خاص : ترجمة – لميس السيد :
خرج عشرات الآلاف، يوم الجمعة الماضي، في مسيرات “الجزائر”، مطالبين بإنهاء رئاسة، “عبدالعزيز بوتفليقة”، البالغ من العمر 81 عامًا. وفي “السودان”، في نفس اليوم، تنحى الرئيس، “عمر البشير”، من منصب زعيم الحزب الحاكم؛ بعد أشهر من الاحتجاج على حكمه الذي دام قرابة 30 عامًا.
تطرح هذه الأحداث، إلى جانب الاحتجاجات في السنوات القليلة الماضية، في “المغرب” و”العراق” و”الأردن” و”إيران” و”تونس”، مسألة ما إذا كان الشرق الأوسط يمر بموجة جديدة من الاحتجاجات المناهضة للنظام.
بحسب تقرير لصحيفة (واشنطن بوست)، عن توابع الاحتجاجات الحالية التي تشهدها المنطقة، قالت إنه غالبًا ما تأتي الاحتجاجات الجماعية والانتفاضات ضد الحكم الشمولي في موجات تنتشر داخل البلدان وعبر الحدود؛ وكان المثال على ذلك انتفاضات 2011 في معظم الدول العربية التي أطاحت بأربعة حكام استبداديين في أكبر موجة من الاحتجاجات الجماهيرية منذ الحركات المناهضة للاستعمار في منتصف القرن العشرين.
لكن الاحتجاجات الجماهيرية المقتصرة على شعارات “العدالة والكرامة والتغيير”، بالرغم من أنها قادرة على الانتشار من بلد لآخر إلا أنها تقابل بأشكال ضخمة من القمع لكبح الاحتجاجات وأصوات المعارضة.
موجة من القمع..
شهدت السنوات، التي تلت الانتفاضات العربية، تصاعدًا في القمع عبر العالم العربي، حيث يسعى القادة إلى منع تحديات الشارع.
في “المغرب”، عندما هدأت احتجاجات عام 2011، بدأ النظام بهدوء في اعتقال النشطاء والصحافيين المستقلين. عندما اندلعت الاحتجاجات في منطقة “الريف”، في عام 2016، بعد أن تم سحق تاجر سمك داخل شاحنة لجمع القمامة أثناء محاولته استعادة الأسماك التي صادرتها قوات الشرطة، قام النظام بقمع واعتقال زعماء الاحتجاج.
في الأسابيع الأخيرة؛ نشرت السلطات الجزائرية الغاز المسيل للدموع وأغلقت الإنترنت واعتقلت الصحافيين.
وأعلن “البشير”، في “السودان”، حالة الطواريء، في العام الماضي، ردًا على حركة الاحتجاج المتنامية، وأجاز قوات الأمن لقمع المظاهرات.
هذه الحالات الأخيرة بالكاد هي الحالات الوحيدة التي يمكن فيها رصد زيادة التكتيكات القمعية بالتوازي مع زيادة مبيعات الأسلحة إلى المنطقة، واستخدام دول مثل “مصر واليمن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية”، الأسلحة ضد المدنيين في الداخل والخارج.
وعامة ينتشر في جميع أنحاء المنطقة، تعرض منظمات المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان والحريات الصحافية للهجوم بشكل متزايد.
لماذا يشجع المناخ الدولي التكتيكات الاستبدادية ؟
أوجه التشابه بين حالات القمع، في الدول التي تشهد استبدادًا، لا تثبت بالضرورة انتشار آليات القمع، فيمكن أن تكون عودة الاستبداد القمعي محلية في الأصل، حيث يستجيب القادة للظروف المحلية باستخدام تكتيكات مجربة. لكن انتشار مثل هذه التكتيكات، بالإضافة إلى توقيتها، يشير إلى أن العوامل المحلية قد لا تكون هي المحفزات الوحيدة، ولكن قد يشجع المناخ الدولي الوحشية في المنطقة من خلال طريقين.
أولاً؛ غرق “سوريا” في حرب أهلية وفر للمستبدين، الذين نجوا من الانتفاضات العربية، مبررات مرعبة لإقناع الشعوب بأن الانتفاضات قد تنتهي بشكل خاطيء يفضي إلى حرب أهلية، ولطالما برر القادة الإقليميون إحكام قبضة الحكم لتحقيق الاستقرار.
ومع بداية الحرب في “سوريا”، وتفتيت الدولة الليبية، وانقلاب 2013 في “مصر”، لم تُعد هذه الإدعاءات تبدو جوفاء مثلما حدث في الأشهر الأولى من الانتفاضات، عندما كان المتظاهرون يأملون في حدوث تحول جذري في أنظمة الحكم. فلا شك أن الحرب السورية زودت الحكام بالأساس المنطقي لقمع المظاهرات وقمع حرية التعبير وشجب المعارضين باعتبارهم عملاء لدول أجنبية تسعى إلى زعزعة استقرار الدولة.
ثانيًا؛ تحول موقف “الولايات المتحدة”، تجاه التكتيكات القمعية منذ انتخابات عام 2016.
في الماضي، كان الرؤساء الأميركيون يدعمون باستمرار الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط. لم يعط الرئيس، “باراك أوباما”، على عكس “جورج دبليو بوش”، أولوية لترويج الديمقراطية في المنطقة، لكنه أكتفى بشجب إنتهاكات حقوق الإنسان ودعمه لمنظمات المجتمع المدني.
لا يمكن للبيانات الدبلوماسية والإدانات فقط أن تكبح تكتيكات القمع، لكن تلك البيانات أصبحت لا تصدر إلا من خلال تقييم الأنظمة الغربية لمدى استحقاق أعمال القمع وحجمها للإدانة الدولية، وهو ما قد يشجع جماعات المعارضة المحلية على الاستمرار من أجل التغيير. ومع ذلك، فمنذ عام 2016، كان الرئيس الأميركي أكثر إشادة بالحكام المستبدين الأقوياء من أي رئيس سابق.
فبعد اغتيال، “جمال خاشقجي”، كاتب عمود في صحيفة (واشنطن بوست)، تناقض الرئيس، “ترامب”، مع المخابرات الأميركية حول المسؤولية السعودية، قائلاً: “ربما لا يعلم ولي العهد السعودي بهذا الحدث المأساوي” وهو دليل أكبر على تردد القادة حول إدانة استخدام القمع، حيث أصبح لا يخشى القادة العرب من إدارة لا تعرب إلا عن إدانة محدودة لاستخدام الأساليب الوحشية.
هل يتمكن العمل القمعي من كبح الاحتجاجات ؟
على الرغم من أن البيئة الدولية المعاصرة قد شجعت الحكام المستبدين، إلا أن الزيادة الأخيرة في القمع لم تنجح في خنق الدعوات من أجل التغيير.
في “السودان”، لم تقم حملات القمع بوقف الاحتجاجات. كما أن تاريخ القمع الطويل للحكومة الجزائرية لم يعيق المظاهرات الجارية. في “المغرب”، تحولت اعتقالات نشطاء “الريف” إلى حركة احتجاج محلية. لذا، لم يعد القمع يبدو فعالاً كما حدث بعد انتفاضات عام 2011 مباشرة.
تساعد الدراسات الأكاديمية الحديثة في تفسير لماذا يمكن أن يؤدي القمع إلى نتائج عكسية، حيث أثبتت، “إليزابيث نوغنت”، أن القمع على نطاق واسع يزيد التضامن والوحدة بين جماعات المعارضة.
والمتظاهرون قادرون أيضًا على التعلم من القمع واعتماد التكتيكات لمواجهة عمل الشرطة أو الحد من ردود أفعالها. في حين قد يعمل القمع على المدى القصير، إلا أنه على المدى الطويل يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية.
كما أظهرت دراسة حديثة؛ أنه عندما يتم قمع النشطاء، يكون لدى أصدقائهم وأفراد عائلاتهم دوافع للإنضمام إلى الاحتجاجات، حتى بعد سنوات من حدوث القمع، وذلك يفسر أسباب استمرار الاضطرابات في المنطقة.