خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
عززت “إيران” من وجودها في “سوريا”؛ بالدخول على خط الحرب الأهلية في هذا البلد. وأرسلت مقاتلين أجانب إلى “سوريا”، فضلًا عن تجنيد السوريين في ميليشيات؛ بحسب “لاريسا ألكسندروفنا شاشوك”؛ في تقريره الذي نشره موقع (Nezavisimaya Gazeta) الروسي، وقد أعاد موقع (الدبلوماسية الإيرانية) نشره.
لكن كثفت بالسنوات الأخيرة؛ بعض الدول العربية جهود تطبيع العلاقات مع “سوريا”، ومن المتوقع أن تعود “سوريا” بنهاية المطاف إلى الدبلوماسية الإقليمية العربية.
كيف تحافظ إيران على مكاسبها في سوريا ؟
والسؤال الذي يطرح نفسه: بالنظر إلى قدرة بعض الدول العربية على تعزيز العلاقات مع “سوريا” في تقويض وصد “إيران”، كيف تحاول “طهران” الحفاظ على مكاسبها في “سوريا” ؟..
لقد لعب (الحرس الثوري)، منذ بداية الحرب الأهلية السورية، دورًا حيويًا في دعم نظام “بشار الأسد”. وقاد الجنرال “قاسم سليماني”؛ البعثة الاستشارية لـ (الحرس الثوري) الإيراني إلى “سوريا”؛ في عام 2011م.
وقد كان هذا الدعم على جانب كبير من الأهمية نظرًا إلى فرار الكثيرين من قوات “الأسد”؛ في بداية الصراع. ثم وفي السنوات التالية، حافظت “إيران” على مشاركة (حزب الله) اللبناني والميليشيات العراقية في الأزمة السورية، ووقع على كاهل الجنرال “سليماني”؛ مهمة التنسيق.
وغير الدعم الروسي المدعوم بالمداخلات الإيرانية العسكرية؛ مسار الصراع لصالح “الأسد”. من جانبها تُسيطر “إيران” حاليًا على أكثر من: 300 موقع عسكري سوري. وماتزال قوات الحرب بالوكالة التابعة لـ (الحرس الثوري) تتركز في العديد من المواقع الإستراتيجية في مختلف أنحاء “سوريا”.
تهديد حيوي لـ”طهران”..
وفي البداية اتخذت المداخلات الإيرانية في الصراع السوري طابعًا دفاعيًا. أرادت “إيران” فقط إبقاء حليفها؛ “بشار الأسد”، في السلطة، لإن الإطاحة به تُهدد مصالح “طهران” الإستراتيجية الرئيسة؛ بما في ذلك الوصول عبر “سوريا” إلى “البحر الأبيض المتوسط”.
وقد إزدادت هذه المخاوف قوة بعد ظهور تنظيم (داعش)؛ في العام 2013م، والسيطرة على الكثير من المناطق الشرقية السورية. ووقعت محافظة “دير الزور” على الحدود مع “العراق”، تحت سيطرة (داعش)، الأمر الذي تسبب في تهديد الطريق البري الإيراني إلى “سوريا” بشكل مباشر.
وفي العام 2017م؛ استعادت القوات السورية السيطرة على “دير الزور”؛ بمشاركة الميليشيات المدعومة من (الحرس الثوري) الإيراني، التي لم تُغادر هذه المحافظة؛ وتأسيس أول قاعدة عسكرية تحمل اسم الإمام (علي).
وبالتالي سيطرت “إيران”؛ بالتدخل المباشر، على المعابر البرية الرئيسة بين “سوريا” و”العراق”، مما عزز الطريق البري من “إيران” عبر “العراق وسوريا” إلى “لبنان”، ومن ثم تعزيز نفوذها في المنطقة.
إيران وتطبيع العلاقات “الخليجية-السورية”..
وتحتاج حكومة “الأسد” إلى اكتساب الشرعية على المستوى الإقليمي وجذب الاستثمار الأجنبية، للتغلب بشكل كامل على تداعيات الصراع طويل الأمد في “سوريا”.
وتطبيع العلاقات مع القوى الإقليمية؛ سيكون مصحوبًا بالعودة إلى “جامعة الدول العربية”، وبالتالي توفير الفرص التي يبحث عنها “الأسد”. ومؤخرًا أبدى: “الأردن ومصر والجزائر”، مؤشرات على عمق الأنشطة الدبلوماسية مع “سوريا”.
مع هذا؛ فإن أسمى أهداف الرئيس السوري تطبيع العلاقات مع دول الخليج الغنية والمتقدمة، وقد أحرز بالفعل بعض التقدم في استعادة العلاقات مع “الإمارات والبحرين”؛ من خلال جذب استثمارات محدودة. لكن الاستثمار الخليجي المستدام في “سوريا”، وتطبيع العلاقات مع “السعودية” يعتمد على ما إذا كانت “سوريا” ستحد من الوجود الإيراني على أراضيها أم لا.
وبالنظر إلى التهديد الأمني الذي يُشكله النفوذ الإيراني في “العراق واليمن” على دول الخليج، تزداد دوافع “الإمارات والسعودية” للمواجهة ضد “إيران” في “سوريا”.
وبنهاية العام 2021م؛ أبدت “سوريا” استعداداها للحد من النفوذ الإيراني في البلاد. مع هذا من المُرجح أن تتوخى “دمشق” الحذر في السنوات المقبلة في إجراءاتها ضد “إيران”، ففي النهاية يُدرك؛ “بشار الأسد”، الذي يهتم للبقاء في السلطة فقط، أن تدخل “إيران” ساعده في الحفاظ على نظامه.
أضف إلى ذلك، نشاط العديد من الميليشيات الموالية لـ”الجمهورية الإيرانية” على الأراضي السورية، ورحيل هذه الميليشيات سوف يُلحق الضرر بنظام “الأسد”. ورغم عدم وجود اهتمام مفتوح بتطبيع العلاقات بين “سوريا” وبقية العالم العربي، فإن بمقدور “إيران” الاستفادة من هذه المسألة في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية.
وفي حال أعتقدت “طهران” أن الميليشيات التي أنشأتها والتغييرات الاجتماعية التي بدأتها كافية لحماية مصالحها في “سوريا”، حين يمكنها أن تُقلل بشكل كبير من وجودها العسكري.
دوليًا فإن عودة “سوريا” إلى “الجامعة العربية”؛ سوف يمنح “إيران” العديد من المزايات على الصعيد دبلوماسية الإقليمية. وسوف تستفيد “إيران” اقتصاديًا بشكل من أكبر مقارنة بالحكومة السورية التي ستكون قادرة على سداد الديون المتراكمة خلال الحرب.
أخيرًا من المُرجح أن تدعم “إيران” محاولات “سوريا” تطبيع العلاقات مع العالم العربي، إلا أن التداعايت على “إيران” واضحة. وتوسيع نطاق الوجود العربي قد يُقوض بشكل خطير النفوذ الإيراني خاصة في المناطق ذات الأغلبية السُنية. وقد يؤدي هذا المسار إلى منافسة شديدة بين “إيران” ودول الخليج، ويخلق وضعًا يستثمر فيه كل طرف المزيد من الموارد المالية للتأثير على “سوريا”.