29 يوليو، 2025 10:46 م

“هاأرتس” : أهالي الموصل يواجهون مرحلة جديدة من المعاناة

“هاأرتس” : أهالي الموصل يواجهون مرحلة جديدة من المعاناة

كتب – سعد عبد العزيز :

أوشكت حرب تحرير مدينة الموصل على الانتهاء, لكن معاناة السكان المحليين سوف تستمر لسنوات بسبب التداعيات الخطيرة التي خلفتها تلك الحرب. ولقد نشرت صحيفة “هاأرتس” الإسرائيلية مقالاً للكاتب “تسفي برئيل” تناول فيه المأساة الجديدة لأهالي الموصل حتى بعد تحرير المدينة من قبضة تنظيم “داعش”.

“داعش” يتبنى استراتيجية قتالية جديدة..

يقول “برئيل”: “لقد أوشك تحرير الموصل من هيمنة “داعش” على الانتهاء, وسارع رئيس الوزراء “حيدر العبادي” في الإعلان عن الانتصار وقام جنوده بالتقاط الصور التذكارية بجوار مسجد “النوري” الذي دمره “داعش”, لكن المعارك لازالت مستمرة. بل وما زالت هناك “جيوب” تابعة للتنظيم الإرهابي في مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار التي تحررت قبل عام ونصف, لكنها شهدت في الأسبوع الماضي نشوب معارك بين الجيش العراقي ومسلحي التنظيم”.

يضيف الكاتب الإسرائيلي أن مثل تلك المواجهات تقع باستمرار في العراق داخل بلدات صغيرة لكن وسائل الإعلام الغربية لا تهتم سوى بالأماكن ذات الدلالة الكبرى, مثل الموصل في العراق وكل من الرقة ودير الزور ودرعا في سوريا. وأي تحرير لمثل تلك المدن يُعد نصراً لقوى النور على قوى الظلام, وإنجازاً لسياسة الحرب على الإرهاب ومرحلة من مراحل دحر ذلك التنظيم الإرهابي, الذي أظهر استراتيجية قتالية جديدة في الشرق الأوسط, عندما حاول السيطرة على منطقة مترامية بهدف إقامة دولة إسلامية, ولقد نجح في ذلك جزئياً وبشكل مؤقت.

أهالي غرب الموصل: مرحلة جديدة من المعاناة..

يرى “برئيل” أن مئات الآلاف من أهالى الموصل يواجهون الآن مرحلة جديدة من معاناتهم. فبينما لا تزال المعارك في غرب الموصل على أشدها, فإن مئات الآلاف من المواطنين الذين فروا قادمين إلى الجزء الشرقي من المدينة التي تحررت قبل خمسة أشهر, لا يجدون لأنفسهم مأوى بل يقيمون في خيام مؤقتة أو بنايات تفتقر إلى الخدمات الأساسية. أما من يطلب منهم المأوى المؤقت في الإقليم الكردي المجاور فإنه يتعرض لسلسلة طويلة من التحقيقات والتحريات قبل السماح له بالانتقال إلى ذلك الإقليم, الذي لا يزار جزءاً من العراق. ومن يسلم من التحقيقات سيضطر لدفع مبالغ كبيرة تبلغ قرابة 400 دولار شهرياً مقابل الحصول على شقة سكنية صغيرة. ولا يوجد لهؤلاء فرص عمل, كما لا يحصلون على المخصصات المالية والمساعدات الإنسانية التي ترسلها المنظمات الدولية, ولا توجد مدارس لأبنائهم, وهم يتنظرون اللحظة التي سيعودون فيها إلى بيوتهم في غرب الموصل.

سكان شرق الموصل ليسوا في حال أفضل..

يؤكد الكاتب الإسرائيلي على أن سكان شرق الموصل ليسوا أفضل حالاً من أهالي غربها. وحقيقة فإن وزارة التعليم العراقية قد أعلنت أنها أعادت تشغيل كثير من المدارس وأن أكثر من 350 ألف نازح قد عادوا إلى منازلهم, وأن شبكات مياه الشرب والكهرباء بدأت تعود للخدمة تدريجياً. إلا أن عودة الحياة إلى طبيعتها في الجزء المحرر سيحتاج إلى سنين. كل ذلك في ظل تهديد اندلاع حرب هيمنة على المدينة بين الأكراد وقوات الجيش أو الميليشيات الشيعية التي تعمل بتوجيهات إيرانية.

وليس هناك حتى الآن تقديرات رسمية بشأن حجم الدمار أو أعداد الشقق السكنية التي ينبغي إعادة إعمارها, ولكن سكان الموصل يمكنهم أن يتعلموا الدرس من إعادة الإعمار في الرمادي. فهناك أكثر من 90 ألف شقة سكنية طالها التدمير في تلك المدينة الصحراوية. وكانت الحكومة قد وعدت بتقديم المنح والقروض لإعمارها لكن كثيراً من الوعود لم تتحقق, لذا بدأ السكان مؤخراً يُعيدون إعمار مساكنهم بأنفسهم.

هناك من حالتهم أسوأ.. 

بينما يلفت “برئيل” إلى أن الأُسر الأسوأ حظاً هي التي تُتهم بالتعاون مع “داعش”. فعلى مسافة 10 كيلو متر تقريباً من مدينة “تكريت”, تم قبل خمسة شهور إنشاء مخيم لاجئين من نوع خاص, حيث يضم الأُسر التي تنتظر إذن العودة لمنازلها. وبعضها مُعتقل للتحقيق والبعض الآخر فقد الأباء أو الأبناء الذين التحقوا بصفوف “داعش” وقُتلوا في المعارك, وكثير منهم اضطُروا للتعاون مع التنظيم حتى ينجوا من الإعدام. ولكن السلطات لا ترأف بالظروف التي مرت بها كل أسرة, فالجميع عندهم مُتهم أو مُدان.

وكل تلك الأسر ممنوعة من العودة إلى منازلها قبل انقضاء عشر سنوات بتهمة التعاون مع “داعش”. وتعيش تلك الأسر في مُخيم كأنه سجن فلا يُسمح لأحد بالدخول إلا لممثلي المنظمات الإغاثية أو من يحملون تصريحات خاصة, وليس هناك قرار أو خطة حتى الآن بشأن مصير تلك الأُسر, التي رغم معاناتها الإنسانية فهي ليست الاسوأ حالاً, لأنها على الأقل تجد مأوى من القماش وصنابير مياه الشرب الجماعية, بينما هناك آلاف الأسر العراقية غرب الموصل لا تضمن إن كان سيُكتب لها النجاة من المعارك الحالية ضد “داعش”.

في الختام يشير الكاتب الإسرائيلي إلى أن الاحتشاد الدولي لمحاربة “داعش” هو في الحقيقة لا يتجاهل المأساة التي تخلفها تلك الحرب – فهناك جهد مشكور تبذلة منظمات إغاثية, وهناك مساعدات من الأمم المتحدة – لكن كل ذلك مجرد عمل محدود ومؤقت لا يحمل أي التزام مستقبلي, اعتقاداً من أن العراق بلد غني سيمكنه تمويل إعادة الإعمار. لكن هذا الاعتقاد لا يبعث على الطمأنينة في نفوس النازحين من أهالي الموصل أو تكريت أو الفلوجة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة