هل بدأت مرحلة دفع الفواتير ؟ .. واشنطن تضع “العراق” في زاوية الاختيار !

هل بدأت مرحلة دفع الفواتير ؟ .. واشنطن تضع “العراق” في زاوية الاختيار !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

يبدو أن “العراق” بات على موعد مع الأزمات؛ وذلك بسبب الممارسات الأميركية التي بدأت طريقها مؤخرًا بهدف وضع حد لتقاربه مع “إيران”، فبعدما أقرت استثناءًا جديدًا لـ”العراق” لمواصلة استيراده الغاز والكهرباء من “إيران”، تراجعت في ذلك عبر تقليص فترة الاستثناء من العقوبات المرتبطة بالتعامل مع “الجمهورية الإسلامية” وتأخير السماح بإرسال دفعات نقدية حيوية، إذ أنّ مدة الإعفاء تقلّصت من تسعين و120 يومًا، إلى 45 فقط.

الإجراء الجديد يضع “العراق” بين نارين أو خيارين لا ثالث لهما؛ إما الخضوع لـ”واشنطن” وإما أن يستمر في تعامله مع “إيران” ليكون الخاسر الأكبر في معركة تكسير العظام هذه.

بداية الموت بالطعنات..

الباحث في معهد الدراسات الإقليمية والدولية في “السليمانية”، شمال العراق، “أحمد طبقجلي”؛ قال لوكالة (فرانس برس): “هذه بداية الموت بألف طعنة”. وأضاف: “كلّما تقلّصت مدة الاستثناء، كلما أصبحنا أقل قدرة على تحمل نتيجة أي خطأ نرتكبه”.

الوضع العراقي المتأزم يجعل “العراق” يقف عند مفترق طرق. فرئيس وزرائه المكلف، “محمد علاوي”، يواجه صعوبات في تشكيل حكومة جديدة، بينما تتواصل التظاهرات المناهضة للسلطة في عدة مدن، وسط صراع “أميركي-إيراني” تحوّل إلى مواجهة دامية على أرض “العراق”، الشهر الماضي.

وتتمتّع “إيران” بنفوذ سياسي وعسكري كبيرين في “العراق”، لكن “الولايات المتحدة” تمسك بورقة الاقتصاد.

ملياري دولار ينقلون شهريًا..

ويقوم “المصرف المركزي” العراقي شهريًا بنقل ما بين مليار وملياري دولار نقدًا من حسابه في الاحتياطي الفيدرالي في “نيويورك”، حيث تتدفّق إيراداته من “النفط”، لتسديد ثمن معاملات رسمية وتجارية.

إلا أن الدفعة التي كان من المفترض أن تصل، في منتصف كانون ثان/يناير الماضي، تأخّرت لأسبوعين، بحسب مسؤول عراقي ومصدر في “قطاع النفط”، مشيرين إلى: “أسباب سياسية” وراء قرار “البيت الأبيض” تأخير السماح بخروج الأموال.

وقال المسؤول العراقي: “نحن نسير على حافة السكين”.

رواتب موظفي الدولة في خطر..

في الوقت ذاته؛ أبلغ “البنك الدولي”، “العراق”، بأن وضعه المالي في خطر؛ وخاصة في ما يتعلق برواتب موظفي الدولة.

وقال “البنك الدولي”، في تقرير له: “تتواصل المخاطر على المدى المتوسط. إذ يؤدي غياب التنويع الاقتصادي وعدم مرونة الموازنة المرتبطة بفاتورة الأجور في القطاع العام؛ إلى التقليل من الفوائض المالية في العراق ما يزيد من هشاشة الاقتصاد أمام الصدمات الخارجية. كما تهدّد هذه العوامل بمزيد من التأخر في إعادة الإعمار وتقويض الجهود الحكومية الإيجابية الأخيرة، خاصة في قطاعي الكهرباء والزراعة”.

48 تريليون دولار حجم الدين العراقي..

وفي هذا يقول الخبير الاقتصادي، “أحمد الهذال”: “الوضع الاقتصادي العراقي متقلب، منذ العام 2003، ولحد الآن، بسبب إعتماده على النفط وبنسبة تُقدر بنحو 90%”.

وتابع “الهذال” بالقول: “تفاقُم الدين العام في العراق بسبب حاجة العراق إلى السيولة النقدية، وهو ما دفعه نحو الإقتراض الدولي، حيث وصلت عملية الإقتراض إلى مستويات خطيرة”.

وأضاف “الهذال” قائلًا: “يُعاني العراق من إختلالات هيكلية تمنعه من زيادة سيولته المالية، فهناك موازنة ضخمة جدًا، لكنها تعاني من حجم المديونية الكبير، فحجم الدين المخطط له في هذه الموازنة يصل إلى 48 تريليون دينار عراقي، وهو رقم مرعب”.

أول إشارة لتنفيذ تهديدها..

وتُعتبر الخطوة الأميركية الجديدة أول إشارة إلى أن “واشنطن” قد تُنفّذ تهديدًا أصدرته، في كانون ثان/يناير الماضي، بشأن منع وصول العراقيين لأموالهم في حال طردت، “بغداد”، القوات الأميركية المتمركزة في “العراق”؛ والتي يبلغ قوامها نحو 5200 جندي.

وجاء ذلك بعدما صوّت “البرلمان العراقي” على إنهاء وجود القوات الأجنبية بسبب السخط على غارة أميركية أودت بحياة قائد (فيلق القدس) الإيراني، الجنرال “قاسم سليماني”، ورئيس هيئة (الحشد الشعبي)، التي تضم فصائل شيعية عراقية، “أبومهدي المهندس”، قُرب “مطار بغداد”.

واستمرت “واشنطن”، على مدى أشهر، في بحث مسألة حظر الأموال للضغط على “العراق”، وفقًا لدبلوماسي أميركي كان وصف هذه الخطوة، العام الماضي؛ بـ”الخيار النووي”.

عواقب وخيمة..

وبينما وصلت دفعة، شهر شباط/فبراير، في موعدها، يتوقع مسؤولون عراقيون أن تبدأ “الولايات المتحدة” تحديد حجم الأموال التي يمكن لـ”العراق” سحبها.

وحرمان “العراق” من الأموال قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، خصوصًا وأنّ اقتصاده يعتمد بشكل شبه كامل على صادرات “النفط” المدفوعة بالدولار.

وفي حال إنتهت مدة الاستثناء من العقوبات المتعلّقة بالتعامل مع “إيران” من دون تجديدها، فذلك يعني أنّه سيتوجب على “العراق” وقف استيراد الغاز والكهرباء من “طهران”، أو الاستمرار بالتعامل مع “طهران” ومواجهة احتمال التعرّض لـ”عقوبات أميركية”.

ويعاني “العراق” من عجز في الكهرباء، ما يؤدي إلى إنقطاعها على فترات متفاوتة قد تصل إلى 20 ساعة في بعض مناطقه.

الهجوم على السفارة الأميركية..

وربطت “واشنطن” الضغوط بمسائل أخرى؛ من بينها نحو 20 هجومًا صاروخيًا تعرّضت لها “السفارة الأميركية”، في “بغداد”، وقواعد تضم قوات أميركية في “العراق”، منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي.

وذكر مسؤول عراقي أن وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، “صرخ”، في رئيس الوزراء المستقيل، “عادل عبدالمهدي”، خلال مكالمة هاتفية، الشهر الماضي. وأوضح المسؤول: “قال له أن ينسى مسألة تجديد الاستثناء في حال تواصلت الهجمات”.

ومما يُدلل على تراجع العلاقات بين “واشنطن” و”بغداد”؛ عدم لقاء “بومبيو” مع وزير الخارجية العراقي، “محمد الحكيم”، على هامش “مؤتمر ميونيخ للأمن”، الجمعة والسبت، لكنه اجتمع بالمقابل برئيس وزراء إقليم كُردستان، “منصور بارزاني”، الذي التقى كذلك وزيري الطاقة والدفاع الأميركيين.

انقسام سياسي حول إستراتيجية التعامل..

كذلك تستاء “الولايات المتحدة” أيضًا من التباطوء العراقي في توقيع عقود مع شركات أميركية كبرى متخصّصة بقطاع الطاقة، بهدف تسريع فك الإرتباط بـ”إيران” في هذا المجال.

وقبل أسابيع من إنتهاء فترة الاستثناء الأخيرة، أفاد مسؤول أميركي أنّ العراقيين: “رفضوا باستمرار الاتفاقات مع غنرال إلكتريك وأكسون”.

واعتبر أنّ المسؤولين العراقيين: “يختارون أن يعتمدوا على الإيرانيين، مانحين طهران موقعًا مؤثرًا في اقتصادهم وبنيتهم التحتية”.

و”إيران”، التي لطالما عملت على الحد من نفوذ “الولايات المتحدة” في المنطقة، ثاني أكبر الدول المصدّرة لـ”العراق”. إلا أن “الولايات المتحدة” تتفوق عليها من ناحية الاستثمارات المباشرة، وخصوصًا في “قطاع النفط” الحيوي وبنيته التحتية.

وتتحدّث مصادر في “بغداد” و”واشنطن” عن انقسام في السياسة الأميركية، حيث يبدو “البيت الأبيض” مؤيدًا لإستراتيجية زيادة الضغوط على “العراق”، بينما يُفضّل الآخرون إعتماد المرونة.

وذكرت المصادر أنّ “الصقور”، في الإدارة الأميركية، أصبحوا في مواقع “مهيمنة”، بينما قال مسؤول عراقي إنّ هؤلاء باتوا يستخدمون المعاملات المالية “للتنمر” في علاقتهم بالعراقيين.

تفخيخ الاستثناء من العقوبات..

وقال وزير الكهرباء العراقي في الحكومة المستقيلة، “لؤي الخطيب”، في مقابلة مع وكالة (فرانس برس)؛ إن على “واشنطن” ألا “تحشر العراق في الزاوية”. إلا أنه أعرب في الوقت ذاته عن ثقته من أنّ “الولايات المتحدة” لن تقوم “بتفخيخ” الاستثناء من العقوبات “بهدف تقويض الخدمات العامة”.

وذكر “الخطيب” أنّ هناك تقدمًا في مجال البحث عن مصادر أخرى، مشيرًا إلى توقيع اتفاقيات مع “الأردن” ودول خليجية لدعم شبكة الكهرباء، وإلى احتمال شراء الغاز من شركات عاملة في “إقليم كُردستان”، الذي يتمتّع بحكم ذاتي.

وكانت الحكومة العراقية منحت الضوء الأخضر لتوقيع ستة عقود لتطوير حقول غاز عراقية قبل ثلاثة أسابيع من إنتهاء فترة الاستثناء الأخيرة.

وبحسب “طبقجلي”، فإنّ: “الإعلان جاء ردًا على الضغوط الأميركية. من الواضح أن الحكومة العراقية أصيبت بالذعر”.

لن تلوح بأكثر من “تهديدات اقتصادية”..

فيما يرى الباحث في معهد “السلام” بالولايات المتحدة، “رمزي مارديني”؛ أنّ “الولايات المتّحدة” قد تجد نفسها غير قادرة على التلويح بأكثر من “تهديدات اقتصادية”.

وأوضح: “قد تساعد هذه المقاربة على حماية المصالح الأميركية على المدى القصير، لكن العلاقة الثنائية بمجملها ستبقى رهن إنعدام الثقة والعداء”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة