19 أبريل، 2024 11:38 ص
Search
Close this search box.

“نار بين رماد” تصريحات لاغارد حول إستثمارات الخليج.. وداعاً للرفاهية

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب – أحمد متولي :

في الثلث الاخير من شهر تشرين الاول/أكتوبر عام 2012، خرج الخبير الإقتصادي ورجل المال والاعمال البحريني “عبد اللطيف جناحي” بمقال نشرته له صحيفة “اخبار الخليج” البحرينية، يؤكد من خلاله أن إستثمارات العرب خارج بلادهم وصلت إلى 2 تريليون دولار أميركي “2000 مليار دولار”، فهل بضمن الخليجيون الحفاظ على مستواهم المعيشي مع هذا الحجم من الإستثمارات الخارجية اليوم؟

كانت رؤية “جناحي”، وقتها، ان ازمات الدول العربية متعددة ومتنوعة، ومن اهمها الازمة السياسية الناتجة عن غياب الديمقراطية بالإضافة إلي نمط التفكير الحكومي الطارد للإستثمار رغم القوة المالية التي يملكها العرب، ذاكراً معلومتين للقارئ الذي حمله حرية الإستنتاجات، مؤكداً “أن حجم إستثمارات العرب في الخارج بلغت 2 تريليون دولار اميركي، فيما بلغت الإستثمارات الخارجية لمواطني أهم دولة عربية مؤثرة وهي مصر 180 مليار دولار اميركي”.

اليوم.. ومع مرور أكثر من 4 سنوات على تلك التصريحات الصادرة عن شخصية إقتصادية معروفة خليجياً، حذرت مدير صندوق النقد الدولي “كريستين لاغارد”، من أن إستثمارات دول “مجلس التعاون الخليجي” بحاجة إلى منظومة ضريبية مناسبة في ظل إنخفاض أسعار النفط.

في السياق ذاته علقت “لاغارد”، خلال جلسة حوارية بالقمة العالمية للحكومات، التي إنطلقت يوم الأحد 12 شباط/فبراير 2017 بإمارة دبي، ان “إستمرار دول المنطقة في الإستثمار، وتوفير التمويل في ظل إنخفاض أسعار النفط، يفرض الحاجة إلى إيجاد منظومة ضريبية مناسبة ومنصفة”.

وداعاً للرفاهية

من المعروف ان إقتصادات الدول الخليجية تعتمد بشكل كبير على عوائد النفط، وتسعى جدياً إلى تنويع مصادر الدخل، خاصة بعد خسارتها جزء كبير من إيراداتها بسبب تراجع اسعار النفط عالمياً.

وتستعد الدول الخليجية الست لتطبيق ضريبة “القيمة المضافة” بنسبة 5% على السلع والخدمات، بإستثناء نحو 100 سلعة اساسية إبتداءً من عام 2018 بهدف تعزيز إيراداتها.

ويتوقع ان تبلغ إيرادات دول الخليج من تطبيق الضريبة على القيمة المضافة نحو 25 مليار دولار سنوياً، بحسب تقارير إقتصادية، لكن على حساب من؟.. بالتأكيد سيتحملها الخليجيون الذين إعتادوا حياة الترف ولم يتوقعوا يوماً ان ازمات إقتصادية ستلاحقهم.

“الضريبة الإنتقائية” ستطبق على المنتجات والسلع، التي تتسبب في أضرار على الصحة، ومنها مشتقات التبغ والمشروبات الغازية، هكذا يأتي العنوان لكن في طياته الكثير للخليجيين.

إذ تشير وثيقة برنامج تحقيق التوازن المالي المنبثق عن رؤية السعودية 2030، لمفهوم ضريبتي “السلع المنتقاة” و”القيمة المضافة”، والموعد المحدد للبدء في فرضهما وتحصيلهما، والسلع التي سترتفع بناءً على ذلك.

ضريبة الوجبات الجاهزة

تؤكد الوثيقة، التي نشرت في كانون الأول/ديسمبر 2016 بالصحف السعودية، أن ضريبة السلع المنتقاة خاصّة بالمنتجات التي تتسبب في أضرار على الصحة؛ كمشتقات التبغ التي ستبلغ ضريبتها 100٪‏، والمشروبات الغازية (ضريبتها 50٪‏)، ومشروبات الطاقة (ضريبتها 100٪‏)، يمكن أن تتوسع لتشمل الأطعمة التي تتسبب في إنتشار السمنة ومرض السكري – ووجبات “التيك آوي”، أي أن الضرائب ستمتدد لسلع كثيرة يعتمد عليها الخليجيون في حياتهم اليومية.

الوثيقة تقول ان ضريبة القيمة المضافة تشمل جميع المنتجات والخدمات، وتبلغ قيمتها 5٪‏ من قيمة المنتج، لافتة إلى أن المنتجات المعفاة من هذه الضريبة لا تتجاوز 100 منتج فقط من السلع الأساسية.

وفيما يتصل بموعد التطبيق، يلمح “برنامج تحقيق التوازن المالي” بأن فرض ضريبة السلع المنتقاة سيبدأ في الربع الثاني من عام 2017، وأما ضريبة القيمة المضافة فلن تطبق إلا خلال الربع الأول من عام 2018.

وتشير الوثيقة إلي ان “ضريبة القيمة المضافة”، هي ضريبة تطبق على القيمة المضافة لجميع المنتجات والخدمات، حيث تم الإتفاق في قرارات المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في دورته السادسة والثلاثين على فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%، وتم توقيع الإتفاقية من قبل وزير المالية في شهر كانون الأول/ديسمبر 2016.

ومن المنتظر أن يتم تطبيق الضريبة في الربع الأول من 2018، تماشيًا مع إتفاق دول مجلس التعاون، وتبرر الصحف الخليجية الأمر لمواطنيها بأن ضريبة القيمة المضافة ضريبة معترف بها عالمياً على نطاق واسع كإجراء فعال لزيادة الإيرادات، كما أنها ستساهم في تعزيز وتطوير مستوى الشفافية والبنية التحتية لمختلف قطاعات الإقتصاد، لكنها لم توضح لهم أثار تلك الضرائب على أسعار أغلب السلع التي غالباً ما ترتبط ببعضها البعض.

تغييرات مرتقبة

لم يفت “لاغارد” في حديثها عن فرض ضرائب على الخليجيين، التطرق للتحديات والفرص الإقتصادية، التي تواجه العالم في ظل التغيرات المتسارعة، بحسب قولها.

متحدثةً عن المخاوف من إحتمالات عدم الإستقرار الحالية، تقول “لاغارد” إن الوضع يختلف بين الدول حسب سياساتها ونتائج الإنتخابات فيها، مشيرة إلى أن التغيير أمر لابد منه ويجب توقعه والتخطيط له، وهي جملة لا عبر راصداً، بما ألمحت إليه خلالها “لاغارد”، وهي على رأس أعلى منصب مالي في العالم، من تغييرات مرتقبة في الخليج ربما إقتصادية كظهور كيانات جديدة أو أنظمة إقتصادية لم يعتدها الخليجيون، أو تغييرات من نوع آخر – وإن كانت رسالتها بين السطور.

توضح “لاغارد” أن صندوق النقد الدولي راجع معدلات النمو للولايات المتحدة، وأنه من المحتمل جداً أن يواصل النمو إرتفاعه، ما يعني تأثيراً على الإقتصادات والعملات الأخرى.

دلالات تصريحات “لاغارد” تلمح إلى أن دول الخليج التي عرفت كملاذ للوافدين الأجانب من أي جنسية كانوا، طلباً لجمع الأموال وتجنّب الضرائب.. لن تصبح كما كانت، وغلاء المعيشة قد يحطّم الكثير من الأحلام، وهو ما تذكره دراسة عالمية جديدة لمؤشر Numbeo صدرت خلال شهر حزيران/يونيو 2016، مؤكدة علب أن قطر تتصدّر دول الخليج لكونها أكثر الدول غلاءً وأرتفاعاً للأسعار تليها الإمارات العربية المتحدة، لتظل سلطنة عمان كأرخص الدول معيشة في منطقة الخليج.

يقيس مؤشر Numbeo تكلفة المعيشة في 119 بلداً من كل أنحاء العالم، ويعتبر المؤشر العالمي الذي يوفّر أكبر قاعدة بيانات عن المدن والدول. ويعتمد من أجل قياس فروق تكاليف المعيشة على أسعار المواد الإستهلاكية وبدلات الإيجار والمطاعم والقدرة الشرائية المحلية.

وتعتمد هذه الأرقام على مقارنة مع مدينة نيويورك في الولايات المتحدة من أجل تحديد تكاليف المعيشة، فعلى سبيل المثال، إذا كان مؤشر الإيجار في مدينة ما 120%، يعني ذلك أن الايجار أغلى بنسبة 20% عما هو عليه في نيويورك.. أما إذا كان المؤشر 70%، فهذا يعني أن الايجار أقل بنسبة 30% من نيويورك.

ورغم تصدر قطر والامارات العربية دول الخليج من حيث غلاء المعيشة فإن أسعار السلع الإستهلاكية فيهما أقلّ مقارنة بمدينة نيويورك الأميركية أو بدول آخرى في المنطقة.. فتتصدر الكويت دول المنطقة (6.118%)، تليها قطر (7.65%)، فالإمارات العربية المتحدة (6.59%)، فالبحرين (5.53%)، وسلطنة عمان (2.47%)، وتأتي الأسعار الأرخص في المملكة العربية السعودية (5.45%).. لكن مع فرض الضرائب الجديدة المقررة لن يدوم ذلك الوضع للخليجيين.

أما القدرة الشرائية المحلية، فتظهر القدرة النسبية على شراء السلع والخدمات الإستهلاكية في مدينة أو دولة محددة إعتماداً على متوسط الرواتب. فإذا كانت بنسبة 40% على سبيل المثال، فتعكس قدرة السكان على شراء 60% أقل من السلع والخدمات النموذجية.

المؤشر يكشف عن أن القدرة الشرائية المحلية مرتفعة في معظم دول الخليج مقارنة بمدينة نيويورك، لا سيما وأن متوسط الرواتب فيها أعلى نسبياً.. وتتصدر العربية السعودية لائحة دول الخليج (126%)، تليها قطر (6.113%)، فسلطنة عمان (106%)، والإمارات العربية المتحدة (1.104%)، ثم الكويت (6.86%)، والبحرين (5.64%)، لكن مع الضرائب الجديدة هل تستمر تلك القدرة الشرائية لدى الخليجيين؟

مليون عاطل

بربط ما ذكرته “لاغارد” حول إستثمارات الخليجيين، بما جاء به تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي خلال شهر آذار/مارس 2016، أشار إلى أنه لابد من التركيز على رفع كفاءة الإستثمارات الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي.

يمهد التقرير طرحه بأنه “رغم معدلات النمو العالية التي لا تزال تتمتع بها دول التعاون وتقدر بنحو 3 أضعاف معدلات الإقتصادات المتقدمة وبالتساوي مع معدلات النمو في الإقتصادات الناشئة والنامية، فإن أعداد المواطنين العاطلين عن العمل في الخليج، من المتوقع أن تتجاوز المليون خلال السنوات الخمس المقبلة”.

يحذر التقرير موضحاً أنه مع إستمرار تراجع أسعار النفط، فإن الحال سيتغير سريعاً. إذ سيقلص تراجع الأسعار المزمن والإنخفاض الكبير في الإنفاق الحكومي من توظيف المواطنين في القطاع الحكومي بصورة كبيرة، مما سيدفع أغلب المواطنين للبحث عن وظائف بديلة في القطاع الخاص غير النفطي، وبالتالي يقلص الطلب على العمالة الأجنبية، ما يعني أن كثيراً من الوافدين لن يجد له عملاً بدول الخليج.

يقول التقرير إن نمو الإنتاجية في دول التعاون ليس متراجعاً فحسب، بل سلبي، بسبب الإعتماد على العمالة الأجنبية ذات المهارات المتدنية، والطاقة الرخيصة.

ثم يأتي التقرير بيت القصيد، بقوله إنه “وفي ظل تراجع أسعار النفط، وغياب معدلات النمو المرتفعة، فإن معايير المعيشة العالية التي يعيشها الخليجيون اليوم (قياساً بدخل كل فرد)، من المرجح أن تنخفض”.

موضحاً ان دول مجلس التعاون الخليجي، وبسبب تقليل مصروفات الحكومات الناتج عن إنخفاض سعر النفط، ستواجه إنخفاضاً في «توظيف المواطنين في القطاع العام أو الحكومي، مما يترك للأغلبية مهمة البحث عن الوظائف في القطاع الخاص غير النفطي».

ويؤكد أن دول الخليج، ورغم وصولها إلى “مستويات عالية جداً في التطوير بجميع المجالات في العقود السابقة”، إلا أنها “مازالت تفتقر إلى توازن أسواق العمل، وتطور أسواق المال والإئتمان اللذين تتمتع بهما الإقتصادات المتقدمة”.

إستثمارات البنوك

يقول مصرفيون وبعض رجال الأعمال بالخليج، ان شراء أو تمويل مشروعات في الخارج أحد أهم الأسباب التي تؤثر على السيولة المحلية والخليجية، والبديل هو ضخ الاموال في السوق بواسطة البنوك لتحفيز السوق بشكل افضل من ضخ الحكومة لها، فإنعاش السوق يتم بالإستفادة القصوى من القوة الشرائية للوحدة النقدية وبتحصيل الديون بأسرع وقت ممكن، وهذا يسمح بضخ المال من جديد في شرايين الإقتصاد المحلي دون روتين وهو أمر لا يمكن ان تحققه الحكومات الخليجية خوفاً من آثار وتبعات سحب إستثماراتها في الخارج، وأنه في النهاية على الخليجيين إنتظار قرارات إقتصادية صعبة ستمس بشكل مباشر مستوى معيشتهم ورفاهيتهم.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب