21 أغسطس، 2025 10:33 م

“ناشيونال إنترست” تُجيب .. لماذا لا تقدم “واشنطن” على إسقاط نظام الحكم في “طهران” ؟

“ناشيونال إنترست” تُجيب .. لماذا لا تقدم “واشنطن” على إسقاط نظام الحكم في “طهران” ؟

وكالات – كتابات :

لن يكون النجاح مضمونًا لخيار تغيير النظام بالقوة في “إيران”، حسب ما جاء في تقرير للكاتب، “روبرت فارلي”، نشرته مجلة (ناشيونال إنترست) الأميركية، لأول مرة منذ بضع سنوات وأعادت نشره، وفي بدايته أبرز الكاتب الفكرة الرئيسة في تقريره فيقول: من غير المُرجح أن ينجح تغيير النظام في “إيران”، وإن حدث فسيؤدي على الأرجح إلى تفاقم المشكلات التي جاء التغيير لحلها.

خيار تغيير النظام..

يقول “فارلي” إن “خطة العمل الشاملة المشتركة” قد ماتت ووُرِيت الثرى، على الأقل من وجهة نظر إدارة “ترامب”. ويُمثل ذلك تحركًا في الاتجاه الصحيح في عيون منتقدي “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وينبغي أن يكون هدف سياسة “الولايات المتحدة” مُنصبًّا على إنهاء “الجمهورية الإسلامية” وإسقاط النظام الحالي في “طهران”.

وما دام هذا النظام قائمًا، مهما قيَّدَته الاتفاقات الثنائية والاتفاقات المتعددة الأطراف، فإنه سيسعى إلى تقويض استقرار النظام في الشرق الأوسط بالوسائل العسكرية الصريحة والملتوية. ويتبنى هذا الموقف في “الولايات المتحدة” شخصيات مثل: “مارك دوبويتز”؛ من “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، وصناع السياسة مثل: السيناتور “توم كوتون”. كما يُشارك البعض في الشرق الأوسط الرغبة في تغيير النظام، بما في ذلك عناصر مهمة من المعنيين بالأمن القومي في دولتي “إسرائيل” و”السعودية”.

ولكي يكون الطرح منصفًا، دعا قليل من هذه الأصوات إلى شن حملة عسكرية للإطاحة بـ”الجمهورية الإسلامية”، وبصورةٍ عامةٍ ولسبب وجيه، هناك احتمال ضعيف لنجاح هذه الحملة العسكرية، ونزعة واهنة لدفع التكاليف اللازمة لهذا النجاح. ومع ذلك، فإن الأمر يستحق تقييم ما قد تبدو عليه الحرب من أجل تغيير النظام. ولا شك أن قرار إدارة “بوش”؛ بالإلتزام بتغيير النظام في “العراق” ساعد في اندلاع الحرب، حتى ولو لم تكن الحرب هي المقصد في البداية. وإذا إلتزمت إدارة “ترامب” على نحو مماثل بتغيير النظام، فإن الحرب قد تأتي عاجلًا أم آجلًا.

الغزو..

وأوضح الكاتب أن غزو “إيران” وفرض الشروط على “طهران” المحتلة؛ يُمثل إحدى السُبل لتغيير النظام. غير أن “الولايات المتحدة” ستبذل جهدًا مضنيًا من أجل الإطاحة بنظام “طهران” بقوة السلاح مباشرةً، إذ تفتقر “الولايات المتحدة” إلى القواعد الإقليمية المطلوبة لبناء القوات اللازمة لغزو “إيران”، وتدمير قواتها المسلحة، وتفكيك النظام الثوري في “طهران”، ومن ثم السيطرة على البلاد نيابةً عن حكومة جديدة أكثر إذعانًا.

ويمكن تصور انتشار الجيش الأميركي في “العراق”، (دولة الجوار لإيران)، ولكن من المُرجح أن يتطلب ذلك حربًا أخرى لتغيير النظام ضد حكومة “بغداد” الحالية. وبدلًا من ذلك، يمكن لـ”الولايات المتحدة” تخفيف بعض المتطلبات الأساسية عن طريق الدخول القسري البرمائي إلى “إيران”. وهذا من شأنه أن يجعل قوات “الولايات المتحدة” مكشوفة تمامًا أمام ترسانة “طهران” من الصواريخ (الباليستية)، ومن المُرجح في الوقت نفسه أن تتكبد تلك القوات خسائر فادحةً للغاية. وعلاوةً على ذلك، لن يحل هذا مشكلة احتلال البلد بعد هذا الصراع.

تضييق الخناق..

يُلفت “فارلي” إلى أن أحد الانتقادات الأساسية لـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، من دعاة تغيير النظام؛ هو الحجة القائلة إن نظام العقوبات الذي فرضته “الولايات المتحدة” كان من الممكن أن يؤدي في النهاية إلى إنهيار “الجمهورية الإسلامية”. ولذلك، من المُرجح أن تُركز أي حملة عسكرية لتغيير النظام على تقويض الاستقرار الاقتصادي لـ”إيران”، على أمل إحداث استياء شعبي وثورة مضادة. وبدلًا من الغزو، من المحتمل أن تُحاول “الولايات المتحدة” تحفيز إنهيار النظام من خلال سياسة تضييق الخناق العسكرية والاقتصادية، بقيادة الضربات الجوية وضربات صواريخ (كروز) البحرية والاستخدام النشط لقوات العمليات الخاصة.

وقد تميل حملة تضييق الخناق الاقتصادية بشدة إلى مجموعة الأدوات المالية والتجارية لـ”الولايات المتحدة” من أجل الحد من تجارة “إيران” مع بقية العالم. ومع ذلك، ونظرًا لأنه من المحتمل أن يكون عدد قليل من الشركاء الدوليين متحمسين للحملة، فمن المحتمل أن تتضمن بعض التدابير الحركية المصممة لمنع عبور الشحنات من “إيران” وإليها، وخاصةً المعدات التقنية الحسَّاسة.

وأوضح الكاتب أن المراحل الأولى من الحملة ستستهدف البنية التحتية العسكرية الحالية لـ”إيران”، بما في ذلك القواعد الجوية والقواعد البحرية ومنشآت الصواريخ (الباليستية). وستُلحِق هذه الهجمات أضرارًا كبيرة، على الرغم من الدفاعات الجوية الإيرانية الحالية، والتي ستتعرض أيضًا للهجوم. وستعانِي القوات البحرية والجوية الإيرانية معاناةً كبيرة، وستؤدِّي الضربات الواسعة النطاق أيضًا إلى خسائر فادحةً في القوات الصاروخية الإيرانية.

ومن المفترض أن يوفر حلفاء “الولايات المتحدة” في الخليج، الدعم الأساس لتلك الهجمات، بما في ذلك “السعودية”، على الرغم من أن استعداد السعوديين لرعاية حملة عسكرية طويلة الأمد ضد “إيران” موضع شك مؤكد.

وفي حين أن الهجمات على البنية التحتية العسكرية والسياسية الإيرانية ستُسبب أضرارًا جسيمةً، فإن هدف “الولايات المتحدة” سيكون تقويض الدعم المحلي للحكومة الإيرانية. وتحقيقًا لهذه الغاية، يمكن لـ”الولايات المتحدة” أن تستهدف الاقتصاد الإيراني، لا سيما المنشآت النفطية والبنية التحتية للنقل. ويمكن لمثل هذه الهجمات أن تدمر صناعة النفط الإيرانية على نحوٍ فعَّال، على الأقل على المدى القصير، وتسبب أضرارًا اقتصادية خطيرة لـ”الجمهورية الإسلامية”، (ناهيك عن شركائها التجاريين).

ومع ذلك، فإن الهجمات ضد أهداف صناعية واقتصادية مدنية من شأنها أن تتعارض مع سياسة “الولايات المتحدة” وقانون النزاعات المسلحة. ويمكن لـ”الولايات المتحدة” أن تُجادل بأن البنية التحتية الاقتصادية الإيرانية تُمثل هدفًا عسكريًّا مشروعًا بسبب سيطرة الدولة الإيرانية والنخبة العسكرية على البنية التحتية للنقل، ولكن هذا الطرح سيكون من الصعب تسويقه للعالم، وخاصةً مع ارتفاع الخسائر بين المدنيين.

ومع ذلك، استهدفت “الولايات المتحدة” بنجاح البنية التحتية النفطية لـ (داعش) خلال الحملة الجوية الأخيرة. وسمح ذلك بتدمير مرافق نفط (داعش)، فضلًا عن أصول النقل مثل الشاحنات التي تحمل صهارِيج.

وستجري هذه الحملة بالتنسيق مع الدعم القوي من الجماعات الإيرانية المناهضة للحكومة، مثل الجماعات المرتبطة بـ (مجاهدي خلق) في “إيران”. ويشمل ذلك نقل الأسلحة والاستخبارات والتدريب إلى أي قوات مقاومة متاحة، فضلًا عن تجنيد قوات جديدة، ربما في “كُردستان”.

ومع ذلك، فإن بناء قوة برية قادرة على الصمود سيستغرق وقتًا طويلًا. وبدون قوة برية كبيرة لإجبار وحدات الجيش الإيراني على الانتشار والمناورة، سيكون من الصعب على الهجمات الجوية الأميركية أن تقوض بفاعلية القدرات الأرضية الإيرانية. وعلاوةً على ذلك، من المُرجح أن ينتشر عديد من وحدات الجيش و(الحرس الثوري) الإيراني في المناطق الحضرية، لتقويض احتمالات الاضطرابات الداخلية ولتجنب الهجمات من خلال الاختلاط بالمدنيين.

رد الفعل الإيراني..

وتطرَّق الكاتب إلى رد الفعل الإيراني، لافتًا إلى أن “إيران” تمتلك مجموعة من الخيارات للرد على هجمات “الولايات المتحدة”؛ ومن ذلك أن “إيران” بإمكانها أن تضاعف جهودها لزعزعة استقرار “العراق” و”أفغانستان”؛ باستخدام الوكلاء وشحنات الأسلحة. وبالمثل، يمكن أن تُحاول تحريض وكلائها في المنطقة لمهاجمة حلفاء “الولايات المتحدة”.

وكذلك يمكن لـ”إيران” استخدام أسطولها الواسع من الصواريخ (الباليستية) لمهاجمة قواعد “الولايات المتحدة” والسفن والمنشآت العسكرية والاقتصادية لحلفاء “الولايات المتحدة”، على الرغم من أن هذه القوة الصاروخية ستُمثل أصلًا متراجعًا مع انخفاض أعدادها بمرور الوقت. ولكن يمكن على الأرجح أن تنتظر “إيران” ببساطة، وفقًا لمنطق أن الرأي الدولي ضد الحملة الأميركية سوف يتشكل بثبات إلى أن تصبح “واشنطن” عاجزةً عن الحفاظ على الاستمرار في عدوانها.

الاستنتاج..

يستبعد “فارلي” في خلاصة مقاله؛ أن ينجح تغيير النظام، ويُرجِّح أن يؤدي إلى تفاقم المشكلات التي جاء لحلها.

أولًا: من المُرجح أن يؤدي أي هجوم ضد “إيران” إلى رد فعل قومي عنيف، مما يجعل الجمهور أكثر دعمًا للنظام على المدى القصير. ومن شأن الهجوم أيضًا أن يمكِّن النظام من فرض ضوابط اجتماعية واقتصادية أكثر قسوة. وقد تولِّد هذه الضوابط رد فعل عكسي عنيف بمرور الوقت، لكن ثورة مضادة ليست مؤكدة بأي حال من الأحوال.

ثانيًا: تفتقر “الولايات المتحدة” إلى دعم دولي واسع لحملة تغيير النظام. وحتى الحلفاء مثل: “السعودية وإسرائيل”؛ من المُرجح أن يتراجعوا عن التكاليف الطويلة الأجل التي ستُحدثها الحرب. ولن يدعم أيٌّ من: “روسيا” أو “الصين”، الحرب على الإطلاق، ومن المُرجح أن يتدخل كلاهما بطرق مصممة لتخفيف الضغط على “طهران”. وسوف يتفاعل الأوروبيون مع الرفض الشعبي الشديد، الأمر الذي قد يُجبر في النهاية القادة المتعاطفين في: “فرنسا والمملكة المتحدة” على النأي بأنفسهم عن “واشنطن”.

ثالثًا: من غير الواضح كيف سينتهي مثل هذا التدخل العسكري، إذ إن “الولايات المتحدة” تفتقر إلى الدعم الدولي للقيام بهذا النوع من الاحتواء العسكري المستخدم ضد “العراق”، خلال التسعينيات. وسيزداد التعاطف الدولي مع “إيران” بمرور الوقت، وهي حقيقة يفهمها قادة “إيران” بالتأكيد. وإذا لم تنهار “الجمهورية الإسلامية”، فسيتعين على “الولايات المتحدة” في النهاية إما الاعتراف بالهزيمة أو فتح الباب أمام تصعيد خطير.

وعلى الجانب الإيجابي، حتى لو فشلت الحملة في إزاحة حكومة “طهران”، فقد تتسبب في أضرار كبيرة طويلة المدى للبنية التحتية العسكرية والاقتصادية والعلمية لـ”إيران”، مما يُعيق طموحات “طهران” العسكرية في المنطقة. وربما تكون هذه النتيجة أكثر قبولًا لحلفاء “الولايات المتحدة” في الشرق الأوسط، الذين لا يقلقون كثيرًا بشأن احتمال إلزام “الولايات المتحدة” بصراع عسكري مفتوح مع “إيران”.

قد ينجح تغيير النظام، ولكن لا يوجد سبب وجيه للإعتقاد أن فرص مثل هذا النجاح كبيرة. وقد تُكبِّد الحرب “إيران” تكاليف جسيمة، ولكنها سوف تُلزم “الولايات المتحدة” أيضًا بتدمير “الجمهورية الإسلامية”، وهي العملية التي قد تستغرق عقودًا من الزمان، إذا نجحت على أية حال، حسب ما يختم الكاتب.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة