وكالات – كتابات :
نشرت صحيفة (واشنطن بوست) تقريرًا؛ نقلًا عن وكالة أنباء (آسوشيتد برس) من إعداد؛ “شيخ صليك”، مراسل الوكالة الأميركية المعني بتغطية الشؤون الخاصة بـ”الهند وكشمير”، حول تداعيات التصريحات المسيئة للنبي “محمد”، والسيدة “عائشة” على لسان مسؤولَيْن في حزب (بهاراتيا غاناتا)، وهما على علاقة بالبلدان العربية.
غضب دبلوماسي كبير..
يستهل الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن “الهند” تواجه غضبًا دبلوماسيًّا كبيرًا من بلدان إسلامية؛ بعد أن أدلى إثنان من كبار المسؤولين في حزب (بهاراتيا غاناتا) القومي الهندوسي الحاكم، بتصريحات مسيئة للإسلام والنبي “محمد”؛ مما أسفر عن اتهامهما بإزدراء الأديان في بعض الدول العربية التي جعلت “نيودلهي” تواجه صعوبات في احتواء الأضرار الناجمة عن هذه التداعيات، وكانت قد اشتعلت سابقًا موجات عنف بين المسلمين والهندوس؛ عام 2020، إثر منشور أساء للنبي “محمد” على موقع (فيس بوك).
وقدَّمت خمس دول عربية على الأقل احتجاجاتٍ رسمية ضد “الهند”، كما أدلت: “باكستان وأفغانستان”، بتصريحات صارمة يوم الإثنين 06 حزيران/يونيو 2020، على خلفية التصريحات التي أدلى بها متحدِّثان رسميان بارزان باسم حزب (بهاراتيا غاناتا)؛ الذي يتزعمه رئيس الوزراء الهندي؛ “ناريندرا مودي”.
وتدفقت موجات الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، وبرزت دعوات تُطالب بمقاطعة البضائع الهندية في بعض الدول العربية، أما في داخل البلاد فقد أسفرت هذه التصريحات عن اندلاع احتجاجاتٍ مناهضة للحزب الحاكم الذي يتزعمه “مودي” في بعض أنحاء البلاد.

وتأتي هذه التصريحات المُثيرة للجدل عقب ارتفاع وتيرة أعمال العنف التي تستهدف الأقلية المسلمة في “الهند”؛ على يد قوميين هندوس استمدوا جرأتهم من استمرار صمت “ناريندرا مودي”؛ على هذه الهجمات منذ انتخابه رئيسًا للوزراء لأول مرة عام 2014.
إزدراء “الهند” للإسلام وتحذيرات دولية..
وعلى مدار سنوات؛ وفقًا للتقرير، غالبًا ما تعرَّض المسلمون الهنود للاستهداف في كل شيء، بداية من طعامهم، ومرورًا بنمط ملابسهم، ووصولًا إلى زواجهم من أتباع الأديان المختلفة. وحذَّرت مجموعات حقوقية؛ مثل منظمة (هيومن رايتس ووتش) ومنظمة (العفو الدولية)، من احتمالية تصاعد وتيرة شنِّ الهجمات ضدهم. كما اتهمت هذه المجموعات؛ حزب “مودي” الحاكم، بغضِّ الطرف عن هذه الأوضاع، والسماح في بعض الأحيان بتمكين خطاب الكراهية المناهض للمسلمين، الذين يُشكِّلون: 14% من إجمالي سكان “الهند”، البالغ عددهم: 1.4 مليار نسمة، ولكنَّ هذه النسبة لا تزال كبيرة بما يكفي لاعتبارهم ثاني أكبر جالية إسلامية في أية دولة.
ومن جانبه؛ ينفي حزب “مودي” هذه الاتهامات، غير أنَّ المسلمين الهنود يؤكدون ارتفاع وتيرة الهجمات التي تستهدفهم وتستهدف دينهم ارتفاعًا حادًّا. وإزدادت حالة الغضب منذ الأسبوع الماضي؛ بعد أن أدلى “نوبور شارما” و”نافين غندال”، وهما المتحدثان الرسميان باسم حزب (بهاراتيا غاناتا)، بتصريحات مُثيرة للجدل نظر إليها مسلمون على أنها مسيئة للنبي “محمد” وزوجته السيدة “عائشة”.
كيف رد العالم الإسلامي ؟
وبحسب التقرير؛ لم يتخذ حزب “مودي” أي إجراء ضد هذين المسؤولين حتى يوم الأحد، عندما بدأت موجة من الغضب الدبلوماسي المفاجيء باستدعاء: “قطر والكويت”، سفيريهما الهنديين للإعراب عن احتجاجهما على هذه التصريحات. وعلَّق حزب (بهاراتيا غاناتا) عمل: “نوبور شارما”، وطرد “غندال”، وأصدر بيانًا نادرًا يؤكد فيه أنه: “يُدين بشدة الإساءة إلى أية شخصية دينية”، تلك الخطوة التي رحَّبت بها: “قطر والكويت”.
وزارة الخارجية تستدعي السفير الهندي وتسلمه مذكرة رسمية برفض دولة قطر التام وشجبها لتصريحات مسؤول في الحزب الحاكم ضد الرسول الكريم
#الخارجية_القطرية pic.twitter.com/AohizKocjF— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) June 5, 2022
وفي وقت لاحق؛ قدَّمت “السعودية” و”إيران” أيضًا شكاوى إلى “الهند”، وذكرت (منظمة التعاون الإسلامي)؛ التي يقع مقرها في مدينة “جدَّة”، أن هذه التصريحات جاءت: “في سياق تصاعد حدة الكراهية والإساءة للإسلام في الهند، وفي إطار الممارسات الممنهجة ضد المسلمين، والتضييق عليهم”.
ورفضت “وزارة الخارجية” الهندية؛ يوم الإثنين، تصريحات (منظمة التعاون الإسلامي)، ووصفتها بأنها: “غير مُبرَّرة”، و”ضيِّقة الأفق”. وفي يوم الأحد؛ أصدرت سفارتا “الهند”؛ في “قطر والكويت”، بيانًا قالتا فيه إن الآراء التي قِيلت عن النبي “محمد” والإسلام لا تُمثِّل وجهة نظر الحكومة الهندية، ولكنَّها صُدرت عن: “عناصر مارقة”. وذكر البيان أن السلطات الهندية اتخذت إجراءاتٍ قوية بالفعل ضد أولئك الذين أدلوا بهذه التصريحات المسيئة.
خطُّ أحمر..
ويستدرك الكاتب قائلًا: غير أن الانتقادات التي أعربت عنها بلدان إسلامية كانت شديدة؛ ما يُشير إلى أن الإساءة إلى النبي “محمد”؛ خط أحمر. وقالت “وزارة الخارجية” القطرية إنها تتوقع أن تُصدر الحكومة الهندية اعتذارًا علنيًّا، وحذَّرت “الكويت” من أنه إذا مرت هذه التصريحات دون عقاب فستشهد “الهند”: “زيادة في أعمال التطرف والكراهية”. ووصف مفتي عُمان: “الوقاحة الفاحشة”؛ التي ارتكبها حزب “مودي” ضد الإسلام بأنها تُمثِّل شكلًا من أشكال: “الحرب”.
وأكَّدت “الرياض” أن هذه التصريحات مسيئة، ودعت إلى: “احترام المعتقدات والأديان”. كما وصف “الأزهر الشريف”؛ في “مصر”، وهو أبرز مؤسسة معنية بتدريس التعليم الإسلامي في العالم السُنِّي، هذه التصريحات بأنها تُمثِّل: “الإرهاب الحقيقي بعينه، الذي يمكن أن يُدخِل العالم بأسره في أزمات قاتلة وحروب طاحنة”. وتُهدد التصريحات التي أدلت بها “نوبور شارما”؛ خلال برنامج تلفزيوني في “الهند”، والتي غرَّد بها “غندال” بإلحاق الضرر بعلاقات “الهند” مع بلدان عربية.
علاقات قوية..
وينوِّه التقرير إلى أن “الهند” تتمتع بعلاقات قوية مع بلدان الخليج، التي تعتمد على ملايين العاملين المهاجرين من “الهند”؛ ومن بلدان أخرى في جنوب “آسيا”، بهدف خدمة عدد قليل من سكانها المحليين، والعمل على توفير لقمة العيش. كما تعتمد “الهند” على بلدان الخليج العربية الغنية بـ”النفط”، مثل “السعودية”، لإمداد اقتصادها المتعطش للطاقة. وأثارت هذه التصريحات غضبًا في “باكستان”، وفي “أفغانستان” كذلك.
ويوم الإثنين استدعت “وزارة الخارجية” الباكستانية دبلوماسيًّا هنديًّا، ونقلت: “إدانة إسلام آباد القوية”، بعد مرور يوم من تصريح رئيس الوزراء؛ “شهباز شريف”، الباكستاني الذي أكَّد فيه أن هذه التصريحات: “مؤذية”، وأن: “الهند في عهد مودي؛ تسحَق الحريات الدينية وتضطهد المسلمين”. وردَّت “وزارة الخارجية” الهندية على هذا التصريح من خلال وصفها لـ”باكستان” بأنها: “تنتهك بصورة متتالية حقوق الأقليات”، مشيرةً إلى أن “إسلام آباد” لا ينبغي أن تُشارك في: “دعاية مُثيرة للقلق أو تُحاول إثارة الفتنة الطائفية في الهند”.
إدانة باكستانية ورد هندي..
ونقل التقرير تأكيد “أريندام باغي”، المتحدث الرسمي باسم “وزارة الخارجية” الهندية، أن: “الهند تُعرب عن أقصى درجات الاحترام لجميع الأديان”. وانتقدت “كابول” التصريحات ذاتها. وقالت “إمارة أفغانستان الإسلامية”؛ إن الحكومة الهندية ينبغي ألا تسمح: “لهؤلاء المتطرفين بالإساءة إلى الإسلام وإثارة مشاعر المسلمين”.
ويُشير التقرير إلى أن حزب “مودي” واجه أيضًا غضبًا من بعض مؤيديه، ولكن ذلك الغضب يرجع إلى سبب آخر؛ إذ نشر كثير من القوميين الهندوس تصريحات على وسائل التواصل الاجتماعي يُشيرون فيها إلى أن الحكومة الهندية تبدو واهنة أمام الضغط الدولي.
#الأزهر يرفض بشدة تصريحات مسؤول هندي تجاه الرسول ﷺ والسيدة عائشة
الأزهر: الإساءة إلى رسول الإسلام وأزواجه بذاءة وجهل فاضح بعلم مقارنة الأديان وتاريخ الأنبياء والرسل pic.twitter.com/JaZGrViDTA
— الأزهر الشريف (@AlAzhar) June 6, 2022
وتصاعدت المشاعر المعادية للمسلمين والهجمات التي تستهدفهم في جميع أنحاء “الهند”؛ في عهد “مودي”. وفي الأسبوع الماضي؛ أوضح وزير الخارجية الأميركي؛ “آنتوني بلينكن”، أن “الهند” تشهد: “ارتفاع وتيرة الهجمات التي تستهدف مواطنين ودور عبادة”؛ ما أثار ردًا من جانب “نيودلهي”، التي وصفت هذه التصريحات بأنها: “لا تستند إلى معلومات صحيحة”.
وفي الآونة الأخيرة تصاعدت التوترات الدينية بعد أن توجَّهت بعض المجموعات الهندوسية إلى محكمة محلية في مدينة “فاراناسي”، شمال البلاد، للحصول على إذن للصلاة في مسجد يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر، بدعوى أنه بُني على أنقاض معبد. ويقول بعض النقُّاد إن مقدِّمي البرامج التليفزيونية الهنود تسبَّبوا في تفاقم هذه التوترات من خلال مناقشاتهم الصاخبة، وهو ما ختم به الكاتب تقريره.