خاص: كتبت- نشوى الحفني:
اختيار نائب الرئيس ليس أمرٍ سطحي؛ وليس مجرد زينة للمرشح الرئاسي أو لموازنة نقاط ضعفه، إنما هو إشارة إلى وجهات نظر الرئيس وأولوياته، وأحد الخيارات الأكثر تأثيرًا التي يمكنه اتخاذها لتشّكيل مستقبل حزبه.
لم يكن حاكم ولاية مينيسوتا؛ “تيم والز”، ضمن أفضل المرشحين المحتملين لـ”كامالا هاريس”؛ حتى الأسابيع القليلة الماضية، لكن اختياره يؤكد على قوة وسائل التواصل الاجتماعي، كّونه ودود وغير مثير للانقسام أو بمعنى أدق: “غير مضُّر”.
فاختيار “والز” جاء مخالفة للتوقعات التي كانت تتجه بقوة نحو حاكم ولاية بنسلفانيا؛ “جوش شابيرو”، الذي كان من الممكن أن تُساعد شعبيته في حسم ولاية صعبة تُمثل ساحة معركة رئيسة مثل “بنسلفانيا”، خاصة وأن “جو بايدن” كان قد فاز فيها بفارق نقطة واحدة فقط في عام 2020، بينما استمتع بفوز أكثر راحة بسبع نقاط في “مينيسوتا”، لكن الديمقراطيين في النهاية وضعوا ثقتهم في “والز”.
انتهاج استراتيجية جديدة صريحة..
وتعكس هذه الخطوة تحول بعيد عن استراتيجية الوسّطية التي كان الديمقراطيون ينتهجونها لعقود من الزمان وترسم سياسة جديدة واستراتيجية صريحة تسّعى إلى مهاجمة سّادية الجمهوريين وتعصّبهم وتقدم الأفكار التقدمية بشكلٍ حقيقي وصريح.
الاتجاه للاختيار الآمن..
صحيفة (الغارديان) البريطانية؛ أفردت مقالات تحليلية عن لماذا اختارت “هاريس”؛ “والز”، وليس “شابيرو”، الذي كان يوصّف بأنه: “الخيار الآمن”، كونه معتدل يُعادي يسار الحزب، مما يجعله جاذب للناخبين المحافظين في الولايات المتأرجحة، وهذا ما فعلته “هيلاري كلينتون”، عندما اختارت؛ “تيم كين”، كمرشح لمنصب نائب الرئيس في عام 2016؛ كانت هذه هي النظرية السياسية التي دعا إليها؛ “بيل كلينتون”، وخلفاؤه من الحزب (الديمقراطي) في كل انتخابات منذ عام 1992.
ولكن ما قد يبدو آمن في عام 2016؛ بدا محفوفًا بالمخاطر في عام 2024، خاصة وأن لدى “شابيرو” آراء معادية للفلسطينيين وتوجهاته تزيد من فرص حدوث الانقسامات وتتسبب في انخفاض الإقبال بين الناخبين التقدميين الذين يشعرون بالقلق من الحرب في “غزة”، وبالتالي تُثبيط الحماس بين الدوائر الانتخابية الرئيسة من الناخبين الشباب والناخبين العرب والمسلمين.
سّجل من الإنجازات..
على النقيض من ذلك؛ يُقدم “والز” سّجل طويل من الإنجازات السياسية، والخبرة في “الكونغرس” وكمسؤول تنفيذي، وغياب مذهل للفضائح، كان “والز” مدرس للتاريخ ومدرب لكرة القدم في المدرسة الثانوية، خدم لمدة (12) عام في “مجلس النواب”؛ من عام 2007 إلى عام 2019، كممثل لـ”مينيسوتا” ليُصبح أول ديمقراطي يُنتخب لهذا المقعد منذ سنوات. بصفته مُحارب قديم، كان “والز” أعلى ضابط صف رتبة يخدم في “الكونغرس” على الإطلاق.
أثناء وجوده في “الكونغرس”؛ كان “والز” مُدافع ثابت عن النقابات العمالية وحقوق الإجهاض، بينما اكتسّب سُّمعة طيبة في العمل الحزبي. لكن في دوره كحاكم ولاية “مينيسوتا”، حققت إدارته انتصارات متعددة لأولويات السياسة التقدمية في الولاية، حتى مع حصول الديمقراطيين على أغلبية ضئيلة للغاية في “مجلس النواب” بالولاية. بصفته حاكمًا، وقع على قوانين توفر وجبات غداء مدرسية مجانية لجميع الأطفال، وإلغاء تجريم الـ (ماريغوانا)، وضمان إجازة عائلية وطبية مدفوعة الأجر للعمال، وتعزيز السيّطرة على الأسلحة النارية مثل فحص الخلفية الشاملة وحماية العلم الأحمر، وتدّوين حقوق الإجهاض في دستور ولاية “مينيسوتا” وحماية أولئك الذين يُسافرون إلى الولاية للحصول على رعاية إنجابية أو مؤكدة للجنس، وتعزيز حماية العمال والنقابات.
بين الديمقراطيين والجمهوريين..
ولعقودٍ من الزمان؛ كان الديمقراطيون يخشون أن يؤدي الالتزام القوي بمواقفهم السياسية إلى تنفير “أميركا” التي تصّوروها مُّحافظة بشكلٍ أساس، لكن الزمن تغيّر والآن أصبح الديمقراطيون، تحت لواء “هاريس” و”والز”، هم الذين يستطيعون أن يزّعموا أن رؤيتهم التقدمية تُمثل التيار الرئيس في “الولايات المتحدة”.
على الجانب الآخر؛ لم يُهدر الجمهوريون أي وقتٍ في البدء في مهاجمة “والز”، ووصّفوه بالمتطرف الليبرالي الخطير، ووصفوا حُلم “هاريس-والز” بأنه: “كابوس كل أميركي”.
كما تلقى “والز” انتقادات؛ في آيار/مايو 2020، عندما اجتاحت الاضطرابات مدينة “مينيابوليس”؛ في أعقاب مقتل “جورج فلويد”، على يد ضابط شرطة أبيض. وبعد إشعال النار في مركز للشرطة، انتقد “والز” استجابة المدينة للاضطرابات ووصفها بأنها: “فشلٍ ذريع”.
بعد أيام من التوترات المتزايدة، تولت الولاية مسؤولية الاستجابة للاحتجاجات. وقال “والز” إنه اتبع البروتوكول الصحيح من خلال انتظار قادة المدينة لطلب المساعدة؛ قبل إرسال (الحرس الوطني)، لكن بعض المنتّقدين رفضوا تصرف الحاكم باعتباره أقل من اللازم ومتأخرًا للغاية.
وبالتالي ومع عودة “والز”؛ الآن، إلى صّدارة المشهد بصفته نائب “هاريس”، عليه أن يتوقع أن كل قطعة من سّيرته الذاتية ستخضع لأشد التدقيق صرامة في الأسابيع المقبلة.
غرابة “ترامب”..
وحسّب صحيفة (الغارديان) البريطانية؛ فمن المتوقع الآن أن يقضّي “والز” الأشهر الثلاثة المقبلة في إخبار البلاد بكل شيء عن غرابة “ترامب” وزميله في الترشح، السناتور عن ولاية أوهايو؛ “جيه. دي. فانس”، بعد أن رشحت “هاريس”؛ حاكم ولاية “مينيسوتا” لمنصب نائب الرئيس، يوم الثلاثاء.
وعلى الرُغم من أن “والز” هو أحد أقل الخيارات شهرة على المستوى الوطني؛ التي كانت تُفكر فيها “هاريس”، ولا ينحدر من ولاية يُنظر إليها على أنها حاسّمة في تحديد الانتخابات، فمن المتوقع أن يُساعد “هاريس” في تقديم الحجج لصالح سياساتها، وإقناع الناخبين برفض إعادة تشكيل الحكومة الأميركية “المتطرفة” التي يقول “ترامب” إنها مطلوبة.
إعادة التوازن..
وقالت رئيسة “مجلس النواب” الديمقراطي في مينيسوتا؛ “ميليسا هورتمان”، لصحيفة (الغارديان): “إذا كان؛ دونالد ترامب، وجيه. دي. فانس، منزعجين من ابتسامة؛ كامالا هاريس، وضحكها، فسوف ينزعجان حقًا من: تيم والز”.
وأضافت: “إنه شخص مرح، وإيجابي، ومتفائل، وكاريزمي. يمكنه تحريك الجماهير”.
وقالت النائبة التقدمية؛ “ألكسندريا أوكاسيو كورتيز”، إن “هاريس” اتخذت: “قرارًا ممتازًا”، بينما قال “جو مانشين”؛ عضو “مجلس الشيوخ” عن ولاية “فرجينيا الغربية”، الذي ترك الحزب مؤخرًا واشتهر بعرقلة مقترحات “بايدن” لمكافحة فقر الأطفال ومكافحة تغيّر المناخ بشكلٍ أكثر عدوانية: “لا أستطيع التفكير في أي شخص أفضل من الحاكم؛ والز، للمساعدة في تقريب بلادنا وإعادة التوازن إلى الحزب (الديمقراطي)”.
وإذا أراد الديمقراطيون أن يرّوا كيف سيبدو حكم حزبهم، فإن ولاية “مينيسوتا” هي المثال. ولكن ربما تكون السياسات ليبرالية للغاية بالنسبة إلى المسرح الوطني، كما طرح أحد المحاورين التلفزيونيين على “والز”.
وقال “والز” ممازحًا إن: “الأولاد يأكلون ويسّمنون بحيث يمكنهم التعلم، والنساء يتخذن قراراتهن الخاصة بالعناية الصحية”.
وفي خطاب ألقاه “والتز” عندما أتى “ترامب”؛ إلى “مينيسوتا”، الأسبوع الماضي، أرتدى “والتز” مثل أب من غرب الوسط – قبعة وقميص، في تأكيد على تواضعه. وقد لفت هذا الزي الانتباه عبر الإنترنت، لأنه لا يبدو وكأنه محاولة من سياسي ليظهر كشخص عادي، وإنما على غرار الثياب التي يرتديها “والتز” نفسه.
وتري الصحيفة إن سجل “والتز” الانتخابي يُظهر قدرته على جذب ائتلافات من الأصوات، من التقدميين إلى الجمهوريين المعتدلين. وبعد الفوز، أظهر أنه يعرف كيفية تحقيق النتائج.