خاص : كتبت – آية حسين علي :
هناك سنوات عُرفت في سجلات التاريخ بالحراك الشعبي الكبير الذي حدث خلالها، أبرزها الأعوام 1848، و1917، و1968، و1989، ومن المؤكد أن التاريخ سوف ينظر إلى، عام 2019 المنقضي، بأنه علامة فارقة في تاريخ الثورات، إذ شهد عدد كبير من الثورات في بلدان مختلفة من العالم، بعضها لا يزال مستمرًا والبعض الآخر وصل إلى طريق مسدود.
وبداية من “السودان ولبنان والعراق ومالطا وإسبانيا وفرنسا وهونغ كونغ وتشيلي وفنزويلا وبوليفيا والهند” حتى “روسيا والجزائر وإيران”، خرج الآلاف من المواطنين بأهداف معينة وطموحات كثيرة، وتمكنت بعض المحاولات من تحقيق نجاحًا سواء ظاهريًا أو حقيقيًا؛ بينما البعض الآخر طال أمده أو أُجهض أو ألتفت عليه أطراف أخرى؛ فيما لا يزال هناك آمالًا كبيرة تعلق على بقاء الشوارع مليئة بالمحتجين.
عدوى الثورات..
من المدهش أن هذه الاحتجاجات خرجت في مناطق بعيدة من العالم، الأمر الذي حير الخبراء بشأن المحرك الأساس لها، ولم يتمكن أحد من تحديد نقاط مشتركة بينها، بينما شبهت صحيفة (فايننشيال تايمز) الأميركية، عدوى التظاهرات خلال العام المنتهي؛ بما حدث فيما سُمي بـ”الربيع العربي”، خاصة عند الإشارة إلى الثورات التي اندلعت في منطقة الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، إذ انتقلت العدوى من دولة إلى دولة بسهولة وسرعة.
وتمكنت بعض الاحتجاجات من التوصل إلى نتيجة، فبعد أشهر من الاحتجاجات المستمرة أُطيح بالرئيس السوداني السابق، “عمر البشير”، بانقلاب عسكري، وبالجزائري، “عبدالعزيز بوتفليقة”، بعدما تمكنا من التمسك بالسلطة لعقود، كما أطاح المحتجون برئيس وزراء لبنان، “سعد الحريري”، في تشرين أول/أكتوبر، وفي الشهر التالي له أُضطر رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، إلى تقديم استقالته أمام غضب الشارع.
من بين الثورات التي رصدتها أعين الخبراء بدقة؛ ما شهده “العراق” و”إيران”، إذ عرف الحراك بهما مستويات عالية من العنف من جانب قوات الأمن ونتج عنها مقتل المئات وإصابة الآلاف، وكان رفض النفوذ الإيراني هو كلمة السر وراء خروج المظاهرات في “العراق”، بينما احتج الإيرانيون من أجل المطالبة بالحصول على حقوقهم المسلوبة في ظل “الجمهورية الإسلامية”.
أسباب اقتصادية وسياسية وأخرى لا تعاطف معها..
في بعض الأحيان كانت أسبابًا اقتصادية هي شرارة المظاهرات؛ فعلى سبيل المثال في “تشيلي” كان قرار رفع أسعار “تذاكر المترو” هو القشة التي أدت إلى خروج الآلاف، وفي “لبنان” أدى خروج تسريبات حول إعتزام الحكومة فرض ضرائب على المكالمات التي يجريها المواطنون باستخدام تطبيق (واتس آب) إلى تأجج الغضب فخرج الآلاف للاحتجاج، وفي “إيران” خرج المتظاهرون للاعتراض على زيادة “أسعار الوقود” وارتفاع “أسعار المواد الغذائية”، بينما وجدت أسباب أخرى مثل رفض الفساد أو الاعتراض على عدم المساواة في الحقوق، وكلها أمور لا تحظى بتعاطف النخبة السياسية.
ثورة بدون قيادة..
من الأمور التي راقبها المحللون بكثير من الاهتمام، خلال العام المنصرم، أيضًا فكرة وجود ثورات “بدون قائد”، وأرجع بعضهم هذه الظاهرة إلى تراجع ثقة الشعوب في الأحزاب والنخب السياسية، بينما أشارت (التايمز) إلى أن عدم وجود قيادة لكثير من الثورات ربما يكون السبب وراء فشلها في تحقيق أهداف ملموسة، لافتة إلى أن بعض الثورات استمرت رغم الإطاحة بالحكومة؛ مثل “الجزائر”.
وأمام قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على دعم المتظاهرين، من خلال إتاحة إيصال أصواتهم إلى العالم، قامت بعض الدول بفرض حصار على “الإنترنت”، منها “العراق والهند وإيران”، لمنع المتظاهرين من توثيق الجرائم التي تُرتكب في حقهم وجذب المزيد من المواطنين للمشاركة في الحراك.
وحتى الآن؛ لا يزال مصير كثير من الثورات غير معلوم، فلا يعرف أحد في أي محطة سوف يتوقف “العراق”، وإلى أي مصير سوف تصل “إيران” و”لبنان”، أو هل سوف تتوقف الاحتجاجات في “الجزائر” بعد فوز، “عبدالمجيد تبون”، في الانتخابات، بينما تظل عدة دول في “أميركا اللاتينية” في حالة غليان دون أن يأتيها ما يهديء غضب شعوبها، ومع ذلك ربما يحمل عام 2020 إنفراجة كبيرة في كثير من الأزمات التي شهدها العالم خلال العام السابق له.