وكالات – كتابات:
انتقدت ما لا تقل عن ثلاث برقيات سياسة الإدارة الأميركية، تم إرسالها عبر “قناة المعارضة” الداخلية؛ بـ”وزارة الخارجية” الأميركية، والتي تأسست خلال “حرب فيتنام”، وتسمح للدبلوماسيين بإثارة المخاوف بشأن السياسة مع وزير الخارجية، دون الكشف عن هوياتهم، وفق ما أفادت مصادر مطلعة لوكالة (رويترز)، حيث تركزت معظم الانتقادات على دعم الرئيس؛ “بايدن”، الراسّخ لـ”إسرائيل”، في أعقاب هجوم السابع من تشرين أول/أكتوبر، ووقوع آلاف الضحايا من المدنييّن الفلسطينيين.
كيف علَّق “بلينكن” على هذه البرقيات الداخلية المعارِضة لاستمرار الحرب في “غزة” ؟
تقول وكالة (فرانس برس) الفرنسية؛ إن هذا الانتقاد جاء بعد عودة وزير الخارجية من رحلة استغرقت تسعة أيام إلى “الشرق الأوسط وآسيا”. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى موظفي الوزارة، أقرّ “بلينكن” بالأثر العاطفي الذي أحدثه الصراع على العاملين في الوزارة، وكذلك بالانقسامات المحتملة بين رؤساء الأقسام حول السياسة المنتّهجة.
وقال “بلينكن”؛ في الرسالة: “أعلم أن المعاناة التي سبَّبتها هذه الأزمة للكثيرين منكم لها أثر كبير على المستوى الشخصي”. مضيفًا أن: “المعاناة المصاحبة لرؤية صور يوميًا للرُّضع والأطفال والمسّنين والنساء وغيرهم من المدنييّن الذين يُعانون في هذه الأزمة أمر مؤلم، وأنا شخصيًا أشعر بذلك”، حسّب تعبيره.
وتابع: “أعلم أيضًا أن بعض الأشخاص في الوزارة قد يختلفون مع الأساليب التي نتبعها، أو لديهم وجهات نظر حول ما يمكننا القيام به بشكلٍ أفضل، لقد نظّمنا منتديات في واشنطن للاستماع إليكم، وشجَّعنا المديرين والفرق على إجراء مناقشات صريحة مع العاملين حول العالم على وجه التحديد، حتى نتمكّن من سماع تعليقاتكم وأفكاركم، لقد طلبت من قيادتنا العُليا الاستمرار في القيام بذلك”.
يُشار إلى أن رسالة “بلينكن” أتت وسط احتجاجات كبيرة في “الولايات المتحدة” ودول أخرى تُطالب بوقف إطلاق النار، وقلق واسع النطاق بين المسؤولين بشأن تعامل “الولايات المتحدة” مع أزمة الشرق الأوسط. وأعلن أحد مسؤولي “وزارة الخارجية” استقالته، وقال إنه يُعارض استمرار تقديم مساعدات لـ”إسرائيل” تتسّبب في سقوط قتلى.
إلى ذلك؛ وفي مؤتمر صحافي، كان المتحدث باسم الوزارة؛ “ماثيو ميلر”، قد أورد أن “بلينكن” التقى بعدد من الأشخاص من مكاتب مختلفة داخل الوزارة، للاستماع إلى آرائهم حول السياسة المتعلقة بالحرب بين “إسرائيل” والفلسطينيين.
وأضاف “ميلر”: “إنه يُشجع الناس على تقديم تعليقات، ويُشجع الناس على التحدث إذا اختلفوا، وهذا لا يعني أننا سنُغيّر سياستنا بناءً على ما يعتقدونه”.
تحركات واستقالات داخل “الخارجية الأميركية”..
في هذا الصدد تؤكد “نيكول باشاران”، مؤرخة ومختصة في السياسة وشؤون المجتمع الأميركي، لوكالة (فرانس 24)، أن: “هناك تحركات داخل وزارة الخارجية الأميركية؛ مثل الرسائل التي بُعثت، وبعض الاستقالات، وهو موضوع صعب للغاية. إنه جوهر الخيار المأساوي، ليس هناك خيار جيد يجب اتخاذه في هذه المأساة، لكن تبقى الإدارة قريبة من الرئيس، في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، و(البنتاغون) كلهم يقفون بقوة خلف الرئيس، وفي الكونغرس أيضًاً، الدعم لإسرائيل قوي… لكن في مجلس الشيوخ ومجلس النواب هناك الجناح التقدمي واليساري الذي يحتج”.
هذا؛ وقد نشر أكثر من: 500 شخص عملوا في حملة “بايدن” الانتخابية العام 2020؛ رسالةً تدعو الرئيس؛ “بايدن” إلى دعم الوقف الفوري لإطلاق النار. ونظّمت مجموعة من موظفي “الكونغرس” وقفةً احتجاجيةً في مبنى (الكابيتول)، للمطالبة بوقف إطلاق النار، بحسّب صور تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان وزير الخارجية الأميركي؛ “أنتوني بلينكن”، قد أظهر نوعًا من الليونة في السياسة الأميركية تجاه الحرب بين “إسرائيل” وحركة (حماس)، في مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع وزير الخارجية البريطاني؛ “ديفيد كاميرون”، بـ”واشنطن”، يوم الخميس 07 كانون أول/ديسمبر.
وفي تصريح اعتبر من أشد انتقاداته العلنية لنهج “إسرائيل” في حملتها بجنوب “غزة”، أوضح “بلينكن” أن هناك فجوة بين نوايا الحكومة الإسرائيلية المعلنة لحماية المدنييّن وبين عدد القتلى.
وقال: “بينما نقف هنا بعد مرور ما يقرب من أسبوع على هذه الحملة في الجنوب… يظل من الضروري أن تولي إسرائيل أهمية لحماية المدنيّين. لا تزال هناك فجوة بين النية لحماية المدنييّن والنتائج الفعلية التي نراها على الأرض”، على حد تعبيره.
مسلمون أميركيون يُدشّنون حملة “حرمان بايدن من الفوز”..
بالإضافة إلى المعارضة الداخلية التي طالت الرئيس الأميركي، يتعهد زعماء مسلمون أميركيون بالتخلي عنه في انتخابات 2024، بسبب موقفه من الحرب في “غزة”.
فقد وعد زعماء مسلمون أميركيون من ست ولايات متأرجحة، تُعد حاسّمة في انتخابات الرئاسة الأميركية، بحشّد مجتمعاتهم ضد إعادة انتخاب “جو بايدن”، لكنهم لم يستقروا بعد على دعم مرشحٍ بديل.
وتُعتبر الولايات الست من بين الولايات القليلة التي أتاحت لـ”بايدن” الفوز في انتخابات 2020. وقد تؤدي معارضة مجتمعاتها المسلمة والعربية الأميركية الكبيرة إلى تعقيد طريق الرئيس نحو الفوز بأصوات المجمع الانتخابي في العام المقبل.
وبالنسبة لـ”نيكول باشاران”؛ فالأمر وارد جدًا، وأوضحت لـ (فرانس 24)، أنه: “إذا سلمنا أن المرشح الذي سيتحدى؛ بايدن، هو دونالد ترامب، وهو أمر مُرجّح اليوم، فإن دعمه (ترامب) لإسرائيل سيكون ببساطة أكثر شدة، والعواقب أكثر قسوة وأكثر وحشية من دعم جو بايدن”.
وأضافت أن: “هناك حركات خاصة في بعض الولايات الرئيسة لمواطنين أميركيين عرب، وأميركيين فلسطينيين، ممن صوتوا لبايدن، والذين يُطالبون الآن بعدم التصويت له”.
ويعلم الأميركيون المسلمون أنهم لا يتوقعون أن يُعاملهم “ترامب” بشكلٍ أفضل إذا أُعيد انتخابه، لكنهم يرون أن حرمان “بايدن” من أصواتهم هي الوسيلة الوحيدة لتشّكيل أو إعادة تشّكيل السياسة الأميركية. وتوضح “باشاران”: “عندما نقول لهم: ولكن مع ترامب سيكون الأمر أسوأ، يجيبون: نصوّت مثلما يحلو لنا، نريد التخلي عن بايدن. إنها استراتيجية تضعف الرئيس”.
وبدأت حملة (التخلي عن بايدن)؛ عندما طالب الأميركيون المسلمون في “مينيسوتا”؛ “بايدن”، بأن يدعو إلى وقف إطلاق النار في “غزة” بحلول 31 تشرين أول/أكتوبر. وامتدت الحملة إلى “ميشيغان وأريزونا وويسكونسن وبنسلفانيا وفلوريدا”.
وأظهر استطلاع حديث للرأي أن شعبية “بايدن” بين الأميركيين العرب انخفضت من أغلبية مريحة في العام 2020؛ إلى: (17%)، علمًا أن التحولات الصغيرة في الدعم يمكن أن تُحدث فرقًا في الولايات التي فاز بها “بايدن” بفارق ضئيل في العام 2020.
وفي الوقت نفسه وبشكلٍ عام انخفضت شعبية “بايدن” بنسّبة: (43%)؛ مقابل: (47%) لصالح “ترامب”، لأول مرة منذ توليه الحكم، بحسّب استطلاع للرأي نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال).
“في نفاقٍ تام.. يتركون المهمة لإسرائيل” !
رُغم استخدام “واشنطن” حق النقض (فيتو)؛ ضد مشروع قرار في “مجلس الأمن”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”، يُطالب بوقف فوري لإطلاق النار، تُواصل “الولايات المتحدة” ضغوطها على “إسرائيل” لبذل المزيد من الجهد لحماية المدنييّن الفلسطينيين خلال هجومها على حركة (حماس) في أنحاء “قطاع غزة”، بسبب الضغوطات الداخلية عليها.
وفي هذا الشأن؛ توضح “نيكول باشاران”؛ لـ (فرانس 24)، قائلة: “إدارة بايدن؛ لا ترى أي تناقض في الموقف الأميركي، لأنها تعتقد أنه لا يمكن فعل شيء مع (حماس)”. وتضيف: “الأميركيون هم الوحيدون الذين يقولون هذا الكلام، ولكنهم ليسوا الوحيدين الذين يؤمنون به”، على حد تعبيرها.
من جانبه؛ وفي استنكار: “لكابوس إنساني متصاعد”، كان الأمين العام للأمم المتحدة؛ “أنطونيو غوتيريش”، قد أعلن أنه لا يوجد مكان آمن في “غزة” للمدنييّن، وذلك قبل ساعات من استخدام “الولايات المتحدة” حق النقض ضد قرار في “مجلس الأمن” تدعمه الغالبية العظمى من أعضائه، يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني في “غزة”. فيما ترك التصّويت “واشنطن” معزولةً دبلوماسيًا في المجلس المؤلف من: (15) عضوًا. إذ صّوت: (13) عضوًا لصالح مشروع القرار، وامتنعت “بريطانيا” عن التصّويت.
هل سيُضحَّى بالرهائن ؟
مع اشتّداد القتال وارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين وتصاعُد وتيرة القصف الإسرائيلي على “قطاع غزة” من الشمال إلى الجنوب، في مرحلة موسعة من حرب مستمرة منذ شهرين، كشف “جون فاينر”، مساعد الأمن القومي بـ”البيت الأبيض”، بأن “الولايات المتحدة” لم تُحدد لـ”إسرائيل” موعدًا نهائيًا لإنهاء العمليات القتالية الرئيسة ضد (حماس) في “قطاع غزة”.
وأضاف “فاينر”؛ في منتدى (آسبن) الأمني في “واشنطن”، أن العديد من: “الأهداف العسكرية المشّروعة” ما زالت في جنوب “غزة”، بما في ذلك الكثير، إن لم يكن معظم قيادات (حماس)، لكن تبقى مسألة الرهائن المحتجزين لدى حركة (حماس) مصدر قلق الجميع في “إسرائيل”، خاصةً بعد توقف المفاوضات وعدم وجود نهاية للقتال تلوح في الأفق.
وفي هذا الشأن تدلي المؤرخة المختصة في السياسة والمجتمع الأميركي بشهادتها؛ لـ (فرانس 24)، وتقول: “السؤال الذي يُطرح الآن هو: هل ستتم التضحية بالرهائن أم لا ؟”.
وأردفت “باشاران”: “من الواضح أنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار، ولكن متى، وفي أي ظروف، ومع من، ولأي مستقبل ؟.. للأسف بالنسبة لأولئك الذين يتعين عليهم اتخاذ القرارات أكيد أن الأمر غير واضح اليوم”.