خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
بعد مئة يوم لا يمكن أن تحصل حكومة الرئيس؛ “مسعود بزشكيان”، على درجة كبيرة، أو درجة سيئة، ولكن كان الرئيس حريصًا على ألا تنحرف سيارة الحكومة عن حارة الوسط، لكن حين تصطدم السيارات بعائق في هذه الحارة، فإن عليها دخول حارة الالتفاف لتجاوز العائق، وإلا تبقى في مكانها، أو تدخل حارة السريع. بحسب تحليل “أحمد زيد آبادي”؛ المنشور بصحيفة (هم ميهن) الإيرانية.
حارة الوسط !
وبحسّب الفيلسوف اليوناني؛ “أرسطو طاليس”، تعتبر حارة الوسط الأكثر تفضيلًا، لكن أحيانًا ينعدم الوسط في الأمور البشرية والإنسانية كالحمل، وأحيانًا أخرى لا يكون الوسط سبيل النجاة كالسباحة أو القيادة أو التطبيب الذي يتطلب مهارة عالية، وإلا كانت حياة البشر عرضة للخطر.
ويُعرف الحد الوسط في التعاليم القرآنية: بـ”نقطة التوازن”، بمعنى النقطة المرغوبة، وهي ذاتها “العدل”، قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِیزَانَ. أَلَّا تَطْغَوْا فِی الْمِیزَانِ}.
وقال أيضًا: {الَّذِی خَلَقَکَ فَسَوَّاکَ فَعَدَلَکَ}. وعليه فالفضيلة هي نقطة التوازن، وهي مرادف للعدل أو العدالة.
و”الوفاق”؛ الذي اختاره الدكتور “بزشكيان” شعار لحكومته، إنما يعني كمنهج معرفة وتحديد نقطة التوازن والعدالة في أي مسألة، وإقناع الآخرين بفضيلة هذه النقطة، وكسب تعاونهم وتضامنهم.
وعليه فـ”الوفاق”؛ كمنهج، هو شعار جيد جدًا، لكن من الناحية العملية والتنفيذية، لا يجب أن يقتصر على الميل للوسطية في أي مسألة، لأن حد التوازن ليس بالضرورة هو حد الوسط، كما لا تعترف السباحة بالحد الوسط في المهارة.
تطبيق منهج “الوفاق” على السياسات الإيرانية..
والسياسات المتوازنة والعادلة، معروفة في “الجمهورية الإيرانية”، لكن المشكلة في الحركة العملية باتجاه التوازن. وبعض الأوساط تفتقر بالأساس للسياسات المتوازنة أو الوسطية، وتراها مخلة بمصالحها الشخصية.
والوفاق لا يعني الاستسلام في مواجهة التعريفات المغلوطة ومكاسبها غير المشروعة، وإنما اقناع الآخرين بقبول السياسات المتوازنة. وعلى صعيد العمل لا يكون سيف الحقيقة والاستدلال المنطقي في كثير من الأوقات قاطعًا، ويُجبر السياسي حفاظًا على المصلحة العامة على الرضوخ إلى مستوى من منطق أنه لا توجد قوة لا يمكن أن تُقهر !
لكن لا بد من تحديد “الحالة”، بحيث لا تتحول إلى قاعدة، وإلا لن تتحقق العدالة على الإطلاق. وبرأي لم يعدل الدكتور “بزشكيان” عن موازين الوفاق بالمعنى الدقيق للكلمة في تشكيل الحكومة واختيار المحافظين.
واختيار بعض المحافظين من التيار المنافس؛ (بعد أن تعهدوا برعاية سياسات الحكومة)، هو من المفارقات نوع من النجاح في تطبيق أسلوب ومنهج الوفاق، لكن في حال رفض هؤلاء المسؤولين الالتزام بسياسات الحكومة، ويريدون العزف على أوتارهم الخاصة، فإن اختيارهم بالطبع يتعارض ومنهج الوفاق.
سوء حظ غير مسبوق..
فإذا وضعنا كل هذا جانبًا؛ فإن حكومة الدكتور “بزشكيان” رفضت الاستسلام للعبة في مجالي “الحجاب الإجباري”، و”فك الحظر عن الإنترنت”.
وعليه هناك احتمال بأن تنجح الحكومة في هذين المجالين. وفيما يخص التوازن في السياسات الخارجية، وإلغاء العقوبات، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، فقد واجه الرئيس حتى اللحظة سوء حظ غير مسبوق؛ حيث واجهت الحكومة دون رغبة احتدام الحرب في المنطقة وتورط “إيران” فيها.
وهذا الوضع من جهة تسبب في عرقلة جهود تحسّين العلاقات الخارجية، وزاد من جهة أخرى المشكلات المعيشية وبالتبعية الشركات الإنتاجية والاقتصادية. وانطلاقًا من أن الحكم المنصف على الأداء التنفيذي للمدراء والسياسيين ينبع عن النسبة بين إمكانياتها وقيودها، فالحقيقة أن حكومة “بزشكيان” واجهت منذ بدء العمل، قيود خارجية غير معدودة فضلًا عن القيود الداخلية.
ولأنه مكلف كرئيس للجمهورية بالكثير من المهام، إلا أنه لن يستطيع بمفرده الخروج من الأزمات المقبلة بما يمتلك من أدوات بسيطة، إلا أن مسار هذه الأزمات، والحلول الممكنة للتخلص منها والسيطرة عليها على المستوى الإقليمي، قد يساعد رئيس الجمهورية أو تخسر حكومته ككل.