خاص : كتب – محمد البسفي :
في بيانات نارية الغضب أصدرتها كل من حركة (عصائب أهل الحق)؛ تحت رئاسة، “قيس الخزعلي”، وكذا ائتلاف (دولة القانون)، بزعامة، “نوري المالكي”، أمس السبت، احتجاجًا على مشروع منح “السعودية” أراضي للاستثمار في بادية العراق، (كربلاء، النجف المثنى)، مطالبين حكومة السيد “مصطفى الكاظمي”، بإيقاف هذا المشروع تحت زعم أنه يمثل تهديدات أمنية “خطيرة للغاية” من قِبل نظام له سوابق عديدة في الإضرار بأمن العراق واستقراره.
ومن المعلوم أن تلك التصريحات من القوى السياسية والميليشيات المسلحة الموالية لطهران تأتي الآن؛ في إطار الصراع (الأميركي-الإيراني)، الذي دخل مرحلة جديدة من التناحر على موارد “العراق” ومقدراته الاقتصادية عبر حلفاء “طهران” المحليين أو عن طريق حلفاء “واشنطن” من دول الجوار.
السر وراء “الإقليم السُني”..
“وائل الركابي”، الكاتب والمحلل السياسي العراقي، رأى أن الإصرار الأميركي على البقاء في العراق، وخصوصًا في محافظة “الأنبار”، والدفع باتجاه إنشاء إقليم سُني، يأتي لأن الدراسات تؤكد أن “الرمادي” ستكون الخزين الأكبر الثاني في العالم الذي ينافس الغاز الروسي، الذي تعتبره أميركا بأنه منافسًا لها في عملية الهيمنة على دول أوروبا.
وقال “الركابي”، في حوار خاص مع وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء، (إرنا)، في بغداد: أن “الموقف الأميركي هو موقف واضح؛ ولايزال يتلاعب ويمسك بالكثير من القضايا التي يحاول أن يضغط بها على الطبقة السياسية في العراق، ويحاول أن يؤثر على بعض المجاميع التي تتحرك بإرادته”.
وأضاف، أن “الجانب الأميركي يعتقد أن هذه المواقف، سواء في التحرك نحو عقد لقاءات مع شيوخ عشائر سُنية في العراق فيما يتعلق بموضوعة الإقليم السُني، أو بعض المجاميع الأخرى من الأطراف السياسية السُنية؛ التي تلوح بأن مستقبل العراق في بقاء الحشد الشعبي في المناطق المحررة”، كاشفًا: “بحدوث بعض الأمور أو الحوادث التي نكتشف في ما بعد أن الغرض من إفتعالها هو اتهام الحشد وإساءتهم له”.
وأشار “الركابي” إلى أن: “ما شاهدناه وسمعنا به جميعًا وما حدث في الفرحاتية وتبين بالنهاية أنه قضية كيدية لأبناء عشائر، (أبناء عوائل متخاصمة في ما بينهم)، وكذلك سبقت هذه الحادثة، حادثة الرضوانيه وقد اكتشف فيما بعد أن السفارة الأميركية كانت قد دفعت الأموال إلى أصحاب هذه المجاميع التي تعرضت إلى صاروخ أميركي”.
ضغوط على الحكومة العراقية..
وأكد على أن: “أميركا تضغط على الحكومة العراقية، التي للأسف الشديد؛ لم تفهم اللعبة بشكل حقيقي وإن كانت تفهمها فهي متساهلة معها في تنفيذ المشروع الأميركي الذي يحد للأسف من قدرة الحكومه على تلافي كثير من القضايا الموحدة، ومن هذه القضايا القضية الاقتصاديه التي يمر بها البلد الآن؛ والتي تحتاج إلى حلول سريعه”.
وأوضح، أن: “المخطط الذي تريده أميركا، فهي تريد أن تؤثر وتحدث وتفتعل الأزمات لكي تنتهي الانتخابات الأميركية، والعراق واحد من الأبواب التي يعيد الأمل في الولاية الثانية لترامب”.
وتابع: “لذلك نلاحظ الإسراع الأميركي في إثارة التطبيع مع الكيان الصهيوني الآن، وهذه هي واحدة من الأمور التي تجعل الأميركان يضغطون على الحكومة العراقية، في عدم صرف رواتب الموظفين العراقيين وجعل الدولة العراقية تحت الضغط المالي؛ حتى يُجبر العراق على الإقتراض الخارجي”.
ولفت “الركابي” إلى أن: “هذا الإقتراض يؤثر على الأجيال العراقية القادمة؛ وسيجعل العراق يخضع إلى فقرات وقوانين بنك النقد الدولي، وما تفرضه تلك البنوك أيضًا على مستقبل أبناء العراق، لذلك المخططات الأميركية في العراق وبعد فشل المشروع الأميركي أصبحت واضحة، خصوصًا بعد (داعش) وتصدي أبناء الحشد الشعبي الأبطال لإفشال هذا المشروع”.
وشدد على أن: “أميركا، وبعد فشلها، تحاول أن تشيع بأن الدواعش لم ينتهوا في العراق ومازالوا في مناطق عديدة، وكذلك تحاول دفع السُنة وإقناعهم في إنشاء إقليم سُني، كما تحاول خلق فوضى في الجنوب العراقي”.
تقسيم العراق..
وحذر من أن: “أميركا تريد أن تقسم العراق ويصبح ضعيفًا، وتريد أن تحافظ على إقليم كُردستان بقوته ليكون منطلقًا وداعمًا للكيان الصهيوني، وكذلك تأسيس إقليم سُني وإبقاء الجنوب في صراعات وفوضى كي تبقى هي المسيطر على أموال المنطقة”.
وحول المساعي الأميركية المتكررة لإقامة إقليم سُني في العراق، قال “الركابي”: “المساعي الأميركية في إقامة إقليم سُني في العراق واجتماعاتها مع شخصيات في أربيل وحتى أوروبا، فهي منذ سنوات وهي تستدعي وتستقبل وتستضيف شيوخ وشخصيات سياسية عراقية سُنية، واستدعتهم إلى واشنطن والتقت معهم في إسطنبول وفي دول خليجية، وفي عمان وتحاول أن تثبت في المستقبل القريب تأسيس الإقليم السُني”.
واعتبر أن: “أميركا تلعب الآن لعبة سياسية خطيرة في العراق، من خلال وجود رئيس الجمهورية وإبعاد الكتلة الأكبر كمكون كبير، ووفقًا للدستور فالكتلة الأكبر هي يجب أن تختار رئيس الوزراء، وهذا الموضوع لم يتم العمل به حين تسلم السيد الكاظمي منصب رئاسة الوزراء، حيث تم اختياره بعيدًا عن هذا العرف وبعيدًا عن هذا الشأن الدستوري”.
وكشف “الركابي” أن: “الأميركان الآن يلعبون على وتر، (ما دام قد أخرج منصب رئاسة الوزراء من الأحزاب الإسلامية، إذاً من الممكن جدًا إبعاد هذا المنصب الحساس عن الكتلة الأكبر)، وبالتالي قد يعملون على قانون انتخابات يبعد الكتل الإسلامية من السيطرة في الانتخابات والسيطرة على البرلمان”.
ورأى أنه: “من الممكن جدًا أن تنتج هذه العملية مكونات شيعية موالية إلى حركات علمانية وحركات تضرب الإسلام، وبالتالي من الممكن أن تتحالف مع كتل سُنية تصوت لقانون الانتخابات على مقاسهم؛ وقد تكون هناك عمليات أخرى أيضًا فيها تزوير وتكون بوجود الرئيس وبوجود الأميركان وبغياب البطاقة البيومترية”.
واستطرد: “كل هذه الأمور من الممكن أن تنبيء بأن هناك عملية سياسية قادمة في المستقبل قد تطيح بالأغلبية بشكل واضح، لكننا على الرغم من أننا نعول على وجود الحشد الشعبي والمرجعية الدينية وفصائل المقاومة، إلا أن الوضع يبدو لي خطير جدًا وربما هناك أزمة في المستقبل تهز كيان العراق، وأعني في المستقبل القريب وليس المستقبل البعيد”.
وحذر الكاتب والمحلل السياسي العراقي من عواقب هذه المشكلة؛ قائلاً: “هذه المشكلة تجعلنا أمام حالة من الفوضى لعدة أسباب ولعدة عوامل، خاصة مع بقاء الأميركان وعدم قيام الحكومه بتحريك ساكن أمام هذا الموضوع الخطير، فأميركا تحاول أن تجعل من قاعدة عين الأسد في الرمادي مرتكزًا لها ولتحركاتها ومخططاتها”.
وفسر سبب إصرار أميركا على البقاء في العراق وإقامة الإقليم السُني، ناتج عن أن: “الإصرار الأميركي على البقاء في الرمادي والإبقاء على قاعدة عين الأسد والدفع باتجاه إنشاء إقليم سُني، يأتي كون أن الدراسات تؤكد أن الرمادي ستكون الخزين الأكبر الثاني في العالم الذي ينافس الغاز الروسي، الذي تعتبره أميركا بأنه منافسًا لها في عملية الهيمنة على دول أوروبا”.
وختم بالقول أن: “أميركا تريد السيطرة على هذه المنطقة، وفقًا للتقارير التي تتحدث عن أن ثاني أكبر خزين من الغاز في العالم يوجد في محافظة الأنبار، لذلك الأميركان مستعدون أن يتعاملوا مع كل الأدوات الأخرى لإثارة الفتنة والقلق والفوضى حتى يبقوا في العراق لتنفيذ أجنداتهم التي تخدم الكيان الصهيوني، وبعض دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات”.
إرهاب الشركات الاستثمارية..
على جانب آخر؛ يلحظ موقع (المونيتور)، اضطرار معظم المستثمرين المحليين والأجانب، الآن، إلى الانسحاب من المشاريع في “العراق” خوفًا من انتقام الميليشيات والعشائر التي تطالبهم دومًا بدفع الأموال، مما تسبب بتوقف نحو 6 آلاف مشروع بين عامي 2008 و2019.
يؤكد الموقع إنه: “في أحدث التطورات المتعلقة بهذا الأمر، هددت شركة (بتروناس) الماليزية بمغادرة حقل الغراف النفطي في ذي قار، يوم 18 تشرين أول/أكتوبر 2020، في أعقاب توترات مع عشائر تسكن بالقرب من الحقل”.
ليست “بتروناس”، الشركة الوحيدة التي تواجه مطالب من الأحزاب والميليشيات والقبائل في العراق، ففي الـ 15 من شهر تشرين أول/أكتوبر، داهمت قوة مجهولة مجمعًا استثماريًا سكنيًا في محافظة “صلاح الدين”، واحتجزت العمال لأكثر من ثلاث ساعات وهددت بقتلهم إذا استأنفوا العمل.
وينقل الموقع عن عضو مجلس إدارة “مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية العراقية”، “محمد رحيم الربيعي”، قوله إن: “المستثمرين والشركات الأجنبية العاملة في البلاد يواجهون المزيد من محاولات الإبتزاز”.
وأضاف “الربيعي” أن: “بعض القبائل تدعي امتلاكها لأراضي مهجورة منذ عشرات السنين، بزعم أن هذه الأملاك تعود إلى آبائهم وأجدادهم، من أجل الحصول على تعويض مالي من شركات النفط أو المستثمرين”.
ويتابع أن: “الحكومة العراقية دفعت للقبائل مبالغ طائلة كتعويضات، رغم أن الأراضي التي يدعون ملكيتها، تعتبر من ممتلكات الدولة”، مشيرًا إلى: “المرحلة التالية من الإبتزاز تتمثل في إجبار الشركات على توظيف أبناء العشائر على الرغم من عدم امتلاكهم أية خبرات”.
وفي السنوات القليلة الماضية، أتخذ الإبتزاز العشائري شكلاً دينيًا، بحسب “الربيعي”، الذي يؤكد أن: “بعض الشركات أجبرت على دفع الكثير من الأموال لبناء أضرحة دينية”.
إبتزاز الشركات لحد تهجيرها !
ويقول المستشار المالي لرئيس الوزراء، “مظهر محمد صالح”، إن العراق بات يحتل اليوم المرتبة 171، من بين 190 دولة، في تقييم “سهولة ممارسة الأعمال” الصادر عن “البنك الدولي”، في عام 2019.
وعلى الرغم من توفر مئات الفرص الاستثمارية الواعدة، إلا أن معظم المستثمرين العراقيين يفضلون الذهاب لدول مجاورة، مثل “تركيا والأردن وإيران ومصر والإمارات”؛ بسبب البيروقراطية والفساد والإبتزاز وضعف القانون، وفقًا لتقرير الموقع.
ويقول رئيس جمعية المستثمرين في العراق، “علاء الموسوي”، إن الاقتصاد العراقي يعاني نتيجة الاضطرار إلى تشغيل العمالة غير الماهرة التي تفرضها العشائر والميليشيات.
ويؤكد أن محاولات الإبتزاز والتدخل الخارجي في شؤون الشركات أدت إلى إبعاد المستثمرين وحرمان الاقتصاد من فرصة خلق وظائف جديدة.
بالمقابل يشير الخبير الاقتصادي، “كريم عقراوي”، إلى أن معظم الشركات الأجنبية تريد الانسحاب من العراق بسبب تدخل الجماعات المسلحة والقبائل في عملياتها وغياب حماية الدولة.
ويقول إن هذا التدخل في شؤون الشركات يؤثر على جودة العمل ويزيد من النفقات، مضيفًا: “إذا كان مشروع ما يكلف الدولة 10 ملايين دولار عادة، فقد يتضاعف إلى 20 مليون دولار في مثل هذا المناخ”.