هل خطرها يتجاوز “ماكرون” ؟ .. تخوفات من انعكاس نتائج الانتخابات الفرنسية على “أوروبا” !

هل خطرها يتجاوز “ماكرون” ؟ .. تخوفات من انعكاس نتائج الانتخابات الفرنسية على “أوروبا” !

وكالات – كتابات :

نشرت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية تحليلًا؛ لـ”جيوفاني كابوتشيا”، أستاذ السياسات المقارنة بجامعة “أكسفورد”، أبرز من خلاله حجم الفوضى التي قد تشهدها “فرنسا” على صعيد النظام السياسي في المرحلة المقبلة بعد نتيجة الانتخابات التشريعية؛ التي أظهرت انقسامًا حادًّا داخل “الجمعية الوطنية”، مؤكدًا أن هذه الانتخابات لن تؤثر في “فرنسا” فحسب، بل سيتجاوز تأثيرها حدود “فرنسا” وصولًا إلى “الاتحاد الأوروبي”.

استهل الكاتب تحليلية بالتنويه إلى أن المؤسسة السياسية الفرنسية في حالة صدمة بعد نتائج الانتخابات التشريعية؛ التي أُجريت في البلاد يوم الأحد الماضي، والتي كانت مفاجئة لسببين، أولًا: لم يتوقع أحد مثل هذه الهزيمة التي مُنيَ بها الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، فمعظم استطلاعات الرأي أشارت إلى أن تحالف (إنسيمبل) الانتخابي، الذي يقوده “ماكرون” سيفوز بعدد مقاعد تتراوح ما بين: 265 إلى: 270 مقعدًا، وأن هذا التحالف سيحصل على أغلبية برلمانية مطلقة جديدة، مما يسمح لـ”ماكرون” بشق طريقه بأريحية والمضي قدمًا من خلال تمرير ما يحلو له من تشريعات.لكن تحالف (إنسيمبل) الانتخابي لم يقترب حتى من هذا العدد من المقاعد.

أما السبب الثاني الذي جعل نتائج الانتخابات مفاجئة، فهو الإنجاز السياسي الذي حققه حزب (التجمع الوطني) اليميني المتطرف؛ بزعامة “مارين لوبان”، والذي فاق كل التوقعات.

نتائج الانتخابات تُضعف “ماكرون” وتُعزز موقف “مارين”..

يُشير الكاتب إلى أن “إيمانويل ماكرون” أُعيد انتخابه رئيسًا للبلاد؛ في نيسان/إبريل الماضي. وأعتقد بعض المراقبين أن هذا الفوز سينعكس على الانتخابات التشريعية؛ في حزيران/يونيو، مما يُبشر بمرحلة من الاستقرار النسبي للبلاد؛ ويُشير إلى فترة من إعادة توحيد “الاتحاد الأوروبي”، لكن هذا غير وارد الآن. وبدلًا من ذلك، ستُقسَّم “الجمعية الوطنية الفرنسية” المنتخبة حديثًا، وهي الهيئة التشريعية التي تضطلع بدور حاسم في دعم السلطة التنفيذية وتمرير التشريعات، بين أربع مجموعات كبيرة.

وكانت نتائج الانتخابات على هذا النحو: حصل تحالف (إنسيمبل)؛ المؤيد لـ”ماكرون”، على: 246 مقعدًا؛ (أي 42.6%)، وهو عدد أقل بكثير من: الـ 289 مقعدًا اللازمة لتحقيق الأغلبية. وحصل تحالف (نيوبيس) اليساري، بقيادة “جان لوك ميلينشون”، زعيم حزب (فرنسا الأبية) اليساري المتشدد، ويضم الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والخُضر، 142 مقعدًا؛ (24.6%). وحصل حزب (الجمهوريون) اليميني المعتدل على: 64 مقعدًا؛ (11%)، وحصل حزب (التجمع الوطني) اليميني المتطرف؛ بقيادة “مارين لوبان” على: 89 مقعدًا؛ (15.4%).

ويُلفت الكاتب إلى أن هذه الهزيمة التي مُنيَ بها “ماكرون” كانت غير متوقعة، إذ لم تتوقع استطلاعات الرأي أن يُحقق حزب (التجمع الوطني)؛ بقيادة “مارين لوبان”، هذا العدد من المقاعد، وكانت توقعاتهم للحزب تتراوح بين: 30 و50 مقعدًا. وعلى الرغم من منافسة “مارين”؛ لـ”ماكرون”، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسة؛ التي أجريت قبل عدة أشهر قليلة، فإن أداء حزبها في الانتخابات التشريعية كان سيئًا دائمًا، إذ فاز بمقعدين وثمانية مقاعد، على الترتيب، في آخر دورتين من الانتخابات التشريعية، ناهيك عن أن مرشحي حزب (التجمع الوطني) ضعفاء ويتضررون كثيرًا من نظام الانتخابات الفرنسية المكون من جولتين، ولذلك، تُعد نتيجة هذه الانتخابات إنجازًا تاريخيًّا للحزب.

النظام السياسي الفرنسي وفترة من الترنح والفوضى..

يُوضِّح الكاتب أن النظام السياسي في “فرنسا” صُمِّم بهدف تحقيق الاستقرار للسلطة التنفيذية بقيادة الرئيس. ومع ذلك، فقد تكيَّف مع فترات “المساكنة”، عندما كان الرئيس يُمثل حزبًا واحدًا والأغلبية في “الجمعية الوطنية الفرنسية”؛ (ورئيس الوزراء)، تُمثل ائتلافًا مغايرًا.

ومع ذلك، أثارت نتائج انتخابات يوم الأحد؛ مجموعة جديدة محتملة من الأسئلة، إذ لا توجد أي أغلبية واضحة في “الجمعية الوطنية” يُمكنها تشكيل حكومة خاصة بها. ويتمتع كلٌ من اليمين المتطرف واليسار المتشدد بما يكفي من القوة لزعزعة استقرار الحكومة، لكن كليهما غير قادر على تشكيل حكومة وحده، والقواسم المشتركة بينهما قليلة حتى يتسنى لهما تشكيل حكومة ائتلافية.

وهذا يعني أنه سيتعين على أي حكومة جديدة أن تضم مجموعة “ماكرون” الوسطية، لكن إمكانية حدوث ذلك لا تزال غير واضحة. ويتمحور النظام الحزبي في “فرنسا” حول ثلاثة: “أقطاب”، الوسط واليمين واليسار، والتي تُعد متساوية في الحجم تقريبًا. وحصل كل من: تحالف (إنسيمبل) وتحالف (نيوبيس) على حوالي: 26% من أصوات الجولة الأولى، بينما حصل (التجمع الوطني) على حوالي: 19%. وتُهيمن الأحزاب المتشددة على قطبي اليمين واليسار.

ويرى الكاتب أن هذا الأمر جديد على الانتخابات الفرنسية، إذ يعني النظام الانتخابي المكون من جولتين أن المرشحين الذين يصلون إلى الجولة الثانية ويحصلون على فرصة جديدة لانتخابهم هم الذين لديهم دعم كافٍ فحسب. وفي السابق، كان الناس يُصوتون عادةً ضد الخيار الأقل ميلًا؛ (المتشدد عادةً)، مما يُعطي الأحزاب الأكثر اعتدالًا أفضلية، بحيث قد يدعم ناخبو اليسار المعتدل مرشحًا معتدلًا من اليمين؛ (والعكس صحيح)، في الجولة الثانية. لكن الاختلافات الإيديولوجية، في هذه المرة، أدَّت إلى إضعاف هذا النمط إلى حدٍ كبير.

وتُشير تقديرات مركز (هاريس التفاعلي)، وهو منظمة لاستطلاعات الرأي، إلى أنه في: 280 مقاطعة خاض فيها مرشح المجموعة الوسطية التابعة لـ”ماكرون” الانتخابات ضد تحالف (نيوبيس)، صوت حوالي ربع الناخبين من مؤيدي (التجمع الوطني) فقط لمرشح “ماكرون”، وصوَّت عدد متساوٍ من الناخبين لمرشح (نيوبيس)، بينما أمتنع نصف مؤيدي (التجمع الوطني) عن التصويت. وعلى نحو مماثل، أمتنع: 45% من مؤيدي (نيوبيس) عن التصويت في: 107 مقاطعات، حيث تنافس (إنسيمبل) ضد (التجمع الوطني)؛ وصوَّت: 31% منهم لمرشح (إنسيمبل)، بينما قرر: 24% منهم دعم اليمين المتطرف.

خيارات محدودة لـ”ماكرون”..

يؤكد الكاتب أن “ماكرون”، في هذا الموقف، ليس لديه خيارات كثيرة لتمرير التشريعات. وقد يصعب السيطرة على “الجمعية الوطنية الفرنسية”. وأدَّت الإصلاحات المؤسسية إلى تعقيد الأمور على أي حكومة ذات دعم برلماني هش لتمرير مشروعات القوانين، وبينما يتولى سياسي معارض رئاسة اللجنة البرلمانية المالية ذات النفوذ؛ قدم حزب (التجمع الوطني) طلبًا للحصول على هذا المنصب. وسيتمكن كل من (التجمع الوطني) وحزب (فرنسا الأبية) من إحالة مشروعات القوانين إلى “المجلس الدستوري”؛ (هيئة قضائية متخصصة)، لفحصها وتدقيقها.

ويمكن لـ”ماكرون” حل “الجمعية الوطنية” وإعلان إجراء انتخابات مبكرة على أمل الحصول على نتيجة مختلفة للانتخابات. ومع ذلك، فإن الإقدام على فعل ذلك حاليًا قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع إلى الأسوأ، لذلك، سيتعين عليه الانتظار لدراسة إمكانية هذا الخيار.

وفي الوقت نفسه؛ يمكن لحكومة ائتلافية تضم (إنسيمبل) وحزب (الجمهوريون) اليميني المعتدل؛ (مجموعه: 320 مقعدًا)، أن يُتيح لـ”ماكرون” طريقًا للمضي قدمًا في أهدافه. ومع ذلك، فإن حزب (الجمهوريون) منقسم داخليًّا، ويُريد الجزء اليميني الداخلي للحزب الإبتعاد عن “ماكرون”؛ حتى يتمكنوا من المنافسة بصورة أفضل على قضايا الأمن والسيادة والهجرة واستعادة أصوات الناخبين اليمينيين الذين إنجرفوا لدعم حزب (التجمع الوطني) في السنوات الأخيرة.

ويعني هذا أن حكومة ائتلافية من (إنسيمبل) و(الجمهوريون)، لكي تكون ممكَّنة سياسيًّا، يجب أن تتوجه بقوة نحو اليمين. وسيؤدي ذلك إلى إجبار “ماكرون” على التخلي عن معظم سياساته التي تتسم بالوسطية، وترك مساحة لخصومه من اليسار ومن ثم التخلي عن عدد من الناخبين.

ولا يُؤثر عدم الاستقرار السياسي الناشيء عن هذه الانتخابات في “فرنسا” فحسب، بل سيؤثر في “الاتحاد الأوروبي” كذلك. إذ يُعد اليمين المتطرف واليسار الراديكالي في “فرنسا” من المتشككين في “أوروبا”؛ (كما هو حال حزب “الجمهوريون”).

ومن المحتمل أن يُجبروا “ماكرون” على تعديل خططه من أجل “اتحاد أوروبي” أكثر قوة. ولفترة وجيزة، يبدو “الاتحاد الأوروبي” قد تمكن من توحيد الصفوف في دعم “أوكرانيا”. إلا أن هذه الوحدة تبدو حاليًا في خطر على نحو متزايد.

ويختم الكاتب تحليله بالإشارة إلى أن “ماكرون” قد يُدافع عن سياسته الخارجية، إذ إن الشؤون الدولية: “مقصورة” على الرئيس الفرنسي، ما يسمح له على الأرجح بحماية التحالف الغربي من النهج: “الأكثر ليونة” في التعامل مع؛ “فلاديمير بوتين”؛ الذي يُعد بطلًا من وجهة نظر “مارين لوبان” و”ميلينشون”. وكان كلاهما من المؤيدين الواضحين لـ”بوتين” قبل الحرب. ومع ذلك، من المحتمل أن يتجاوز الغموض السياسي الذي أعقب انتخابات الأحد حدود “فرنسا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة