هربًا من كابوس التجمد في الشتاء .. “فنلندا” تواجه حاجتها للغاز الروسي بـ”بطاريات الرمال” !

هربًا من كابوس التجمد في الشتاء .. “فنلندا” تواجه حاجتها للغاز الروسي بـ”بطاريات الرمال” !

وكالات – كتابات :

“بطاريات الرمال” أو “البطاريات الرملية”؛ ابتكار قد يُغيِّر صناعة الطاقة في العالم، ويأمل مخترعوه الفنلنديون أن يعوِّض بلادهم عن قطع “روسيا” لإمدادات “الغاز” عنها، والذي يُهدد بتجمد سكان هذا البلد القارس البرودة، والأقرب في العالم للقطب الشمالي.

تم ابتكار هذه التكنولوجيا الجديدة من قِبل مهندسين فنلنديين، أنشأوا مؤسسة تدعى: (طاقة الليل القطبي-Polar Night Energy)، وهي تهدف إلى تخزين الطاقة خلال فترة الصيف، لاستخدامها في الشتاء القطبي المظلم الذي يُميز الدول الإسكندنافية، خاصة أن “هلسنكي”؛ عاصمة بلادهم، هي أقرب عاصمة في العالم للدائرة القطبية الشمالية بعد “ريكافيك”؛ عاصمة “أيسلندا”.

فأجزاء من شمال “فنلندا” لا ترى الشمس على الإطلاق خلال فصل الشتاء، نظرًا لأنها تقع فوق خط العرض؛ (68 درجة شمالاً)، حيث لا توجد شمس مباشرة لأسابيع.

تقول الشركة إن هذه “البطارية الرملية” سيكون لها أكبر تأثير خلال فترات مثل هذه، حيث ستُحافظ عملية تخزين  طويل الأمد في بطاريات الرمال على تدفئة المباني بسعر رخيص، وبلا تلوث، خلال فصل الشتاء الفنلندي المتجمد، ولكن يمكن استخدامها في جميع أنحاء العالم، حسب موقع (يورو نيوز).

على الرغم من أن هناك عددًا من الأبحاث الأخرى، تختبر إمكانية الرمال كمخزن للطاقة الخضراء، فإن المهندسين الفنلنديين: “Tommi Eronen” و”Markku Ylönen”، هما أول من نجح في نقله إلى محطة طاقة تجارية، حيث قام الباحثان بتركيب أول بطارية الرمال تعمل بكامل طاقتها في العالم يمكنها تخزين الطاقة الخضراء لشهور، قبل استخدامها.

مشكلة الطاقة الخضراء والجديدة في تذبذبها..

طاقة الرياح والطاقة الشمسية دائمًا متقلبة في مدى توفرها، حيث تتولد الطاقة عندما يكون المصدر متاحًا مثل الشمس والرياح، وليس عند الحاجة إليها كما هو الأمر من الطاقة التقليدية.

وبالتالي فإن انتقال العالم إلى “الطاقة الخضراء” يتطلب تنفيذ عمليات ضخمة من تخزين الطاقة.

يقول مطورو “بطارية الرمال”؛ إن اختراعهم، يمكن أن يحل مشكلة توافر إمدادات الطاقة على مدار العام، وهي مشكلة رئيسة لـ”الطاقة الخضراء”؛ التي تعتمد في الأغلب على عوامل توليد موسمية مثل طاقة الرياح أو الشمس.

“فنلندا” في أمسّ الحاجة إلى بديل للطاقة الروسية..

وتحصل “فنلندا” على معظم احتياجاتها من “الغاز” من “روسيا”، لذا فقد أدت الحرب في “أوكرانيا” إلى تركيز شديد على قضية “الطاقة الخضراء”.

ولدى “فنلندا” أطول حدود مع “روسيا” من بين دول “الاتحاد الأوروبي”، وقد أوقفت “موسكو” إمدادات “الغاز” والكهرباء في أعقاب قرار “فنلندا” الانضمام إلى الـ (ناتو).

ولذا زاد القلق لدى السياسيين والمواطنين على حدٍّ سواء، بشأن مصادر الحرارة والضوء، خاصة مع الشتاء الفنلندي الطويل البارد.

وبسبب تغير المناخ، والآن بفضل الارتفاع السريع في أسعار “الوقود الأحفوري” جراء الحرب الأوكرانية، هناك زيادة كبيرة في الاستثمار في إنتاج الطاقة المتجددة الجديدة.

ولكن في حين يمكن إضافة الألواح الشمسية الجديدة وتوربينات الرياح بسرعة إلى الشبكات الوطنية، فإن هذه المصادر الإضافية تُمثل أيضًا تحديات ضخمة، فيما يتعلق بتخزينها.

أصعب سؤال يدور حول، كيف تُحافظ على الأضواء عندما لا تُشرق الشمس ولا تهب الرياح ؟.. يتطلب ذلك بناء بطاريات ذات حجم كبير، يمكنها تخزين وموازنة متطلبات الطاقة.

في الوقت الحالي، تُصنع معظم البطاريات من (الليثيوم)، وهي مادة باهظة الثمن، ولا يمكنها إلا تخزين كميات محدودة من الطاقة الزائدة.

وهناك حلول أخرى يجرى تجربتها، مثل “البطاريات المتدفقة”، و”بطاريات تغيير طور السيليكون”، و”بطاريات الملح المصهور”، و”بطاريات الحديد الهوائية”، و”بطاريات الجاذبية”، و”بطاريات توسيع ثاني أكسيد الكربون”.

كيف تعمل “بطارية الرمال” ؟

العنصر الأساس في “بطارية الرمال”، حوالي: 100 طن من رمل البناء، مكدسة عاليًا داخل صومعة رمادية باهتة.

قد تُمثل هذه الحبوب الخشنة والجاهزة؛ طريقة بسيطة وفعالة من حيث التكلفة لتخزين الطاقة عندما تكون في أمسّ الحاجة إليها.

يتم تخزين هذه الرمال حول خزان فولاذي كبير ومعزول – طوله 7×4 أمتار، يتم تسخين هذه الرمال، باستخدام مبادل حراري بسيط مدفون في منتصفه الخزان، يُصبح هذا الجهاز قادرًا على تخزين: 8 ميغاواط/ساعة من الطاقة، بمعدل طاقة أسمي يبلغ: 100 كيلو واط، ويؤدي إلى تسخين الرمال حول الخزان إلى درجات تتراوح بين: 500 – 600 درجة مئوية، حسب موقع مؤسسة (New Atlas) الأميركية المتخصصة في التدريب الاقتصادي.

لا يوجد شيء مميز في الرمال المستخدمة، حسبما تقول الشركة، إنها تحتاج فقط إلى أن تكون جافة وخالية من الحطام القابل للاحتراق.

في الواقع؛ ترى الشركة أن الرمال وسيلة تخزين منخفضة التكلفة للغاية أو حتى منعدمة التكلفة، كما أن الأمر برمته بسيط للغاية، ورخيص لدرجة أن “Polar Night Energy” تدعي أن التكاليف تبلغ أقل من: 10 يورو؛ (10.27 دولار أميركي)، لكل كيلو واط/ساعة، وتعمل بنفسها بطريقة آلية بالكامل، دون استخدام أي مواد استهلاكية.

يتم شحن “بطارية الرمال” بالحرارة المولدة من الكهرباء الرخيصة الآتية من الطاقة الشمسية أو الرياح، يُنتج عن هذا هواء ساخن يدور في الرمال، وتعمل الكهرباء منخفضة التكلفة على تسخين الرمال، حتى: 500 درجة مئوية.

والرمل هو وسيلة فعالة للغاية لتخزين الحرارة، لأنه يفقد القليل من الحرارة بمرور الوقت، يقول المطورون إن أجهزتهم يمكنها الاحتفاظ بالرمل عند: 500 درجة مئوية لعدة أشهر.

هذه الحرارة المخزَّنة في الرمال، يمكن أن تُدفيء المنازل في الشتاء عندما تكون مصادر الطاقة أكثر تكلفة وأقل توفرًا، حسبما ورد في تقرير لـ”هيئة الإذاعة البريطانية”؛ (BBC).

يتم استخلاص الطاقة مرة أخرى كحرارة بالطريقة نفسها.

وتم تركيب الجهاز في محطة كهرباء مدينة “فاتاغانكوسكي”؛ التي تُدير نظام تدفئة بالمنطقة.

عندما تكون أسعار الطاقة أعلى، تقوم البطارية بتفريغ الهواء الساخن من الرمال وتوجيهه لتسخين الماء المستخدم في نظام تدفئة المنطقة، والذي يتم ضخه بعد ذلك إلى المنازل والمكاتب وحتى حمامات السباحة المحلية، وكذلك في العمليات الصناعية، أو في أي حالات أخرى تتطلب حرارة.

وتدعي الشركة أن عامل الكفاءة يصل إلى: 99%؛ (أي إن البطارية لا تفقد سوى: 1% من الطاقة المخزنة بها)، مع القدرة على تخزين الحرارة سيكون هناك خسارة ضئيلة خلال أشهر التخزين بين فصلي الشتاء والصيف، وعمر افتراضي للبطارية يصل إلى عقود.

تم تطوير فكرة “البطارية الرملية” لأول مرة في مطحنة في مدينة “تامبيري” الفنلندية، حيث تبرَّع المجلس بمساحة العمل، وقدَّم التمويل لإنجازها.

“بطاريات الرمال هذه توفر مرونة في استخدام وتخزين الحرارة، مما يُقلل التكلفة”، حسب “إلينا سيبانين”، أخصائية الطاقة والمناخ في المدينة.

يصعب استخدام الطاقة المخزَّنة في توليد الكهرباء..

ولكن أحد التحديات الكبيرة الآن؛ هو ما إذا كان يمكن رفع مستوى التكنولوجيا لإحداث فرق حقًا ونشرها على المستوى التجاري، وهل سيتمكن المطورون من استخدام الطاقة المخزنة في “بطاريات الرمال” للحصول على الكهرباء والتدفئة ؟

إذ تنخفض الكفاءة بشكلٍ كبير عند استخدام “بطارية الرمال” لتوليد الطاقة بشكل عكسي في شبكة الكهرباء.

فمن السهل حقًا تحويل الكهرباء إلى حرارة، حسب قول مدير التكنولوجيا في (Polar Night): “لكن العودة من الحرارة إلى الكهرباء أمر أصعب؛ لأنه يحتاج إلى توربينات وأشياء أكثر تعقيدًا”.

لكن تخزين “الطاقة الخضراء” كحرارة على المدى الطويل يُعد أيضًا فرصة كبيرة، حيث توفر الحرارة اللازمة في طهي الطعام ومعالجة المنسوجات أو المستحضرات الصيدلانية التي تأتي عادة من حرق “الوقود الأحفوري”.

مجموعات بحثية أخرى، مثل “المختبر الوطني الأميركي للطاقة المتجددة”، تبحث بنشاط في الرمال كشكل قابل للتطبيق من البطاريات لـ”الطاقة الخضراء”.

لكن الفنلنديين هم أول من يمتلك نظامًا تجاريًا فعالاً، والذي يعمل بشكل جيد حتى الآن، وفقًا للرجل الذي استثمر في النظام.

قال “بيكا باسي”، المدير الإداري لمحطة الطاقة (فاتاغانكوسكي): “الأمر بسيط حقًا، لكننا أحببنا فكرة تجربة شيء جديد، لنكون أول من يفعل شيئًا كهذا في العالم”، “إنه جنون بعض الشيء، لكنني أعتقد أنه سيكون ناجحًا”، حسبما نقل عنه تقرير (BBC).

تقول الشركة إنها ستتوسع أيضًا، لتخزين: 20 غيغاوات/ساعة من الطاقة، ما يُنتج مئات ميغاوات من الطاقة، وسيتم تسخين الرمال حتى: 1000 درجة مئوية في تصميمات معينة.

ومن الممكن إنشاء مرافق تخزين كبيرة تحت الأرض في المناجم غير المستخدمة، ما يُخفض التكلفة الأكبر في البطاريات الحالية، وهي الأنابيب.

من الممكن بناء نظام مصمم لتخزين الحرارة على المدى الطويل حول مركز أسطوانة الرمل، بحيث تكون دورات الاستخدام المتكرر قصيرة المدى، أقرب إلى السطح العلوي أو الخارج الأقل في الحرارة، وسيكون تنفيذ مثل هذه الفكرة مستحيلاً في وسط سائل مثل الماء أو الملح المصهور؛ لأن السوائل ستختلط وتتحرك باستمرار.

هل يمكن نقل هذا الاختراع إلى دول أخرى ؟

قدّرت مبادرة (Mission Innovation) المعنية بابتكارات “الطاقات الخضراء” والجديدة؛ أن نشر نظام تخزين الطاقة في شركة (Polar Night) بإمكاناته الكاملة يمكن أن يحل محل ما يكفي من مصادر الحرارة التي تُحرق (الكربون) لتقليل انبعاثات الدفيئة السنوية بمقدار يتراوح بين: 57 و283 ميغا طن من مكافيء (ثاني أكسيد الكربون) سنويًا، بحلول عام 2030، واعتبرت أن ذلك  سيكون ذلك مساهمة كبيرة جدًا من قِبل هذا المشروع في تقليل الإنبعاثات.

ولكن هذا النظام سيجد استخدامًا واسع النطاق فقط في المناطق ذات التدفئة المركزية؛ (أي أنظمة تدفئة تعتمد على نقل الحرارة مباشرة للمستهلكين، وليس نقل الوقود مثل الغاز أو الكهرباء).

وما يقرب من نصف المنازل في الدول الإسكندنافية تحتوي على شكل من أشكال التدفئة المركزية، ويمكن العثور على هذه الأنظمة في العديد من المناطق الأخرى أيضًا، بما في ذلك شمال “الصين” و”الولايات المتحدة الأميركية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة