وكالات – كتابات :
رغم أن الانتخابات التشريعية العراقية الأخيرة التي جرت في لحظة: “كآبة وغضب” عميقين؛ إزاء الطبقة السياسية السائدة، وشهدت الإقبال الأدنى من الناخبين على صناديق الاقتراع، إلا أن ثمة أسباب تدعو للتفاؤل، خاصة من خلال فوز عدد من الشخصيات المرتبطة بالحركة الاحتجاجية والساعية للحد من الفساد، وهو ما قد يُمهد لنشوء تغيير تدريجي في “العراق”.
مجلة (فورين آفيرز) الأميركية، سلطت الضوء، في تقرير لها؛ على رفض العديد من العراقيين التصويت إنطلاقًا من قناعتهم بأن الانتخابات؛ منذ الإطاحة بالنظام العراقي السابق؛ لم تُعمق الديمقراطية بل عززت النظام السياسي الفاسد السائد.
بارقة أمل وسط محيط محبط !
وذكر التقرير الأميركي، رغم أن المجتمع الدولي، بما في ذلك “الولايات المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي” و”الأمم المتحدة”: “استثمروا ملايين الدولارات في محاولة لزرع الثقة في الانتخابات؛ إلى جانب المؤسسات والقادة الدينيين؛ مثل: علي السيستاني، وحمل العراقيين على التصويت، إلا أن العديد من العراقيين ما زالوا محبطين بشكل كامل وغير مهتمين بالخيارات الانتخابية المعروضة عليهم”.
لكن (فورين آفيرز)، وفي تقريرها، اعتبرت أن: “الانتخابات العراقية توفر بعض أسباب التفاؤل، حيث فاز عدد قليل من الأحزاب والشخصيات السياسية المرتبطة بالاحتجاجات الشعبية الضخمة، في العام 2019، بمقاعد في البرلمان الجديد، وهم يتشاركون في عدم الثقة بالنظام السياسي العراقي ونفاد صبرهم ويسعون للحد من الفساد المتفشي الذي خلق نخبة حاكمة ضيقة”.
وأضاف التقرير، أن: “هذا التحالف الذي يزدهر بين جماعات سياسية ذات عقلية إصلاحية؛ يعكس احتمالية حدوث تغيير تدريجي على الأقل في العراق”، مستدركًا: “قمع الحركات الاحتجاجية من جانب الدولة والميليشيات، خلال العامين الماضيين، حقق النتيجة المرجوة”.
وتابع: “إذا كان العديد من العراقيين، في العام 2018، يشككون في أن أصواتهم يمكن أن تُحدث التغيير، فإن عراقيين كُثر في العام 2021؛ أصبحوا يخشون أن الاحتجاجات ليست قادرة على إحداث التغيير؛ ولا تُحقق مردودًا سوى الانتقام العنيف”.
نواب “الحراك الشعبي”..
ورغم إشارة التقرير، إلى أن المشاركة المتدنية في انتخابات 2021؛ عكست: “الشعور بالاستقالة السائد في المجتمع العراقي”، إلا أنه لفت إلى أن: “أداء الأحزاب والقادة السياسيين الجدد، الذين خرجوا من احتجاجات السنوات الأخيرة؛ كان جيدًا بشكل مفاجيء”.
ونوه التقرير الأميركي، إلى فوز حركة (امتداد)؛ المنبثقة من الحركة الاحتجاجية في مدينة “الناصرية”، بقيادة “علاء الركابي”، بتسعة مقاعد، وهو شخصيًا حصل على ثالث أكبر عدد من الأصوات لأي مرشح فردي.
كما أشار التقرير، إلى جماعات أخرى متأثرة بالاحتجاج حققت نجاحًا جيدًا، بما في ذلك: (إشراقة كانون)، الذي فاز بستة مقاعد، وحركة (الجيل الجديد)؛ التي فازت بتسعة مقاعد، وهو حزب نشأ من رحم الاحتجاجات في “إقليم كُردستان”، وبالإضافة إلى ذلك ترشح العديد من النشطاء المشاركين في الاحتجاجات في جميع أنحاء “العراق”؛ كمستقلين، وفازوا بمقاعد.
جبهة معارضة..
واعتبر التقرير أن: “بإمكان هذه المجموعات والشخصيات أن تُشكل شريحة مهمة في البرلمان الجديد”، مضيفًا أن هذه المجموعات والشخصيات تقول إنها لن تُشارك في صفقات المساومة وتقاسم المنافع المعتادة التي تتم بعد الانتخابات، حيث تتجاذب الأحزاب مفاوضات تقاسم خزائن الدولة، وأن هذه القوى الجديدة ستستخدم مقاعدها لتشكيل معارضة للإجماع الحاكم.
وتابع التقرير أن: “شيئًا لم يكن موجودًا في الواقع في تاريخ العراق الحديث؛ يظهر ويتمثل بمعارضة من داخل البرلمان”، وأنه بدلاً من حكومات الوحدة الوطنية المعتادة، التي تجمع كل الأطراف، فإن هؤلاء النواب الجدد يسعون إلى تشكيل كتلة كبيرة يمكن أن تُمثل أولئك العراقيين الذين لا يستفيدون من شبكات المحسوبية القائمة.
وأوضح التقرير أنهم: “إذا تمكنوا من البقاء ككتلة متماسكة، خلال السنوات الأربع المقبلة، فإنهم يراهنون على الفوز بمزيد من الأصوات وبناء كتلة معارضة أكبر في الانتخابات المقبلة، مما يُثير احتمال تحقيق قدر أكبر من المحاسبة والإصلاح التدريجي الآتي من داخل النظام”، مضيفًا أن هذا كان بمثابة احتمال العديد من العراقيين استسلموا من إمكانية تحقيقه.
معركة شاقة..
واعتبر تقرير (فورين آفيرز)، أن “معركة شاقة” تنتظر هذا التحالف بين الأحزاب المرتبطة بالحركة الاحتجاجية، مذكرًا على سبيل المثال بما جرى مع حركة (كوران)، في “إاقليم كُردستان”، وما جرى مع (تحالف العراقية)، الذي تألف من خليط من أحزاب علمانية، (سُنية وشيعية)، في انتخابات العام 2010، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى السلطة، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء، “نوري المالكي”، نجح وقتها في إغراء المنشقين من أجل الانسحاب.
وخلص التقرير إلى القول إن: “المحاولة الجديدة لتكرار هذه المقاومة للنظام السياسي السائد، ستواجه اليوم تحديات مشابهة، مشيرًا إلى أن التحالف ليس موحدًا بشكل كبير، وهو في حالة تعارض مع المصالح الراسخة لـ (إجماع النخبة)”، مضيفًا أن “مقتدى الصدر” و”نوري المالكي”؛ وغيرهما من حاملي لواء المؤسسة الحاكمة؛ سينحون خلافاتهم جانبًا مرة أخرى لتشتيت واحتواء المنافسين الجدد.
ونوه التقرير إلى أن: “النخب السياسية (القديمة) ستتفق في نهاية الأمر على إحباط قوى الاحتجاج التي تُمثل تهديدًا وجوديًا جديدًا للنظام الحالي”، مشيرًا إلى أن: “النخب الحاكمة تتمتع بالخبرة في تقسيم وتهديد وإسكات مثل هذه التهديدات، في حين أن النواب المنتمين إلى الحركة الاحتجاجية ليسوا جزءًا من كتلة متجانسة، وهم جدد على السياسة، في حالات كثيرة”.
خطر الإنقسام..
ورأى التقرير أن قدرة هؤلاء: “ستكون محدودة على إحداث تغيير في البرلمان الذي يميل ضدهم، فيما أن عدم قدرتهم على إحداث التغيير سيؤثر عليهم في الدورة الانتخابية المقبلة”، مضيفًا أنهم معرضون في بعض الأحيان أيضًا إلى خطر الانقسام، وهناك احتمال أن يخسروا الثقة التي منحهم إياها العديد من العراقيين المصابين باليأس.
لكن التقرير وجد أيضًا أن من: “أفضل السيناريوهات”، تتمثل في أن هؤلاء النواب في البرلمان سيستمرون في العمل كمجموعة متماسكة مع الحفاظ على العلاقات مع المجتمع المدني والحركات الاحتجاجية وبناء العلاقات مع الإصلاحيين داخل الحكومة العراقية.
وختم التقرير، بالإشارة إلى أن: “بعض العراقيين يتطلعون إلى أحزاب الحركة الاحتجاجية، بأمل في حدوث الإصلاح التدريجي، لكن النظام السياسي سيسعى جاهدًا لضمان استمرار الوضع الراهن”.