15 يوليو، 2025 11:40 ص

من وراءِ ندوب .. العراقيون يريدون “دولة” قبل الانتخابات !

من وراءِ ندوب .. العراقيون يريدون “دولة” قبل الانتخابات !

وكالات – كتابات :

إنطلقت مجلة الـ (إيوكونوميست) البريطانية، من قصة اعتقال القيادي في (الحشد الشعبي)، “قاسم مصلح”، ثم إطلاق سراحه، للتحدث عن صعوبة بناء الدولة في “العراق”، والمشكلات الداخلية العديدة التي يواجهها، برغم وجود مؤشرات للتقدم.

وذكّرت المجلة البريطانية؛ بزيارة “قاسم مصلح”؛ إلى مرقد “الإمام الحسين”، في “كربلاء”، بعد إطلاق سراحه وإندفاع حشد من المواطنين الفرحين بالإفراج عنه؛ وإدلائه بتصريح، قال فيه: “لم يكن لديهم دليل”، في إشارة إلى الجهة الأمنية التي اعتقلته ثم أفرجت عنه.

احتمالية تولي “الكاظمي” ولاية جديدة في حال مرونته..

واعتبرت المجلة البريطانية، في تقرير لها؛ أنه: “بالنسبة للعديد من العراقيين، كان إطلاق سراحه تذكير حزين بمدى ضعف أوضاع العراق”، مشيرة إلى أنه بعد اعتقاله بتهمة اغتيال ناشطين ضد الفساد والنفوذ الإيراني، احتل أنصاره المسلحين، على الفور، جزءًا من “المنطقة الخضراء”، وأن الدولة بدلاً من المخاطرة بوقوع نزاع دموي، أطلقت سراحه.

وأشارت المجلة إلى: “انتخابات تشرين أول/أكتوبر المقبل”، لافتة إلى أن: “ثلاثة عشر كيانًا رئيسًا يتنافسون على السلطة، سبعة منهم من الشيعة؛ وأربعة من السُنة؛ وإثنان من الكُرد”، وأنه: “من المحتمل أن ينبثق تحالفان واسعان من الشيعة والكُرد والسُنة من هذا المزيج، أحدهما يميل نحو إيران، والآخر نحو الولايات المتحدة ودول الخليج”، مُرجحة في ذات الوقت أن: “يتولى مصطفى الكاظمي، رئاسة الوزراء، في ولاية ثانية إذا أظهر لهم أنه مرن”.

وتابعت أن: “العراقيين يتساءلون عن حجم السلطة التي تتمتع بها الحكومة، التي يختارونها بالفعل؛ في ظل وجود الميليشيات والعشائر والفصائل الفاسدة والقوات الأجنبية”، مشيرة إلى أن: “كثيرين سيقاطعون عملية الاقتراع”.

وأستشهد تقرير المجلة البريطانية؛ بآراء خمسة شبان قابلهم مراسلها: “في مطعم بمدينة البصرة، يؤيدون جميعهم التظاهرات المعارضة الضخمة التي هزت البلاد، في العام 2019″، بينما: “يكشف إثنان منهم عن ندوب تعرضهما للضرب من قبل الميليشيات”.

من وراء ندوب : “أريد دولة” !

ويقول “نبيل”، وهو موظف حكومي أصيب بهراوة: “ليس لدي أي خطط للتصويت.. أريد دولة”.

ومثله مثل العديد من العراقيين، تضيف الصحيفة: “إذ يخشى، نبيل، من أن بلاده تتعرض للانتهاك من قبل قوى خارجة عن سيطرة الحكومة”.

وذكّرت المجلة: “باغتيال الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، الذي قام بزيارات لتنظيم الميليشيات الشيعية في العراق، وقتلته الولايات المتحدة، التي بدورها ما يزال لديها جيش من: 2500 جندي في العراق”.

وبعدما أشارت إلى: “دور قوات (الحشد الشعبي) في هزيمة تنظيم (داعش)، الذي سيطر على ثلث الأراضي العراقية”، أوضحت أنه: “لم يتم حل الحشد، وعلى العكس من ذلك، فهو ممول من القطاع العام بحصة: 2% من الناتج المحلي الإجمالي، العام الماضي”، معتبرة أن: “الحكومة تمول بذلك جيشًا خاصًا بولاء مشبوه ويحسده العديد من عناصر القوات الحكومية”.

وتنقل المجلة؛ عن قيادي في اللواء (العاشر)، التابع لـ (الحشد الشعبي)، وعلى جداره صورة لـ”قاسم سليماني”؛ والمرشد الأعلى لإيران، “علي خامنئي”، قوله: “إننا نطيع دائمًا أوامر رئيس الوزراء”.

أما “أبوفاطمة البصري”، الذي يُدير مركزًا للشهداء، فإنه يزيح القناع الطبي عن وجهه، وهو يُشير إلى أنهم يتبعون رئيس الحكومة في القضايا العامة، لكن: “إيماننا يتخطى رئيس الوزراء”، وفق تعبيره، ويضيف أنه يريد أن يكون الحشد على غرار (الحرس الثوري) في “إيران”.

احتمال مثير للرعب !

وترى المجلة البريطانية؛ أن هذا الاحتمال وبالنسبة للعديد من العراقيين: “يبدو مثيرًا للرعب”، مذكّرة بأن: “(الحرس الثوري) يخضع للسلطة الدينية الأعلى؛ وليس إلى الرئيس، وهو يُدير إمبراطورية تجارية واسعة وفاسدة”.

وبحسب المجلة، فإن: “(الحشد الشعبي) يُدير بالفعل عدة وزارات؛ ويُجني أموالاً كثيرة من الإبتزاز والتهريب”، مشيرة إلى أن: “الحقد على إيران ووكلائها؛ واسع الانتشار، حيث أطلق محتجون النار على القنصلية الإيرانية في كربلاء، الشهر الماضي، وأحرق آخرون مقررًا للحشد في الناصرية، العام الماضي”.

ويقول أتباع رئيس الحكومة، بحسب المجلة، إنهم: “يكبحون تدريجيًا، قوة الميليشيات، كما جرى تقديم اقتراح خطة لدمج (الحشد الشعبي) في الجيش؛ وتغطية العديد من أعضائه بالمعاشات التقاعدية، لكن الاقتراح لم يصل إلى أي مكان”.

دولة تخدم موظفيها فقط !

وأشارت إلى: “اغتيال المحلل بالشؤون الأمنية، هشام الهاشمي، أحد أقوى أنصار الحكومة، في العام الماضي”، وإلى أن: “العديد من العراقيين فقدوا الثقة برئيس الوزراء”.

واعتبرت المجلة البريطانية؛ أن: “الدولة تخدم مواطنيها، لكن الدولة العراقية تخدم موظفيها”، موضحة أن: “رواتب ومعاشات العاملين في القطاع العام؛ تستهلك ثلثي الميزانية”.

وفي العام الماضي، عندما كانت أسعار “النفط” منخفضة، بسبب وباء (كورونا)، إبتلعت هذه الرواتب ما يُقدر: بـ 122% من عائدات “النفط” العراقية، بحسب المجلة التي أشارت، إلى أن: “النفط هو المصدر الرئيس الوحيد للدخل للدولة”، وإلى أنه: “لا يتم فرض ضرائب على موظفي الخدمة المدنية على المكافآت والإمتيازات”، وأن: “رواتب الحكومة أفضل من رواتب القطاع الخاص”، ولهذا ذكّرت بتصريح لوزير المالية، “علي علاوي”، عندما قال: “الكل يريد العمل للحكومة”.

وتُهيمن الأحزاب على الوزارات؛ وتوفر الوظائف لمؤيديها وأقاربهم، وفق (الإيكونوميست)، التي تنقل عن مهندس نفطي شاب في “البصرة”: “إذا قلت أنني لست منتميًا إلى حزب، فهم لا يسمحون لي حتى بالتقدم لوظيفة”.

وعندما كان معظم موظفي الخدمة المدنية في المنزل، بسبب فترة الوباء، تنهد “علاوي”، وهو يقول: “لم يكن هناك أي تأثير على الإنتاج”، وأشارت المجلة إلى أن ذلك ليس لأنهم عملوا بضراوة عن بُعد. ويقول “علاوي” أن حوالي 10% منهم، “موظفون أشباح”، أي أنهم وهميون.

وتابعت المجلة أن الجهود المبذولة لخفض رواتب موظفي القطاع العام وتخصيص الأموال للمدارس والطرق والمستشفيات وغيرها، تواجه مقاومة شرسة. وأوضحت أن السياسيين يخشون: “تمرد” هذه القطاعات من المواطنين، الذين يُمثلون: 4.5 مليون موظف حكومي؛ و2.5 مليون متقاعد.

“الغاز العراقي” ثروة تضيع في الهواء..

ويقول “علاوي”؛ أن الطلب على استهلاك الكهرباء: “خارج عن السيطرة”، لأنها تكاد تكون مجانية.

وأشارت إلى أنه إذا اضطر العراقيون إلى دفع فواتيرهم، فسيكونون أقل هدرًا في استهلاك الكهرباء، وللمفارقة، أشارت المجلة البريطانية إلى أن “العراق” يستورد “الغاز الطبيعي” الايراني لتوليد المزيد من الكهرباء، في حين أن “العراق” يُنتج كميات كبيرة من “الغاز”، لكنه يضيع في عمليات حرقها أو إطلاقها في الغلاف الجوي.

وعلى جزيرة صغيرة محاطة بالجواميس في مستنقع بالقرب من “البصرة”، يشكو “نعمان السلمي”، من “الغاز” المشتعل والتلوث الضبابي، ويقول: “لا يمكننا الحصول على وظيفة، فقط السرطان”.

كما اعتبرت أن بعض العراقيين المبتلين بالمسلحين، يشعرون بخيبة أمل من الدين نفسه، فيما يندب الأئمة انحسار أعداد المصلين من أتباعهم. وأضافت أن احترام حقوق الإنسان غائب، ولم توجه اتهامات لقتلة المتظاهرين برغم التحقيقات الجارية.

نقاط ضوء..

وأشارت إلى أن “العراق” عانى من دمار كبير من الديكتاتورية والإبادة الجماعية و(داعش)، وأن بناء أمة قادرة على حكم “العراق” يتطلب الكثير من العمل، مضيفة؛ لكن هناك بوادر على التقدم.

وأوضحت أن السبب الرئيس للتفاؤل؛ هو أنه برغم استمرار العنف، إلا أنه ليس بنفس القدر الذي حدث في أي وقت، منذ الغزو الذي قادته “الولايات المتحدة”، العام 2003، مشيرة إلى أن آخر انفجار لسيارة مفخخة كبيرة، كان في عام 2017. والنزاعات العشائرية لا تزال شائعة، لكنها تتراجع. أما “العراق” فإنه صار بلدًا مفتوحًا والتأشيرات التي كانت تستغرق شهورًا، أصبحت متاحة الآن عند الوصول. وتعبر حركة السير عبر نقاط التفتيش الأمنية بسهولة أكبر من ذي قبل.

وتابعت؛ أن الاقتصاد يتعافى من وباء (كورونا)، ويتوقع “البنك الدولي” انخفاضًا بنسبة: 10%، في العام الماضي، ولكن هناك نمو متوقع بنسبة: 2%، هذا العام، ونموًا بنسبة 8.4%، في العام 2022. ومن المتوقع أن يتقلص عجز الميزانية من: 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في العام 2021. وبرغم انتشار الفساد، إلا أن المتفائلين يُشيرون إلى أن الكثير من الأموال المسروقة؛ يتم استثمارها محليًا، وليس في الخارج.

ومدينة “الموصل” القديمة، التي قصفت خلال حرب (داعش)، أعيد بناؤها بمساعدة الأمم المتحدة، ومن بين 6 ملايين عراقي، نفتهم الحرب، عاد ما يقرب من: 80% منهم إلى مسقط رأسهم.

كما أشارت المجلة البريطانية إلى أن: “وباء (كورونا) شجع الإبتكار”، وأوضحت أن بطاقات الائتمان نادرة ويصعب على العراقيين القيام بطلبات عبر “الإنترنت”، مما دفع شركات مثل: “زين كاش” إلى بناء تطبيقات تتيح الدفع المالي رقميًا. ويقول “رشوان شريف”، الذي يُدير شركة تسويق عبر “الإنترنت”، مقرها “البصرة”: “بفضل (كوفيد-19)، تعمل الشركات الصغيرة بسرعة مذهلة”.

وفي غضون ذلك، يواصل العراقيون العاديون حياتهم، ويتذكر “غيث الحلو”، أنه: “خضع لامتحان ثانوي في بغداد، خلال الأوقات المضطربة، في العام 2007، ولم يوقف المعلم الامتحان عندما وقع تبادل لإطلاق النار في الطابق السفلي، وطلب من التلاميذ الجلوس بعيدًا عن النافذة”.

الآن في سن الثلاثين، نادرًا ما يسمع “غيث”، إطلاق نار، وهو يقوم بتطوير شركة ناشئة عبر “الإنترنت”؛ تدعى: “إنضم إلى النادي”، لمساعدة العراقيين على تحسين لغتهم الإنكليزيية، ولديه أمل حذر إزاء المستقبل، لكنه لا يزال ينظر باستخفاف إلى خياراته في الانتخابات المقبلة، ويقول: “سأفسد بطاقة الاقتراع”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة