وكالات- كتابات:
منذ سيطرة “وحدات الحماية الكُردية”؛ نواة “قوات سورية الديمقراطية”؛ (قسد)، على منطقة “شرق الفرات”، شمال شرق “سورية” عام 2014، بدأت العمل على إنشاء شبكة متكاملة من الأنفاق العسكرية المعقّدة والمتشابكة، لكي تربط مناطق سيّطرتها ببعضها البعض، ولكي تستطيع من خلالها تشكيل جدار دفاعي يحمي مناطقها بوجه أيّ هجوم محتمل.
وتركّز العمل بشبكة الأنفاق على ثلاثة محاور رئيسة: الأولى تمتدّ بمحاذاة الحدود التركية شمالًا، والثانية على الحدود العراقية، أما الثالثة فتتشعّب ضمن الأحياء والبلدات والمدن المحاذية لخطوط المواجهة مع قوات الحكومة السورية على طول مجرى “نهر الفرات”، وهذه الشبكة شهدّت تصاعدًا في عمليات الحفر والتوسيّع والتأمين خلال الأسابيع الماضية.
“تركيا” ودور حزب “العمال الكُردستاني” في تجربة الأنفاق..
شكّلت حالة العداء المستَّمرة بين الدولة التركية وحزب (العمال الكُردستاني) توترًا عسكريًا متواصلًا عند المثلّث الحدودي “السوري-العراقي-التركي”؛ منذ سنوات طويلة، وكان الجيش التركي يعتمد في أغلب معاركه مع حزب (العمال) على سلاح الجو والطيران المُسيّر لاستهداف قادة الكُرد والمنشآت العسكرية ومخازن الأسلحة، في ظلّ عدم امتلاك القوات الكُردية لمنظومات دفاع جوي تُمكّنها من مواجهة الهجمات التركية، وهنا لجأ حزب (العمال) إلى بناء شبكة أنفاق في “إقليم كُردستان” للتقليل من حجم التفوّق العسكري التركي.
ومنذ العام 2014 عملت “وحدات الحماية الكُردية” على نقل تجربة حزب (العمال الكُردستاني) إلى “سورية”، من خلال بناء شبكة أنفاق لنقل العتاد والسلاح، ولتكون جدار حماية أمام العمليات العسكرية التركية المحتَّملة في المنطقة.
وتُشيّر مصادر محلية إلى أنّ “قوات سورية الديمقراطية” نجحت بين عامي (2014-2017) في بناء شبكة أنفاق واسعة ومترابطة ومعقّدة، استخدمتها في غالب الأحيان لحماية تحرّكات قادتها الأمنيين والعسكريين، حتى أنّ بعض المعلومات أكدت أنّ جزءًا من شبكة الأنفاق يمتد إلى الداخل التركي، بينما يصل البعض الآخر إلى “إقليم كُردستان”.
4 مليارات دولار لبناء شبكة أنفاق “قسد” تحت الأرض..
بعد العام 2018؛ استغلّت (قسد) حقول “النفط والغاز” للحصول على عوائد مالية ضخمة، سخّرتها لاستكمال بناء شبكة الأنفاق بمواصفات تجعلها أشبه بالمدن المتكاملة والمحصّنة تحت الأرض.
ويكشف أحد العاملين المدنيين المتعاقدين مع (قسد) لحفر الأنفاق، أنّ الميزانية المخصّصة لبناء شبكة الأنفاق في مناطق شمال شرق “سورية” تتجاوز (04) مليارات دولار أميركي، حيث تحوّل العمل من حفر أنفاق ترابية سطحية، إلى تجهيز شبكة بأعماق تصل إلى (100) متر تحت سطح الأرض.
ويُضيف العامل أنّ الشبكة مؤمّنة بالخرسانة لحمايتها؛ كما أنّ بعض الأنفاق كبيرة بحيث يُمكن لسيارات الشحن الدخول والخروج منها، إضافة إلى احتوائها على غرف منامة واستراحة، وقاعات اجتماعات، ومخازن كبيرة للأسلحة والذخيرة، وتضمّ شبكة كهرباء وتصريف مياه وتجديد هواء.
إضافة إلى ذلك؛ عمدَّت (قسد) إلى بناء عدة مخارج للنفق الواحد، بحيث تصعب معرفة بداية النفق ونهايته، ولذلك فقد تمّ توزيع خرائط لأنفاق محدّدة على عناصر القوات، أما الأنفاق السريّة المخصصة لاجتماعات القادة العسكريين فخرائطها محصورة بعدد محدّد من الضباط الكُرد.
معلومات أوردتها تقارير؛ أكدت أنّ شبكة أنفاق (قسد) باتت تمتدّ لمئات الكيلومترات من أقصى ريف “الحسكة” شرقًا إلى حدود ريف “حلب” شمالًا، ثمّ تحاذي شبكة الأنفاق “نهر الفرات” وصولًا إلى ريف مدينة “دير الزور”، وهذه الشبكة تشكّل خط الدفاع الأول عن مناطق (قسد)، بينما الشبكة الداخلية هي الأكثر تعقيدًا كونها تتشابك وتتداخل في عمق “الحسكة والرقة ودير الزور”.
وخلال الأشهر الماضية؛ ومع ازدياد التوتر السياسي بين حكومة “دمشق” الجديدة و”قوات سورية الديمقراطية”، واحتمال تحوّل الخلاف إلى صدام عسكري مباشر، بدأت (قسد) بإنشاء خطوط دفاعية متعدّدة من الأنفاق على طول خطوط المواجهة، وتحديدًا قرب “دير حافر”؛ في “حلب”، ومنطقة “الطبقة”؛ في “الرقة”، ومنطقة “الفرات”؛ في “دير الزور”.
كما عزّزت (قسد) من ربط الخطوط الدفاعية ببعضها البعض لتأمين إمدادات السلاح والمواد اللوجستية، بهدف الحماية من أيّ عمليات عسكرية مباغتة من جانب القوات الحكومية السورية أو الجيش التركي، ولضمان قدرة طويلة الأمد على المقاومة.
تُجدر الإشارة إلى أنّ (قسد) أنشأت؛ قبل سنوات، وحدة متخصّصة في حفر وإنتاج الأنفاق المعزّزة بالخرسانة المقاومة للقذائف الصاروخية المحمولة على الكتف، وهذه الوحدة تتمركز في منطقة “الرميلان”؛ في “الحسكة”، قرب القاعدة العسكرية الأميركية، حيث تتولّى شركة فرنسية سريّة توريد الإسمنت والحديد لهذه الوحدة.
سدّ تشرين.. اختبار قوة لشبكة أنفاق “قسد”..
قبل أسابيع؛ اندلعت معارك محدودة بين (قسد) وقوات الإدارة السورية الجديدة قُرب “سد تشرين”؛ بريف “حلب”، شمال البلاد، حيث أكدت مصادر محلية أنّ شبكة الأنفاق التي أنشأتها (قسد) استطاعت تأمين الحماية للمقاتلين الكُرد، رغم وتيرة المعارك العنيفة التي استمرت لأيام، ومشاركة الطيران المُسيّر التابع لحكومة “دمشق”، لكنّ القوات الحكومية لم تستطع السيّطرة على السدّ.
تجربة أنفاق “سدّ تشرين” شجّعت (قسد) على المُضّي قُدمًا في تعزيز شبكة أنفاقها وربطها وتأمينها وحمايتها، لتكون خط الدفاع الأول عن مناطق سيطرتها، وأيضًا تعزيز شبكة الأنفاق الداخلية لإبعاد مقاتليها وقادتها عن أعين سلاح الجو المعادي.
المدنيون بين مخاطر حفر الأنفاق وانهيار المنازل..
لا يُجري حفر الأنفاق في مناطق شمال شرق “سورية” بشكلٍ طبيعي، فالعملية غالبًا ما تكون محفوفة بالمخاطر، خصوصًاً على العاملين في مجال الحفر والتجهيز، ولطالما شهد “شرق الفرات” حوادث وفاة لعمال مدنيين أثناء قيامهم بالحفر، وآخر تلك الحوادث انهيار نفق على (03) شبان من أهالي قرى “جبل عبدالعزيز” غرب “الحسكة”.
وتُشير المعلومات إلى أنّ معظم أراضي شمال شرق “سورية” زراعية، لذلك فإنّ الأنفاق قابلة للانهيار بشكلٍ سريع، خاصّة إذا كانت غير مؤمّنة بشكلٍ جيد.
ولا يقتصر الخطر على ذلك؛ فقد شهدّت عدة مناطق في “شرق الفرات” انهيارات أرضية، تسبّبت بتدمير منازل وشوارع رئيسة، نتيجة حفر الأنفاق بشكلٍ واسع، وسط مخاوف شعبية واسعة من حدوث انهيارات جديدة ضمن منازلهم وأحيائهم.
وأطلق عددٍ من الأهالي مناشدات لقيادة (قسد) بإيقاف عمليات الحفر، خاصّة في المناطق المأهولة بالسكان، لأنّ التربة الزراعية وانخفاض مستوى المياه الجوفية، قد يُزيد من مخاطر الانهيار ويجعل تلك المناطق غير صالحة للسكن في المستقبل.
بين رغبة (قسد) في الحفاظ على وجودها وتأمين مناطق سيّطرتها من أيّ عملية عسكرية مباغتة، وبين تأكيد الحكومة السورية و”تركيا” رفضهما بقاء الوضع على حاله في مناطق “شرق الفرات”، يبقى المدنيون هم الضحية الأبرز لمشروع الأنفاق المستَّمر في المنطقة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ما يجري في “شرق الفرات” يتمّ بغطاء سياسي وعسكري أميركي ؟