28 ديسمبر، 2024 12:22 م

من “نيجيريا” إلى “الغابون” .. لما تختلف مواقف فرنسا بين البلدين ؟

من “نيجيريا” إلى “الغابون” .. لما تختلف مواقف فرنسا بين البلدين ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

استفسارات عديدة أثارها التباين في الموقف الفرنسي بعد الانقلابين العسكريين في “النيجر” و”الغابون”، حيث أثريت تساؤلات عن معايير الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، الذي صرح الجمعة، بأن: “الوضع في النيجر مختلف للغاية عما يحدث في الغابون”، وفق ما نقلته (رويترز)، دون توضيحات لأسباب الاختلاف.

وعلى الرُغم من إدانة “باريس”؛ إلا أنها لم تُصّدر أي تهديدات ضد الانقلابيين في “الغابون”، ولم تحشد الأصوات الدولية والإقليمية للوقوف ضد سلطات الانقلاب، ولم تلوح بالتدخل العسكري كما حدث في “النيجر”.

ويلاحظ أن “الغابون” لم تخرج فيها مظاهرات من داعمي الانقلاب تُندّد بالوجود الفرنسي فيها؛ كتلك التي شهدتها “النيجر”، وهتف فيها المتظاهرون: بـ”تسقط فرنسا.. تحيا روسيا”.

مواقف مختلفة مع البلدين..

انقلاب “النيجر”؛ وقع في 26 تموز/يوليو 2023، بينما وقع انقلاب “الغابون” يوم 30 آب/أغسطس 2023، واختلف رد فعل “باريس” نحو البلدين الواقعين في غرب “إفريقيا”، حيث أعلن المتحدّث باسم الحكومة الفرنسية؛ “أوليفييه فيران”، أن “باريس”: “تُدين الانقلاب العسكري الجاري حاليًا” في “الغابون”، و”تُراقب بانتباه شديد تطوّرات الوضع”.

لكن “باريس” لم تُطالب بعودة رئيس الغابون؛ “علي بونغو”، بينما أكدت على عودة رئيس النيجر؛ “محمد بازوم”، والذي قال “ماكرون”؛ الجمعة، إنه يتحدث معه يوميًا.

كما لم تستخدم “باريس” اللهجة الحادة التي استخدمتها ضد انقلاب “النيجر”، حين طالبت بعودة النظام الدستوري، وأيّدت توجه “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”؛ (إيكواس)، لاستخدام القوة العسكرية لإعادة “بازوم”.

كذلك لم تُفرض عقوبات اقتصادية على “الغابون” كما سارعت وفعلت مع “النيجر”.

ويوجد لـ”فرنسا” مصالح عسكرية واقتصادية كبيرة في الدولتين، لكنها يبدو أنها ليست قلقة على مكانتها في “الغابون”، وهو ما يكشف عن: “ازدواجية” معاييرها تجاه الديمقراطية.

كما أن “فرنسا” خسّرت نفوذها الأبرز في “غرب إفريقيا”، بعدما استولى العسكر على السلطة في “النيجر”؛ في 26 تموز/يوليو الماضي، كما فقدت أيضًا مصالحها في “مالي وبوركينا فاسو” بنفس الطريقة.

وتُعد هذه الدول غنية بموارد طبيعية كثيرة؛ خاصة (اليورانيوم والذهب والنفط)، رُغم معاناة غالبية سكانها من الفقر المدقع.

مصالح مختلفة..

تعليقًا على ذلك؛ تقول مديرة تحرير صحيفة (الأهرام) المصرية والخبيرة في الشأن الإفريقي؛ “أسماء الحسيني”، إن انقلابيي “النيجر” ألغوا الاتفاقات العسكرية مع “فرنسا”، وطالبوا بخروج قواتها، كما أعلنوا طرد السفير، وهو القرار الذي لم تعترف به “باريس”.

لكن في “الغابون”؛ وفق “الحسيني”، تحتفظ “باريس” بخطوط تواصل مفتوحة، وترى بأن مستعمرتها السابقة، شهدت عدة أخطاء ديمقراطية ودستورية بعدما سّعى الرئيس؛ “علي بونغو”، إلى تعديل دستوري ليسمح لنفسه برئاسة البلاد لولاية ثالثة، فضلاً عن مخالفات شابت العملية الانتخابية.

مشيرة إلى أن “فرنسا” تُريد تجديد شراكتها مع الانقلابيين في “الغابون”، بعكس “النيجر”، الذين يبدو أن لهم مصالح أخرى.

ازدواجية المعايير عند الغرب !

من جانبه؛ يرى الباحث في الشؤون الإفريقية المقيم في باريس؛ “د. محمد تورشين”، أن طريقة تعامل “فرنسا” مع الانقلاب في “الغابون” تكشف: “ازدواجية” المعايير لدى الغرب في قضية الديمقراطية.

وقال إن: “فرنسا تعاملت مع الغابون كما تعاملت مع انقلاب غينيا كوناكري، لأن الانقلابيين لم يُخالفوا التوجهات العامة للدولة، التي تُعد شريكًا مهمًا لفرنسا، ولم يُشكلوا أي تهديد لمصالحها في مستعمرتها السابقة”.

ويتوقع “تورشين” أن تتعاطى “فرنسا” بهذه الطريقة بدون ممارسة أي ضغوط على الانقلابيين في “الغابون”، عبر إيجاد مبررات بأن الانتخابات لم تكن نزيهة وشهدت نقاط خلافية كثيرة.

ويرى الباحث في الشؤون الإفريقية أن هذا التصرف قد يُعيد القارة السمراء إلى فترة “الحرب الباردة” والانقلابات لإنشاء دول تُدين بالولاء لـ”روسيا” أو للغرب، أو حتى لـ”الصين”، التي تستخدم الدبلوماسية الناعمة عادة.

المعارضة الغابونية أكثر خطورة..

الباحث المتخصّص في شؤون غرب إفريقيا؛ “تشارلز أسيغبو”، يقول إن اختلاف التعامل الفرنسي مع الانقلابيْن، ليس موضع تحليل سياسي، بل هو حقيقة لها عدة أسباب، منها أن “باريس” لا تخشى حتى الآن مِن قادة انقلاب “الغابون”؛ فهم لم يُطالبوا بخروج قواتها، ولم يهدِّدوا مصالح شركاتها الموجودة في قطاعي (المنغنير والنفط)، وتحظى بمعاملة تفضيلية.

المعارضة الغابونية تبدو أكثر خطورة على مصالح “باريس” من الانقلابيين، وسبق لها التظاهر ضد زيارة “ماكرون”؛ في آذار/مارس الماضي، كما خرج زعيم المعارضة ليصف الانقلاب بأنه: “ثورة القصر”؛ (في اعتقاد منه أن أسرة الرئيس تقف وراء الانقلاب لتتجنّب احتجاجات المعارضة على فوزه بالانتخابات، ثم تعود للحكم بطريقة أخرى).

فيما يبدو الوضع في “النيجر” أكثر تهديدًا، حيث هناك احتمال لتمدّد مجموعة (فاغنر) الروسية، كما أن القادة العسكريين في “نيامي” يُمارسون أقسّى درجات الضغط لإخراج القوات الفرنسية وحشد الشعب ضد “باريس”.

بالإضافة إلى أن الوضع الصحي للرئيس الغابوني؛ “علي بونغو”، وتاريخ أسرته التي تحكم البلاد منذ 53 عامًا، أحد عوامل ضعف ضغط “فرنسا” على قادة الانقلاب، فكيف لـ”باريس” أن تُدافع عن شخص مصاب بجلطة دماغية ورث السلطة من أبيه، وهو الأمر الذي كان سيُشكل إحراجًا لـ”باريس”.

دعم عائلة “بونغو”..

يؤكّد الباحث في العلاقات الدولية؛ “هاني الجمل”، على نقطة تبّرم المعارضة السياسية في “الغابون” من “فرنسا”؛ لأنها: “دعمت عائلة بونغو؛ التي سيطرت على مقاليد الحكم لمدة تلامس 53 عامًا، وواصلت دعم بونغو رغم إصابته بجلطة دماغية وغيابه عن السلطة الفعلية، متجاهلة رغبات المعارضة في التغييّر، والذي ظهر خلال محاولة الانقلاب الأولى عام 2019، لكنها لم تُكلل بالنجاح”.

دول في دائرة الخطر..

من ناحية أخرى؛ يُحذّر الأكاديمي الفرنسي وأستاذ العلاقات الدولية؛ “فرانك فارنيل”، من وقوع انقلابات في دول أخرى وسط وغرب القارة، وهي المنطقة التي يصفها: بـ”الهشّة”.

ويُحدّد “فارنيل” بشكلٍ خاص دول مثل: “الكاميرون والكونغو برازافيل، ومدغشقر وتشاد”، قائلاً إن بعضها تُعاني الفساد وأخرى حكامها متقدمون في السّن، وتحتاج إلى مراقبتها عن كثب، وإنه يجب على المجتمع الدولي أن يُشارك بنشاط في المبادرات التي تُعّزز الحكم المسؤول وتقوي المؤسسات وتُعّزز التنمية في أنحاء القارة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة