كتب – سعد عبد العزيز :
كانت زيارة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” لإسرائيل مُلهِمَةُ لقطاع لا بأس به من الشارع الإسرائيلي موحياً بأنه يمكن استئناف مسيرة السلام المتوقفة منذ فترة طويلة، ولكن مقال الكاتب الإسرائيلي “نيتسان هوروفيتس” في صحيفة “هاأرتس”، كان صادماً لهؤلاء حين قال إن أحداً لا يستطيع الضغط على إسرائيل للقبول بأية صفقة سياسية، ما لم يكن ذلك نابعاً من رغبة إسرائيلية أصيلة.
من يظن أن ترامب سيصنع السلام واهم..
يقول “هوروفيتس” في بداية مقاله: “ها قد حَلّ صديقنا الأميركي العزيز ضيفاً علينا، وبمجرد وصوله عاد أمل السلام مرة أخرى لدى قطاع كان قد يأس من تحققه. ولكن بكل أسف لا أساس لتحقيق هذا الأمل على أرض الواقع. وإن أي شخص يتوقع أن يقوم “دونالد ترامب” بفرض السلام على الإسرائيليين والفلسطينيين، أو أنه سيمسك بنتنياهو وعباس من قفاهما ويجبرهما على القبول بحل الدولتين، فيؤسفني أن أطلب منه أن يفيق من أحلامه. فهذا الأمر لن يحدث مع ترامب كما لم يحدث من قبل مع “باراك أوباما”، ليس لأنهما لم يريدا ذلك, ولكن لأنه لا يمكن فرض أمر كهذا على أحد، إذ إن الضغوط الخارجية لا يمكن أبداً أن تحل محل العملية السياسية، فالتاريخ يُنبئنا أن التغيير الدراماتيكي لا يأتي دائماً إلا بقرار ذاتي”.
ويضيف الكاتب الإسرائيلي أن “كل من يعول على ترامب أن يقوم بهذه المهمة الشاقة نيابةً عنا، فهو يعيش في الأوهام. وهذه الطريقة في التفكير, التي تجعل الأمور كلها مرهونة بالضغوط الخارجية، تعكس مدى اليأس من السياسة الإسرائيلية بل ومن الشعب الإسرائيلي بدرجة أكبر. إن هذه الطريقة في التفكير تبث روح اليأس، التي يترتب عليها أقوال من قبيل: “لم تعد تتوافر فرص للسلام، كما أن اليمين المتطرف سيظل يحكم إلى الأبد، ولذا فإننا سننتظر المسيح المخلص القادم من واشنطن ليحقق لنا السلام”. دعوني أقول إن هذه حماقة بكل معنى الكلمة”.
التوسع الاستيطاني يثبت أنه لا أحد يستطيع الضغط على إسرائيل..
يعتقد “هوروفيتس” أنه ينبغي للجميع أن يدرك أن أي موقف أميركي أو أوروبي أو دولي، وأن أي ضغوط مهما كان حجمها، لن تفلح أبداً في التأثير على قرار الحكومة الإسرائيلية إذا كانت هي بنفسها لا ترغب في هذا الأمر، وقضية المستوطنات خير مثال على ذلك. إن كل الإدارات الأميركية من دون استثناء، بالإضافة إلى المجتمع الدولي بأسره، قد عارضوا بشدة – ولا يزالون – سياسة بناء المستوطنات، ولكن ذلك لم يردع جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1967 عن بناء مزيد من المستوطنات، ومنذ ذلك الحين تم بناء أكثر من 200 مستوطنة وبؤرة استيطانية رغم أنف العالم كله.
ويضيف أن “ترامب ومعاونيه أكدوا للحكومة الإسرائيلية مراراً على أن عليها تحجيم البناء الاستيطاني على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن شيئاً لم يتغير. فإذا كان الأمر سيقتصر على المطالبات الأميركية، دون أن تكون الحكومة الإسرائيلية مقتنعة بأمر كهذا، فليس على المستوطنين أن يقلقوا من أي شئ”.
القرار الذاتي هو الذي يصنع التاريخ..
يرى “هوروفيتس” أن كل العمليات السياسية الكبرى التي غيرت ملامح الخريطة الإسرائيلية بشكل كبير، لم تتم بفعل الضغوط الأميركية، وإنما تمت بقرار ذاتي من إسرائيل وجاراتها ووفقاً لمصالحهم. فيقول: “إن جميع القادة البارزين في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي – بداية من مناحم بيجن وأنور السادات، ومروراً بيتسحاق رابين وشمعون بيريز وياسر عرفات، وانتهاء بأريئيل شارون وإيهود باراك – لم يكونوا بحاجة ليسمعوا تهديداً من البيت الأبيض لأجل أن ينجزوا صفقات سياسية ضخمة. وقد قدم الأميركيون والأوروبيون الدعم والمال، ولكن الذين اتخذوا القرارات التاريخية هم أولئك الزعماء. وقد فعلوا ذلك أحياناً بالمخالفة التامة للمزاج الشعبي والرأي العام في بلادهم، لأنهم قد خلصوا إلى نتيجة مفادها أن هذا هو الأفضل لشعوبهم، وبعد أن تم كل شئ، ليست الشعوب فقط هي التي سارت وراءهم، وإنما العالم أيضاً”.
على الشعوب أن تتحرك لصناعة السلام..
يؤكد الكاتب الإسرائيلي على أن تكريس الاحتلال وسحق الديمقراطية والقضاء على فرصة حل الدولتين، يعتبر إضراراً هائلاً بالمصالح الإسرائيلية. كما أن التحكم في مصير ملايين الفلسطينيين على مدى سنوات طويلة، هو أمر غير أخلاقي لأقصى درجة، وهو يضر بالدولة القائمة بالاحتلال تماماً كما يضر بالشعب الواقع تحت الاحتلال. إن ملايين الإسرائيليين وملايين الفلسطينيين هم مَن يجب عليهم تسوية أمورهم في هذا الجزء الصغير من الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، وهي اليوم خاضعة كلها بطريقة أو بأخرى لسيطرة إسرائيل.
نتنياهو لا يريد السلام..
يقول “هوروفيتس”: “إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يريد التوصل إلى حل سياسي، فبعد سنوات من الجمود الكامل يمكنني القول بثقة إن الخطاب الذي ألقاه في جامعة بار إيلان في حزيران/يونيو 2009 وألتزم فيه بحل الدولتين، كان كلاماً فارغاً وعديم القيمة وذراً للرماد في العيون. أضف إلى ذلك أن شركاء نتنياهو السياسيين في الحكومة لا يريدون حلاً سياسياً، حتى لا يضيع مستقبلهم السياسي”.
الحل في الإطاحة بالحكومات اليمينية..
ختاماً يعتقد الكاتب الإسرائيلي أن “الولايات المتحدة يمكنها أن تساعد وتشجع، وقد تضغط قليلاً على هذا الطرف أو ذاك، ولكنها لا تستطيع ولا تريد أن تحل محل الحكومة الإسرائيلية، فهذه مشكلتنا نحن، ومن يريد ضمان مستقبل إسرائيل، عليه أن يسعي لتغيير هذه الحكومة، وعلى الرغم من صعوبة هذا الأمر، إلا أننا قادرين على ذلك”.