وكالات- كتابات:
في وقتٍ تُخنّق فيه “غزة” تحت وطأة التجويع والحصار ودوامة القصف المتواصل، انطلقت في “إقليم كُردستان العراق” واحدة من أوسع حملات التبرع الشعبية لمسَّاندة الشعب الفلسطيني بالقطاع الفلسطيني؛ نقلتها الشاشات ومنصات التواصل الاجتماعي.
وتولّت منظمات خيرية محلية؛ بينها (بخشین) و(بختوري) و(الرابطة الإسلامية) تنسيّق جهود جمع التبرعات وتحويلها إلى دعم حقيقي على الأرض.
فقبل تشدّيد الحصار؛ في آذار/مارس الماضي، نجحت هذه الجمعيات في إرسال طرود غذائية ودوائية عبر مؤسسات وسيّطة في المناطق الحدودية، وهي تُقدم الدعم اليوم عبر الحوالات المالية بالتنسيّق مع جمعيات إنسانية داخل القطاع.
وفي “أربيل”؛ يقول “حاجي كاروان”، رئيس منظمة (بختوري) الخيرية، التي جمعت نحو: (06) ملايين دولار منذ بدء العدوان الإسرائيلي على “غزة”، إن حجم التفاعل الشعبي فاق كل التوقعات، سواء في قيمة التبرعات أو تنوع مصادرها.
مسَّاهمات متنوعة..
ويُشير “كاروان”؛ إلى أن المسَّاهمات جاءت من مختلف فئات المجتمع: “فقد تبرع فلاحون بعائدات محاصيلهم، وباع شباب سياراتهم، وسجناء شاركوا بما لديهم، كما قدم البعض أقل من دولار واحد مقابل متبرع واحد قدم مئة ألف دولار، وأرملة تبرعت بخاتم زوجها المتوفى، في مشاهد إنسانية بالغة التأثير”.
ويُضيف أن التبرعات اليومية – التي تصل أحيانًا إلى: (30) ألف دولار – مكّنت المنظمة من تنفيذّ مشاريع إيواء وتوزيع وجبات غذائية في “غزة”، بينها إنشاء مخيَّمين للنازحين باسم: (أحفاد صلاح الدين)، يضم أحدهما أكثر من: (250) خيمة، إضافة إلى مساجد مؤقتة وشبكات مياه بالتعاون مع “بلدية غزة”.
أما المتبرع؛ “حاجي محمد خوشناو”، فيوضح أن شعوره بالمسؤولية الأخلاقية أمام المأساة الإنسانية في “غزة” كان دافعه الأول للتبرع، مؤكدًا أن التفاعل الشعبي جاء بدافع الضمير لا السياسة.
تجارب سابقة..
ويُضيف “خوشناو”؛ أن تضامن الكُرد مع “غزة” يتجاوز الدين إلى مشاعر إنسانية مرتبطة بتجاربهم السابقة مع الحصار والاضطهاد.
وردًا على انتقادات بعض الأصوات التي طالبت بتوجيه الأموال لفقراء “كُردستان” أولًا، يقول “خوشناو” إن التضامن مع “غزة” لا يتعارض مع دعم الداخل، مشيرًا إلى أن هذه الحملة جمعت مكونات المجتمع الكُردي على موقفٍ موحد، مما شجعه على المساهمة.
ومن جانبه؛ أفاد “رحيم حاجي خضر”، أحد وجهاء عشيرة (نورديني)، بأن العشيرة جمعت نحو: (100) مليون دينار عراقي؛ (الدولار الأميركي يساوي: 1405 دنانير).
ويقول إن مشاهد القصف والمعاناة حرّكت ضمائر الناس، مؤكدًا أن التبرعات نابعة من قناعة داخلية وليست استعراضًا إعلاميًا، وأن واجبهم الأخلاقي يُحتم عليهم الوقوف مع أي مظلوم، خصوصًا من لا يجد قوت يومه.
تفاعل واسع..
وشهدت محافظات: “أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة”، تفاعلًا واسعًا، خصوصًا بين الشباب وطلبة الجامعات الذين نظّموا حملات مستقلة وأخرى بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، كما شاركت المساجد في إطلاق مبادرات تبرع عقب صلاة الجمعة ركزت على الدعم النقدي.
ويؤكد الدكتور “محمد شيخ لطيف”؛ مسؤول العلاقات في منظمة (بهخشین)، أن الحملة استقطبت مختلف شرائح المجتمع، حتى الأطفال والمرضى والفقراء، وبعضهم تبرع بممتلكاته الشخصية، في مشاهد إنسانية مؤثرة.
ورُغم هذه الجهود؛ يتفق القائمون على الحملات أن الكارثة الإنسانية في “غزة” تتجاوز إمكانيات الأفراد والمنظمات. ويقول “شيخ لطيف”: “نُحاول توفير وجبة يوميًا لبعض الأسر حتى لا يموتوا جوعًا، لكن المجاعة في غزة أعمق وأخطر، ولا يُمكن إنهاؤها بالمبادرات الفردية فقط. وهناك حاجة ملحة لتدخل الدول الإسلامية والمجتمع الدولي قبل أن تكون العواقب كارثية”.
ويُشير “كاروان” إلى أن منظمته توثق كل عملية تحويل بالأرقام والفيديوهات وتنشر تقارير دورية على منصات التواصل لضمان الشفافية، لكنه يُقر بصعوبة التحديات في ظل القصف المستمر ونقص الموارد لدى الشركاء المحليين.
ويرى مراقبون أن هذه المبادرات، التي جمعت بين التبرعات الفردية والحملات العشائرية والمواقف الوجدانية، تعكس نزعة إنسانية تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، وتؤكد قدرة المجتمعات المحلية على إحداث فارق حين تتحرك بدافع الضمير والمسؤولية الأخلاقية تجاه قضايا الأمة الإسلامية.