خاص : ترجمة – محمد بناية :
بدءًا من قصف الميليشيات العراقية، المحسوبة على “إيران”، القواعد الأميركية في “كركوك” بالصواريخ، والهجمة الأميركية الانتقامية على مراكز هذه الميليشيات، وما تلاه من هجوم على “السفارة الأميركية”، مرورًا بمقتل “قاسم سليماني”؛ والقصف الصاروخي لقاعدة (عين الأسد) الأميركية بمحافظة “الأنبار”، ثم لم يكد يمر الوقت حتى وقع حادث إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية.
ولقد أثار إسقاط الطائرة، ومقتل كل ركابها، وكذب المسؤولين، استياء وغضب الإيرانيين، وتدفق الآلاف في “طهران” وسائر المدن الإيرانية إلى الشوارع، للتظاهر والمطالبة بإقالة، آية الله “علي خامنئي”.
من ناحية أخرى، غرد الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، باللغة الفارسية للمرة الأولى؛ على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي، (تويتر)، دفاعًا عن المتظاهرين وإعلان التضامن مع الشعب الإيراني.
كذا طلب إلى، الحكومة الإيرانية، عدم المواجهة ضد الاحتجاجات الشعبية والترفع عن قتل المتظاهرين والسماح لجماعات حقوق الإنسان بالإشراف على الاحتجاجات. بحسب صحيفة (إیندیپندنت فارسي).
ليس لواشنطن إستراتيجية محددة تجاه إيران !
والسؤال: هل كانت تغريدة “ترامب” ورد فعله على التظاهرات الإيرانية مفاجئًا أم كان معد سلفًا ؟..
المطلع على سياسات “البيت الأبيض” ووزرات “الخارجية” و”الدفاع” الأميركية، يعلم أن “واشنطن” لا تمتلك سلفًا أي خطط إستراتيجية تتعلق بالأحداث الجارية والتعامل مع التهديدات الإيرانية، وأن أغلب مواقف، “ترامب”، بهذا الصدد مفاجئة نابعة عن ردود أفعال محضة.
ليس فقط الأوضاع الراهنة؛ وإنما أفتقدت، إدارة “دونالد ترامب”، قبلاً للتخطيط الإستراتيجي فيما يتعلق بـ”إيران”. على سبيل المثال، في العام 2017؛ دعت إدارة “ترامب” إلى تشكيل “تحالف عربي” في مواجهة السياسات التوسعية الإيرانية في الدول العربية.
كذلك في العام 2018؛ انسحبت “واشنطن” من “الاتفاق النووي”، وأدرجت “الحرس الثوري” على قائمة المنظمات الإرهابية وأعادت العمل بالعقوبات وضغوط “الحد الأقصى” على “إيران” في مواجهة التحركات العدائية الإيرانية في “اليمن والسعودية” والخليج عمومًا.
علاوة على ذلك، لم يبدي “البيت الأبيض” أي رد فعل حين تعرضت ناقلات “النفط”، في الخليج، للقصف من جانب القوات الإيرانية، وكذلك إسقاط “الحرس الثوري” الطائرة الأميركية المُسيرة، وأكتفى بتوجيه حاملة الطائرات (إبراهام لينكولن) في الخليج ومضاعفة عدد القوات في الشرق الأوسط.
وعليه فقد ضاعفت “الولايات المتحدة” قواتها في “العراق” كرد فعل على تحركات ميليشيات (الحشد الشعبي)، رغم أن “ترامب” كان قد أعلن سحب جميع القوات من المنطقة. وهذه النماذج تثبت أن إستراتيجية “ترامب” إزاء عمليات أعداء “الولايات المتحدة الأميركية” إنما تستند إلى رد الفعل دون تخطيط مسبق.
خط “ترامب” الأحمر..
جدير بالاهتمام أن إدارة “ترامب”، في تعاطيها مع “إيران”، حددت خطوطًا حمراء لم تتجاوزها حتى اللحظة في كل تحركاتها الميدانية، أهمها خطوط المداخلة في الشأن الداخلي الإيراني؛ وكذلك مستعمرات ولاية الفقيه في “اليمن، العراق، لبنان وسوريا”.
وعليه فقد إنحصر رد فعل إدارة “ترامب”، إزاء أي تحركات إيرانية استفزازية على العمليات العسكرية وفي حدود الدفاع عن النفس، دون التدخل في “إيران” ومستعمراتها. وقد استمرت هذه السياسة حتى اندلاع الثورات الشعبية في “لبنان” و”العراق” و”إيران”، حيث أكتفى “ترامب” بالضربات العسكرية خارج “إيران”، (رغم تصريحات “مايك بومبيو”، وزير الخارجية، بشأن دعم تحركات المجتمع المدني في إيران)، وأمسك عن الهجوم العسكري أو حتى السياسي المباشر داخل “إيران”.
لكن يبدو ثمة تغيير على سياسات إدارة “ترامب”، بعد مقتل “قاسم سليماني” وسقوط الطائرة الأوكرانية؛ وما تلاها من احتجاجات، لأن “ترامب” أضاف كلمة: “وإلا”؛ بعد دعوته الحكومة الإيرانية إلى عدم قمع المتظاهرين، وهذا يعني أنه على استعداد في أي لحظة لحماية المتظاهرين داخل المجال الإيراني.
والسؤال: ماذا ستفعل إدارة “ترامب” لحماية المتظاهرين ضد النظام الإيراني؛ إذا ما أقدمت الحكومة على قمعهم ؟.. هل تشرع “واشنطن” في مهاجمة “إيران” ؟.. وهل تتجاوز إدارة “ترامب” مرحلة الدفاع القاطع إلى الهجوم المركز ؟.. وما هي سيناريوهات هذا الانتقال ؟.. وهل من إمكانية للقيام بأي عمل عسكري قبل انتخابات تشريت ثان/نوفمبر 2020، في ظل معارضة الديمقراطيين القوية ؟..
وهناك أسئلة أخرى تتعلق بأي تيارات المعارضة الإيرانية أقوى ؟.. المعارضة الداخلية أم الخارجية ؟.. والأهم هل تمتلك إدارة “ترامب” برنامج كامل لمساعدة المعارضين ؟.. وهل تستمر هذه المساعدات حتى الإطاحة بالنظام الحالي وإقامة نظام جديد ؟.. وما هي مخططات “واشنطن” التالية إزاء التطورات الإيرانية ؟.. الإجابة في ضوء الأوضاع الراهنة صعبة، لأن إدارة “ترامب” لا تمتلك حتى الآن إستراتيجية كاملة، لكن الباب مفتوح للقيام بأي عمل براغماتي، وقد تتدخل بحسب مقتضيات الوقت.