهدوء تصعد العائلة الى البيت في الطبقة الاعلى من القبو ولا تلبث ان تعود الى القبو ‏مع الجرذان والخفافيش بعد ان يعود القصف.‏
المدارس اقفلت ابوابها بسبب القصف وكثيرون من سكان المدينة غادروها الى اماكن اكثر امنا. سعى ‏الاهل الى ابعاد زكي الى مكان اخر. ذهب الى خاله في مدينة اخرى ومن هناك هربته منظمة ‏فلسطينية كواحد من اعضائها الى دمشق حيث سيسعى الى السفر الى الاتحاد السوفيتي متوهما ان اخاه ‏لا يزال يعيش فيه.‏
في غياب زكي يشتد القصف ويحل الدمار ببيت العائلة فينتقل الأب المتقاعد ذو المعاش المحدود مع ‏زوجته الى مكان اخر بعيد عن القصف. الا ان اشتباكات دارت في المنطقة بين الجيش العراقي ‏وسكان معارضبن من الشيعة. هرب المسلحون والجيران في شاحنة وأصروا على أن يذهب الاب ‏والام معهم فذهبا ظنا انهم يتوجهون الى منطقة عراقية اخرى.‏
الا ان الشاحنة دخلت الحدود السعودية بعد ان تخلص المسلحون من اسلحتهم. وضع القادمون في مخيم ‏دولي يشرف عليه نرويجيون وتقرر ارسالهم لاجئين الى دول اوروبية. رفض الوالدان وقررا العودة ‏الى العراق. وبعد رحلة عذاب وصلا الى العراق حيث حقق معهما وقررا الذهاب الى بيت اهل ‏الزوجة والقبول بما تكتبه لهما الاقدار.‏
سالم ينتظر القرار بشأنه. وفي هذه الاثناء يقيم علاقات مع نساء لكنه يشكو من الوحدة ومن الخوف من ‏ان يطرد مرة اخرى. حاول ان يتزوج من امرأة كان قد اقام معها علاقة كي يبقى في البلاد لكنها ‏رفضت فكرة الزواج بعد تجربة سابقة. ‏
كانت هواجسه ومتاعبه تتمثل احيانا في حالات يعاني منها ليلا. يقول الكاتب مثلا “فزّ سالم من نومه. ‏ازاح اللحاف جانبا هلعا من نوبة اختناق اعترت صدره. قعد في فراشه وشعره مبلل بعرقه. جسده ‏ساخن ورغبة ملحة تراوده في التجرد من ملابسه. الغرفة مظلمة. الستائر مسدلة. لا اتجاه ولا منفذ انما ‏هوة والعتمة تلفه.. تحاصره وتضيق الخناق عليه.‏
‏”شق الستارة. الليل يهيمن على العالم. المنطقة مقفرة. غيوم الخريف تحتشد في السماء بكتلها الكثيفة ‏فتحجب النجوم والشهب ونور المجرات فلا يبين الا ضوء قمري يتسلل من بين طياتها الحالكة في ‏هالة شاحبة ومصفرة. مصابيح الشارع تلقي بأنوارها على الاسفلت المبلل فتلمع بقع ماء هنا وهناك ‏فلقد امطرت توا… انه اليقظ الوحيد اذا والناس ما زالوا نياما. من يدري؟ قد يكون بعضهم متأرقا في ‏فراشه ايضا من هم واضطراب.”‏
يتحدث سالم مع رمزي -وهو عراقي اخر- عن الوطن والمنفى وما يوجهانه احيانا من عنصرية. يقول ‏‏”حتى المنفى خير من الموت في الوطن. الذعر يحمل الناس على التشبث بالبقاء هنا.” يقول له الاخر ‏‏”لا تنس المساعدات الاجتماعية” التي يقدمها السويديون لهم فيرد الاخر “المساعدات لا تجعل المهاجر ‏سعيدا.”‏
يرد سالم “لا بيد انها تحميه فهو يتحمل الذل لادراكه انه في نهاية المطاف لن يموت جوعا هو وعائلته ‏او يسقط قتيلا بقذيفة طائشة او يقتل او يختطف ويسجن من قبل غزاة وميليشيات.”‏
الا ان القرار صدر بترحيل سالم الى الاتحاد السوفيتي. ولما وصل وجد مع مرافقيه من رجال الشرطة ‏ان السوفيت يرفضون السماح له بالدخول. وبعد اتصال مع السفارة السويدية تقرر العودة به الى ‏السويد. لكنهم في السويد ابلغوه انهم سيرحلونه الى دمشق. وفي دمشق التقى شقيقه الباحث عن طريقة ‏للسفر الى الخارج. التقى الاخوان خارج العراق وبقي الوالدان في العراق على رغم الموت والدمار.‏

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب