وكالات – كتابات :
قبل بدأ العملية الروسية العسكرية في “أوكرانيا”؛ لم يكن أحد يولي اهتمامًا بفكرة دخول “الصين” إلى “تايوان” عسكريًا؛ لكن خلال الأشهر القليلة الماضية زادت الاحتمالات والأخبار التي تروجها إدارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، حول زعم عمل عسكري لـ”بكين” في “تايوان”.
مما عزز هذا الاحتمال هو التنافس المحموم بين “الصين” و”الولايات المتحدة”؛ في وسط “آسيا”، واعتبار “بكين” أن “واشنطن” اقتربت من حديقتها الخلفية، وجاءت زيارة “نانسي بيلوسي”؛ رئيسة “مجلس النواب” الأميركي المزمعة إلى “تايوان”؛ لتصب الزيت على النار وتُزيد من حدة التوتر.
هذه الإرهاصات دفعت سكان “تايوان” للاستعداد للسيناريو الأسود، وهو شن “بكين” عملية عسكرية على أراضيها من خلال التدريب على حمل السلاح والمدافع من أجل الدفاع عن أنفسهم إذا ما حدث هذا الكابوس.
صحيفة (تليغراف) البريطانية؛ زارت مُجمع تدريب داخليًا خانقًا على أطراف العاصمة التايوانية؛ “تايبيه”، وشاهدت كيف يرفع المتدرِّبون بنادقهم للتدريب على التصويب بينما يستعدون للحرب.
ويصطف تسعة مجندين في قوة دفاع طوعية إلى جانبهم، يرتدون مجموعة غير متطابقة من الخوذات وقبعات البيسبول وسترات التمويه والقمصان والأحزمة؛ يتصبب العرق على جباههم، لكن عيونهم تُركز على المهمة.
صاح فيهم المدرب: “استعداد.. أضرب”، وركض الرجلان الأولان إلى الأمام بشكل متوازٍ، مصوبين سلاحيهما نحو أهداف على الحائط وفتحا النار.
يتردد صدى صوت الكريات الصغيرة التي تضرب الصفائح المعدنية المستطيلة في الغرفة؛ حيث ترتد المقذوفات البلاستيكية من بنادقهم البلاستيكية أيضًا على الأرض. لمحة إلى اليسار، ثم إلى اليمين، وينسحب الإثنان جانبًا، مما يسمح للرماة التاليين بالتحرك للأمام بسرعة في نفس التشكيل وأخذ مكانهما.
ومنذ الهجوم الروسي على “أوكرانيا”؛ في شباط/فبراير الماضي، كان هناك ارتفاع ملموس في حالة الذعر بين سكان “تايوان”؛ البالغ عددهم: 23.5 مليون نسمة، والذين واجهوا منذ فترة طويلة تهديدات مماثلة من جارتهم “الصين”؛ كما يدعي التقرير البريطاني.
يحمون أنفسهم بطريقتهم..
أثارت هذه الأحداث إلحاحًا جديدًا بين المدنيين، الذين يسعون إلى حماية منازلهم وأحبائهم بأيديهم، مما أدى إلى زيادة مفاجئة في كل من الرجال والنساء الباحثين عن الأسلحة والتدريب الطبي في حالات الطواريء. هذا العام، تضاعفت الحجوزات في مركز (Polar Light) للتدريب على الأسلحة أربع مرات تقريبًا.
أرادت صحيفة (تليغراف) مقابلة المدنيين غير المُدّربين الذين يُضحون بعطلات نهاية الأسبوع في حرارة الصيف الحارقة حتى يتمكنوا من الاستعداد لسيناريو الكابوس المتمثل في ظهور الجنود على أبواب منازلهم. لماذا يتدفق المواطنون العاديون هنا، ماذا ستكون خطتهم، إذا كانت “الصين” ستُهاجمهم ؟
لعقودٍ من الزمن، عاش التايوانيون في ظل غزو “الحزب الشيوعي الصيني”، الذي يدعي أن الجزيرة هي أرضه الخاصة، على الرغم من أنه منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية في عام 1949، لم يحكم هناك قط؛ بحسب مزاعم الصحيفة البريطانية.
وفي أعقاب حملة القمع القاسية؛ لعام 2019، على الحركة المؤيدة للديمقراطية في “هونغ كونغ”، قدم الرئيس الصيني؛ “شي جين بينغ”، خطابًا عدائيًا بشكل متزايد حول الاستيلاء بالقوة على السيطرة على “تايوان”، وصاحب ذلك تصعيدٌ في التدريبات البحرية والجوية في إستراتيجية تخويف واضحة؛ كما يروج التقرير البريطاني نفس إدعاءات الآلة الدعائية الأميركية والغربية حول الخصم الصيني.
نماذج من البحث عن الأمان..
ومع ذلك؛ لم يكن الأمر كذلك حتى هجوم “موسكو” على “أوكرانيا”، الذي تضخمت خلاله صور للضحايا المدنيين في البرامج التليفزيونية التايوانية اليومية، حتى وصلت احتمالية الحرب المرعبة إلى الجمهور التايواني – وبدأوا يسألون أنفسهم عما إذا كان من الممكن أن يأتي دورهم تاليًا.
يقول “سو جون”، رسام الوشوم البالغ من العمر: (39 عامًا): “جئت إلى هذه الدورة التدريبية بسبب حرب أوكرانيا. أنا شخصيًا أعتقد أن الغزو الصيني سيحدث في السنوات القليلة المقبلة. لا أريد أن أضطر إلى استخدام مسدس ثم لا أعرف كيف أفعل ذلك”.
مثل الرجال الآخرين من جيله، خضع “سو”؛ لمدة عامين، من الخدمة العسكرية الإجبارية – وهو إلتزام على جميع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين: (19) و(36 عامًا)؛ والذي خُفِّضَ منذ ذلك الحين بشكلٍ مُثير للجدل إلى أربعة أشهر. لكنه يقول إن الفترة التي قضاها في تدريب الجيش كانت: “المدرسة القديمة”، مما سمح له بإطلاق ست طلقات فقط، وتركه يفتقر إلى الثقة في قدراته القتالية. على النقيض من ذلك، فإن الدورة التي يدرسها في (Polar Light)؛ لا تُعّلم فقط معرفة الأسلحة المتقدمة، ولكن إستراتيجيات الهجوم الوثيق وكيفية العمل كفريق واحد.
يُعلن “سو” عن إعجابه بالوحدة التي أظهرها الشعب الأوكراني عندما ضربت الأزمة بلادهم. ويُضيف: “آمل أن يكون الشعب التايواني هكذا إذا اندلعت الحرب”. إذا حدث ذلك، يقول إنه يُفضل الانضمام إلى قوة دفاع محلية بدلاً من الجيش التقليدي – وهو مفهوم يخضع حاليًا للتجربة في “أوكرانيا”، حيث اشترك آلاف المدنيين عديمي الخبرة في كتائب طوعية تُقاتل جنبًا إلى جنب مع جنود محترفين على الخطوط الأمامية؛ بحسب المزاعم التي تحرص الآلة الدعائية الغربية على ترويجها.
القادة العسكريون يستعدون أيضًا لهذا الاحتمال..
لقد روج الأدميرال “لي هسي مين”، رئيس الأركان العامة من: 2017 إلى 2019، لإستراتيجية بناء وحدة قوية للدفاع عن الوطن لإضفاء عمق على الحملة العسكرية التقليدية. وهو يعتقد أن احتمال: “حرب العصابات” المطولة سيُعّقد ويردع خطط الغزو الصيني. قال “لي”: “الدفاع عن تايوان يتعلق بما هو أكثر من مجرد مبيعات الأسلحة. الشيء الأهم بالنسبة للدفاع عن تايوان هو تايوان نفسها”.
في تمرين ثانٍ، يتعلم “سو” وزملاؤه مناورة دفاعية لدفع هدف من الورق المقوى فجأة على ارتفاع الرأس بكفهم الأيسر، قبل التراجع سريعًا والوصول إلى مسدس بيدهم اليمنى. تُسيطر “تايوان” بشدة على ملكية السلاح، والأسلحة البلاستيكية المستخدمة في هذه الفئات هي أجهزة منخفضة الطاقة تستخدم الهواء المضغوط لإطلاق مقذوفات غير معدنية مثل الكرات البلاستيكية الصغيرة. وهي مصممة لمحاكاة مسدسات وبنادق معينة، مما يسمح للمتدربين بالتعرف على الآليات، بالإضافة إلى التقنيات مثل وضعية الرماية.
يقول المدرب “جون تشونغ”؛ إن الاختلاف الرئيس مع الأسلحة الحقيقية يكمن في قوة الإرتداد، لكن الهدف هو تحفيز: “ذاكرة العضلات” التي يمكن أن تتكيف بسرعة مع ساحة المعركة الفعلية. ستكون الحركات والتكتيكات التي تُدرَّس مفيدة إذا اضطرت الحكومة التايوانية إلى استدعاء جنود الاحتياط للمساعدة في صد الغزو الصيني.
يقول “لينغ جي-ييه”، وهو مهندس كهربائي يبلغ من العمر: (32 عامًا)، إنه سيستخدم تدريبه الإضافي على الأسلحة للانضمام إلى الجيش إذا اندلعت الحرب. ويكشف أن المزيد والمزيد من أصدقائه قلقون من أن “الصين” لن تتخلى أبدًا عن فكرة الاستيلاء على “تايوان”. يقول: “سأعمل مع الجنود للمساعدة في الدفاع عن بلدنا”، لكنه يُضيف: “سأحضر درعي الواقي من الرصاص. لا يمكن في الحرب أن تضع ثقتك كلها في نفسك فقط”.
لكن “غيري هوانغ”، وهو بستاني يبلغ من العمر: (26 عامًا)، ترك الخدمة الوطنية الشهر الماضي؛ ولم يكن مُعجبًا بالمعدات العسكرية، يقول: “أنا الآن أكثر ثقة في أنني سأعرف ماذا أفعل”، مضيفًا أنه من المحتمل أن يُركز على حماية أسرته بشكل مباشر بدلاً من الانضمام إلى القوات المسلحة.