وكالات – كتابات :
تبدو مواقف حزب (الأمة) السوداني، أكبر أحزاب البلاد، مُحيِّرة للسودانيين، هل هو مع العسكر أم الثوار أم أنه يُحاول الاستفادة من كليهما ؟
إذ يرى مراقبون سودانيون أن مواقف حزب (الأمة القومي) ظلت متأرجحة ما بين الاقتراب من المكون العسكري في السلطة، والإبتعاد عن تحالف قوى (الحرية والتغيير).
ويقول هؤلاء المراقبون إن مواقف الحزب، الذي كان أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم وحكم البلاد قبل انقلاب “البشير”؛ عام 1989، المتباينة والمتذبذبة، فهو تارة مع اللاءات الثلاثة التي يرفعها الثوار: “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية” مع القادة العسكريين، وتارة أخرى يُرحب بالحوار مع العسكريين.
ومنذ انقلاب 25 تشرين أول/أكتوبر الماضي، طالبت قوى (إعلان الحرية والتغيير) بالمناداة باللاّءات الثلاثة: “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية”.
وتأسس ائتلاف قوى (إعلان الحرية والتغيير)؛ في كانون ثان/يناير 2019، وقاد احتجاجات شعبية أجبرت قيادة الجيش، في 11 نيسان/بريل من العام ذاته، على عزل الرئيس السابق؛ “عمر البشير”، من الرئاسة (1989 ـ 2019)، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية.
حزب “الأمة” وقَّع وثيقة تؤكد الشراكة مع العسكريين..
في 19 نيسان/إبريل 2022، وقَّعت أحزاب سودانية: “وثيقة توافقية لإدارة الفترة الانتقالية”؛ تهدف إلى تجاوز الأزمة السياسية الراهنة في البلاد والوصول إلى: “الحكم المدني الديمقراطي”، ويُمثل موقف حزب (الأمة) السوداني من هذه الوثيقة نموذجًا لتقلبات وإرتباك الحزب تجاه طرفي الأزمة في البلاد: العسكريين والثوار.
والوثيقة الموقَّعة تُحدد مهام الفترة الانتقالية والشراكة في إدارتها بين المكون المدني والمكون العسكري وأطراف العملية السلمية.
وتقترح الوثيقة تشكيل حكومة من: 20 وزيرًا يُمثلون ولايات البلاد؛ (18 ولاية)، مع تسمية رئيس وزراء من الكفاءات؛ (بلا انتماء حزبي)، بالتشاور الواسع مع القوى السياسية.
ويبدو أن الوثيقة تُحاول التقارب مع العسكريين وتقليل حدة الرفض الثوري للتعاون معهم، منذ الأزمة التي شهدتها البلاد، منذ 25 تشرين أول/أكتوبر 2021، إثر رفض القوى المدنية الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها قائد الجيش؛ “عبدالفتاح البرهان”، آنذاك، أبرزها حالة الطواريء، وحل مجلسي “السيادة” و”الوزراء” الانتقاليين.
ونفى “البرهان” صحة اتهامات له بتنفيذ انقلاب عسكري، وقال إنه اتخذ هذه الإجراءات: لـ”تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، متعهدًا بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.
وقبل تلك الإجراءات؛ كان “السودان” يعيش؛ منذ 21 آب/أغسطس 2019، فترة انتقالية تستمر: 53 شهرًا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024.
وكان من المفترض أن يتقاسم السلطة خلال تلك الفترة؛ كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاق سلام؛ في 2020.
مؤسسات الحزب تتبرأ من الوثيقة..
ومن أبرز الموقعين على الوثيقة؛ رئيس حزب (الأمة) المكلف؛ “فضل الله برمة ناصر”، لكن الحزب أصدر بيانًا بأن الوثيقة الموقَّعة لم تُعرض على مؤسسات الحزب، ولذا فإن التوقيع لا يُمثل موقف المؤسسات.
وأضاف الحزب؛ في بيان، بتاريخ 19 نيسان/إبريل الجاري: “نُشدد على موقف حزب الأمة المُعلن الذي يُبنى على خريطة الطريق التي أعلنها؛ في كانون أول/ديسمبر 2021، والمجازة من مؤسساته”.
وفي اليوم ذاته؛ أصدر رئيس الحزب بيانًا قال فيه: “لقد شاركت في المنبر الذي دعا إليه المركز الإفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول، ومركز دراسات السلام والتنمية بجامعة بحري.. بفكرة دعم توحيد المبادرات السياسية لحل أزمة البلاد المستفحلة، وتشجيعًا للحلول السودانية وقيادة السودانيين لشأنهم، ووقَّعت على ما يُثبت هذه الفكرة ويعضدها”.
وأضاف “ناصر”: “المجهود الذي قامت به الجهتان المنظمتان للملتقى مُقدر، وسيُقدم للقوى السياسية السودانية، ومن ضمنها حزب (الأمة القومي)، لتدرسه وتقول رأيها فيه، لكن ما جاء في الوثيقة التي قدمتاها لا يُعبِّر عن رأي حزب (الأمة القومي)”.
وتابع: “أؤكد أننا في حزب (الأمة القومي) لسنا جزءًا من حاضنة جديدة، ونحن مُلتزمون بتوحيد الصف السوداني وجمع كلمة قوى الثورة عبر ما جاء في رؤيتنا لخارطة الطريق التي أطلقها حزبنا؛ في كانون ثان/يناير الماضي، وكانت من أولى المبادرات الداعية لإنهاء الانقلاب والعودة لمسار التحول المدني الديمقراطي”.
الحزب يصفها بمحاولة لإعطاء شرعية زائفة للانقلاب..
وفي 22 نيسان/إبريل الجاري، أوضح الحزب، في بيان، أن: “مبادرة ما يُسمى الوثيقة السودانية التوافقية لإدارة المرحلة الانتقالية؛ هي محاولة يائسة لإكساب السلطة الانقلابية شرعية زائفة، لن يُشارك فيها حزب (الأمة القومي) والقوى الوطنية الديمقراطية المشاركة في الحراك الثوري الشعبي المستمر”.
وأضاف: “توقيع رئيس الحزب المكلف على هذه الوثيقة كان بمبادرة منه على إعتقاد أنها تجميع لكل المبادرات في الساحة السياسية دون الخوض في تفاصيلها، والتي لا تتسق ورؤى حزب (الأمة القومي)، كما وردت بخارطة الطريق المجازة من قبل”.
وتابع: “حزب (الأمة) مُلتزم بتحالفاته السياسية وتتواصل مساعيه لجمع المؤمنين بالتحول الديمقراطي عبر مبادرته أو المبادرات الأخرى الشبيهة”.
وشهدت الساحة السياسية طرح عدة مبادرات من حزب (الأمة القومي)، والحزب (الاتحادي الديمقراطي) الأصل، والجبهة (الثورية)، ومبادرة “مديري جامعات سودانية”.
كما توجد مبادرات خارجية، بينها: مبادرة “الأمم المتحدة”، ومبادرة “الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرقي إفريقيا”؛ (إيغاد)، ومبادرة “الاتحاد الإفريقي”، ومبادرتان من دولتي: “جنوب السودان” و”إريتريا”.
الحزب سبق أن طرح خارطة طريق..
يقول الكاتب والمحلل السياسي؛ “عبدالوهاب موسى”: “الموقف الرسمي لحزب (الأمة القومي) تُشخصه خارطة الطريق التي طرحها الحزب في وقت سابق كأدب سياسي يُشكل ركيزة لحل المشكلة الوطنية، وظل حزب (الأمة) متمسكًا بوجوده داخل (الحرية والتغيير)”.
وأضاف “موسى”؛ لوكالة (الأناضول): “لكن هناك مساحة لرئيس حزب (الأمة) السوداني، فوفقًا لدستور حزب (الأمة)، فإنه من حقه أن يقترح على الحزب حلولاً لا تتجاوز خارطة الطريق، لكن ليس من حقه أن يُقرر في شأن الحزب؛ لأن القرار الحزبي مسؤولية المؤسسات، وبالأخص المكتب السياسي، بالتالي يجب أن يفهم الجميع أن حزب (الأمة) يرفض الانقلاب”.
وأردف: “في هذا الجانب تظل رؤية حزب (الأمة) السوداني متماسكة تجاه العودة للمسار الديمقراطي، ولا فكاك بينه وبين شركائه في (الحرية والتغيير)، كما أن الحوار هو سلاح القوى السياسية لتحقيق ما ترجوه من أجل الوطن، ولكن حزب (الأمة) لا يتحدث عن حوار مع العسكر يُبقي على الانقلاب قائمًا، ويتجاوز قوى الثورة ويتحالف مع قوى الردة، بل حوار مشروط”، وتابع قائلاً: “ولقد ثبت بالدليل أن المكون العسكري غير جاد في الشراكة”.
وأضاف “موسى”: “لذلك لا أرى أن هناك اتجاهًا لتخلِّي حزب (الأمة) عن ائتلاف (الحرية والتغيير)؛ الذي هو تحالف منوط به إنجاز الانتقال، ولا ضرورة للتحالف مع العسكر في الوقت الراهن طالما يُريدون أن يكونوا هم الأوصياء على الانتقال الذي أجهضوا أهم مساراته”.
وزاد: “حزب (الأمة) يطالب بوقف قتل المتظاهرين، وإطلاق سراح جميع المعتقلين من قوى الثورة كعربون لمصداقية العسكر تجاه التخلي عن الانقلاب، وهذا لم يحدث، بالتالي التشكيك في مواقف حزب (الأمة)؛ هي مخاوف من بعض الشركاء، ومحاولة من خصومه السياسيين للتقليل من شأنه، وجعل صورته باهتة في أذهان الناس”.
هناك تيارات متعددة داخل الحزب بعد رحيل “المهدي”..
بدوره يقول المحلل السياسي؛ “حاتم إلياس”، لـ (الأناضول): “حزب (الأمة) من الأحزاب الكبيرة والمؤثرة في الساحة السودانية ولا أعتقد بأن هناك تذبذب في مواقفه، لكن بحكم حجمه وباعتباره واحد من أكبر الأحزاب وبحكم أيضًا أنه حزب تتحرك داخله مواقف كثيرة”.
وأضاف “إلياس”: “نعم، هناك تيارات داخل الحزب تُمثل آراء مختلفة تجاه قضية التسوية والحوار مع العسكر، لكن لو نظرت بتمعن ستجد أن الحزب واقع تحت تأثير غياب الصادق المهدي؛ (توفي في 26 تشرين ثان/نوفمبر 2020)”.
وأردف أن “المهدي”: “كان يُشكل مركز القرار السياسي والتنظير لمواقف حزب (الأمة) السوداني، لكن الآن الحزب – وبشكل مدهش – لم يضعف أو يتفكك مركز القرار السياسي لديه ويحتفظ بموقف قيادي منسجم، حتى مع وجود تيار؛ برمة ناصر، (رئيس الحزب المكلف) تجد حزب (الأمة) قادرًا على التعايش مع تباينات الآراء والمواقف داخله”.
وتابع “إلياس”: “في ظني أن حزب (الأمة) السوداني يعيش في وضع سياسي معقول، ويستطيع حتى الآن أن يضع الخلاف والتباين في أطر حزبية مرنة، وتعدد الخطابات والمواقف من قضية الحوار لم تضع الحزب على شفا انفلات حزبي”، حسب تعبيره.
وزاد: “كما أن المعادلة الأخرى هي ظهور تأثير شباب حزب (الأمة)، ببساطة هم بمثابة؛ (لجان مقاومة الحزب)، أو قل انعكاسًا للمواقف الشبابية في الساحة التي تُمثلها لجان المقاومة السودانية”.
وقال “إلياس”: “لكن أعتقد أن الحزب متى ما طرحت أمامه تسوية شاملة ومقبولة فلن يتأخر عنها من موقع حرصه على قضية التحول الديمقراطي في البلاد، ووجوده كحزب كبير ومؤثر في الساحة بعد ذهاب تأثير منافسه الآخر الحزب (الاتحادي الديمقراطي) عن الساحة”.
رئيس الحزب يريد مهادنة العسكريين.. والشباب متحمسون للثورة..
من جانبه؛ يرى المحلل السياسي؛ “خالد الفكي”، أن مواقف حزب (الأمة القومي): “متنازع عليها داخليًا بين تيارات تقف بقوة خلف شعارات ومباديء الثورة السودانية، وربما على رأس هؤلاء تيار الشباب، بجانب أن هناك قوة تحاول مهادنة المكون العسكري وعدم الدخول معه في معركة مباشرة، وعلى رأس هذا التيار رئيس الحزب المكلف؛ فضل الله برمة ناصر”.
وأضاف “الفكي”؛ لـ (الأناضول): “لذا في تقديري، فإن الحزب مجملاً يُحاول اللعب على المتناقضات لكسب ود الشارع الثوري وعدم إغلاق الباب في وجه العسكر، ولكن في تقديري أن هذه المواقف والتباينات تجد النقد وعدم الرضا من قطاعات كبيرة داخل المجتمع السوداني السياسي، خاصة الداعمة لخط ثورة كانون أول/ديسمبر”.
وأوضح أن: “حزب (الأمة) يُحاول شراء الوقت والتذاكي بقدر الإمكان لحين الوصول لنهايات الفترة الانتقالية، ولكن دون شك، ستكون هناك خسارة سياسية لهذا الحزب العريق، في ظل تنامي نشاط قيادات أخرى انشطرت منذ عهد البشير؛ (الرئيس المعزول)، عن الحزب، وهي تعمل لإضعاف الحزب وتشكيل مؤسسة جديدة على جسده تعمل لصالح العسكر”.
واختتم “الفكي” حديثه بالتأكيد على أن: “التاريخ لن يرحم، فمَن وقف مع الشعب سيجد الاحترام، ومَن خذله سيجد الإهمال”.