16 يونيو، 2025 10:02 ص

من يشعل السودان ؟ .. قصة صعود “حميدتي” من تاجر إبل لأمير حرب إلى قائد شبه عسكري !

من يشعل السودان ؟ .. قصة صعود “حميدتي” من تاجر إبل لأمير حرب إلى قائد شبه عسكري !

وكالات – كتابات :

من تاجر إبل بسّيط التعليم، ثم زعيم ميليشيا، إلى أقوى رجل بـ”السودان”؛ الذي يطمح في ترؤس البلاد، تبدو قصة الفريق “محمد حمدان” المشهور: بـ”حميدتي”، كأنها رواية خيالية تنتمي لحكايات ألف ليلة وليلة، وهي كاشفة لحجم التغييرات الدراماتيكية التي مرت بهذا البلد، ولكن تبدو نهايتها مأساوية للجميع.

بعد بداياته في تجارة الجمال وقيادة ميليشيا عنيفة متهمة بارتكاب فظائع في “دارفور”، اكتسب الفريق “محمد حمدان”؛ نفوذًا وثروات في “السودان” على مدى العقدين الماضيين بالتزامن مع صعوده إلى السلطة، حسّبما ورد في تقرير لصحيفة الـ (نيويورك تايمز) الأميركية.

ويعتقد أنه يُريد تولي رئاسة “السودان”؛ سواء عّبر القوة العسكرية أو عّبر اكتسّاب شعبية من خلال العداء للإسلاميين والجيش وتقديم نفسه كممثل لمناطق “السودان” المهمشة.

ولكن رغم إعلانه أن قواته تُحاصر قرات الجيش الرئيسة، فربما كان قتال يوم السبت 15 نيسان/إبريل 2023، أصعب تحدٍّ واجهه “حمدان”، حين اندلع قتال في العاصمة بين قواته شبّه العسكرية والجيش السوداني؛ بقيادة الجنرال “عبدالفتاح البرهان”، حسّب الصحيفة الأميركية.

كيف تحول “حميدتي” من تاجر إبل إلى متمرد ثم جنرال ؟

ولد “حميدتي”؛ عام 1975، ولم يكن لأحد أن يتخيل أنّ هذا الصبي “النحيل”؛ الذي لم يحظَ إلّا بقدر يسّير من التعليم، حيث غادر مقاعد الدراسة مبكرًا وهو في الخامسة عشرة من عمره، أن يلعب يومًا ما دورًا مهمًا في صناعة مصير “السودان” وتشكيل مستقبله، حسّبما ورد في تقرير لموقع (حفريات).

وينحدر “حميدتي” من قبيلة “الرزيقات”؛ ذات الأصول العربية، التي تقطن “إقليم دارفور”، غربي “السودان”، ولقد ترك الدراسة في عمر مبكر وعمل في العشرينات من عمره في تجارة الإبل بين “ليبيا ومالي وتشاد” بشكلٍ رئيس، فضلاً عن حماية القوافل التجارية من قُطاع الطرق في مناطق سّيطرة قبيلته.

جنى “حميدتي” ثروة كبيرة من عمله هذا في التسعينيات؛ مما مكّنه من تشكيل ميليشيا قبلية خاصة به تنافسّت مع ميليشيات قبلية أخرى، وعند اكتشاف الذهب في “جبل عامر” سّيطرت ميليشياته على مناجمه.

بدأت حياة “حميدتي” السياسية والعسكرية مع ميليشيات (الجنجويد)؛ التي نفذت أسوأ الفظائع في “إقليم دارفور”؛ بغرب البلاد، وهي الميليشيات التي ترتبط باسم “موسى هلال”؛ المطلوب للعدالة الدولية، والذي يُقال إنه قريب لـ”حميدتي”.

وأدى هذا الصراع، الذي بدأ في عام 2003، إلى تشريد الملايين وتسّبب في وفاة ما يصل إلى: 300 ألف شخص.

وفقًا لصحيفة الـ (واشنطن بوست) الأميركية، نشأت “قوات الدعم السريع” من ميليشيا (الجنجويد)، التي اتُّهمت بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في “دارفور”. فوفقًا لجماعات حقوقية، اغتصبت “قوات الدعم السريع” قرى وحرقتها ونهبتها في أوائل الألفينيات. وساعدت الرئيس السوداني السابق؛ “عمر البشير” – الذي اتهمته “المحكمة الجنائية الدولية” بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية – في إخماد تمرد هناك خلال فترة رئاسته.

تبدأ قصة صعود “حميدتي”؛ في عام 2003، عندما حشّدت حكومة “البشير”؛ قوات من الرُعاة العرب لمحاربة المتمردين الأفارقة في “دارفور”، وكانت نواة هذه القوات، التي عُرفت لاحقًا باسم: (الجنجويد)، مؤلفة من رعاة إبل من عشيرتي “المحاميد” و”الماهرية”، من قبائل “الرزيقات”؛ في شمال “دارفور”، والمناطق المتاخمة لها في “تشاد”، حسّبما ورد في تقرير لموقع “هيئة الإذاعة البريطانية”؛ (بي. بي. سي).

وحمل “حميدتي” السلاح لأول مرة في منطقة غرب “دارفور”؛ بعد أن قُتل رجال هاجموا قافلته التجارية نحو: 60 شخصًا من عائلته ونهبوا الجمال، وفقًا لما ذكره “محمد سعد”؛ المساعد السابق لـ”حميدتي”، حيث كان “حميدتي” غاضبًا من تعرض قبيلته لاعتداءات من قبل الحركات الدارفورية المنحدرة من القبائل الإفريقية.

وتُمثل القبائل الإفريقية نحو: 60% من سكان “دارفور”، ويعمل أغلبها بالزراعة، بينما تُمثل القبائل العربية نحو: 40% من السكان ويعمل أغلبها بالرعي، وقد تفاقمت الخلافات بين الفلاحين والرعاة مع زيادة السكان وأعداد حيوانات الرعي وانتشار السلاح والقلاقل من “تشاد” المجاورة.

وخلال الحرب الضارية في “دارفور”؛ بين عامي: (2003 – 2005)، كان قائد (الجنجويد) الأكثر شهرة والأسوأ سمعة هو: “موسى هلال”، زعيم عشيرة “المحاميد”.

وانضم “حميدتي” إلى حرس الحدود، عام 2003، وكان عمره: (28 عامًا)، حيث برز عندما كان يعمل إلى جانب “هلال”، عندما تمكن من توسّيع الميليشيا التي يقودها من “الماهرية” وضم إليها قبائل أخرى.

وأظهر قدرات فاقت شيخه؛ (هلال)، على حشّد المقاتلين وإقناعهم بالانضمام إلى “حرس الحدود”، ليُنافس زعيمه السابق؛ “هلال”، وليسّتعين به “البشير” لاحقًا، إثر خلاف مع الأخير، حسّب (بي. بي. سي).

وتحول “حميدتي” بدوره إلى متمرد على الدولة؛ عندما تم تهميّشه خلال مفاوضات السلام في “دارفور”، فثار غضبه عندما انقطعت رواتب جنوده لأكثر من ستة أشهر.

أما نقطة الانفجار فكانت تعيّين “البشير”؛ لـ”ميني مناوي”، المنتسّب لقبيلة “الزغاوة”، مستشارًا له، فتمرّد بنفسه على الرئيس السوداني.

بدأ “حميدتي” ثورته ضد الحكومة؛ في آب/أغسطس 2007، حيث انشقّ بأكثر من سبعين مركبة ثقيلة مّدرعة، ولكن انصاعت الحكومة لتمرده وتحقّق حلم “حميدتي”؛ ليس فقط في أن ينال كل المسّتحقات بأثر رجعي، بل لأنه حمل لأول مرّة لقب عسكري: “عميد”.. وتحوّل من تاجر إبل وأمير حرب إلى قائد عسكري.

ففي مواجهة الاحتجاج الدولي على تصرفات (الجنجويد) في “دارفور”، قام “عمر البشير” آنذاك بإضفاء الطابع الرسمي على المجموعة في قوات شّبه عسكرية تُعرف باسم: “وحدات استخبارات الحدود”. لقد كانت بداية مسّيرة عسكرية لامعة ومثيرة للجدل، حسّب وصف تقرير لشبكة (سي. إن. إن) الأميركية.

ولكن اللافت أن أيًا من الجهات الدولية لم توجه اتهامًا مباشرًا لـ”حميدتي” بارتكاب جرائم مثلما فعلت مع “موسى هلال” أو “البشير” نفسه.

المعركة التي حوّلت “حميدتي” لقائد شهير يتطلع للرئاسة..

بدأت الميليشيا التابعة لـ”حميدتي” تزداد قوة ونفوذًا وعددًا مع كل يوم يمر عليها، مع تركيز الرئيس المخلوع؛ “عمر البشير”، عليها بصورة كبيرة ومدّها بالمال والسلاح بصورة مباشرة؛ لتكون خط الدفاع الأول ضد المجموعات المسّلحة التي تُحارب نظامه في غرب “السودان”، خاصة مع وصول المتمردين إلى “أم درمان”؛ التي تُعد جزءًا من حدود العاصمة الوطنية الكبرى، ومحاولتهم التقدم إلى القصر الرئاسي في العاصمة الإدارية؛ “الخرطوم”، في شهر آيار/مايو من العام 2008، في عملية فاجأت كثيرين وأولهم الرئيس والجيش.

ولعبت قوات “حميدتي” دورًا كبيرًا في صد هذا الهجوم المباغت.

وهكذا؛ أظهرت قوات “حميدتي” أهميتها العسكرية للجيش السوداني؛ الذي يمتلك قوة جوية وأسلحة ثقيلة، لكنه كان يفتقر إلى القدرة على التنقل للقتال في المناطق الريفية والأجزاء القاحلة من “دارفور”. وكانت ميليشيا (الجنجويد) – التي تحولت لاحقًا إلى “قوات الدعم السريع” – تُهاجم المتمردين والقرى المدنية باستخدام الخيول والجمال وشاحنات الدفع الرباعي المزودة بمدافع محمولة.

وتم إضفاء مزيد من الشرعية على ميليشيات “حميدتي”، ففي عام 2013، أنشأ “البشير” وفق مرسوم رئاسي؛ “قوات الدعم السريع”، وأصبحت تحت إشرافه مباشرة، وكان قوامها الأساس مكونًا من: 5000 عنصر كانوا مسّلحين ونشطين قبل ذلك بوقت طويل مجهزين بألف سيارة عسكرية.

وأصبح لـ”محمد حمدان دقلو”؛ مطلق الحرية في السّيطرة على مناجم الذهب في “دارفور” وبيع أثمن موارد “السودان”. وبينما توالت الأزمات الاقتصادية على البلاد، أصبح “حميدتي” ثريًا.

بعد ذلك حققت “قوات الدعم السريع” انتصارات عسكرية لاحقًا على فصائل التمرد في معارك عدّة، مثل معركة “دونكي البعاشيم”؛ في 2014، ضد “قوات تحرير السودان” فصيل “أركو مناوي”.

ولمن بعض المتابعين يؤكدون بروز طموح سياسي للرجل منذ الفترة التي أعقبت أشهر معاركه ضد حركات “دارفور”. معركة “قوز دنقو”؛ التي وقعت في عام 2015، بين “قوات الدعم السريع” و”حركة العدل والمسّاواة” التي تُعد من أكبر الحركات المسّلحة في “دارفور”، وتتحدث بعض التقارير أنه أصبح يُجاهر برغبته في وراثة “البشير” منذ ذلك الوقت.

كانت تلك المعركة؛ قاصمة لظهر “حركة العدل والمسّاواة”، وبالمقابل حصد بعدها “حميدتي” رصيدًا عسكريًا وسياسيًا ضخمًا.

كما لعب “حميدتي” دورًا كبيرًا في القضاء على قوة ابن عمه؛ “موسى هلال”، مؤسس (الجنجويد) الذي أصبح مطلوبًا لـ”المحكمة الجنائية الدولية” ومتمردًا على “البشير”، حيث تم القبض عليه عام 2017.

وبعد هدوء جبهات القتال والأوضاع في “دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان”؛ اتجهت “قوات الدعم” إلى مجال مكافحة الاتجار بالبشر والمخدرات والهجرة غير الشرعية صوب قارة “أوروبا”، ما أكسّب قائد قوات “الدعم السريع”؛ “محمد حمدان دقلو”، وقواته بعض الرضا من بعض الدول الأوروبية والأسرة الدولية، رغم اتهامات لـ”قوات الدعم السريع” بأنها متورطة في الوقت ذاته في هذه الممارسات وأنها تلعب لعبة مزودجة في هذا الشأن.

وقيل إنه حصل على تمويل من “الاتحاد الأوروبي”؛ مقابل وقف الهجرة غير الشرعية.

“البشير” نقل تبعية “الدعم السريع” الأسمية للجيش ورفع رتبه..

أصبحت “قوات الدعم السريع”، قوة نظامية بقانونٍ خاص بها أجازه “البرلمان السوداني” مطلع 2017، تحولت بموجبه من قوة مقاتلة تابعة لجهاز الأمن إلى قوات نظامية تتبع القوات المسّلحة السودانية.

هذه المعارك والمهمات أثبتت الكفاءة القتالية لتلك الميليشيات وقيادة “حميدتي”؛ التي بدا أنها تحرج جنرالات الجيش السوداني.

وكان “البشير” يُلقبه: بـ”حمايتي”.

وخلال أعوام معدودة وصل الرجل إلى أعلى الرتب العسكرية وتفوّق على من سبقوه من قادة الميليشيات العربية. وعلى الرغم من أنه لا ينتمي إلى مؤسسة الجيش فهو الآن يحمل رتبة فريق أول مع منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الذي يُشاركه فيه عدد من جنرالات الجيش.

كيف تصرف مع الاحتجاجات ضد “البشير” ؟

عندما انفجرت الاحتجاجات ضد “البشير”؛ عام 2019، كان الرئيس السوداني يتوقع على الأرجح أن يحميه “حميدتي”، ولكن لم تتورط “قوات الدعم السريع” في قمع المتظاهرين طيلة شهور الاحتجاجات حتى سقوط “البشير”.

وحينما خطط مدير الأمن السابق؛ “صلاح قوش”، لسيناريو إزاحة “البشير” تحت الضغط الشعبي؛ في نيسان/إبريل 2019، الذي تحول لاعتصام في محيط قيادة الجيش، كانت المعضلة الرئيسة؛ وقتذاك، هي “قوات الدعم السريع” التي بناها “البشير” لسنوات طويلة لمثل هذا اليوم، وحوّلها إلى قوة ضاربة وجعلها شوكة في حلق الجيش الذي لا يثق فيه كثيرًا.

وقتها كان “قوش” قد حيّد القوة العسكرية لجهاز الأمن، كما حيّد وزير الدفاع ونائب “البشير”، “عوض بن عوف”، والجيش، فلم يتبقّ إلا القوة الضاربة التي يُدين صاحبها بشكلٍ شخصي بالولاء المطلق لـ”البشير”.

لكن ردة فعل “حميدتي” كانت أن رحب بقرار اللجنة الأمنية بإزاحة “البشير”؛ بعد أربعة أيام من اعتصام القيادة، ليُصبح مشاركًا في الثورة باستجابته للتخلي عن “البشير” وعدم قمع قواته للمتظاهرين.

ولما كان الجيش السوداني مهيض الجناح، تحول ميزان القوة لصالح “قوات الدعم السريع” وقائدها، حسّبما ورد في تقرير لموقع جريدة (السفير) اللبنانية.

لكن بعد شهرين من عزل “البشير”، وتحديدًا في حزيران/يونيو عام 2019، حين رفض المتظاهرون المطالبون بالانتقال الفوري إلى الحكم المدني مغادرة أماكن الاحتجاج، شّنت “قوات الدعم السريع” هجومًا وحشيًا عليهم، حسّب وصف الـ (نيويورك تايمز).

فأحرقت قواته الخيام واغتصبت النساء وقتلت العشرات وألقت بعضهم في “النيل”، بحسّب روايات عديدة لمتظاهرين وشهود. وقال مسّعفون سودانيون إن: 118 شخصًا على الأقل قُتلوا في هذا الهجوم، فيما يُعرف باسم: “مذبحة القيادة العامة للجيش السوداني”.

ونفى “حميدتي” أي دور له في هذا العنف وهاجم من وصف مقاتليه بـ (الجنجويد)؛ رغم دورها الرئيس في صعوده للسلطة.

حجم “الدعم السريع” تضاعف وباتت تمتلك طائرات مُسّيرة !

وقال تقرير صادر عن خدمة أبحاث “الكونغرس”؛ لعام 2019، إن “قوات الدعم السريع” كانت قبل توسّعها السريع تضم حوالي: 50 ألف جندي، يُقال إن من بينهم جنودًا أطفالاً.

تطورت “قوات الدعم السريع” إلى ما هو أكبر بكثير من مجرد رعاة مسّلحين. إذ بدأت الحكومة الاستعانة بالقوة التي يبلغ قوامها: 70 ألف مقاتل، حسّب بعض التقديرات، لوأد أي تمرد في “السودان”؛ وكذلك للقتال لجلب المال في حرب “اليمن” التي كان يُشنها تحالف خليجي بقيادة “السعودية”، حسّبما ورد في تقرير صحيفة الـ (نيويورك تايمز) الأميركية.

وأثرت الحرب الجنرال “حمدان” أيضًا، وباتت له مصالح تجارية في تعّدين الذهب والبناء وحتى شركة لتأجير سيارات الليموزين.

وصار أيضًا سياسيًا نشطًا يتنقل بين منطقة “القرن الإفريقي” و”الشرق الأوسط” للقاء القادة وتشّكيل علاقات وثيقة مع “موسكو”، حيث تحالف مع شركتها العسكرية الخاصة؛ (فاغنر)، التي يحرس عناصرها مناجم الذهب في “السودان”، والتي زودت قواته بالمعدات العسكرية؛ بحسب ادعاءات الصحيفة الأميركية المضللة.

ويقول محللون إن “قوات الدعم السريع”؛ ربما تضم نحو: 100 ألف عضو. فخلال العامين الماضيين، أطلق “حميدتي” حملة تجنيد سريعة سّاهمت في تعزيز صفوف “قوات الدعم السريع”. ويقول خبراء إن معظم أفرادها من غرب “السودان”، ومناطق أهملتها الحكومة لفترة طويلة، من ضمنها مناطق في الشرق بالقرب من “البحر الأحمر” وعلى طول الحدود مع جنوب “السودان”.

وأفادت تقارير أنه بنى أسطولاً من المركبات المدرعة وحصل على طائرات مُسّيرة، وفقًا لـ”محمد عثمان”، الباحث المسؤول عن السودان في منظمة (هيومن رايتس ووتش)، حسّبما نقلت عنه صحيفة الـ (واشنطن بوست) الأميركية.

كيف تطورت علاقة “البرهان” بـ”حميدتي” ؟

الجنرال “عبدالفتاح البرهان”، وهو قائد عسكري لم يكن معروفًا كثيرًا قبل عام 2019،  صّعد إلى السلطة في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بـ”عمر حسن البشير”.

وشغل “البرهان”، الذي كان المفتش العام للقوات المسلحة حينذاك، منصب قائد الجيش الإقليمي في “دارفور”، حيث قُتل: 300 ألف شخص ونزح ملايين آخرون في القتال الذي استمر من: 2003 إلى 2008، كما خدم كقائد مع القوات السودانية في “اليمن”؛ مما جعله ينسّج على الأرجح علاقات مع “السعودية” و”الإمارات”، مثلما فعل “حميدتي”، الذي كان يورِّد المقاتلين لـ”السعودية” في “اليمن”؛ ولـ”الإمارات” في “ليبيا”.

وتعود العلاقة بين “البرهان” و”حميدتي” إلى عقدين سابقين، إلى “دارفور”، فقد قاتل “البرهان” في المنطقة، وكان عقيدًا في الاستخبارات العسكرية يُنسّق هجمات الجيش والميليشيات في ولاية غرب “دارفور” من: 2003 إلى 2005.

وتحول الرجلان لحليفين بعد عزل “البشير”، وكان الفريق أول “البرهان”؛ على تحالف وثيق مع “البشير”. ولكن بعد الإطاحة بالأخير، تولى وزير دفاعه؛ الفريق “عوض محمد أحمد بن عوف”، زمام الأمور، لكن المتظاهرين طالبوا باستقالته.

تحالفا ضد “البشير” ووزير دفاعه ثم القوى المدنية..

وصلت العلاقة بين “البرهان” و”حميدتي”؛ للتحالف الحالي، بعد الإطاحة بوزير الدفاع في عهد “البشير”؛ “عوض بن عوف”، الذي تولى السلطة بعد عزل “البشير”، وسّاهم في تنظيم عملية عزله.

ولكن تم عزل “بن عوف” بعد اعتراض المحتجين عليه، وأصبح “البرهان” رئيسًا لـ”مجلس السّيادة” وقائدًا للجيش، رغم أنه لم يكن قائد صف أول في القوات المسّلحة، ولذا يعتقد أن ذلك بدعم من “حميدتي” ودعم إقليمي، فيما أصبح “حمدان” نائب رئيس “مجلس السّيادة”، وتحالف الرجلان ضد القوى المدنية.

أصبح “البرهان” الزعيم الأقوى في البلاد خلال فترة انتقالية هشة. ثم مضى “البرهان” في إحكام قبضته تدريجيًا على “السودان”، حسّب تقرير آخر لصحيفة (The New York Times) الأميركية.

ولكن “حميدتي” كان يقوم بجهود موازية للسّيطرة على مقاليد الأمور في “السودان”، مما جعل الصدام حتميًا بين الحليفين.

وبعد أن وقّع القوى المدنية والجيش اتفاقية لتقاسّم السلطة عام 2019، تولى “البرهان” رئاسة “مجلس السّيادة”، الهيئة التي ستُشرف على انتقال البلاد إلى الحكم الديمقراطي، تولي “حمدان” منصب نائب الرئيس، لكن مع اقتراب موعد تسّليم السلطة للمدنيين؛ أواخر عام 2021، (تولي مدني رئاسة مجلس السّيادة وفقًا للاتفاق)، أحجم الجنرال “البرهان” عن تسّليمها، بدعم من “حميدتي”.

وفي 25 تشرين أول/أكتوبر، احتجز “البرهان”؛ (بالتنسّيق على ما يبدو مع قوات الدعم السريع)؛ “عبدالله حمدوك”، رئيس الوزراء حينها، في منزله والذي كان يُعد ممثلاً للقوى المدنية، وقطع عنه الإنترنت واستولى على السلطة، ما أدى إلى عرقلة انتقال البلاد إلى الحكم الديمقراطي.

وبعد أسبوعين، عين “البرهان” نفسه أيضًا رئيسًا لهيئة حاكمة جديدة تعهد بأنها ستجري أول انتخابات حرة في “السودان”. لكن هذا لم يهديء جماعات المعارضة والمتظاهرين المدنيين، الذين واصلوا التدفق إلى الشوارع كل أسبوع للمطالبة باستقالته وإنهاء الحكم العسكري.

اختلفا حول مسألة دمج “الدعم السريع” في الجيش..

في كانون أول/ديسمبر عام 2022، وقع الجيش، ممثلاً بـ”البرهان”، وتحالف من الجماعات المدنية؛ (التي تُطالب بتسّلمها السلطة دون انتخابات)، اتفاقًا مبدئيًا توسّط فيه أعضاء من المجتمع الدولي لإنهاء الأزمة السياسية.

لكن هذا الاتفاق لم يلبّ مطالب بعض المدنيين الذين استمروا في الاحتجاج، ولا خصمه اللدود، الفريق “محمد حمدان”، الذي أيد موقف ائتلاف (الحرية والتغيير) – المجلس المركزي الذي أبرم الاتفاق مع العسكريين وكان يرفض توسّيع لائحة المشاركين به.

ولكن في الواقع يعتقد أن مشكلة “حميدتي” الرئيسة؛ اشتراط “البرهان” دمج “قوات الدعم السريع”؛ في الجيش خلال سنتين مما يُفقده نفوذه، بينما أراد “حميدتي” مهلة زمنية لعشر سنوات بما يعني فعليًا، عدم تنفيذ هذا الدمج.

ما أهداف “حميدتي” و”الدعم السريع” من المعركة الحالية ؟

يتبادل الطرفان الاتهامات ببدء الحرب الحالية، ولكن هناك مؤشرات على أن قوات “حميدتي”؛ هي التي بدأت القتال؛ لأن المعارك تدور حول مقرات الجيش وقواعده التي تتعرض لهجمات “الدعم السريع”.

ويبدو من حديث “حميدتي” نفسه أن هدفه مباغتة قوات الجيش بالاستيلاء على مراكز القيادة ومهاجمة القواعد الجوية هو تحيّيد سلاح الطيران الذي يُمثل نقطة تفوق الجيش الرئيسة على “قوات الدعم السريع”.

ولا يُعرف هل تحرك “قوات الدعم” جاء كتحرك استباقي كما تقول لإجهاض تحرك من الجيش للقضاء عليها، أم أن الهدف هو الاستيلاء على السلطة.

ويرى البعض أن “حميدتي” يسّعى وراء الشرعية السياسية والإقليمية، وقال “محمد عثمان”، الباحث المسؤول عن “السودان” في منظمة (هيومن رايتس ووتش): “هذا تطور تاريخي من قوة ميليشيا إلى قوة عسكرية مستقلة قوية كتلك التي نراها في الوقت الحالي”، حسّبما نقلت عنه الـ (واشنطن بوست).

وقال “كاميرون هدسون”؛ خبير السلام والأمن الإفريقيين بـ”مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، إن هدف “حميدتي” الرئيس هو النجاة، ومنحه دورًا دستوريًا في البلاد. وهو يسّتعين بشركات علاقات عامة في “كندا والمملكة المتحدة” لتحسّين صورته – وصورة “قوات الدعم السريع” – في “السودان” وحول العالم.

وتحاول “قوات الدعم السريع” أيضًا شراء الولاء في المناطق المهمشة خارج المدن؛ من خلال توفير الطعام لسكانها. لكن “هدسون” يرى أن هذه الاستراتيجية لن تؤتي أكلها؛ لأن “حميدتي” وآخرين يزدادون قوة وثراء من خلال نهب بعض هذه القرى نفسها.

يحظى بتعاطف جزئي من بعض القوى المدنية..

يبدو أن ائتلاف (الحرية والتغيير) – المجلس المركزي؛ أقرب لـ”حميدتي” منه للجيش، رغم ادعائه الحياد، لأن الائتلاف يتعامل مع الأزمة على أنها صراع بين طرفين متماثلين وليس تمردًا من قوة تابعة للجيش على قيادته الرسمية.

ولكن من المُرجّح أن أطيافًا واسعة من الشعب السوداني قد تشعر بالقلق من زعيم ميليشيا يطمح للحكم أكثر من جنرال تقليدي يُريد أن يكون مستبدًا جديدًا، كما أن من شأن تدمير أو إضعاف الجيش “السوداني” تهديد وحدة البلاد برمتها.

وعلى الأرجح أن سكان العاصمة ووسط البلاد؛ (محيط نهر النيل)، في الأغلب قد يشعرون بالقلق أيضًا من خطاب “حميدتي”؛ الذي يُقدم نفسه كممثل للغرب المهمش في مواجهة نخب الوسط التي حكمت البلاد منذ الاستقلال، ومن سلوكيات أفراد “الدعم السريع” التي باتت تخوض حرب في شوارع “الخرطوم” ضد الجيش.

في المقابل؛ رغم أن قوى الشرق السوداني السّاخطة قد تستّسيغ خطاب “حميدتي” عن مظلومية المناطق المهمشة التي تشمل الشرق، ولكنها في الأغلب لن تسّلم القياد بسّهولة لهذا الغريب القادم من أقصى الغرب، ولذا لم يكن غريبًا أن تكون هناك تقارير بأن الجيش استولى على معسكرات “الدعم السريع” في عدد من الولايات الشرقية بسهولة.

ويقول خبراء إن الجيش السوداني الرسمي، الذي يضم سلاحًا جويًا، يتمتع بميزة مهمة يتفوق بها على “قوات الدعم السريع” نظرًا لامتلاكه طائرات ومدرعات ومدفعية، وهو أقدر على حماية المواقع الثابتة.

وبالنظر إلى أن “قوات الدعم السريع” تقاتل عادة في المناطق الريفية، فأفرادها ليسوا مدربين جيدًا على القتال في المدن الحضرية مثل “الخرطوم”.

كما أن متمردي “دارفور”؛ الذين تحالفوا مع “محمد حمدان دقلو”، قد ينقلبون عليه، وخاصة أن بينهم ثارات قديمة.

يعني كل ما سّبق أن فرص “حميدتي” في أن يُصبح رئيسًا لـ”السودان” ضئيلة، رغم بعض التأييد الخجول من قبل فصائل من القوى المدنية نكاية في العسكريين.

كما أن احتمال بقاء الوضع الحالي عبر التوصل لوقف إطلاق نار من خلال الوسّطاء، بعد أن انفجر الصراع مع الجيش بالفعل، يعني استمرار البلد برأسين وجيشين، وهو أمر غير مقبول ومعناه تقسّيم غير رسمي أو حرب أهلية متقطعة تدمر الاقتصاد المنكوب أصلاً، إضافة إلى أن ثراء “حميدتي”؛ النابع من ذهب “دارفور”، مسألة شديدة الاستفزاز في بلد يُعاني من فقر مدقع مثل “السودان”.

ويجعل هذا كل خيارات “حميدتي” خطيرة بالنسبة لـ”السودان”، فاستمرار القتال داخل مناطق وسط “السودان” والعاصمة معناه تدمير البلاد، خاصةً أن قواته قد تجد نفسها محاطة ببيئة عدائية ومشكلات في الإمداد والتموين قد تدفعها إلى الاعتماد على النهب للحفاظ على قدراتها، والأخطر هو احتمال عودتها لممارسات (الجنجويد) العنيفة في بيئة حضرية مثل “الخرطوم”.

وقد يلجأ “حميدتي” للتراجع إلى “دارفور” في الغرب السوداني وأن يعمل على استغلال خطاب مظلومية الغرب، لإحكام سيطرته عليه، وفي هذه الحالة، عليه مواجهة الجيش السوداني من ناحية، واحتمالات تمرد القبائل والحركات الدارفورية الإفريقية عليه، لأنهم خصومه السابقون الذين قد يرغبون في الانتقام لثأرهم القديم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة