أعلن مبعوث عشائري من قبل رئيس الحكومة نوري المالكي أن الأخير وافق على جميع مطالب المتظاهرين في ساحة الاعتصام بالأنبار وانها مطالب شرعية كفلها الدستور، في حين ردت عشائر الأنبار على ما حمله المبعوث واكدت أن ثقتها “معدومة” بوعود رئيس الحكومة وأن مطلب المتظاهرين الوحيد بات “تغيير المالكي”.
ووصل وفد عشائري مبعوث من قبل رئيس الحكومة برئاسة الشيخ سعد نعيم الركابي رئيس ائتلاف الوطني لعشائر العراق الى ساحة الاعتصام في الانبار بعد منتصف ليلة الجمعة من اجل المساهمة بحل الازمة بين الحكومة المركزية والانبار .
وقال الركابي لممثلي عشائر الأنبار المرابطين في ساحة الاعتصام إن “رئيس الوزراء نوري المالكي وافق على جميع المطاليب التي قدمها المتظاهرون في الأنبار وأن مطالبهم شرعية وقد كفلها الدستور العراقي لهم”.
واضاف الركابي أن “رئيس الوزراء يرحب بجميع المطالب وأنه مع أهل الأنبار في مطالبهم وسوف يباشر بتنفيذها بأسرع وقت ممكن”.
لكن ممثلي العشائر ردوا على ما حمله الركابي بتأكيد ان “مطالب المتظاهرين لم تعد هما”.
وقال أمير قبائل الدليم الشيخ علي حاتم السلمان والذي تحدث نيابة عن شيوخ العشائر الممثلة في ساحة الاعتصام مخاطبا الشيخ الركابي “إننا نرحب بكم كعشائر في ساحة الاعتصام ولكننا نرفض هذا القرار من رئيس الوزراء لأنه استهان بالأنبار الاربعة مرات وقلل من شأنها”.
وأوضح السليمان “ليس لدينا ثقة بالحكومة وهي غير جادة بحل الأزمة وليس لديها نية للاستجابة كون الدولة رمت الكرة في ملعب البرلمان، وعند محاولة إقرار أي قانون في البرلمان والتصويت عليه فإن دولة القانون ينسحب”.
وبين السليمان أن “دليل عدم جدية الحكومة بحل الأزمة هو البدء بالتحشيد الطائفي تجاه المتظاهرين”، وتابع مؤكدا “وبناء على هذا فإن المطالب لم تعد همنا بعد اليوم وإن المطلب الأول والأخير بات إسقاط الحكومة في بغداد وتغيير رئيس الوزراء”.
من جانبه، أيد الناطق باسم معتصمي ساحة الاعتصام في الأنبار سعيد اللافي ما ذهب إليه السليمان وأكد أن “حديث المالكي عن حلول وقبول مطالب المتظاهرين متناقض مع تحركاتها على الأرض عبر تعطيل البرلمان وتوظيف الجيش والشرطة والدوائر الحكومية للتظاهر ضدنا ورفع الشعارات الطائفية”.
وقال اللافي “كيف يفسر المالكي انسحاب نوابه من جلسات مجلس النواب كلما حاول المجلس مناقشة القوانين التي تهم المتظاهرين”، مضيفا “عمليا نحن لا نثق بأي وعود تطلقها الحكومة لأنها مجرد مماطلة وتتناقض مع تحركاتها على الأرض”. وأوضح اللافي أن “المالكي يتحدث عن حلول لكنه يستخدم الجيش والشرطة للتظاهر ضدنا بلباس مدني مع المنتسبين في دوائر الدولة والتحشيد طائفيا”، وتابع بالقول “هؤلاء يرفعون الشعارات الطائفية ويصفوننا بشتى الاوصاف وهذا إقصاء واضح بحقنا”.
وشهدت مناطق متفرقة من محافظات الأنبار وصلاح الدين وبغداد وديالى وكركوك ونينوى تظاهرات حاشدة أمس الجمعة شارك فيها نحو 300 الف متظاهر بحسب اللجان التنسيقية للتظاهرات وكان أكبرها في ساحة الاعتصام بالرمادي والتي وصل عدد المشاركين فيها إلى أكثر من 120 الف متظاهر، إضافة إلى 20 الفا في مدينة الفلوجة وفي الموصل إلى نحو 110 آلاف، وفيما قدر عدد الذين شاركوا في تظاهرة سامراء بأكثر من 50 الف.
وعلى الرغم من كثافة تلك الحشود فإن التظاهرات خلت من أعمال الشغب ومن الصدمات، إلا أن العديد من المتظاهرين والمسؤولين عنهم اشتكوا من التضييق عليهم من قبل قوات الجيش والشرطة العراقية وصلت إلى حد المنع من التظاهر كم أفادت تنسيقية متظاهري الحويجة التي اكدت أن عملية دجلة قطعت الطرق ومنعت المتظاهرين من التوجه إلى مركز القضاء حيث كان من المؤمل ان تقام تظاهرة حاشدة هناك.
كما اشتكى أهالي منطقة الأعظمية في بغداد من تضييف مماثل إذ أكدوا أن القوات الأمنية فرضت طوقا على المنطقة منذ ليل أمس وشنت حملات تفتيش في البيوت كما منعت الكثير من المتضامنين من الانضمام إلى أهالي الاعظمية لإقامة الصلاة الموحدة معهم، إذ لم يسمح إلا لسكان المنطقة المثبتين بالدخول والخروج منها.
متظاهرو محافظتي نينوى وديالى أيضا تحدثوا عن موانع وضعتها القوات الأمنية امام في سبيل منعهم من الالتحاق بأماكن الاعتصام إلا انها لم تكن بالمستوى التي تحدث عنها متظاهرو الحويجة والاعظمية.
وتشهد محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك منذ الـ21 من كانون الأول 2012 المنصرم، تظاهرات يشارك فيها عشرات الآلاف وجاءت على خلفية اعتقال عناصر من حماية وزير المالية القيادي في القائمة العراقية رافع العيساوي، وذلك تنديداً بسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي، والمطالبة بوقف الانتهاكات ضد المعتقلين والمعتقلات، وإطلاق سراحهم، وإلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب، وتشريع قانون العفو العام، وتعديل مسار العملية السياسية وإنهاء سياسة الإقصاء والتهميش وتحقيق التوازن في مؤسسات الدولة.
وعلى الرغم من أن الاعتصامات التي تشهدها تلك المحافظات وغيرها من المناطق، جاءت كرد مباشر على عملية اعتقال عناصر حماية وزير المالية القيادي في العراقية رافع العيساوي، في الـ20 من كانون الأول 2012 المنصرم، فإن اهالي تلك المحافظات كانوا وعلى مدى السنوات الماضية قد تظاهروا في العديد من المناسبات ضد سياسة الحكومة الحالية وإجراءاتها بحقهم، وأهمها التهميش والاقصاء والاعتقالات العشوائية والتعذيب في السجون وإجراءات المساءلة والعدالة وهي نفسها المطالب التي يرفعونها اليوم.
وبحسب المراقبين فإن ما يجري اليوم في العراق يعد واحدة من “أخطر وأوسع” الأزمات التي مرت به منذ سقوط النظام السابق سنة (2003)، إلى جانب الأزمة المزمنة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وأبدت الأمم المتحدة الخميس 10عبر ممثلها في العراق، مارتن كوبلر، قلقها من استمرار الازمة في البلاد ودعت الحكومة على عدم التعامل بقوة من التظاهرات مؤكدة حق المواطنين في التعبير عن مطالبهم وحقوقهم بطريقة سلمية.
وفي خطوة ذات دلالة، قرر مجلس الوزراء في جلسته الأولى للعام (2013) الحالي، التي عقدها الثلاثاء (8 كانون الثاني 2013)، تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، وعضوية وزراء العدل والدفاع وحقوق الإنسان والبلديات والأشغال العامة والموارد المائية والدولة لشؤون مجلس النواب والأمين العام لمجلس الوزراء ووكيل وزارة الداخلية، تتولى تسلم الطلبات المشروعة من المتظاهرين مباشرة من خلال وفود تمثلهم وترفع توصياتها إلى مجلس الوزراء.
إلا أن الكثير من المراقبين عبروا عن خشيتهم من أن هذه اللجنة لن تسهم بأي حلول للأزمة خصوصا وأن رئيس الحكومة أعلن عقب تشكيل اللجنة أنها لن تتسلم المطالب غير الدستورية ولن تتعامل معها أبدا، موضحين أن مطالب المتظاهرين بإلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب تتعارض مع الدستور وتفتح الطريق امام البعثيين والإرهابيين.. في حين يؤكد المتظاهرون أن هذين المطلبين من أهم مطالبهم ولا يمكن التخلي عنها وهو ما سيؤدي بحسب المراقبين إلى زيادة الوضع تفجرا خصوصا وأن العامل الإقليمي بات يساعد بشكل كبير على توفير أجواء ملائمة لذلك.