خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
لا يزال هناك من يقيّس السياسة بالسحر والشعوذة؛ بينما تجري الحروب في السماء بالمُسيّرات والأسلحة الحديثة؛ حيث يستهدف الأعداء البُنى التحتية بهجمات إلكترونية، ويُحاول الساسة تغيّير النظام الدولي لضمام استمرار مصالحهم عبر الاستفادة من أحدث الدراسات العلمية. بحسب التقرير الذي أعدته ونشرته صحيفة “هفت صبح) الإيرانية.
وكان أحد الأشخاص من المنتَّمين إلى التيار الأصولي؛ قد ادعى بعد الحرب الـ (12) يومًا بين “إيران” و”إسرائيل”، العثور على أوراق تحتوي على طلاسم تحمل رموزًا يهودية في شوارع “طهران”. وربط هذه الحادثة بلقاء سابق جمع؛ “بنيامين نتانياهو”، رئيس وزراء “إسرائيل”، مع متخصَّصين في العلوم الغامضة، واعتبرها مؤشر على: “حرب ناعمة غيبية”.
ورُغم أن هذه الرواية بدت هامشية ظاهريًا؛ إلا أنها تعكس حقيقة أعمق عن عودة العقل السحري إلى الساحة السياسية، مما قد يكون مؤشرًا على أزمة عقلانية في مراكز السلطة.
وبغض النظر عن صحة هذه الادعاءات؛ يثَّير طرح مثل هذه الأفكار على المستوى السياسي سؤال جاد، بشأن كيفية عودة العقل السحري إلى الواجهة في عصر الحروب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي؟
عندما تحل الخرافة محل السياسة..
ظهرت في المشهد السياسي الإيراني، خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة غريبة تستّحق التأمل تمثلت في العودة المتكررة إلى مفاهيم مثل: “العِرافة، واستحضار الجن، والعلوم الغامضة”؛ في أعلى مستويات صنع القرار.
بدأت القصة مع تقارير عن تسّرب معتقدات شبّه صوفية وغير دينية إلى دائرة السلطة، لدرجة اتهام بعض كبار المسؤولين باللجوء إلى الهنود السادهو، واستخدام التنبؤ، والسحر، والتعاويذ في تحليلاتهم وقراراتهم السياسية.
ورُغم نفي هذه الادعاءات والسخرية منها؛ لكن كشف صعود وتيرة ردود الفعل الإعلامية وتصريحات بعض رجال الدين والناشطين السياسيين المعارضين عن أبعاد جديدة للقضية.
تضمنت الادعاءات اجتماعات مع عراف عمره: (400) عام في “الهند”، وإقامة علاقات مع أشخاص يدعون امتلاك قُدراتٍ خارقة، بل وحتى عقد جلسات سرية مع شخصيات غريبة، وبلغت هذه الموجة ذروتها باعتقال المشعوذ المزعوم المعروف باسم: “عباس غفاري”، الذي لُقب لاحقًا: بـ”عراف الحكومة”.
ورُغم الإنكار الرسمي الشديد، إلا أن حجم الاتهامات وخطورتها يؤشر إلى وجود مثل هذه الممارسات في دوائر صنع القرار الحساسة. بل إن بعض رجال الدين انتقد الأمر بشدة، وتحدث بشكلٍ صريح عن إصابة شخصيات بارزة في السلطة بالسحر، وأكد وجود أمور غير طبيعية تؤثر على تصرفاتهم.
مثل هذه التصريحات كشفت أن الخرافة لم تُعدّ هامشية، بل أصبحت جزءً من صلب السياسة المعاصرة.
من التعاويذ إلى التحليلات السحرية..
بعد أيام من انتهاء الحرب بين “إيران” و”إسرائيل”، نشر ناشط إعلامي محافظ، تغريدية عجيبة على منصة (إكس)؛ يقول: “ظاهرة غريبة! بعد الحرب الأخيرة، وجدت أوراق في شوارع طهران عليها تعاويذ برموز يهودية. وفي السنة الأولى لحرب غزة، انتشر خبر عن لقاء؛ بنيامين نتانياهو، مع خبراء في العلوم الغامضة”!.. وقد لفتت هذه العبارة، المليئة بالخرافة، انتباه رواد الإنترنت بسرعة.
لكنها لم تكن المرة الأولى التي تدخل فيها مفاهيم “العلوم الغامضة” إلى السياسة الإيرانية. فقد شهدت السنوات الماضية، تسجيل حوادث عديدة عن تسّرب هذه الأفكار إلى مراكز النفوذ، وأبرزها في عهد حكومة الرئيس؛ “محمود أحمدي نجاد”، الثانية.
السحر كملاذٍ للفاشلين سياسيًا..
لا تخلو السياسة الحديثة من السّرديات الأسطورية، لكن عندما تحل الطقوس والتعاويذ محل العلم والتحليل، عندما نبحث عن تبرير للأزمات والفشل في ثنايا العلوم الغامضة، ينحرف المجتمع عن مسّار الإصلاح.
هذه العقلية ليست مجرد بقايا من الماضي، بل أداة لتبرير الواقع المرير المعاصر. قبل أكثر من قرن، أظهر عالم الإنثروبولوجيا؛ “جيمس فريزر”، كيف تُحاول هذه المعتقدات إعادة فرض الهيمنة، حتى لو كان الثمن هو طمس الحقيقة.
واليوم؛ في عصر الصواريخ والذكاء الاصطناعي، ما زلنا أحيانًا نلتفت إلى تعويذة ملقاة في الشارع!
الخطر الحقيقي هو أن السياسة؛ إذا اقترنت بالسحر والشعوذة، لن تقودنا إلى المستقبل، بل ستُعيّدنا إلى أعماق الماضي.