هبوط تاريخي لليرة .. احتجاجات “أوغلو” تطيح بالاقتصاد التركي بمهب الريح

هبوط تاريخي لليرة .. احتجاجات “أوغلو” تطيح بالاقتصاد التركي بمهب الريح

وكالات- كتابات:

في ضربة قوية للأسواق التركية عقب اعتقال رئيس بلدية “إسطنبول”؛ “أكرم إمام أوغلو”، انزلقت “الليرة” إلى أدنى مستوياتها التاريخية، وتكبدت “بورصة إسطنبول” خسائر فادحة، وسط موجة بيع مكثفة للأصول التركية، ما دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم مخاطر الاستثمار في البلاد.

ويُعد “إمام أوغلو”؛ من أبرز منافسي الرئيس؛ “رجب طيب إردوغان”، وقد ألقت خطوة اعتقاله بظلال ثقيلة على المشهد الاقتصادي، وزادت من التوترات في الأسواق المالية.

وبينما حاولت الحكومة تهدئة المخاوف؛ إلا أن رد فعل الأسواق كان عنيفًا وسريعًا، ما أثار تساؤلات حول مستقبل “الليرة” التركية، وأداء البورصة، ومدى تأثير هذه الأزمة على تدفقات الاستثمار الأجنبي في “تركيا”.

هبوط تاريخي..

شهدت الليرة التركية أكبر انخفاض يومي لها على الإطلاق خلال تعاملات الأربعاء، وهوت إلى مستوى قياسي بلغ: (42) ليرة للدولار؛ وتراجعت: (11%)، في ظل موجة بيع مكثفة ضربت الأسواق المالية.

ورُغم محاولات البنوك المحلية التدخل لدعم العُملة التي تحسنت جزئيًا إلى (38.90) ليرة للدولار في أحدث التداولات، إلا أن الليرة لا تزال عند أدنى مستوياتها التاريخية.

وكانت الليرة قد أغلقت الثلاثاء عند: (36.67) ليرة للدولار، ما يعني أنها فقدت أكثر من: (12%) من قيمتها خلال ساعات، لتُصبح العُملة الأسوأ أداء بين الأسواق الناشئة لهذا العام.

ويتم تداول الليرة التركية عند (38) مقابل الدولار، في أحدث تعاملات.

وتسببت موجة البيع في تدخل البنوك التركية؛ حيث قامت المؤسسات المالية ببيع ما يقارب (08) مليارات دولار في محاولة لوقف التدهور الحاد، وفقًا لما نقلته وكالة (بلومبيرغ) عن مصادر وصفتها بالمطلعة.

ولم يكن هذا التدخل كافيًا لاحتواء الأزمة، إذ واصلت الليرة تراجعها وسط مخاوف متزايدة بشأن الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

ولم تكن سوق الأسهم التركية بمنأى عن التداعيات الاقتصادية؛ حيث انهار مؤشر (بيست 100-BIST 100) الرئيس؛ بنسبة: (6.9%) عند افتتاح التداولات أمس الأربعاء، ما دفع “بورصة إسطنبول” إلى تعليق التعاملات مؤقتًا بموجب آلية: “وقف التداول التلقائي”، وبعد استئناف التداول، قلص المؤشر بعض خسائره، لكنه سجّل أسوأ أداء يومي له منذ أواخر 2023.

وتكبدت جميع القطاعات خسائر حادة، إلا أن القطاعات المصرفية والاتصالات كانت الأكثر تضررًا:

مؤشر قطاع البنوك تراجع بنسبة: (7.02%).

مؤشر الأسهم القابضة انخفض بنسبة: (6.69%).

قطاع الاتصالات كان الأكثر تضررًا بانخفاض: (7.56%).

كما انخفض سعر السنّدات الدولية التركية بشكلٍ حاد كذلك، إذ انخفضت السنّدات التركية لعام 2045 بمقدار: (1.5) سنت، ليتم تداولها عند (85.13) سنتًا للدولار، مسجلة أكبر انخفاض ليوم واحد منذ أكثر من عام، في حين انخفضت الأسهم التركية الممتازة بأكثر من (5%)، مسجلة أسوأ أداء يومي لها منذ أواخر عام 2023.

وشهدت السندات الحكومية لأجل (10) سنوات قفزة في عوائدها بمقدار (175) نقطة أساس لتصل إلى: (29.94%)، وهو أعلى مستوى لهذا العام، ما يعكس تزايد قلق المستثمرين من المخاطر السياسية وتأثيراتها المحتملة على الاقتصاد الكلي.

المخاوف الاستثمارية..

وأثار اعتقال رئيس بلدية إسطنبول؛ “أكرم إمام أوغلو”، قلق المستثمرين الأجانب، الذين رأوا في هذه الخطوة مؤشرًا على تصاعد المخاطر السياسية في “تركيا”، ما دفعهم إلى إعادة النظر في استثماراتهم بالبلاد.

ووصف رئيس أبحاث الأسواق في أوروبا؛ “نيك ريس”، التطورات الأخيرة بأنها: “صدمة للنظام السياسي والاقتصادي التركي”، مشيرًا إلى أن المستثمرين كانوا يرون اتجاهًا نحو مزيد من الاستقرار، لكن الأحداث الأخيرة بددت هذه التوقعات، وهذا أدى إلى موجة بيع مكثفة لليرة والأسهم التركية.

وفي محاولة لاحتواء التداعيات الاقتصادية المتسارعة، سعى وزير الخزانة والمالية التركي؛ “محمد شيمشك”، إلى طمأنة الأسواق عبر تصريح مقتضب نشره على حسابه في منصة (إكس)، قال فيه إن السياسة الاقتصادية للحكومة لا تزال بلا تغييّر. لكن هذه الرسالة لم تكن كافية لتهدئة المخاوف المتزايدة.

تقلبات مؤقتة..

من جهته يرى المحلل الاقتصادي؛ “بلال بغيش”، أن التقلبات الحادة التي شهدتها الأسواق التركية؛ خلال اليومين الماضيين، كانت نتيجة طبيعية للتطورات السياسية الداخلية، لكنه يُشير إلى أن الأسواق العالمية تُركز حاليًا بشكلٍ أكبر على قرارات الفائدة المرتقبة من “الولايات المتحدة والمملكة المتحدة”، ما يجعل تأثير العوامل الداخلية على المدى الطويل أقل حدة.

ويُضيف “بغيش”؛ في حديث لـ (الجزيرة. نت)، أن التضخم العالمي وضغوط أسعار الفائدة، خاصة في ظل تأجيل أي تخفيضات مرتقبة في معدلات الفائدة الأميركية، كانا يضعان بالفعل تحديات أمام الاقتصاد العالمي، ما يجعل الحصول على التمويل الخارجي أكثر صعوبة، وزيادة تكلفته أمرًا حتميًا.

ويتابع: “التقلبات قصيرة المدى أمر واقع في الأسواق المالية، لكنها بطبيعتها مؤقتة”. مؤكدًا أن المستثمرين الذين يراهنون على مستقبل الاقتصاد التركي ويمتلكون مراكز استثمار طويلة الأجل هم الأكثر استفادة في هذه المرحلة.

ويُشدَّد على أن “تركيا” بحاجة إلى تعزيز استقرارها الاقتصادي من خلال تحسّين بُنيتها التحتية الاقتصادية وتبني إصلاحات هيكلية أعمق لدعم النمو المستَّدام.

وأبقى “مجلس الاحتياطي الاتحادي”؛ (البنك المركزي الأميركي)، سعر الفائدة دون تغيّير في نطاق: (4.25%-4.5%)، كما كان متوقعًا، لكن صانعي السياسات أشاروا إلى أنهم ما زالوا يتوقعون خفض تكاليف الاقتراض (0.5%) بحلول نهاية العام.

تعديلات محتملة..

وفيما يتعلق بتوقعاته للأيام المقبلة؛ يُعرب الأكاديمي في جامعة (السلطان محمد الفاتح)، عن تفاؤله بقدرة الأسواق على استعادة استقرارها بسرعة، ويرى أن المراكز الاستثمارية طويلة الأجل ستظل تُحقق مكاسب.

ويُضيّف أن الحكومة قد تلجأ إلى: “تعديلات بسيطة” لدعم استقرار السوق عند الضرورة، لكنه لا يرى حاجة ملحة لذلك في الوقت الحالي.

ويُشير إلى أن “بورصة إسطنبول” كانت تتحرك في نطاق أفقي، لكن التعافي بدأ يظهر خلال الأسبوعين الماضيين، ومن المتوقع أن يستمر الاتجاه الصاعد مع انقشاع الضبابية السياسية.

ويُختم تحليله بالتأكيد على أن أسهم “بورصة إسطنبول” تُعد من بين الأكثر جاذبية عالميًا بالدولار، حيث لا تزال أسعارها دون مستوياتها في أوائل العقد الماضي، ما يفتح فرصًا استثمارية مهمة أمام المستثمرين الباحثين عن الاستفادة من الأسعار المنخفضة.

وارتفع مؤشر الأسهم التركية (بيست 100) بنسبة: (1.67%) إلى (10025) نقطة، في أحدث تعاملات اليوم الخميس.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة