وكالات – كتابات :
صدمت “السعودية” وحلفاؤها في منظمة (أوبك بلس)؛ سوق النفط بتعهدهم خفض إنتاج النفط في محاولة لزيادة أسعاره، رغم المخاوف المتنامية من تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي.
ويقول تقرير لصحيفة الـ (فايننشال تايمز) البريطانية؛ إن هذا القرار المفاجيء الذي اتخذته المنظمة كان لحظة “فاصلة”، لها أهمية اقتصادية وسياسية تتجاوز أسواق “النفط”، وفقًا لما يراه “غريغ بريدي”، المستشار في شركة (Spout Run Advisory) الأميركية في “واشنطن”.
هل يستطيع الاقتصاد العالمي التكيف مع ارتفاع أسعار النفط ؟
يقول محللون إن تزايد الضغط التصاعدي على أسعار “النفط” – في الوقت الذي بدأت فيه تكاليف الطاقة تتراجع في الاقتصادات الغربية – سيُزيد من صعوبة جهود البنوك المركزية لتهدئة التضخم، وهذا قد يضع “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي في صراع مع (أوبك بلس).
ولو تمكنت “منظمة منتجي النفط” من رفع أسعار النفط لفترة أطول، فقد يضّر ذلك أيضًا بمحاولات الدول الغربية تقييّد تدفق دولارات النفط إلى خزانة حرب (الكرملين).
وفضلاً عن ذلك؛ يكشف قرار الخفض الأخيرة عن تقلبّات جديدة في الجغرافيا السياسية للطاقة. ففي حقبة يرى عديد من الاستراتيجيين أنها ستشهد انخفاضًا في الطلب على النفط وتراجع الدول النفطية؛ مثل: “السعودية وروسيا”، تتدفق القوة من جديد إلى “الرياض”.
“السعودية مستعدة الآن لتتحمل التوترات مع واشنطن” !
تقول “حليمة كروفت”، رئيسة السّلع في شركة (RBC Capital Markets): “السعودية مسّتعدة الآن لأن تتحمل التوترات مع واشنطن في سّعيها لتحقيق مصلحتها الاقتصادية. و(أوبك) عادت إلى مقعد القيادة. وهي جاهزة لسوق يتخذ فيه السعوديون قرارات كثيرة”.
لكن المخاطر على السعوديين والاقتصاد العالمي ستكون كبيرة، إذا تمادوا أكثر من اللازم، بحسّب وصف (فايننشال تايمز).
يقول “آدي إمسيروفيتش”؛ من معهد “أكسفورد” لدراسات الطاقة، الذي كان يُدير تجارة “النفط” في شركة (غازبروم) الروسية: “معدلات التضخم مرتفعة، ويُحتّمل أن تُدّخل الاقتصادات في حالة ركود، وهذا وضع تحتاج فيه إلى خفض أسعار النفط لفترة قصيرة من الوقت حتى يتعافى الاقتصاد”.
وأضاف: “ولو لم تُعد البنوك المركزية قادرة على خفض أسعار الفائدة بالطريقة نفسها، فقد تتسّبب (أوبك بلس) في جّر الاقتصاد العالمي بأكمله إلى الركود”.
من جانبها؛ تقول “إيمي مايرز غاف”؛ الأستاذة في جامعة “نيويورك”: “رفع الأسعار الآن في وقت تُعاني فيه البلدان الاستهلاكية الفقيرة بالفعل بسبب الديون وارتفاع قيمة الدولار، يُهدد بوقوع العالم في أزمة مالية كبيرة… فرفع أسعار النفط يُفاقم عوامل أخرى مزعزعة للاستقرار، ومن ثم ينهار كل شيء حتى أسعار النفط”.
على ماذا تُراهّن السعودية ؟
يرى آخرون أن “السعودية” تُراهن على أن الاقتصاد العالمي يمكنه احتمال نفط مرتفع التكلفة، خاصة بعد أن فتحت “الصين” اقتصادها من جديد. و”السعودية” تعّي أن الطلب يتراجع، لكنها ترى أن وصول السعر حتى: 120 دولارًا مقبول، وفقًا لما تراه “أمريتا سين”، رئيسة الأبحاث في (إنرجي أسبكتس).
على أن الدول المنتجة للنفط أيضًا تشعر بتأثير ارتفاع التضخم وتُحاول زيادة إيراداتها، خصوصًا أن النفط الخام لا يزال رخيصًا نسبيًا، وفقًا لمدير صندوق التحوط النفطي؛ “بيير أندوراند”.
يقول “أندوراند”، الذي توقع أن تصل أسعار النفط إلى: 140 دولارًا للبرميل هذا العام: “إذا نظرت إلى دول (أوبك)، فستلحظ أنها تُعاني من التضخم مثل جميع الدول الأخرى، وحجم وارداتها ارتفع كثيرًا من حيث القيمة الدولارية. وهي تقول بوضوح إن: 80 أو 90 دولارًا للبرميل سعر منخفض جدًا. ويُحتّمل أن يرتفع إلى أكثر من: 100 دولار قبل أن تتحرك وتبدأ في زيادة الإنتاج”.
وقالت “السعودية” إن خفض الإنتاج: 500 ألف برميل يوميًا: “هدفه دعم استقرار سوق النفط”. لكن المملكة تحتاج أيضًا إلى مزيد من الأموال لتمويل مشروع (رؤية 2030)؛ الذي أطلقه ولي العهد.
في الماضي؛ كانت الحكومة “السعودية” تقدم عطايا سّخية حين ترتفع أسعار النفط. لكن “الرياض”، التي خفضت الدعم في السنوات الأخيرة، لم تتراجع عن زيادة ضريبة المبيعات 03 مرات خلال الجائحة في ذروتها التي وصفتها بإجراء مؤقت.
يقول “رعد القادري”؛ من مجموعة (أوراسيا) الاستشارية: “مهمة وزير الطاقة السعودي؛ عبدالعزيز، توليد الأموال، وضمان أن تحصل السعودية على أعلى عائد من استثماراتها، بما يشمل إنتاجها النفطي المحلي. والطموح المحلي له الأولوية على أي شيء آخر في عهد؛ محمد بن سلمان”.
الأجندة المحلية السعودية..
ربما تكون الاحتياجات المحلية هي الدافع وراء قرار “السعودية” الأخير بخفض إنتاج النفط، لكن تداعياته ستمتد إلى خارج المملكة. فهذه الخطوة دليل جديد على زيادة حدة الخلاف مع “واشنطن”، وتعمُّق شراكة “الرياض” مع “موسكو”.
فبعد أن عّمدت “السعودية”؛ والدول الأخرى المنتجة للنفط، إلى خفض صادرات الخام بين آيار/مايو ونهاية العام، سيزداد الطلب على النفط الروسي، وفقًا لما يقوله “روغر ديوان”، مراقب (أوبك) المخضرم في شركة (S&P Global Commodity Insights).
ويرى بعض المحللين أن هذا قد يرفع أسعار الصادرات الروسية المنقولة بحرًا إلى ما يزيد على: 60 دولارًا للبرميل، وهو الحد الأقصى الذي فرضته “مجموعة السبع”، وهذا سيُفيد (الكرملين) بشكلٍ مباشر.
يزعم “إيمسيروفيتش”: “هذه هدية قيّمة لبوتين؛ لأن روسيا تنزف اقتصاديًا وعسكريًا، وفجأة تمنحها: 10 دولارات إضافية للبرميل. لكن هذه الهدية سيدفع ثمنها بقية العالم”؛ بحسّب ادعاءاته.
وستُعمق استياء “واشنطن” من “السعودية” أيضًا، بعد أن أمضت إدارة “بايدن” شهورًا في التحركات الدبلوماسية؛ العام الماضي، لإقناع “الرياض” بزيادة إمدادات النفط لتهدئة الأسعار المرتفعة.
“نفوذ أميركا على سياسة النفط السعودية انتهى”..
يقول “ديوان”: “السعوديون بات لديهم مسّار سياسي مستقل”. وقال إن نفوذ “الولايات المتحدة” على سياسة النفط السعودية قد: “انتهى”.
وفي الوقت نفسه؛ مع تراجع فورة “النفط الصخري”؛ في “الولايات المتحدة”، لم تُعد (أوبك) تخشى زيادة الإنتاج في “تكساس” إذا ارتفعت الأسعار، وهذا يمنح المنظمة حرية خفض الإنتاج، وفقًا لما يقوله محللون.
وقد تشعر “السعودية” أيضًا أنها وضعت “الولايات المتحدة” في مأزق. فتعمُّق العلاقات بين “السعودية” و”الصين” يُقلق “واشنطن” من أن: “تخسّر” السعودية لصالح “الصين”؛ إذا تشدّدت “الولايات المتحدة” أكثر من اللازم في سياسة النفط.
ولكن في الوقت نفسه؛ يرى بعض محللي السياسة أن تركيز “الولايات المتحدة” الشديد على المنافسة مع “الصين” يُعميها عن النفوذ الذي ما زالت تتمتع به على “الرياض”، لا سيما في مبيعات الأسلحة والدعم العسكري.
فلم يفِ كبار الديمقراطيين بتعهدهم فرض عقوبات على المملكة بعد أن خفضت إنتاج النفط. وأعرب “عبدالعزيز بن سلمان”، وزير الطاقة السعودية، عن ابتهاجه في الأشهر التالية إزاء أن “الولايات المتحدة” كانت مخطئة في تهديدها بمعاقبة “السعودية”؛ لأن أسعار النفط ظلت ثابتة نسّبيًا.
يقول “بريدي”: “الولايات المتحدة تعاملت بحرص؛ في تشرين أول/أكتوبر، ولم يكن لها أن تفعل. فالسعوديون لديهم طائرات (F-15) لا يمكنها التحليق دون الفنيّين الأميركيين. وخلف الأبواب المغلقة، لا يتعين علينا التعامل بتهذيب مع ذلك”.
ورغم أن رد الإدارة الأميركية على قرار الخفض الأخير كان هادئًا، يتوقع أن تعود التوترات للظهور إذا ارتفعت أسعار النفط مرة أخرى إلى نحو: 100 دولار للبرميل أو انزلق الاقتصاد إلى الركود. وتُدرك إدارة “بايدن” تمام الإدراك أن ارتفاع أسعار النفط ورقة انتخابية قوية. يقول “القادري”: “الاعتقاد السّائد في المملكة أن الولايات المتحدة لن تُثير خلافًا كبيرًا حول ارتفاع أسعار النفط، ما لم تخرج عن السّيطرة فعلاً. ولكن حين تعبث مع قوة عظمى فقد تنقلب الأمور عليك”.