خاص: كتبت- نشوى الحفني:
وسط سجل حافل بالتراجع عن تعهدات سابقة؛ بدءًا من تحالفه القصير مع الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، ثم تجربته المحدودة مع مشروع (دوغ كوين)، وصولًا إلى وعده الأخير بالابتعاد عن السياسة الذي لم يصمدَّ سوى أيام، إلا أن إعلان رجل الأعمال الأميركي؛ “إيلون ماسك”، عزمه تأسيس حزب ثالث في “الولايات المتحدة” يُثّير اهتمامًا خاصًا. رُغم أنه لم يكن أول من يسلك هذا الطريق، إلا أن خطوة كهذه، إن حصلت، قد تكتسب بُعدًا مختلفًا مع شخصية مثله وبالإمكانات التي يمتلكها.
ودائمًا ما تقوم مشاريع الأحزاب الثالثة في “واشنطن” على أمل إيجاد مرشحين: “خارقين” قادرين على تمثيّل تيارًا وسطيًا، وجذب المعتدلين من جميع الأطياف؛ (كما حدث مع تجارب: Unity08، No Labels، Americans Elect، وحملة بلومبرغ 2016).
غير أن هذه الوصفة غالبًا ما تبوء بالفشل في بلد منقَّسم سياسيًا، ويتطلب أموالًا طائلة والتزامًا شديدة لإنجاح مثل هذه الخطوة.
ولوح “إيلون ماسك”؛ بإنشاء حزب جديد طيلة أسابيع. وأطلق استطلاع آراء على (إكس)، في حزيران/يونيو، أظهر تأييدًا لهذا المقترح: بـ (80%) بين الذين ردوا عليه، وعددهم: (5.6) ملايين.
الفجوات الإيديولوجية..
عن تلك الخطوة؛ يقول موقع (بوليتيكو) أنه حتى يكتب لمشروع “ماسك” السياسي النجاح، فعليه أن يستفيّد من تجارب أبرز من هزوا النظام الحزبي التقليدي، مثل “دونالد ترمب” على اليمين؛ و”بيرني ساندرز” على اليسار، عبر التقاط القضايا التي تغفل عنها الأحزاب الكبرى، لا من خلال التوسط بينهما، بل بتجاوز ثنائية الجمهوريين والديمقراطيين.
فقد بنى “ترمب” صعوده السياسي على ثلاث قضايا شعر كثير من الأميركيين أن أصواتهم غير ممثلة فيها: الهجرة، والتجارة، والسياسة الأمنية العالمية، رافضًا بذلك التوافق التقليدي بين الجمهوريين والديمقراطيين في عهد “بوش” و”كلينتون”.
ورأى الموقع أن “ماسك” يُمكنه أن يُركز على قضايا مثل التجارة الحرة، ومعالجة العجز من خلال إعادة التوازن إلى الموازنة العامة، إضافة إلى الحفاظ على التفوق العلمي والتكنولوجي لـ”الولايات المتحدة”. وأضاف: “تُشّكل هذه الفجوات الإيديولوجية والنقاط العمياء؛ فرصًا لأي سياسي، خصوصًا لمن يملك حرية إنفاق مليارات الدولارات على تجربة انتخابية”.
العمل ضمن النظام القائم..
من جانبها؛ ذّكرت (نيويورك تايمز)، بالجهود الكبيرة التي يتطلبها إنشاء حزب جديد، ولذلك كانت هذه المحاولة تفشل في كل مرة. كما أنها اعتبرت أن الشعارات التي يرفعها “ماسك” تفضح قلة اضطلاعه على بعض المواضيع، مثل وعوده بإعادة النظر بالنظام الانتخابي الأميركي.
لذلك رأت الصحيفة؛ أنه قد يكون من الأسهل لـ”ماسك”: “العمل ضمن النظام القائم”. وأكدت أنه لا يزال هناك العديد من الجمهوريين في “الكونغرس” الذين يعبَّرون عن استيائهم من “ترمب” بشكلٍ خاص، لكن القليل منهم فقط يجرؤون على معارضته علنًا.
وأوضحت أن “ماسك” يُمكن أن يُحقق عائدًا سياسيًا أفضل بكثير إذا تمكّن من إقناع النواب الجمهوريين الحاليين بالتحالف مع جهوده الجديدة، بدلًا من محاولة انتخاب وجوه جديدة في “الكونغرس”. وأضافت أن الأهم هو أن يُحافظ أعضاء “الكونغرس” المَّقربين من “ماسك” على وحدتهم في حال تعرضوا لهجومًا من “ترمب”، ولا يهم إن كانوا يعملون ككتلة داخل الحزب (الجمهوري) أو من خلال حزب جديد تمامًا.
ورقة مفتوحة على كل الاحتمالات..
لكن تقريرًا لوكالة الأنباء الفرنسية؛ أشار إلى أن مثل هذه المبادرة، التي وصفها “ترمب”: بـ”السخيفة”، قد تُشّكل خطرًا على الجمهوريين الذين لا يحظون سوى بأغلبية ضئيلة جدًا في “الكونغرس”.
فقد اعتبر أن: “(حزب أميركا)؛ التابع لإيلون ماسك، هو ورقة مفتوحة على كلّ الاحتمالات من شأنها أن تقلب المعادلة في انتخابات منتصف الولاية سنة 2026، لا سيّما للجمهوريين”.
واعتبر أن: “الجمهوريين الذين لا يحظون سوى بأغلبية ضئيلة جدًّا في الكونغرس ينبغي أن يتخوّفوا” من هذه المبادرة.
وخلافًا لتجارب الحزب الثالث سابقًا؛ من شأن هذا الحزب الجديد أن يتمتع بموارد غير محدودة وبزعيم كاريزماتي يحظى بقاعدة واسعة من الشباب المؤيّدين له الذين يرون فيه بطلًا عبقريًا كسر القواعد المعمول بها.
وتابع: “علامة ماسك تجذب مصوّتين من الشباب المستقلّين والشغوفين بالتكنولوجيا الذين خُيّبت آمالهم؛ والذين قد يتحوّلون إلى الجمهوريين في الولايات المتأرجحة”.
مهمة شبه مستحيلة..
فيما اعتبرتها صحيفة (واشنطن بوست) مهمة: “شبه مستحيلة” لتحويل الحزب إلى حركة سياسية مؤثرة، رُغم نفوذ “إيلون ماسك” المالي.
وكان “ماسك”؛ الرئيس التنفيذي لشركة (تسلا)، دعمًا ماليًا ضخمًا لحملة “دونالد ترمب” الانتخابية الناجحة عام 2024؛ ليُصبّح أكبر ممول سياسي في “الولايات المتحدة”، وقاد لاحقًا تشكيل: “إدارة الكفاءة الحكومية” في إدارته.
لكن “ماسك” يبدو الآن في مرحلة انفصام عن “ترمب” ومعظم الجمهوريين، مهددًا بتأسيس حزب جديد؛ رافضًا: “الإنفاق الحكومي المفرط” الذي يُجسّده مشروع “قانون الضرائب والإنفاق” الذي وقّع عليه الرئيس.
وفي مواجهة هذا الطموح، تبَّرز (واشنطن بوست): (06) تحديات جوهرية:
نظام معادٍ للأحزاب الجديدة..
يواجه الحزب الجديد عقبات مؤسسية هيكلية، أبرزها نظام: “الفائز يحصل على كل شيء”؛ الذي يجعل الصعود صعبًا. ويوضح البروفيسور “هانز نويل”؛ بجامعة (جورجتاون): “لا توجد في أميركا آليات تسمح للأحزاب الصغيرة بالنجاح دون فوز مباشر”.
كما تُفرض قواعد الاقتراع المتباينة بين الولايات شروطًا تعجيزية – مثل متطلبات الإقامة وتوقّيعات الناخبين – سبق وأفشلت أحزابًا مثل (الليبرتاريين) و(الخُضر).
إرث تاريخي من الفشل..
رُغم المحاولات المتكررة؛ لم يُحقق أي مرشح رئاسي خارج الثنائية؛ (الجمهوري-الديمقراطي)، فوزًا في “المُجمع الانتخابي” منذ فوز “جورج والاس”؛ مرشح الحزب الأميركي المستقل، بأصوات خمس ولايات جنوبية 1968، وحتى الملياردير “روس بيرو”؛ الذي حصد: (19%) من الأصوات الشعبية عام 1992، لكنه لم ينل صوتًا انتخابيًا واحدًا بسبب طبيعة النظام.
استراتيجية غير واضحة المعالم..
رُغم إعلان “ماسك” على (إكس) اعتزامه التركيز على انتخابات التجديد النصفي لمجلسي “النواب” و”الشيوخ” القادمين. لكن “ماسك” لم يُحدّد بعد السباقات التي سيخوضها أو أسماء المرشحين. ويُحذر الخبراء من إمكانية أن تتسبّب هذه المقاربة في فوضى انتخابية وتقسيمًا للأصوات المؤيدة للجمهوريين في الولايات المتأرجحة.
غموض الأهداف والهوية السياسية..
طرح “ماسك” برنامجًا حزبيًا يدعو إلى خفض الدين العام، وتحديث الجيش باستخدام “الذكاء الاصطناعي” والروبوتات، ودعم تحرير القيود وحرية التعبير، والمواقف الداعمة للتكنولوجيا والإنجاب، و”السياسات الوسطية في كل مكان”.
ويدّعي قطب الأعمال أن حزبه يُمثل: “(80%) من الناخبين غير المنتَّمين للأحزاب”، لكن البروفيسور “نويل” يُشّكك في وجود كتلة موحدة قابلة للحشد، قائلًا: “الناس غير راضين عن الحزبين، لكن لا يوجد إجماع على بديل”، متسائلًا: “ما هي أهداف ماسك المحدَّدة؟”.
يحتاج لشبكة داعمة..
تقلص نفوذ “ماسك” داخل الحزب (الجمهوري)؛ بعد خلافاته العلنية مع “ترمب”. وردًا على خطوته، أعلن حليف ترمب؛ “جيمس فيشبك”، تأسيس لجنة سياسية لمواجهته. ويذكر المحللون أن بناء حزب ناجح يتطلب شبكة داعمة جاهزة للعمل الميداني – وليس مجرد تمويل.
إحراج سياسي..
شّكك البروفيسور “ماكوركل”؛ في قُدرة “ماسك” – المعروف بطموحاته التكنولوجية الصاروخية وعدم التزامه بالقواعد – على تحمل بيروقراطية السياسة الطويلة، قائلًا: “لست متأكدًا من امتلاكه الصبر الكافي”.
ويُحذر من تحول المشروع إلى: “إحراج سياسي” إذا اجتذب مرشحين غير مؤهلين طمعًا في أمواله، مشيرًا إلى خسارة “ماسك” السابقة في سباق “محكمة ويسكونسن” رُغم إنفاقه (20) مليون دولار.
ويختتم “ماكوركل” بالتشّكيك في دوافع الملياردير: “ما يفعله الآن نابع من عداء لترمب أكثر من كونه مشروعًا سياسيًا طويل الأمد. لا أعتقد أنه سيَّكرس حياته لبناء حزب”.
يجذب الشباب المستقلين..
كما أشار المحلّل السياسي؛ “مات شوميكر”، وهو ضابط استخبارات سابق ترشّح لعضوية “الكونغرس” مع الحزب (الجمهوري)، إلى أن: “(حزب أميركا) لإيلون ماسك، هو ورقة مفتوحة على كل الاحتمالات من شأنها أن تقلب المعادلة في انتخابات منتصف الولاية في 2026، خاصةً للجمهوريين”. واعتبر أن: “على الجمهوريين الذين يملكون أغلبية ضئيلة جدًا في الكونغرس التخوف” من هذه المبادرة.
وقال “شوميكر”: “علامة ماسك تجذب مصوّتين من الشباب المستقلّين والشغوفين بالتكنولوجيا؛ الذين خابت آمالهم والذين قد يتحوّلون إلى الجمهوريين في الولايات المتأرجحة”.
تراجع شعبيته إثر انضمامه لـ”ترمب”..
وسبق لـ”ماسك”؛ الذي يملك ثروة شخصية تقدّر بحوالي: (405) مليارات دولار، أن أظهر أنه لا يتوانى عن إنفاق مبالغ طائلة على السياسة. وأغدق: (277) مليون دولار على حملة “ترمب” الانتخابية في 2024. لكن تدخّله الأخير في المشهد السياسي في “ويسكونسن”، أظهر حدود الثروة والشهرة في السياسة. فقد أنفق “ماسك”: (20) مليون دولار لدعم مرشّحه للمحكمة العليا في الولاية الذي تعرّض لهزيمة ساحقة.
ولا شكّ أيضًا أن من الصعب حشد دعم سياسي في مناطق الثقل الأميركي لناخبين ليسوا ضمن نادي مجموعات التكنولوجيا في (سيليكون فالي).
وكان “ماسك”؛ الذي اختارته مجلّة (تايم) شخصية سنة 2021؛ يحظى بإعجاب طيف واسع من الأميركيين، لكن شعبيته تراجعت بشدّة إثر انضمامه إلى إدارة “ترمب”، وتكليفه بتقليص النفقات الفيدرالية. وتدّنت شعبيته إلى: (18.1) نقطة دون الصفر، في مقابل: (6.6) نقاط دون الصفر لـ”ترمب”، حسّب أحدث استطلاع لـ (نايت سيلفر)؛ الذي يُعدّ من أبرز المحلّلين السياسيين في “الولايات المتحدة”.
يصعب حصد أصوات أنصار “ترمب”..
وقال “فلافيو هيكل”؛ الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في جامعة (واشنطن) في “ماريلاند”: “صحيح أنه لا يجب التعميم، لكن يصحّ القول إن القاعدة الجمهورية و(حركة ماغا) للرئيس ترمب التي ترفع شعار: (لنجعل أميركا عظيمة مجددًا)، هما متلازمتان نسبيًا في المشهد السياسي اليوم”. ولفت إلى أن القاعدة المؤيّدة لـ”ترمب”: “لا تزال ثابتة رغم السجالات الأخيرة. ومن الصعب تصوّر أن أيّ مشروع سياسي مرتبط بماسك سيحصَّد أصوات أنصار دونالد ترمب”.
ورُغم أن الكثير من الجمهوريين والديموقراطيين تحوّلوا إلى مستقلّين، فإن الأحزاب الثلاثة اللاحقة بأكبر حزبين في البلد نادرًا ما حقّقت خروقات في التاريخ الأميركي الحديث. وكان الحزب المحافظ بولاية “نيويورك”؛ في السبعينيات، وحزب (العمّال المزارعين) في الثلاثينيات؛ الحزبين الصغيرين الوحيدين اللذين فازا بمقاعد في “مجلس الشيوخ” في القرن الماضي.
وكانت نجاحات الأحزاب الصغيرة أكبر في “مجلس النواب”؛ في مطلع القرن العشرين، لكنها لم تظفر إلا بمقعد واحد منذ الخمسينيات.
وتطرّق عدة محلّلين في تصريحاتهم إلى العراقيل الكثيرة التي تواجه مرشّحي الأحزاب الثلاثة في مسّعاهم إلى خوض نظام انتخابي مصمم للإبقاء على المعادلة الثنائية الراهنة. ومن بينها، الحصول على الحد الأدنى من التوقّيعات، وتسدّيد رسوم باهظة، واستيفاء شروط صارمة في السنّ، والإقامة، والمواطنة تختلف باختلاف الولاية.
يوجه ضربات موجعة لـ”ترمب”..
وذكّر المحلّل السياسي المخضرم؛ “مات كلينك”، بحزب (نو ليبلز)، الذي نادى بسياسة وسطية في انتخابات 2024، و”سقط سقوطًا مدويًا” في نهاية المطاف.
ويقرّ المحلّلون بصعوبة الظفر بمقاعد في “الكونغرس”؛ لكنهم يُشيرون إلى أن “ماسك” قد يوجّه ضربات موجعة إلى “ترمب” بسحب أصوات نواب في أوضاع هشة، ودعم مرشّحين يواجهون الذين يختارهم الرئيس في الجولة التمهيدية.
وقال “إيفن نيرمان”؛ مؤسس شركة (ريد بنيان) لإدارة الأزمات العالمية ومديرها، إن: “حزب ماسك لن يحصل على مقاعد، لكنه قد يُكلف الجمهوريين غاليًا”. وأشار إلى أنه: “في المناطق حيث تحتدم المنافسة، قد تنقلب المعادلة بمجرّد أخذ بعض النقاط من اليمين”.