وكالات – كتابات:
“تعرية مدنييّن فلسطينيين، وإساءة لمقدسّات المسلمين، وتدمير لإمدادات المياه والطعام النادرة”.. يتكشف مزيد من جرائم الاحتلال عبر فيديوهات جنود الجيش الإسرائيلي التي نشروها على مواقع التواصل وتُظهرهم وهم يحتفون بقمع الشعب الفلسطيني في “غزة”.
أظهرت فيديوهات جنود الجيش الإسرائيلي عملية تفتيش للمنازل الخاصة في “غزة”، كما ظهرت قوات الاحتلال وهي تقوم بتدمير ألعاب بلاستيكية في متجر ألعاب، أو تُحاول حرق إمدادات الطعام والمياه في الجزء الخلفي من شاحنة مهجورة، والجنود الإسرائيليون يتعانقون، مرددين شعارات عنصرية، وهم يرقصون في دائرة، حسّبما ورد في تقرير لوكالة (آسوشيتد برس-Associated Press) الأميركية.
وتسبب ظهور عدة مقاطع فيديو وصور لجنود إسرائيليين في الأيام الأخيرة وهم يعيّثون فسادًا في “غزة” في صُداعٍ جديد للجيش الإسرائيلي، في الوقت الذي يواجه فيه انتقادات دولية بسبب تكتيكاته وارتفاع عدد القتلى المدنييّن في حربه العقابية ضد (حماس).
فيديوهات الجنود الإسرائيليين جزء من تاريخ مشّين لـ”إسرائيل” و”أميركا”..
يبدو أن مقاطع الفيديو قد تم تحميلها من قِبَلِ الجنود أنفسهم أثناء وجودهم في “غزة”، حسّب الوكالة الأميركية.
وتعهّد الجيش الإسرائيلي؛ باتخاذ إجراءات تأديبية بحق ما قال إنها مجموعة من الحالات الفردية.
ولا تُعتبر مقاطع الفيديو هذه ظاهرة جديدة أو فريدة من نوعها، فعلى مر السنين ظهر الجنود الإسرائيليون – وجنود آخرون من الجيش الأميركي وغيره من الجيوش الأوروبية – أمام الكاميرا وهم يتصرفون بشكلٍ غير لائق أو بشكلٍ ضار في مناطق الصراع.
هذه المرة تكشف حقيقة ما يدور في المجتمع الإسرائيلي..
غير أن نقادًا يقولون إن مقاطع الفيديو الجديدة؛ التي تم تجاهلها إلى حدٍ كبير في “إسرائيل”، تعكس مزاجًا وطنيًا داعمًا بشدة للحرب في “غزة”، دون تعاطفٍ مع محنة المدنيّين فيها.
وقالت “درور سادوت”، المتحدثة باسم منظمة (بتسيلم) الإسرائيلية لحقوق الإنسان، التي وثّقت منذ فترة طويلة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين: “إن التجريد من الإنسانية من أعلى؛ (قيادة جيش الاحتلال)، يمتد إلى الجنود”.
وتخوض “إسرائيل” قتالاً ضاريًا في “غزة”؛ منذ 07 تشرين أول/أكتوبر، قُتِلَ فيه أكثر من: (18.400) فلسطيني في “غزة”، ثُلثاهم تقريبًا من النساء والأطفال، وفقًا لـ”وزارة الصحة” في القطاع الذي تُسّيطر عليه (حماس)، وقد هُجِّرَ حوالي: (90%) من سكان القطاع، البالغ عددهم: (2.3) مليون نسّمة.
إساءة للمقدسّات وتدمير لإمدادات المياه والطعام النادرة..
في أحد مقاطع فيديوهات جنود الجيش الإسرائيلي؛ يركب الجنود دراجات هوائية وسط الأنقاض. وفي صورة أخرى قام جندي بنقل سجاجيد الصلاة إلى الحمام، وفي أخرى يقوم جندي بتصوير صناديق الملابس الداخلية التي عُثِرَ عليها في منزل في “غزة”. ويُظهِر مقطع فيديو جنديًا يُحاول إشعال النار في إمدادات الغذاء والمياه النادرة في “غزة”.
وفي صورة أخرى يقف جندي بجوار كلمات مرسومة باللون الأحمر على مبنى وردي اللون؛ تقول: “بدلاً من محو الكتابة على الجدران، دعونا نمحو غزة”.
دعوة لمحو “غزة”..
يُظهر مقطع فيديو نشره الإعلامي الإسرائيلي المحافظ؛ “ينون ماغال”، على منصة (إكس)، عشرات الجنود يرقصون في دائرة، على ما يبدو في “غزة”، ويُغنون أغنيةً تتضمن عبارة: “غزة جئنا لننتصر.. نحن نعرف شعارنا.. ما من أشخاص غير متورطين”.
ويحمِّل الجيش الإسرائيلي؛ (حماس)، المسؤولية عن عدد القتلى المدنييّن، زاعمًا أن الحركة تعمل في أحياء مزدحمة وتستخدم السُكان دروعًا بشرية.
شوهِدَ الفيديو؛ الذي أخذه “ماغال” من منصة (فيس بوك)، ما يقرب من: (200) ألف مرة على حسابه، وشورِكَ على نطاق واسع على حسابات أخرى.
وقال “ماغال” إنه لا يعرف الجنود المتورطين، لكن وكالة (Associated Press) الأميركية تحققت من الخلفيات والزي الرسمي واللغة التي سُمعت في مقاطع الفيديو، ووجدتها متوافقة مع التقارير المستقلة.
وقال “ماغال” إن الفيديو ضرب على وتر حسّاس بين الإسرائيليين بسبب اللحن الشعبي، ولأن الإسرائيليين بحاجة لرؤية صور جيش قوي. وهو مبني على الأغنية الحماسية لفريق كرة القدم (بيتار القدس)، الذي يتمتع مشجعوه المتشّددون بتاريخ من الهتافات العنصرية ضد العرب والسلوك المشاكس.
تبرير إسرائيلي لهذه الجرائم وإدانة شّكلية..
قال “ماغال”: “هؤلاء مقاتلون، إنهم يقاتلون ضد القتلة المتوحشين، وبعد ما فعلوه بنا ليس عليّ أن أدافع عن نفسي أمام أي شخص”.
وأدان “ماغال” مقاطع الفيديو الأخرى التي ظهرت، بما في ذلك نهب متجر الألعاب، على ما يبدو في منطقة “جباليا” الشمالية، وأدان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي؛ الأدميرال “دانييل هاغاري”، يوم الأحد، بعض التصرفات التي ظهرت في مقاطع الفيديو الأخيرة. وقال: “لا يتوافق هذا مع قيّم الجيش الإسرائيلي بأي حال، وسوف تُتَّخذ خطوات قيادية وتأديبية”.
الأسوأ هو تعرية المدنيين الفلسطينيين وتصويرهم..
ظهرت مقاطع الفيديو بعد أيام قليلة من تسّريب صور ومقاطع فيديو لفلسطينيين محتجزين في “غزة”، وقد جُرِّدوا إلا من ملابسهم الداخلية، وفي بعض الحالات كانوا معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي، ما لفت الانتباه الدولي أيضًا. ويقول الجيش إنه لم ينشر تلك الصور، لكن “هاغاري” قال؛ هذا الأسبوع، إن الجنود جَردوا المعتقلين الفلسطينيين من ملابسهم، للتأكد من أنهم لا يرتدون سترات ناسفة.
وبثَّ “أسامة حمدان”، أحد كبار مسؤولي (حماس)، مقطعَ فيديو للجندي في متجر الألعاب في مؤتمر صحافي في “بيروت”، ووصف اللقطات بأنها: “مثيرة للاشمئزاز”.
وتعرضت (حماس) لانتقادات شديدة لنشرها سلسلةً من مقاطع الفيديو لرهائن إسرائيليين، وارتدى مقاتلو (حماس) كاميرات شخصية أثناء هجوم 07 تشرين أول/أكتوبر، والتقطوا صورًا لهجمات مميتة على الإسرائيليين.
وقال “غسان الخطيب”، الوزير الفلسطيني السابق ومفاوض السلام، إنه لا يتذكر الوقت الذي كان فيه كل جانب غير مسّتعد للنظر في آلام الطرف الآخر.
وقال “الخطيب”؛ الذي يدّرس العلاقات الدولية في جامعة “بيرزيت”؛ في “الضفة الغربية”: “في السابق كان هناك أشخاص مهتمون بالرؤية من وجهتَي النظر، الآن كل جانب منغلق على روايته الخاصة، ومعلوماته، وقواعده، ومنظوره الخاص”.
في الحروب السابقة كان الموقف الإسرائيلي الداخلي أقل تأييدًا لمثل هذه الجرائم..
قال “عيران هالبرين”؛ الأستاذ في قسم علم النفس بالجامعة العبرية، والذي يدرس الاستجابات العاطفية المجتمعية للصراع، إنه في الحروب السابقة بين “إسرائيل” و(حماس)، ربما كان هناك المزيد من الإدانة لهذا النوع من الصور ومقاطع الفيديو من داخل المجتمع الإسرائيلي.
لكنه قال إن هجوم 07 تشرين أول/أكتوبر، الذي كشف عن نقاط ضعف وإخفاقات عميقة لجيش الاحتلال، تسبب في صدمة وإذلال للإسرائيليين بطريقة لم تحدث من قبل.
وقال “هالبرين”: “عندما يشعر الناس بأنهم تعرضوا للإهانة، فإن إيذاء مصدر هذا الإذلال لا يُمثل مشكلة أخلاقية. عندما يشعر الناس أن وجودهم الفردي والجماعي مهدد، فإنهم لا يملكون القدرة النفسية على التعاطف أو تطبيق الأحكام الأخلاقية عند التفكير في العدو”، حسّب زعمه.