7 أبريل، 2024 6:20 م
Search
Close this search box.

واشنطن : نجحنا بأسقاط صدام وفشلنا في بناء ديمقراطية

Facebook
Twitter
LinkedIn

إذا كانت الولايات المتحدة أرادت بقيادتها الغزو للعراق عام 2003 إقامة عراقي ديمقراطي مستقر ‏وآمن فإن هذا أبعد ما يكون عن صورة العراق اليوم. ولعل الإحصائية التي نشرتها أمس منظمة ‏‏«إراك بودي كاونت» البريطانية المعنية بالضحايا المدنيين الذين قتلوا في العراق منذ الغزو يؤكد هذا ‏الاستنتاج: 112 ألفا على الأقل. وبإضافة العسكريين والمسلحين فإن مجموع القتلى حسب المنظمة ‏يصل إلى نحو 170 ألفا. ‏

الخبراء والمحللون الأميركيون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» يبدون متفقين، ولكن بدرجات، ‏على أن الغزو لم يحقق أهدافه. فدنيس روس، المستشار السابق للرئيس الأميركي، يقر بأن ثمن ‏التخلص من الرئيس العراقي السابق «كان باهظا» بالنسبة للعراقيين والأميركيين على حد سواء. ‏ويضيف روس: «للأسف لا يزال العنف سائدا وتتحكم الصراعات الطائفية في تشكيل السياسات بدلا ‏من المصالح الوطنية». ويتابع روس: «أعتقد أنه من الإنصاف القول إن تحقيق هدف بناء ديمقراطية ‏مستقرة لا يزال بعيدا». ‏
ديفيد أوتواي، الباحث بمعهد وودرو ولسون كان أكثر صراحة في حكمه السلبي على الغزو إذ يقول: ‏‏«لقد اعتقد بوش أنه بالحرب على العراق يروج للديمقراطية.. وقد ثبت أنه إما كان ساذجا أو جاهلا ‏إلى حد كبير». ويرى أن العراق الآن «أقل ديمقراطية وأكثر عنفا وطائفية وأكثر استبدادية». ‏
لا تزال الحرب على العراق تشكل أكثر القضايا المثيرة للجدل داخل الولايات المتحدة. واليوم، وبعد ‏عقد من الزمن، ما زال البعض يهاجمها ويصفها بالحرب الكارثية، والبعض الآخر يدافع عنها ‏ويعتبرها كانت ضرورة لإنهاء نظام ديكتاتوري في إطار ما سمي في عهد الرئيس الأميركي السابق ‏جورج بوش بـ«الحرب على الإرهاب». «الشرق الأوسط» استطلعت آراء عدد من الخبراء السياسيين ‏والأكاديميين في واشنطن حول دوافع الولايات المتحدة لشن الحرب على العراق ونتائج الحرب بعد ‏مرور قرن من الزمن، وتقييمهم لوضع العراق الآن، والدروس المستفادة من تلك الحرب. ‏
يقول المستشار السابق للرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دينيس روس «إن صناع القرار في ‏إدارة الرئيس بوش نظروا إلى صدام حسين من خلال عدسة الحرب على الإرهاب. وكان لديهم اعتقاد ‏بأنهم يجب عليهم أن يتخذوا موقفا دراماتيكيا في ردهم على الإرهاب ومن يدعم الإرهاب، وقد اعتقد ‏الرئيس بوش وآخرون من حوله خلال الشهور التي تلت هجمات 11 سبتمبر أن لصدام حسين علاقة ‏بالهجمات، وحتى لو لم تثبت علاقته بالهجمات فإن إزالة نظام صدام حسين (من وجهة نظر إدارة ‏بوش) كانت تعد ضربة ضد الإرهاب وتعزيزا للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتعزيزا لقضية ‏الديمقراطية التي لم تعرفها المنطقة من قبل». ‏
ويضيف روس «ركزت الإدارة الأميركية في عهد بوش على أسلحة الدمار الشامل لدى صدام، وهذا ‏أيضا تم ربطه بالحرب على الإرهاب، وإبراز مفهوم أنه من الضروري إبعاد الأسلحة الخطرة عن ‏الأيدي الخطرة، لكن بعد ثبوت أنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل تضررت صورة الإدارة الأميركية ‏في دوافعها للحرب». ‏
وعن نتائج الحرب على العراق بالنسبة للولايات المتحدة، يقول المستشار السابق للرئيس لمنطقة ‏الشرق الأوسط «أبرز النتائج هي زوال نظام صدام حسين الوحشي والقمعي، فقد قتل نظام صدام ‏حسين مئات الآلاف من العراقيين. نعم ذهب نظام صدام حسين، لكن ثمن ذلك كان باهظا جدا، ‏وفرضت الحرب ثمنا باهظا على العراق، فقد أفضى الصراع الطائفي إلى عشرات الآلاف من القتلى، ‏ومزق البلاد وأدى إلى تشريد جزء كبير من السكان، ونحن أيضا (الأميركيين) دفعنا ثمنا باهظا من ‏الدماء والأموال». ويضيف روس الذي يعمل حاليا باحثا بمركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ‏‏«العراق اليوم لديه انتخابات وحركة سياسية حقيقية، لكن للأسف لا يزال العنف سائدا، وتتحكم ‏الصراعات الطائفية في تشكيل السياسات بدلا من المصالح الوطنية، ويعاد بناء العراق ببطء شديد، ولا ‏تزال قضايا أساسية لم تجد طريقها للحل، ويحدوني الأمل أن يبني العراق مستقبلا ناجحا». ويؤكد ‏روس «أعتقد أنه من الصعب أن ننظر إلى العراق اليوم ونتكلم عن النتائج التي حققتها الولايات ‏المتحدة من الحرب، فلدينا علاقات مع الحكومة العراقية ورئيس الوزراء نوري المالكي وقطاعات ‏مهمة من المجتمع العراقي، ونواصل العمل مع العراقيين في مكافحة الإرهاب، لكن هذه ليست مزايا ‏للولايات المتحدة، بل تعكس المصالح العراقية أيضا، وهناك قضايا نختلف حولها ولا نراها بنفس ‏المنظور سواء سوريا أو إيران». ‏
وحول تقييمه لوضع العراق الآن، يقول روس «أعتقد أنه من الإنصاف القول إن تحقيق هدف بناء ‏ديمقراطية مستقرة في العراق لا يزال بعيدا، وإذا كان السؤال «هل أعطت الولايات المتحدة فرصة ‏للشعب العراقي ليحقق ذلك في المستقبل؟.. هنا ستكون الإجابة نعم، لكن في النهاية لم يكن في قدرة ‏الولايات المتحدة أن تقوم بذلك، بل العراقيون هم الذين يتحكمون في مستقبلهم». ويطرح روس عدة ‏تساؤلات وتحديات حول وضع العراق اليوم، ويقول «هل يستطيع العراقيون صياغة هوية وطنية ‏وليس هوية طائفية؟ لقد قام العراقيون ببناء مؤسسات، لكن هل تملك المؤسسات البرلمانية والقضائية ‏المصداقية بحيث تكون رقيبا على السلطة التنفيذية؟ هل يمكن للسلطة أن تحتضن كل الفئات السياسية؟ ‏هل يمكن لقادة العراق حل قضايا الحدود الداخلية وتقاسم ثروة البلاد؟ كل هذه الأسئلة يتعين الرد ‏عليها، وربما بعد 10 سنوات من الآن سيكون لدينا فهم أفضل لنوع الدولة التي سيكون عليها العراق. ‏والعراق يملك إمكانات كبيرة لم تكن لتتحقق تحت حكم صدام حسين الاستبدادي، وآمل أن يستغل ‏العراق إمكاناته بعيدا عن النفوذ الإيراني وممثليه، وأن يحقق حكما شاملا وفعالا، وأمامه طريق طويل ‏ليفعل ذلك». ‏
وحول الدروس المستفادة من الحرب على العراق يقول روس «ببساطة، الدرس المستفاد أن تغيير ‏النظام يجب أن يأتي من الداخل، وليس من الخارج، فعند تغيير نظام سلطوي – كما رأينا بصفة عامة ‏في الشرق الأوسط – تنتج حالة من الفراغ، وحتى بإقامة نظام من الداخل فإنه يصعب إقرار الأمن ‏والحكم، لكن تغيير الحكم من الخارج يجعل قضية الشرعية محل تساؤل أساسي». ويضيف «يمكن ‏للولايات المتحدة، بل ويجب عليها، دعم أولئك الدين يسعون لتغيير الأنظمة القمعية الوحشية، وإذا كان ‏هناك درس مستفاد يأتينا من العراق، فهو أننا ينبغي ألا نحاول فرض التغيير من الخارج، وألا نعتمد ‏على أشخاص ليست لهم قاعدة شعبية أو مصداقية في الداخل، وأن نفكر مليا في من هو قادر على ‏التأثير في ما سيأتي لاحقا». ‏
ويتفق ديفيد أوتاواي، الباحث بمعهد وودرو ولسون، على أن الهدف الوحيد الذي حققته الولايات ‏المتحدة من الحرب على العراق هو التخلص من صدام حسين، ويقول «الهدف الوحيد الذي حققته ‏واشنطن هو التخلص من ديكتاتور رهيب، وفي وقت لاحق بدا واضحا أن قرار إدارة بوش غزو ‏العراق كانت له عواقب وخيمة على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وعلى العالم العربي ‏نفسه، وأدى إلى تشكيل حكومة متحالفة مع إيران ومنعزلة عن العالم العربي، وأدت إلى وضع العراق ‏على شفا التفكك، مع اتجاه كردستان إلى الاستقلال أكثر من أي وقت مضى، واتجاه السكان السنة إلى ‏التمرد ضد الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، وهو ما ساعد في اشتعال الصراع الطائفي بين السنة ‏والشيعة والذي يجتاح منطقة الشام والخليج الآن ويمزق سوريا». ويضيف أوتاواي «حتى اليوم لا ‏تزال إدارة الرئيس أوباما تدعم رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو يسعى إلى فرض حكومة أكثر ‏استبدادا وطائفية من أي وقت مضى، بما يدفع الأكراد والسنة في العراق إلى التمرد». ‏
وحول وضع العراق الآن يقول أوتاواي «لقد اعتقد بوش أنه بالحرب على العراق يروج للديمقراطية ‏في العالم العربي، وقد ثبت أنه إما كان ساذجا أو جاهلا إلى حد كبير، لأن العراق الآن أقل ديمقراطية ‏وأكثر عنفا وطائفية وأكثر استبدادية، ولا تزال الولايات المتحدة والعالم العربي يعانيان العواقب ‏الوخيمة لقرار بوش بالحرب على العراق قبل عشر سنوات». ‏
بدورها، تشير باربرا سلافين، كبير الباحثين بمركز جنوب آسيا في معهد أتلانتيك، إلى أن الحرب ‏على العراق لم تكن تستحق الثمن الباهظ الذي تكبده الأميركيون والعراقيون، وتقول «يحب أن يتم ‏النظر إلى الصورة بشكل كامل كقصة تحذيرية.. كيف يمكن أن تندفع قوة عظمى أعماها الخوف ‏وتلاعب بها فصيل صغير من داخل الأمن القومي الأميركي وأصبحت قوة متغطرسة؟». ‏
وتقول الباحثة بمركز أتلانتيك حول وضع العراق اليوم «العراق خاض انتخابات حرة نسبيا، لكن ‏رئيس الوزراء نوري المالكي منذ عام 2006 استلهم الكثير من الخصائص الديكتاتورية ممن سبقوه، ‏وبدلا من ديكتاتورية سنية أصبحت للعراق ديكتاتورية شيعية، ولا يزال العنف والفساد مستشريين». ‏
وتشير سلافين إلى أن التداعيات المؤلمة للحرب على العراق هي التي أتت بالرئيس المنتخب باراك ‏أوباما إلى الحكم، وانعكست على سياساته الحذرة اليوم تجاه الشرق الأوسط، وتبدو ردود فعل أوباما ‏مبالغة أكثر في الاستجابة للتدخل بالقوة في سوريا رغم أن التمرد جاء من السوريين أنفسهم وليس من ‏الخارج.‏

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب