“واشنطن بوست” تتساءل .. هل تستطيع الولايات المتحدة حماية أسلحتها النووية في “تركيا” ؟

“واشنطن بوست” تتساءل .. هل تستطيع الولايات المتحدة حماية أسلحتها النووية في “تركيا” ؟

خاص : ترجمة – لميس السيد :

بعد ظهور الأنباء حول تعرض القوات الأميركية لنيران المدفعية من القوات التركية المتجهة إلى شمال “سوريا”، الأسبوع الماضي، تبدو أن علامة جديدة على الإنحدار المفاجيء في العلاقات الأميركية مع “تركيا”، طرأت في الأفق.

ومن الواضح أن فرض الرئيس، “دونالد ترامب”، عقوبات اقتصادية ضد “تركيا”؛ لا يبدو أنه يعالج بشكل كامل المشاكل الأساسية في العلاقات الثنائية المتدهورة، منذ الصيف الماضي، بعد طرد (البنتاغون)، “تركيا”، من برنامج (F-35) للمقاتلات المشتركة، بفعل استياء “الولايات المتحدة” من شراء “تركيا” تكنولوجيا عسكرية روسية متقدمة.

هذه العلاقة المتدهورة مقلقة؛ لأن “تركيا” حليف قديم وعضو بحلف (الناتو)، ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو وجود الأسلحة النووية الأميركية، بعدد حوالي 50 قنبلة من طراز (B61)؛ تخزنها “الولايات المتحدة” في قاعدة “إنغرليك” الجوية في “تركيا”، على بُعد أقل من 100 ميل من الحدود السورية.

إذاً، لماذا تمتلك “الولايات المتحدة” أسلحة نووية في “تركيا” ؟.. وما هي مخاطر سحبها ؟..

إليك ما تحتاج إلى معرفته، وفق تقرير أعدته صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية..

أولًا : أسلحة من آثار الحرب الباردة..

نشرت “الولايات المتحدة”، لأول مرة، أسلحة نووية على الأراضي التركية، في عام 1959. استخدمها الرئيس، “جون كنيدي”، كورقة مساومة لإنهاء أزمة الصواريخ الكوبية، في عام 1962.

إذاً، لماذا تحتفظ “الولايات المتحدة” بالأسلحة النووية على أرضٍ أجنبية، وكيف تعمل هذه الإستراتيجية على تعزيز المصالح الأميركية ؟.. يكشف البحث الذي أعدته صحيفة (واشنطن بوست)، أن هناك ثلاثة محركات إستراتيجية رئيسة وراء عمليات نشر الأسلحة في تلك الحقبة.

أولاً؛ كانت عمليات الانتشار هذه ذات يوم وسيلة للتعامل مع القيود التكنولوجية. في الأيام الأولى للحرب الباردة، قبل إعتماد الصواريخ (الباليستية) العابرة للقارات والغواصات المسلحة نوويًا كعمود فقري للترسانة الأميركية، وسّع وضع الأسلحة النووية في “أوروبا” من قدرة “الولايات المتحدة” على الرد بسرعة على هجوم العدو.

لكن اليوم، بطبيعة الحال، أصبحت معظم الترسانة النووية الأميركية تحملها صواريخ (باليستية)، تمكن القوات الأميركية من توجيه الصواريخ لأي هدف.

ثانيًا؛ تعمل عمليات الانتشار النووي بمثابة تحذير للمهاجمين المحتملين. في أثناء الحرب الباردة، أعتقد القادة الأميركيون أن وضع أسلحة نووية في “أوروبا” يثبط غزو “الاتحاد السوفياتي”، لأن القادة السوفيات سيكونون قلقون من أن الصراع المحدود سوف يتحول بسرعة إلى صراع نووي.

حتى بعد تفكك “الاتحاد السوفياتي”، جادل القادة العسكريون الأتراك بأن الانتشار النووي لـ”الولايات المتحدة” كان بمثابة رادع للعدوان من قِبل المنافسين الإقليميين؛ مثل “إيران”.

ثالثًا؛ تهدف عمليات الانتشار النووي أيضًا إلى طمأنة الحلفاء، بما في ذلك “تركيا”؛ التي أعتمدت على الانتشار النووي الأميركي على أراضيها كرادع ضد دول المنطقة.

ثانيًا : فوائد الانتشار النووي في تركيا للولايات المتحدة..

ربما تكون القوات النووية الأميركية في “أوروبا” قد خدمت وظيفة ما خلال الحرب الباردة، لكن تلك الوظيفة قد عفا عليها الزمن في ضوء تكنولوجيا اليوم.

أظهرت دراسة حديثة أن العامل الحاسم لمنع العدوان على حلفاء “الولايات المتحدة” هو إقامة علاقة تحالف قوية مع “الولايات المتحدة”؛ وليس مجرد وجود أسلحة نووية أميركية. وفي الواقع، وجد البحث أن عمليات الانتشار العالمية للأسلحة النووية لم تحدث فرقًا كبيرًا في الردع حتى أثناء الحرب الباردة.

وهذا في حد ذاته أمرًا منطقي، لأن “الولايات المتحدة”، اليوم، لا تحتاج إلى إعادة نشر قواتها لحماية حلفائها تحت مظلة نووية، حيث أن الصواريخ والغواصات الأميركية تمنحها القدرة على ضرب أي هدف في العالم.

ولكن ما يهم هو إلتزام “الولايات المتحدة” بالدفاع عن شركائها بالأسلحة النووية إذا لزم الأمر، وليس بالتحديد، في مكان وجود هذه القوات النووية فعليًا.

ومع ذلك؛ قد تساهم القوات النووية الأميركية في طمأنينة “تركيا” ومنع الانتشار النووي.

على سبيل المثال، أظهر عالم السياسة، “دان ريتر”، كيف أن الدول التي لديها أسلحة نووية أجنبية على أراضيها أقل عرضة لإستكشاف إمكاناتها النووية الخاصة. ومع ذلك، فإن معظم حلفاء “الولايات المتحدة”، بما في ذلك “اليابان وكوريا الجنوبية”، بعد أوائل التسعينيات، ظلوا غير مسلحين نوويًا حتى بدون وجود قوات نووية أميركية.

ثالثًا : هناك مخاطر محتملة للإحتفاظ بالأسلحة النووية في تركيا..

في حين أن فوائد عمليات الانتشار النووي متواضعة، إلا أن المخاطر كبيرة، لأن الأسلحة النووية على الأراضي الأجنبية يمكن أن تكون عرضة للسرقة أو التخريب.

عندما كانتا “اليونان” و”تركيا”، وهما حليفان لحلف (الناتو)، على شفا الحرب عام 1974، كانت “الولايات المتحدة” تمتلك قوات نووية في كلا البلدين. وبسبب القلق من سلامة وأمن هذه الأسلحة، قامت “واشنطن” سرًا بإزالة قواتها النووية من “اليونان” وتعطيل جميع الأسلحة في “تركيا”.

أعادت محاولة الانقلاب، لعام 2016، ضد الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، المخاوف من الأسلحة النووية الأميركية في “إنغرليك”. ومع تصاعد التوترات اليوم، لا يزال بعض المحللين والمسؤولين الأميركيين قلقين بشأن سلامة وأمن طائرات (B61) في “تركيا”.

رابعًا : هل هناك جانب سلبي لسحب الأسلحة ؟

هل يعني سحب الأسلحة النووية الآن نهاية التحالف (الأميركي-التركي) ؟..

تشير الأبحاث الحديثة إلى أن هذا قلق مبالغ فيه، والدليل على ذلك أن “الولايات المتحدة” سحبت قواتها النووية من العديد من الدول الحليفة: “بريطانيا وكوريا الجنوبية” ودول أخرى. في أيًا من هذه الحالات لم يؤذي الانسحاب علاقات الدول المتحالفة مع “الولايات المتحدة” ولم يشجع الخصوم.

هناك أيضًا تحدٍ أمني يتمثل في سحب الأسلحة على المدى القصير، حيث قد يؤدي إزالتها من أماكن التخزين الخاصة بها خلال فترة من العداء بين “الولايات المتحدة” و”تركيا” إلى القيام بعملية تخريبية قد تؤدي على سرقتها في النهاية.

أما على المدى الطويل، يتمثل الخطر الأكبر في أن إزالة الأسلحة ستدفع “تركيا” لمحاولة الحصول على أسلحة نووية خاصة بها.

بعد كل شيء، يقال إن “إردوغان” يجري استطلاعات حول إمكانية تنفيذ الخيار الأخير. ولكن مع تدهور العلاقات مع “تركيا”، فليس من المؤكد على الإطلاق أن وجود عدد قليل من الأسلحة الأميركية سيمنع هذه النتيجة.

وعمومًا، توجد أدوات سياسية ودبلوماسية أخرى لإثناء “تركيا” عن الدخول في المسار النووي؛ إذا سحبت “الولايات المتحدة” قواتها النووية نهائيًا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة